من جبل دخان إلى الرياض.. السعودية تهزم نفسها امام وكلاء إيران في اليمن (2)

2019-05-29 07:47:40 أخبار اليوم/ تقرير خاص


مع انتهاء الحرب السادسة، وعقب ثورة 11 فبراير، تمكنت إيران من تأسيس ذراعها الطولى على الحدود الجنوبية للملكة، واستطاعت تغيير قواعد الصراع مع عدوها الإقليمي في المنطقة "السعودية"، على رقعة الجغرافية اليمنية.
في تلك الفترة، برزت حالة من الانكماش في النفوذ السعودي التي كانت تتناغم مع إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق "باراك أوباما" تجاه الشرق الأوسط، المتسمة بالمزاوجة بين واقعيتها وواقع المنطقة، خلافاً لكل الرؤساء الذين تعاقبوا على البيت الأبيض.
السعودية رأت- في إستراتيجية أوباما- بالانسحاب التدريجي من المنطقة، خسارة لبلد حليف، ما يشكل خطرا وجوديا عليها وعلى مصالحها في الأجل الطويل؛ لاعتمادها على "مظلة الحماية الأميركية"، كما أنها ستؤدي إلى زيادة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران العدو "الأخطر" للمملكة في المنطقة.
وبلغت الخلافات الأميركية السعودية مرحلة متقدمة من التصعيد عندما وجه أوباما في مارس/ آذار 2016 اتهامات صريحة للمملكة، من خلال مجلة "ذي أتلانتيك" الأميركية، "بتأجيج الصراعات في الشرق الأوسط عبر تمويل التعصب الديني ورفض التعايش مع إيران".
استغلت إيران حالة الضعف الاستراتيجي في توازنات القوى الإقليمية عقب ما يعرف بموجات الربيع العربي، والخلافات الأميركية السعودية، لتبدأ في نسج أدوات جديدة لإحياء وتعزيز أدوارها الإقليمية، الأمر الذي مكنها من أن تصبح لاعب رئيسيا في الدخل اليمني عبر وكلائها الحوثيين، الذين غدوا أحد منظومات طهران في صراعها الإقليمي مع المملكة العربية السعودية
لعبـة التوازنات التي فرضها إستراتيجية الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، مكنت إيران من اكتساب مواضع قدم لها في اليمن، وسوريا والعرق، مكنتها من تغيير خارطة التوسع والتمدد، في المنطقة، على حساب النفوذ السعودي.
نظام يمني بصبغة إيرانية
على مستوى الصراع الإقليمي.. يرى الكثير من المراقبين أن إيران انتصرت على المملكة العربية في اليمن وأصبحت اليمن بعد عام ٢٠١٥ قوة عسكرية تتبع الحرس الثوري الإيراني، غير أن أهم عوامل الإخفاق السعودي هو انشغالها بحروب جانبية في اليمن فيما بين حلفائها عملت هي على تغذيتها..
تباينت المصالح والأهداف إيرانية في اليمن، لما تشكله هذه البقعة الجغرافية من أهمية في تهدي حقيقي للأمن القومى السعودى، من خلال " المليشيات الحوثية " التي تحاول أن تفرض نظاما يمنياً بصبغة إيرانية شيعية من جهة، بالإضافة للموقع الحساس لليمن الذي يعد هاماُ للغاية كمحور جيوبولتيكى حيوي للهيمنة الإيرانية، نتيجة لأشرافه على مضيق باب المندب من جهة، ويمكنها من عمل تكتل من شأنه صد وتطويق قوى إقليمية سنية معادية لها هى السعودية من جهة أخرى.
في المقابل تدارك صانعو السياسة السعودية في وقت متأخر، حجم التهديدات الأمنية المختلفة على دولتهم، من قبل إيران ووكلائها في المنطقة، وبالتالي كان من الضروري أن تنتهج العربية السعودية سياسة دفاعية جديدة تؤمن أمنها القومى، وتتفادى احتمال سيطرة ميليشيا مدعومة من إيران " جماعة الحوثيين " على اليمن بموقعه الاستراتيجي في جنوب الجزيرة العربية.
وبناءً على ما سبق، أطلقت السعودية تحالفاً عسكرياً خليجياً وعربياً للدفاع عن الشرعية في اليمن، لضرب التمرد الحوثي، في إشارة واضحةً إلى إيران، بأن المملكة باتت أكثر جرأة وانتباهاً في تحركاتها الخارجية السياسية والعسكرية، وهو الأمر الذي أربك حسابات إيران على المستوى الاستراتيجي، بل وأعاد بها الحال إلى تقييم دورها في دعم حلفائها في المنطقة، مما أوجد معادلة جديدة في خضم الصراع في سوريا، لجهة تعويض الخسارة في اليمن.
تقلب مسار الحرب
منذ إطلاق الحملة العسكرية التي تقودها السعودية على جماعة المتمردين الحوثيين في اليمن بشهر مارس/آذار 2015، استعرت المعركة في اليمن، وتنامت القدرات العسكرية للحوثيين، من خلال الدعم الإيراني المستمر لوكلاهم في اليمن، وتنوعت مصادر تمويله عبر حزب الله اللبناني والحرس الثوري، في مقابل انكماش للدور السعودي نتيجة انشغالها بحروب جانبية من جانب، والعبث من قبل بعض الدول المشاركة في التحالف العربي من جانب أخر.
خلال خمس سنوات من انطلاق العمليات العسكرية بقيادة السعودية، والتي كانت احد أهدافها إعادة الشرعية في اليمن، وتقليص النفوذ الإيراني عبر القضاء على وكلائها المتمردين الحوثيين وتخيف حجم التهديدات الأمنية المختلفة للأمن القومي الخليجي، وتأمين الممرات المائية وطرق التجارة العالمية، لم تتمكن السعودية من تحقيق جميع أهدافها، وجاءت الأمور عكس التوقعات للقيادة في التحالف العربي.
إلى ذلك تمكنت إيران وحلفاؤها في اليمن من تغيير المعادلة العسكرية والسياسية، بترسيخ سيطرة جماعة الحوثي الانقلابية من خلال تدشين مرحلة جديدة من الصراع عبر استهداف العمق السعودي والبنية التحتية للنفط من خلال الصواريخ الباليستية التي تم السطو عليها عقب مقتل الحليف الثاني في الانقلاب "علي عبدالله صالح"، وعبر الطائرات المسيرة.
ورقة إيرانية يراها مراقبون أنها رابحة في استفزاز العدو الإقليمي السعودية، تسعى إلى إسقاط هيبتها المحلية والدولية، ووسيلة إيرانية فعالة وسيلة فعالة من حيث التكلفة لضرب إرباك خصومها وإدهاشهم بطرق لم يتحسبوا لها.
هذه الورقة الحوثية تم تفعيلها بشكل متزايد عقب التوترات التي تغلي بين واشنطن وطهران، على خلفية القرار الأميركي الذي يقضي بزيادة الضغوط الاقتصادية، ووقف الاستثناءات الممنوحة لبعض الدول المستوردة للنفط الإيراني، في إطار سعي الأخيرة إلى توقف ضخه بالأسواق العالمية، ومعاقبتها لدعمها لوكلائها في المنطقة، بل فاقم من حدة اللهجة التصعيدية الإيرانية بتهديدات مماثلة بإغلاق الممرات المائية الضيقة، "هرمز، وباب المندب"، وتهديد عرقلة التجارة العالمية عبر وكلائها في المنطقة.
الأمر الذي أثار غضب الإدارة الأميركية، حيث سارعت، بإرسال حاملة الطائرات "يو أس أس أبراهام لينكولن" الثلاثاء إلى مياه الخليج، ووضع أربع قاذفات إستراتيجية مع أفراد لقيادة وصيانة الطائرات.
وعلى ضوء معلومات استخباراتية، تفيد بأن إيران تخطط لاستهداف مصالح أميركية في عدة دول بالمنطقة، من ضمنها شن هجمات منسقة في مضيق باب المندب (جنوب غرب اليمن)، وهو ممر ملاحي استراتيجي، عبر جماعات مسلحة موالية لها، في إشارة- على الأرجح- إلى المتمردين الحوثيين، واستهداف مضيق هرمز، الواقع بين إيران وشبه الجزيرة العربية، من قبل قوات الحرس الثوري الإيراني الذي صنفته واشنطن مؤخرا منظمة إرهابية.
حسابات سياسية إقليمية متعلقة بالتوقيت في إيصال رسائل تصعيدية، من قبل إيران ووكلائها في المنطقة تزامنت مع التوتر في الخليج بين واشنطن وطهران واشنطن، مفادها أن الرياض ليست بمعزل عن المعركة.
من زاوية أخرى فعلت إيران أذرعها في المنطقة باستهداف سفن شحن تجارية قبالة ميناء إمارة الفجيرة في دولة الإمارات، القريب من مضيق هرمز، وأقحمت المملكة السعودية في حسابات الصراع الإيراني الأميركي باستهداف منابع الطاقة.
وتحولت عمليات استهداف المطارات السعودية والمنشئات النفطية من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران مرٍ شبه يومي مع تركيزها على المناطق الحدودية مع اليمن، حيث فتح الهجوم الذي نفذه المتمردون الحوثيون على أهداف نفطية سعودية، الباب واسعاً أمام أسئلة عدة حول الأبعاد الاستراتيجية للهجوم من ناحية التوقيت والأهداف.
وجاء الهجوم بعد يومين من استهداف سفن شحن تجارية قبالة ميناء إمارة الفجيرة في دولة الإمارات.
عملية استهداف الحوثيين محطتي خط أنابيب نفطية تابعتين لشركة أرامكو، ما أدى إلى توقف أنبوب التصدير، أعادت الأنظار مجدداً إلى أبرز الهجمات النوعية التي نفذها الحوثيون ضد أهداف في السعودية خلال السنوات الأربع الماضية.
ورصدت صحيفة "أخبار اليوم"، قائمة بأبرز الهجمات التي تعرضت لها السعودية من جانب الحوثيين:
*في سبتمبر/أيلول 2017: أطلق الحوثيون صاروخا باليستيا على قاعدة الملك خالد الجوية في خميس مشيط بعسير (جنوب).
*في نوفمبر/تشرين الثاني 2017: استهدف الحوثيون مطار الملك خالد الدولي شمال الرياض بصاروخ باليستي.
*في مارس/آذار 2018: قال الحوثيون إنهم استهدفوا بصواريخ باليستية مطار الملك خالد الدولي في الرياض، وقاعدة جازان، ومطار أبها الإقليمي.
*في أبريل/نيسان 2018: أعلن التحالف الذي تقوده السعودية عن تعرض ناقلة نفط سعودية لهجوم من الحوثيين في المياه الدولية غرب ميناء الحديدة، وإصابتها إصابة طفيفة غير مؤثرة.
*وفي أبريل/نيسان 2018 أيضا أعلن الحوثيون عن استهداف مقر وزارة الدفاع السعودية، وذكرت وكالة الأنباء السعودية أن طائرة مسيرة حاولت استهداف مطار أبها الدولي، ما أدى إلى إيقاف حركة الملاحة الجوية في المطار لفترة قبل استئنافها.
*في مايو/أيار 2018: أعلن الحوثيون أنهم قصفوا الميناء الجاف وأهدافا اقتصادية أخرى بالرياض بدفعة صواريخ من طراز بركان.
*في يوليو/تموز 2018: قال التحالف السعودي الإماراتي أن الحوثيين هاجموا ناقلة نفط سعودية في البحر الأحمر، وألحقوا بها أضرارا طفيفة بها، بعدما أعلن الحوثيون استهدافهم لبارجة سعودية في المنطقة.
*وفي يوليو/تموز 2018 أيضا أعلن الحوثيون استهداف مصفاة شركة أرامكو في الرياض بطائرة مسيرة.
*في 14 مايو/أيار 2019: أعلن الحوثيون أنهم نفذوا "عملية عسكرية كبرى" بطائرات مسيرة ضد أهداف سعودية، وأقرّت وزارة الطاقة السعودية بوقوع الهجوم على منشآت نفطية، ما أدى لوقف ضخ النفط في أحد الأنابيب الواصلة بين شرق المملكة وغربها.
الخلاصة
قائمة الأهداف الإيرانية- عبر وكلائها الحوثيين- لم تنته باستهداف منشآت نفطية لأرامكو السعودية، بل ستكون بداية لعمليات قادمة، وهو ما يشير إلى أن التصعيد الحوثي الإيراني مازال مستمرا، لكن مساحة التساؤلات تتسع، حول ردة الفعل السعودية حيال ذلك.
وبحسب خبراء في الشأن اليمني فإن تنامي الهجمات الحوثية نحو العمق السعودي، لا يعدو عن كونه رسالة إيرانية من خلال وكلائها (الحوثيون) إلى واشنطن، على خلفية تصاعد النزاع الإيراني الأميركي في المنطقة.
ويرى الخبراء أن الهدف من ضربات المتمردين الحوثيين نحو العمق السعودي، هو توصيل رسالة إلى أن تأثير المواجهة المحتملة في الخليج بين الإيرانيين والأميركيين لن يتوقف عند إغلاق مضيق هرمز.
ويرى الخبراء أن تصاعد وتيرة الهجمات الحوثي نحو الرياض يأتي في سياق إقليمي يفهم أن إيران من تقف وراءها عبر أدواتها في المنطقة، التي يعدّ الحوثيون إحداها.
ويوضح الخبراء، أنه ما بات ملاحظا "تراجع الحوثيين في استخدام الصواريخ، وبرزت الطائرة المسيرة كبديل لها، لأسباب كثيرة تدخل فيها التكاليف والأعباء الكبيرة لإطلاق الصواريخ، مقارنة بالطائرات المسيرة".
ويتوقع الخبراء أن "تزداد وتيرة مثل العمليات كما وكيفا وهدفا، لا سيما أن استهداف مصادر ووسائل نقل الطاقة لما تمثله من تأثير في مجريات الحرب، لكونها وسيلة ضغط فعالة على بلد المصدر (السعودية) والبلد المستفيد (الولايات المتحدة) التي تخوض الصراع الحالي مع حلفاء الحوثيين (إيران).

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد