مثلث النفوذ في الحديدة.. بريطانيا ترسم خارطة صراع جديدة وتوسع دائرة الحرب

2019-05-15 09:33:55 أخبار اليوم/ تقرير خاص


سمحت السياسة التي تبنتها الإدارة الأمريكية السابقة في حقبة الرئيس أوباما التي رات، أن التدخلات الضخمة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط فشلت في تحقيق أهدافها السياسية وفرضت تكاليف كبيرة على الجيش الأمريكي وسببت الحرج للولايات المتحدة، في تعاظم النفوذ الإيراني في المنطقة مستغلتا الإضرابات التي عقبت موجات الربيع العربي .

ونهجت إدارة أوباما من الحد من الانخراط الأمريكي في الشرق الأوسط، بالاعتماد على القوى الإقليمية للتصرف عندما يكون من مصلحتها القيام بذلك، بدلًا عن تدخلها المباشر.

سياسة شكلت ملامح صراع إقليمي طائفي، في المنطقة الشرق الأوسطية، تنامت مع تزايد الخناق من قبل وكلاء النظام الإيراني على حلفاء أمريكا من كلا من العراق ولبنان وسوريا واليمن.

وسمحت ببروز إيران قوة إقليمية كبرى وهو ما تعارض مع السياسة الأمريكية الجديدة بقيادة "ترامب" وساسة الحزب الجمهوري الذين يرون أنة لابد من الحد من التهديدات الإيرانية، بتثبيت نفوذ وكلائها، وإعادة تشكيل خريطة القوى الإقليمية للحفاظ على مصالحها الإستراتيجية.

ظهر ذلك جليا مع إلغاء الاتفاق النووي مع طهران وفرض حزمة عقوبات اقتصادية جديدة وتنصيف الحرس الثوري في قوائم الإرهاب.

لم يتوقف التصعيد الأمريكي على النظام الإيراني عند هذا الحد، بل أقدمت على إرسال حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن" وقوة من القاذفات إلى منطقة الشرق الأوسط "كي تبعث رسالة واضحة لإيران مفادها أن أي هجوم على مصالح الولايات المتحدة أو حلفائها سيقابل بقوة شديدة".

انتشار عسكري أمريكي في الخليج ساهم إلى حد ما من تبني إيران تكتيك جديد بعقد عدة صفقات تكبح من حدة التوتر في المنطقة وتجنبها شبح الحرب.

ومن ضمن هذه الصفقات الإيرانية هو إشهار ورقة الحوثيين وتحريك الجمود في مدينة الحديدة الساحلية غربي اليمن، بإعلان مفاجئ من الأخير بسحب أحادي الجانب وإعادة انتشار لمقاتلي الجماعة من موانئ الحديدة الثلاثة، السبت الماضي، بإشراف ومتابعة بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحُديدة، التي أعلنت ترحيبها بمبادرة الجماعة بإعادة الانتشار من موانئ الحديدة الثلاثة (الحديدة، والصليف، ورأس عيسى)، في الفترة بين السبت الماضي وحتى يوم الثلاثاء، لتنتهي قبل يوم واحد من اجتماع مجلس الأمن لتقييم التقدم الحاصل في تنفيذ الاتفاق، المقرر يوم الأربعاء المقبل.

وتأتي هذه الخطوة، بموجب اتفاق للسلام الذي تم إبرامه برعاية الأمم المتحدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثي الانقلابية، لتفادي هجوم شامل على ميناء الحديدة وتمهيد الطريق لمفاوضات تنهي الحرب المستعرة منذ أربعة أعوام، والذي كان متوقفا منذ شهور.

انسحاب صوري تسعى من خلاله الجماعة الانقلابية لتفادي أي موقف سلبي من جانب مجلس الأمن من جهة، و تخفف من حجم الضغوط المفروضة على حلفائها الإيراني من جهة أخرى.

قوبلت هذه الخطوة الأحاديه بتشكيك حكومي، معتبرة إن "أي انسحاب أحادي من موانئ المدينة دون أي رقابة"، يعد مسرحية هزلية كسابقتها وتحايلا على تنفيذ الاتفاق، محذرة في الوقت نفسه من أن مثل هذه الخطوة قد تعري الأمم المتحدة.

ولكن الحكومة اليمنية أكد بعد يوم واحد من ترحيب الأمم المتحدة ب"عرض الحوثيين إعادة الانتشار من موانئ الحديدة الواقعة على البحر الأحمر، بأنها ستنفذ الشق الخاص بها في المرحلة الأولى من خطة الانسحاب "عندما يطلب منها"، وفق اتفاق السويد.

تساؤلات مهمة


طرحت التطورات الأخيرة في الحديدة تساؤلات مهمة حول جدية جماعة الحوثي الانقلابية في تنفيذ الخطوة التي أقدمت عليها وحظيت بمباركة من قبل البعثة الأممية في اليمن.

وبحسب الكاتب والمحلل السياسي "ياسين التميمي" فأن الانسحاب الأحادي يعيد إنتاج محاولات تكتيكية سبق للحوثيين أن قاموا بها من قبل ورفضتها الحكومة، خصوصاً أن الانسحاب الأخير يجري خارج ترتيبات استوكهولم التي تقتضي إنهاء السلطة الأمنية والإدارية للحوثيين، وتنفيذ خطوات أخرى؛ بينها إنهاء التحصينات العسكرية وتسليم خارطة بالألغام، وتطبيع الحياة في المناطق التي يجري الانسحاب منها، وضرورة مشاركة الطرف الحكومي في الرقابة على عملية الانسحاب.

ويرى التميمي أن المبعوث الأممي "مارتن جريفيث" لم يكن إمامة المحاصر بالإخفاقات؛ من خيار سوى تسمية الأطراف المعرقلة لتنفيذ اتفاق الحديدة: هل هي الحكومة الشرعية، أم جماعة الحوثي الانقلابية؟ وكلا الخيارين يمثل مجازفة من شأنها أن تنهي دور المبعوث الأممي كوسيط غير مرغوب فيه.

لكن الرجل نجح في إنجاز صفقته الخاصة مع الحوثيين، بشأن تحريك الجمود في الحديدة، وتحرر من الضغوطات التي كان يتعرض لها من أطراف عديدة، خصوصاً بعد أن استنفد كل مبررات الإخفاقات المتلاحقة في تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق استوكهولم بشأن الحديدة.

الخاسر الأكبر
فريق أخرى يرى أن صفقات عقدة من خلف الطاولة، الخاسر الأكبر فيها هي يكون الحكومة اليمنية.

ويعتبر مؤيدي هذا الفكرة أن هناك محاولات تسعى إلى إقصاء الحكومة الشرعية نهائيا من معادلة الحرب في الحديدة، نتيجة الصمت الغير مفهوم من جانب التحالف العربي، جراء التطورات العسكرية التي تجري في الخليج العربي، والغطاء الأممي الذي يرسخ بقاء نفوذ الحوثيين المدينة.

ويعزوا المراقبين أن تفاهمات سياسية بين أقطاب دولية كبرى أثمرت عن التنازل من قبل الحوثيين بتنفيذ احد بنود مشاورات السويد في الحديدة، وهو ما ظهر جليا بخرق اتفاق السويد من قبل مبعوثها الأممي ورئيس بعثتها في الحديدة وانحيازهما الكامل للجماعة المتمردة، ليكتمل المشهد بترحيب الحكومة البريطانية بخطوة الحوثي، عبر وزير خارجيتها، الذي اعتبر ذلك بـ"المشجع" ، وانتقاد الحكومة اليمنية التي شككت من انسحاب المتمردين الحوثيين من موانئ الحديدة.

اللمسات البريطانية
لا تزال بريطانيا تحتفظ بملف الأزمة اليمنية، منذ اليوم الأول للحرب في البلاد تحت ذريعة خبرتها في الشئون اليمنية، الأمر الذي مكنها من فرض مواطنها "مارتن جريفيث"، ممثلاً للأمين العام للأمم المتحدة في اليمن.

تقارير إعلامية كشفت، أن الحرب التي تشهدها اليمن منذ أربع سنوات، لم تكن بمعزل عن الدور البريطاني التي تتهم بنشاطها السياسي بدعمها المتواصل للأقليات في اليمن، وجماعة الحوثي احد هذه الأقليات.

وفي السياق كان لحكومة لندن اليد العليا في فرض جماعة الحوثي الانقلابية في مؤتمر الحوار الوطني رغم عدم تخليه عّن السلاح كشرط للحوار، والذي عقد عقب ثورة 11 فبراير.

السياسة البريطانية الحالية في اليمن تقول التقارير، أنها تسير في اتجاهين متناسقين بين خارجيتها في لندن وعبر مواطنها "مارتن جريفيث"، في أروقة مجلس الأمن لإبقاء على مدينة الحديدة تحت وصاية الأمم المتحدة، وعدم إزاحة الحوثيين من المشهد العسكري والسياسي.

وصاية ليست خارج حساباتها التوسعية في حربها مع أمريكا والاتحاد الأوربي الذي استقالته عنة والذي هو الأخر يحاول إن يتقارب من جماعة الحوثي عبر التزاماته بالاتفاق النووي مع طهران بدعمه لوكلائها في المنطقة العربية عبر المنظمات الإنسانية.

إلى ذلك تكشف التقارير عن تقارب إماراتي مع جماعة الحوثي عبر دولة بريطانيا التي تستفيد هي الأخرى من فوضى الحرب الأهلية، لتثبيت سيطرتها على خط الساحل ذو القيمة الإستراتيجية للبحر الأحمر، ومضيق باب المندب سيسمح لبلدهم بتوسيع نفوذه الجيواقتصادي بالقرن الأفريقي.

وتسعى الإمارات الملزمة بتنفيذ اشتراطات استقلالها عن بريطانيا التي تجبرها بالعمل وتسخير كل إمكاناتها لما قد يتطلبه منها في خدمة التاج البريطاني، إلى دعم كيان موازي للحكومة الشرعية عبر إنشائها مليشيات مسلحة تطالب في بالانفصال شمال اليمن عن جنوبه، وإنشاء قناة اتصال تكون لندن مقر لها مع المتمردين في الشمال .

ويبدو أن ملامح حلف جديد تتكون على الساحة برعاية بريطانية يمثل أطرفها (الإمارات وحلفائها في الانتقالي في الجنوب والمتمردين الحوثيين في الشمال) يسعون إلى خلط الأوراق على الحكومة الشرعية وقييادة التحالف من خلال الاستفادة من خطوة الانسحاب الحوثي أحادي الجانب، في إسقاط خيار ايقاف الحرب في الحديدة والساحل الغربي، والشروع في ترتيباته تتجلى في خلق وقائع جديدة على الأرض، عبر تثبيت نفوذ الأطراف المسلحة المناهضة للدولة اليمنية الموحدة، وتلغيم المناطق المغلقة على النفوذ العسكري والأمني للحكومة الشرعية مثل سقطرى والمهرة.
الخلاصة
المعركة مع الانقلابين الحوثيين هي معركة وقت وهذا الذي لم تدركه الحكومة الشرعية والقيادة في التحالف العربي، وأدركه المتمردين الحوثيين، باستغلال الوقت الذي منحته لهم الأمم المتحدة في اتفاق السويد.

اتفاق سمح للمتمردين الحوثيين بسحب مقاتليهم من جبهة الحديدة والزحف نحو مناطق الشمال الغربي في حجة، والسيطرة على بعض المناطق العصية في محافظة البيضاء الإستراتيجية وسط اليمن، ومكنهم من فتح جبهات جديدة في المناطق الوسطى باتجاه المحافظات الجنوبية، وسط صمت دولي، وعدم اكتراث من قبل التحالف العربي ، وعجز لدى حكومة الشرعية.

وخلاصة الأمر يفرض على الحكومة الشرعية سرعة التحرك وتغير مسارات توجهاتها وفقاً لمقتضيات تفرض متغيرات الأرض لكي تبقى حاضرة ومحافظة على شرعيتها التي يدعمها المجتمع الدولي

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد