من صنعاء إلى عدن.. غدر الحلفاء وأمنيات الأعداء

2019-08-19 06:26:43 أخبار اليوم/ تقرير خاص

في بلد يعيش تحت وطأة الاستقطابات الدولية، تخطئ الرهانات السياسية والعسكرية، وتتراجع مستويات الثقة بين القوى المتحالفة على الأرض، وترتفع مستويات التوقعات بفشل معادلة المحمدين، (بن سلمان و أبن زايد) في اليمن، مع اختمار انتهاء فترة الحرب التي تجاوزت عامها الخامس.
معادلة أفرزت سلطتين للأمر الواقع، وعاصمتين للقرار السياسي، وتنذر- على المدى القريب- بتقسيم اليمن الموحد إلى يمنين، (شمالي وجنوبي)، يتقاسمها جماعة الحوثي الإنقلابية المدعومة إيرانياً، بالهيمنة على القرار السياسي في صنعاء وبعض المناطق الشمالية، ومليشيا المجلس الانتقالي المدعومة إماراتياً، بالتفرد المطلق بالسلطة جنوباً .
المعادلة سعت إلى إضعاف الدولة اليمنية وتفتيتها، وإيجاد المبررات والذرائع لتدخلها العسكري الذي سيحقق مصالح إستراتيجية طويلة الأمد، يقول البعض.
ويضيف آخرون، بدأت تعقيدات المشهد اليمني بدعم بعض دول الخليج الرافضة لمشروع الربيع العربي الذي عصف في بعض العواصم العربية والتي من ضمنها اليمن، لبعض المليشيات العقائدية لاغتيال الدولة اليمنية، والحكومة الشرعية فيها، من خلال عدة مراحل.
* النكسة الأولى


الإنقلاب الحوثي على السلطات الشرعية في اليمن مثل النكسة الأولى في المعادلة السعودية الإماراتية، في اليمن.
نشوة تفكيك الدولة اليمنية، من قبل تلك الدول، تعود إلى دعم المتمردين الحوثيين وحليفهم السابق في الإنقلاب "علي عبدالله صالح" في أيلول الأسود 2014، والذي أسفر عن توقيع وثيقة السلم والشراكة التي يرها مراقبين بأنها السبب الرئيس في التهام الدولة اليمنية من قبل الإنقلابيين (الحوثي _ صالح)، الذي لم يكتمل أركانه بمعزل عن الترتيبات مع هذه الدول؟
الحسابات الإستراتيجية لتلك الدول سعت إلى تدمير رمزيات ومقدرات السيادة في الدولة اليمنية، ممثلة في الحكومة الشرعية، واجتثاث بعض الأحزاب السياسية التي كان لها دور بارز في إنجاح ثورة الـ 11 من فبراير 2011، عبر دعم الإنقلابيين (الحوثي _ صالح).
انقلاب أدخل الجغرافيا اليمنية- باستثناء بعض المحافظات في الشمال الشرقي- في أتوان حرب لا تبقى ولا تذر.
بحسب بعض المراقبين فإن تلك الحسابات السعودية الإماراتية أخطأت عندما لم تدرك أن دعم الإنقلاب الحوثي على السلطات الشرعية سيساهم في تطويق إيراني للمملكة العربية السعودية، عبر جماعة الحوثي الإنقلابية، من الشمال السعودي، من جهة، ومن خلال مليشيا الحشد الشعبي العرقي، من الجنوب السعودي.
* النكسة الثانية
مع انطلاق عمليات التحالف العربي في 25 من مارس 2015، دخلت الحرب الأهلية في اليمن منعطف دولي وإقليمي، فلا يمكن النظر إلى الحرب في اليمن بمعزلٍ عن إرهاصات التغيير التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط،.
هدفت هذه العملية من خلال الرؤية السعودية المعلن عنها، إلى إعادة الدولة والشرعية اليمنية، وإنها التمرد الحوثي، وكبح النفوذ الإيراني في اليمن.
تمكنت فيها من فرض معادلة جديدة، وتغيير خارطة النفوذ العسكرية، ما دفعها وجاراتها الخليجية في التحالف الإمارات العربية المتحدة نحو تبني تكتيك واستراتيجية خفية، قائمة على إطالة أمد الحرب وتأجيل الحسم العسكري ضد أذرع إيران في اليمن (الحوثيون)، وإزاحة النفوذ الحكومي من المناطق المحررة ومحاولة إضعافها واستنزافها عسكرياً في معركتها الوجودية مع الانقلابين في أكثر من جبهة وتخفيف احتمالات الحسم العسكري، تقسيم جغرافيا النفوذ في المناطق الجنوبية، والشرقية الغنية بالنفط بين الرياض وأبوظبي.
العبث الإماراتي في منظمة التحالف قوبل بتناغم سعودي في نقطة تفكيك الكتل الصلبة الداعمة للشرعية للتحكم بها بعد هزيمة أو إخضاع أو الحوار مع الجماعة الإنقلابية.
قراءة خاطئة لواقعية الأخطار والتبعات في تأجيل الهدف الرئيسي للتحالف، جعلت إيران ووكلاءها في اليمن أكثر استفادة من المتغيرات السياسية والعسكرية، نتيجة ذلك التناغم السعودي الإماراتي، بحسب خبراء في الشأن اليمني.
يضيف آخرون، إن الشواهد على الأرض التي أثبتت انحراف مسار التحالف وتغيير أولوياته وبزوغ التباين في مصالحه الإستراتيجية باليمن، انعكس سلباً على المسار السياسي للحكومة الشرعية والتحالف العربي، وأفرز نسيجاً من اللاعبين الجدد في الملف اليمني، يراهنون جميعهم على تجريد المملكة العربية السعودية والحكومة الشرعية من الحلفاء وهو ما أثبته الانسحاب الإماراتي الأخير.
في المقابل فإن التناقض الذي كشفت عنه أهداف عاصفة الحزم والأمل، والتباين في المصالح الإستراتيجية للإمارات والسعودية، برهن على سعي كل طرف في منظومة التحالف في الظفر بنصيب الأسد في الكعكة المنقسمة، الأمر الذي انعكس سلباً على ترسيخ الحضور الحكومي في المناطق المحررة، وساهم في حالة استقطاب حادة مجتمعية وقبلية وعسكرية، بين حلفاء التحالف، دون قراءة واقعية للأخطار والتبعات والأحداث المفاجئة التي ترافق الخطة التي ربما لم تعتمد مع بداية انطلاق عمليات التحالف، وهو ما يجعل إيران أكثر استفادة من المتغيرات.
تتفق جهات سياسية على أن تلك الأهداف الخفية التي يسعى لها التحالف السعودي الإماراتي تهدف، بشكل رئيسي، إلى تحقيق مصالح إستراتيجية طويلة الأمد في اليمن، ولا تتم إلا من خلال الآتي:
1- بناء ميلشيات خارج الدولة.
2- استنزاف الحكومة الشرعية .
3- تفكيك تحالفات الشرعية.
4- تعطيل بعض جبهات القتال "نهم- صرواح- تعز".
5- تفريخ القبائل المؤيدة للشرعية .
6- تفكيك البنى التقليدية والمجتمعية والقبلية والقوى العسكرية والمنظومات الأيدولوجية والأحزاب السياسية، لصالح بدائل مذهبية ومناطقية وتكوينات ميليشاوية.
7- خلق حروب أهلية صغيرة ذات نفس مناطقي ومذهبي.
8- دعم تجزئة اليمن وتشكيل خارطة حلفاء جدد على الأرض من منظور تبعي وليس شريكاً.
المخطط السعودي الإماراتي لتقسيم خريطة النفوذ والمصالح في اليمن، من خلال مشاركتهما الفاعلة في التحالف العربي لإعادة الشرعية، وهو مخطّط مرتبط بعرقلة كل الجهود التي تصب في إعادة بناء الدولة اليمنية على أسس ديمقراطية، تضمن الاستجابة لتطلعات الشعب اليمني، وهو الأمر الذي لا يتحقق إلا بإحياء النزاعات الانفصالية والقبلية والطائفية، وتغذيتها بشتى الوسائل.
* نكسة عدن


كشفت أحداث عدن الأخيرة، بفرض أذرع الإمارات واقعاً جديداً، على السلطات الشرعية، عن بدائل جديدة للمشروع التشطيري في اليمن من جهة، وعدوان إقليمي ودولي مبطن للانقلاب عليها من جهة أخرى.
ويرى مراقبون، إنه انقلاب يندرج في سياق استدارة سياسية باشرتها أبوظبي قبل فترة، من خلال توقيع اتفاق أمني مع إيران، وإحياء خطوط تواصل مع المتمردين الحوثيين والانسحاب من اليمن الذي مهد لإنجاح انقلاب أذرعها من دون تحمل المسؤولية المباشرة.
حتمية التقاربات المحرّمة بين أبوظبي وطهران، التي تسعيان إلى إعادة صياغة المشهد الجنوبي، المحضرة لها مسبقاً والتي اختمرت أركانها، وتثبت أن المدينة وقعت تحت تأثير صفقة بيع مماثلة لتلك التي تعرضت لها العاصمة صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 ، نفذتها الأطراف ذاتها في منظومة التحالف والرئاسة اليمنية، بتنسيق المسبق مع النظام الإيراني، و إن اختلفت الأدوات والأساليب، بحسب خبراء في الشأن اليمني.
فبين محاولتين سابقتين في العامين الماضيين من قبل ما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً بالانقلاب على السلطات الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، عملت أذرع الإمارات، خلال هذه الفترة، على تقويض الحكومة والحيلولة دون عودتها وعودة الرئيس/ عبدربه منصور هادي، إليها، لتبدو الشرعية أخيراً أضعف على صعيد السيطرة الميدانية.. وفي المرة الثالثة نجحت هذه المليشيات في الإنقلاب الفعلي على السلطات الشرعية وخلقت واقعاً جديداً يضع الدولة اليمنية بين سلطتي أمر واقع مركزيتين تمثّلان إنقلابي صنعاء وعدن، فيما يتبقى للشرعية والسلطات المحلية الموالية لها العواصم الثانوية، وأبرزها محافظة مأرب إلى جانب أجزاء من حضرموت وغيرها، لكنها تبدو الحلقة الأضعف على الأرض.
وهذا من شأنه أن ينذر بحدوث خلاف عميق بين الإمارات والسعودية، ويؤكد أن السياسة الإماراتية في اليمن على استعداد لمتابعة مصالحها الخاصة بغض النظر عما تريده الرياض.
* نكسة سعودية
يمثل مخطط إسقاط عدن وإخراجها من تحت نفوذ وسيطرة السلطة الشرعية، التجلي الأكثر وضوحاً للسياسة السعودية التي تسير في تناسق وتناغم تام مع الإستراتيجية العبثية التشطيرية لدولة الإمارات جنوب اليمن.
فمن الخطأ، الظن بأن الرياض كانت غافلة عن الخطوة الإماراتية في الإنقلاب على السلطات الشرعية وإسقاط العاصمة المؤقتة عدن، أو أنها لم تتواطأ على إنجاحها حين لزمت الصمت المطبق طوال أربعة أيام، والتي كانت كافية لكي تستكمل ميليشيا الإنتقالي الجنوبي زحفها على القصر الرئاسي، وتجبر حاميته على الاستسلام.
واقع جديد، قد ينعكس على مهمة التحالف الذي تقوده المملكة، ويزيد من صعوبتها في إضعاف قبضة المتمردين الحوثيين على البلاد إذ يسيطرون حالياً على العاصمة صنعاء وأغلب المراكز الحضرية.
إلى ذلك حاولت المملكة امتصاص غضب الشارع والحكومة اليمنية، إزاء هذا الواقع المفروض، وذر الرماد في العيون، من خلال صيغ دبلوماسية، تسعى إلى شرعنه الإنقلاب الإماراتي في عدن، من خلال إجبار الحكومة اليمنية بالجلوس على طاولة الحوار مع الإنقلابيين في عدن.
في عبارة أخرى، كانت السعودية تتيح للإمارات فرصة استرداد بعض أثمان مشاركتها في التحالف عن طريق إرساء نفوذ بعيد المدى في الجنوب اليمني، لعله أيضاً يمكّن الشريك السعودي من إيجاد فرصة مقبلة لابتلاع الشمال والشرق اليمني.
وفي السياق كشفت تسريبات حصلت عليها صحيفة "أخبار اليوم"، من مصادر خاصة في وقت سابق عن مساعٍ سعودية لبحث المستجدات التي طرأت على المشهد الجنوبي، تسعى إلى خلط الأوراق الحكومية وتمهد لصيغة تشرعن بها الإنقلاب الإماراتي في عدن، ومنحها فرصة أكبر للسيطرة على باقي المحافظات الجنوبية.
هذه المساعي- بحسب المصادر- تكرر تجربة الإنقلاب الحوثي في أيلول سبتمبر 2014، وتستنسخ اتفاق "السلم الشراكة" الذي مكّن الجماعة الإنقلابية من السيطرة المطلقة على القرارات الإستراتيجية للحكومة في ذلك الوقت.
إستراتيجية سعودية ليست بمعزل عن التفاهمات الإماراتية الحليف الخليجي الأقوى تهدف، إلى إشراك أذرعها في الانتقالي الجنوبي في الحكومة اليمنية، بحكم امتلاكهم للقوة في العاصمة السياسية للدولة.
الترتيبات السعودية الإماراتية تسعى إلى إحداث اختراق في الحكومة اليمنية من خلال منح أعضاء في الانتقالي الجنوبي 4 إلى 5 وزارات في الحكومة تنتهي باختراق بعض الوزارات السيادية (الداخلية- الدفاع).
المصادر قالت لصحيفة "أخبار اليوم" إنه في حال تمكنت أذرع الإمارات من السيطرة على وزارة الدفاع فإن النوايا المبطنة للرياض وأبوظبي تسعى إلى هيكلة شاملة لقوات الجيش الوطني.
* نكسة حكومية
يبدو أن الخاسر الوحيد من هذه المعادلة هي الحكومة اليمنية، والتي تضمحل آخر معاني سيادتها جراء وثن الصمت الذي أصبح صنماً معبوداً تبجله آنَاءِ الإنقلاب الحوثي، وإعقاب الإنقلاب الإماراتي، دون الاستفادة من الدروس الماضية.
تبعات هذا الصمت انعكس على عمل المؤسسة الحزبية التي تعمل تحت مظلة الحكومة الشرعية، والتي هي الأخرى تركت كل شيء لمؤسسة الرئاسة والتحالف ووجدت نفسها في نهاية المطاف أمام خيارات شبه منعدمة.
في الأخير أثبتت أحداث عدن من جديد أن حكومة هادي الشرعية مجرد أداة بأيدي من يشنون حرباً على شعبهم، لتحقيق مصالح ونفوذ دول خارجية، وإن لم تتدارك هذا الوضع الخطير فستجد الحكومة الشرعية نفسها نهاية العام الحالي قد انتهت وتلاشت في غياهب التحالف العربي (السعودية والإمارات) بحسب تسريبات صحفية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد