21 سبتمبر" انقلاب الدم.. صراع الهاشمية السياسية مع النظام الجمهوري في اليمن.

2019-09-23 08:55:54 أخبار اليوم/ تقرير خاص


في التقرير السابق من "21 سبتمبر" انقلاب الدم.. صراع الهاشمية السياسية مع النظام الجمهوري في اليمن.
تناولنا بإيجاز معضلة الانقلاب التي قادته جماعة الحوثي في الـ"21 سبتمبر" 2014م، والذي كان مصبوغاً بالنكهة الطائفية والسياسية التي تكاد تكون العقدة التاريخية التي لا تنفك عن الحالة اليمنية منذ ما يزيد عن ألف ومائتي عام تقريباً.
انقلاب جاء نتيجة بعض العوامل والانحرافات في مسار ثورة الـ 26 من سبتمبر، والتي كانت البدايات مع ما عرف بالمصالحة الوطنية التي رعتها المملكة العربية السعودية، بعد ثورة 26 سبتمبر 1962م، حينها كان من ضمن شروط تلك المصالحة اقتسام السلطة مع بقاء النظام الحاكم جمهورياً وعودة الملكيين إلى اليمن كشركاء في السلطة.
تلك المصالحة كانت من الأسباب الرئيسية في إعادة ملكيي الألفية الثانية "الحوثيين" ومن أبرز العوامل في نجاح الانقلاب الأسود على السلطات الشرعية في أيلول سبتمبر 2014.
وتطرق التقرير إلى اختراق النظام الجمهوري من قبل " التنظيم السري للهاشمية السياسية"، وما تبعها من إستراتيجية متبعة سمحت لها بالتغلغل بأجهزة الدولة اليمنية خلال فترة الثمانينات والتسعينيات وبالأخص في إبان نظام علي عبدالله صالح.
وتناول التقرير نشأة الحركة الحوثية وصعودها على أنقاض حركة الشباب المؤمن في صعدة، وتغير مسارها وفق أجندات إيرانية أسفرت عن دخول الحركة المتمردة في حروب شعواء مع نظام صالح.
حرب تطايرت شرارتها إلى الجوار الإقليمي بدعم من إيران، وتمخضت عن دخول المملكة العربية السعودية طرفًا في المواجهات، على خلفية اعتداء المتمردين على أراضٍ سعودية
في هذا الورقة سنناقش ما آل إليه ذلك الاختراق من قبل الهاشمية السياسية، والذي مهّد الطريق لابتلاع الدولة اليمنية، وإسقاط العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014م.
* ثورة 11 فبراير


في الثورات، ترتبك الحسابات المتراكمة بأولئك المتربصين بالشعوب، وتحرج حاملي لواء المشاريع المسلحة والطائفية، وتصحح مسار ثورات انحرف بفعل فاعل عن أهدافها ومبادئها.
كامتداد لثورات الربيع العربي، اندلعت في الـ 11 فبراير من عام 2011م، الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن.
ثورة كان زفير الشعب فيها يحرق أركان دولة تحتسي من جراح شعبها القاني مداما، ثورة أيقظ البعث العفاريت النياما، وأسقطت نظام كان يشبع شرّه المخمور لديها من جوع اليتامى.
انخرط في الثورة الشبابية الشعبية السلمية مختلف أطياف المجتمع اليمني، من الأكاديميين والإعلاميين والسياسيين والشباب والمرأة، والقبلية اليمنية، والحراك الجنوبي السلمي، وحتى المتمردين الحوثيين نفسهم.
نجحت الثَّورة السلمية في تمدين جزئي لحركة المجتمع القبلية؛ فيما فشلت في هذا الخيار مع الحركة الحوثية المسلحة، وهذا سبب الإدراك المسبق من قبل الجماعة، أن ثورة الشباب التي جاءت ضمن الربيع العربي ستقطع عليهم طريق السيطرة على الدولة، وأنها قد تنسف حلمهم المتنامي في عودة الحكم الأمامي إليهم الذي فقدوه بعد ثورة 26 سبتمبر في 1962م.
بحسب مركز أبعاد للدراسات والبحوث، في تقرير عن " مسارات الحركة الحوثية"، فن الإستراتيجية الحوثي في اليمن لا تنفصم عن الإستراتيجية الإيرانية في المنطقة، لكن الربيع العربي والثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن أحرجت المشروع المسلح للحوثيين، كما أبطأت من المشروع الاستراتيجي التوسعي لإيران.
ومثل ما كانت تنوي إيران ابتلاع هذه الثورات بالحديث عن أنها "امتدادا للثورة الإسلامية"، كان الحوثيون يعملون لذهاب البلد إلى صراع مسلح، ليرهقوا قواه المؤثرة سياسيا واجتماعيا ويفككوا بنية الجيش العسكرية المفككة أصلا ليتمكنوا من السيطرة على البلاد بسهولة وهو ما فعلوه خلال ثلاث سنوات من الحرب ضد المجتمع اليمني.
* استغلال إيراني
حين تفجرت ثورات الربيع العربي لتغير هذه أنظمة الفاشية في عدد من دول الوطن العربي، ترصدت لها بعض الأنظمة الملكية في الخليج، لوأدها في مهدها، كقربان لبعض الأقطاب الدولية العظمة الرافضة لفكرة التغير من جهة، والتخوف الخليجي من وصول هذه الموجة إلى بلدنها الغنية بالنفط، من جهة أخرى.
نجحت السعودية ودولة الإمارات في كبح الجماح الثوري في عدد من الدول العربية كمصر وليبيا، واستغلت إيران هذا التخوف في توظيفه لصالحها، من خلال إخماد الثورة السورية، وتوظيفه بشكل دقيق في اليمن عبر اذرعها الحوثيين.
ومن هذا المنطق أخذت الإمارات والسعودية على عاتقيهما مسؤولية إجهاض الربيع العربي في مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا. ستتغير بعض هذه الأولويات وستتقلب المواقف والإجراءات فيما بعد، عند مجيء الملك «سلمان بن عبد العزيز».
الإستراتيجية الخليجية التي صاغها صناع القرار في تلك العواصم، لم تدرك خطورة الاستغلال الإيراني لهذا التخوف والذي أسفر، عن تحول الجماعة المتمردة خلال فترة قصير إلى مهدد إقليمي ودولي خاصة بعد استهدافها بصواريخ بالستية وطائرات مسيرة، مستهدفا منابع الطاقة فيها، وعمقها الإقليمي.
* محطة الارتدادية
تفيد تسريبات إعلامية، رصدتها صحيفة "أخبار اليوم"، أن المتمردين الحوثيين، في 2011، وخلال الثورة الشبابية الشعبية السلمية في اليمن، استطاعوا خلال المعارك التي نشبت بين قوات الحرس الجمهوري الموالية لنظام صالح والقبائل في أرحب في الحصبة، الموالية للثورة الشعبية، تعزيز طرفي الحرب بمقاتلين في محاولة لتوسيع دائرة الاختراق وتوسيع المعارك، فشلوا الحوثيين في إطالة أمد الحرب وإرهاق القوى المتحاربة، لكنهم حققوا الاختراق، فالتحق بمعسكرات الحرس المولي لقوات صالح المئات من ميليشياتهم.
إلى ذلك ذهبت المكونات السياسية اليمنية الموجودة في السلطة والمعارضة إلى توقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر/تشرين الثاني 2011م، والتي تتضمن برنامجا مزمنا لانتقال السلطة سياسيا وسلميا، وكان من الصعب أن تتضمن المبادرة الحوثيين كونهم حركة مسلحة وليست سياسية، وهم رفضوا تسليم السلاح وإعادة صعدة لسيادة الدولة.
الاختراق السياسي لجماعة الحوثي المدعومة إيرانيا، لحزب صالح (المؤتمر الشعبي العام) قبيل الثورة السلمية، والاختراق العسكري لمليشياتها في قوات الحراس الجمهوري الذي كان يقوده نجل صالح، أسفر عن تقارب بين الطرفين، صالح والحوثيين.
تقارب ليس بمعزل عن تخوفات الجور الإقليمي في الخليج والاستغلال الإيراني، أفضى إلى التلاعب في الورقة القبلية التي وفر الرئيس السابق علي عبدالله صالح، بعض نقاط الضعف فيهل لا تسهل اختراق المتمردين الحوثيين لها، نتيجة الفقر والجهل وغياب التنمية، وتجنيد أبناء القبائل في حرب مفتوحة تبدأ من القبيلة.
لقد شكل تحالف صالح الحوثي كتلة صلبة لإسقاط التغيير، بالتزامن مع تسريبات للحوثيين بأسلحة متطورة وشراء ولاءات قبلية من قبلهم بذات الطريقة التي كان صالح يعمل بها.
وفي السياق شكلت المبادرة الخليجية صفعة للحوثيين، فقد تركتهم معلقين لا هم شركاء في الحكم خلال الفترة الانتقالية ولا أيضاً حققوا السيطرة على الدولة، لكن نظام صالح وهو يسلم السلطة، تركهم يتوسعون في كل محافظة صعدة، ودعمهم لشن هجمات على المدن والمعسكرات، فقد تسلموا بعض معسكرات الأمن والحرس الجمهوري في صعدة، في ذات التوقيت الذي تسلمت فيه القاعدة مثيلاتها من المعسكرات في أبين وسط البلاد بدون مقاومة تذكر.
* فصول الانتقام
الفصل الأول "دماج"


بعد انتهاء الحرب السادسة بدأت فصول الانتقام مِن كل مَن وقف مع الدولة ضد الجماعة الحوثية خلال الحروب الست، وكانت مدينة دماج- معقل السلفيين في اليمن بمحافظة صعدة- أول تلك الفصول الانتقامية من قبل جماعة الحوثي.
حيث وجد الحوثيون أن دمّاج -معقل السلفية- تمثل حجر عثرة أمام مخططهم، في الهيمنة والسيطرة على صعدة بالكامل. وكانت دمّاج، التي يقصدها طلاب العلوم الشرعية والحديث، بمثابة الشوكة في حلق الجماعة، التي تعوق مخططهم للسيطرة على كامل صعدة، والانطلاق لتنفيذ مخططهم، ومن هنا بدأت المواجهات بين الحوثيين، وبين السلفيين في دمّاج، وهذا ما يفسر الهجوم المتكرر، من الحوثيين على البلدة، وحصارهم لها.
مؤشرات العدوان الحوثي ضد سلفي دماج بذاءات في أواخر شهر أكتوبر من عام 2011.
في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2011، أبرز الحوثيون البعد الطائفي في حروبهم لاستعادة الأحقية في استعادة الحكم باليمن، حسب الأيدولوجية المتبنين لها، بحصارهم لدماج.
اتهم «عبد الملك الحوثي» مدير دار الحديث «يحيى بن علي الحجوري» بما اتهم به صالح أخاه «الحسين» من قبل، ومنعوا دخول الطلاب والدواء والغذاء، ومنعوا خروج السكان لأداء مناسك الحج، والتجهيز من قبل الأخير للحرب ضد الجماعة مستعينين بابن نجل الرئيس السابق "طارق محمد عبدالله صالح" والحكومة السعودية، ونشروا ورقة منسوبة لإثبات دعواهم، الأمر الذي أنكره الحجوري وأخرج بيانًا في نفيه على موقعه.
في 15يناير/كانون الثاني 2013، بدأت المرحلة الثانية من الحصار، الذي اضطرت الدولة أمامه للقبول باتفاق يقضي بتهجير الطلاب السلفيين، الذين ناهز عددهم 12 ألفًا، من «صعدة» إلى «الحديدة» في مقابل انتشار الجيش بدماج. في اليوم التالي خرج الطلاب، لكن الحوثيين اقتحموا دماج وأفرغوها مما تبقى منها، وبهذا أحكموا سيطرتهم الكاملة على «دويلة صعدة الحوثية»، لتكون عقبة «السلفيين» أول ما أزاله الحوثيون من طريق للتمدد.
* الفصل الثاني
معركة عمران
بعد سقوط صالح وسيطرة الحوثيين على صعدة وحوراها، قرر الحوثيون استئناف تمددهم لباقي المحافظات، ومع التخلص من سلفيو دماج العائق الأول في صعدة، كان على المتمردين الحوثيين تقييم الوضع لتحديد العائق الثاني.
التحدي هذه المرة هو قبائل حاشد وبالأخص "آل الأحمر" والتشكيلات العسكرية المؤذية لثورة الشباب، مستفيدين من استخدام مظلة «الحوار الوطني» كغطاءً لإضاعة الوقت، لصالح مشروعهم التوسعي.
وفي 2 فبراير/شباط 2014 دشن المتمردون الحوثيون معركة «عمران»، حيث الثقل الاستراتيجي لآل الأحمر واللواء «310» التابع «للفرقة الأولى مدرع» بقيادة العميد الركن «حميد القشيبي» طيب السمعة المعروف بشجاعته وصاحب الدور البارز في حماية المتظاهرين والتصدي للقوى الموالية لصالح إبان الثورة، والمحسوب على القوى العسكرية المؤيدة للثورة السلمية.
كانت هذه المعركة الأعنف والأهم والأطول في تاريخ الثورة اليمنية وآخر معركة حقيقية يقودها قيادي بالجيش اليمني باستبسال إلى نهايتها.
استمرت المعركة خمسة أشهر وانتهت في الثامن من يوليو/تموز عام 2014 بخيانة من قوى الجيش الموالية لصالح، التي مكنت حليفهم الحوثيين من قتل العميد الركن القشيبي والتمثيل بجثته بعد أسره، وإحكام السيطرة على عمران والاستيلاء على ممتلكات آل الأحمر.
في اليوم التالي قصف سلاح الجو اليمني مقر اللواء على استحياء وأعلن الرئيس هادي أن عمران تحت سيطرة الدولة وهو ما سيثبت زيفه بعد أيام، عندما يبدأ الحوثيون معركة صنعاء.
بتاريخ 28 يونيو/حزيران 2016: بثت قناة الجزيرة تسجيلاً مسربًا يوثق مكالمات بين قيادات من جماعة الحوثي بعد قتل العميد الركن القشيبي يشرحون كيفية قتله، ويظهر التسجيل مدى حرصهم على التأكد من التخلص منه.
بحسب المعطيات على الأرض بأن الواقع التوسعي للحوثيين في معاركهم بين 2011و 2014 لم يكن معتمدا على إمكانياتهم، بل أضيفت لهم إمكانيات نظام عميق كان في الدولة، ممثلة في أركان حزب صالح السياسية والقبلية، بالإضافة إلى الاختراق الحوثي لبعض من رموز حزب علي عبدالله صالح.
إلى هنا بات الحوثيون على البوابة الشمالية للعاصمة «صنعاء».
* هامش انقلاب سبتمبر
في يوليو/تموز 2014 وبُعيد سقوط عمران، استقبلت أبوظبي «علي البخيتي» عضو المكتب السياسي لجماعة الحوثي كمثل رسمي عنها، وفي عددها بتاريخ 21 يوليو/تموز، تناولت صحيفة «اليوم» المقربة من الحوثيين بعض تفاصيل الزيارة، ونقلت عن البخيتي قوله إن الزيارة في سياق مبادرة إماراتية لترميم العلاقة بين الحوثيين والسعودية، وعرّضت الصحيفة بتهديد «الإخوان المسلمين» و«القاعدة» الوجودي للسعودية. جدير بالإشارة هنا إلى استضافة الإمارات للعشرات من أسرة الرئيس المخلوع «علي صالح».
في 21 نوفمبر 2013 تحدث الكاتب البريطاني «ديفيد هيرست»، صاحب أشهر وأدق التحليلات عن سياسات الخليج في الشرق الأوسط، في مقاله بـ «الجارديان» عن لقاء الأمير «بندر بن سلطان» مع السيد «صالح هبرة» رئيس المكتب السياسي لجماعة الحوثي في لندن.
نقل «هيرست» في مقاله بـ «هافنغتون بوست» عن الرئيس هادي زعمه أن لقاءًا جمع العميد «أحمد صالح» بمسؤولين إيرانيين في روما في مايو/أيار 2014، وعدوه فيه بمستقبل واعد إذا تعاون مع الحوثيين في بسط سيطرتهم على اليمن.
* الفصل الثالث
سقوط صنعاء
عسكريًا، بعد إسقاط اللواء 310 وهزيمة القبائل في عمران، تبقى أمام قوى الانقلاب (صالح والحوثيين) حائل وحيد يعيق تمددهم، ويقربهم من الإستراتيجية الإقليمية الخليجية، والمستغلة من قبل النظام الإيراني، والتي تعمل على إجهاض الثورة السلمية في اليمن، أو الركوب عليها، وهو ألوية الجيش المؤيدة للثورة والخاضعة لنفوذ اللواء «علي محسن الأحمر» والقضاء على الأحزاب المؤيدة للثورة، ومع من تبقى من «آل الأحمر» في صنعاء.
أما العائق الأهم فكان سياسيًا، فالسيطرة على العاصمة في وجود رئيس وحكومة يعترف بهما المجتمع الدولي والدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية ستكون لها تبعات جسيمة، والسيطرة على منطقة بالسلاح تختلف عن إدارة دولة.
حتى يونيو/حزيران 2014 كان المتاح إجرائيًا قطف ريش «حزب الإصلاح» و«آل الأحمر» وباقي قوى الثورة، هو تهميش دورهم السياسي وتقليص نفوذهم في الحكومة والصمت إزاء انتهاكات الحوثيين بحقهم.
سبق هذا السقوط اتهامات مباشرة للرئيس الانتقالي "عبدربه منصور هادي" ووزير دفاعه السابق "محمد ناصر أحمد" باستهداف قوى الجيش المؤيدة للثورة بشكل مباشر وبدعم دولي وإقليمي.
فقد أعيدت هيكلة الجيش، وعزل هادي اللواء «علي محسن الأحمر» قائد الفرقة الأولى مدرعّ، التي انشقت عن صالح لحماية الثورة، وعينه مستشارّا عسكريًا له.
أما العميد «أحمد» ابن الرئيس المخلوع وقائد الحرس الجمهوري والقوات الخاصة؛ فعُزل وعُيّن سفيرًا في «الإمارات»، حيث غرفة عمليات إجهاض الثورات في «أبوظبي».
وأعاد وزير الدفاع "محمد ناصر أحمد" المتهم الأول في سقوط عمران في قبضة المتمردين الحوثيين، واغتيال اللواء "القشيبي"، توزيع الألوية في أنحاء البلاد وتفرّقتها بصورة فتتت الفرقة الأولى نسبيًا وعززت نفوذ الألوية الموالية لصالح، بحيث أصبح مقر الفرقة بصنعاء مركزًا لقيادة «المنطقة العسكرية السادسة».
* جدول زمني
في يوليو/تموز 2014 بدأت أزمة مالية قاسية تعصف بالحكومة، قرر الرئيس هادي على إثرها في 23 يوليو/تموز رفع الدعم عن المشتقات البترولية.
أتاح هذا القرار ظروفًا مثالية لبدء تفعيل «تحالف إسقاط صنعاء» على الأرض من قبل صالح والحوثيين.
في 28 أغسطس/آب 2014 بدأ الحوثيون اعتصامًا أمام المنشآت الحكومية بصنعاء وشرعوا بنصب خيامهم المسلحة، وعلى التوازي بدأوا بتطويق العاصمة من ثلاث جهات، واستقدموا الآليات العسكرية من صعدة تدريجيًا، ورفعوا مطلبين ليكونا دخانًا يخفي أهداف الاعتصام هما إلغاء رفع الأسعار، وإقالة الحكومة «الفاشلة».
بمرور الأيام بدأ الحوثيون بافتعال مواجهات مع الجيش، وعززوا حصارهم للمنشآت بالدروع البشرية والسلاح بعد إلحاحه في الطلب (أو تهديده للرئيس كما زعم البعض) وافق هادي على عودة اللواء علي محسن الأحمر لقيادة الفرقة (المنطقة السادسة) لمنع سيطرة الحوثيين على المؤسسات، لكنه في ذات الوقت رفض أن يرسل له أي مساعدة، فقرر محسن أن يُقاوم بما أتيح معه.
في 19 سبتمبر/أيلول 2014، طلب الرئيس هادي من اللواء محسن العودة وترك قيادة الفرقة، وبالتوازي نزل وزير الدفاع اللواء «محمد ناصر أحمد» للمرة الأولى للميدان وأعطى تعليماته لجميع الألوية بعدم مقاومة الحوثيين وتسليم المقار دون قتال، ثم ترك وزارة الدفاع. المرة السابقة التي زار فيها اللواء ناصر الميدان كانت في عمران قبيل إسقاط عمران بيوم واحد.
في 20 سبتمبر/أيلول 2014، سيطر الحوثيون على رئاسة الوزراء والتلفزيون ووزارة الإعلام وأوقفوا بث التليفزيون الرسمي بعد قصفه بالهاون من الجبال المطلة في الأيام السابقة، ثم تقدموا للمقرات ودخلوها عبر عملية تسليم مباشرة من ألوية الحرس الجمهوري دون مقاومة.
في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وعلى عكس النمط المعتاد في الانقلابات، لم يتوجه الحوثيون لوزارة الدفاع، وإنما استمروا بقصف مقر «الفرقة الأولى» و«جامعة الإيمان» بالهاون والمدفعية — لأن وزارة الدفاع كان أمرها منته باتفاق مسبق.
في خضم هذه التطورات العسكرية التي شهادتها العاصمة صنعاء، دشنت قوات الحرس الجمهوري، الموالية لصالح، بقصف مقر الفرقة والجامعة مع الحوثيين حتى انتهى أمر الفرقة بهروب اللواء محسن إلى السعودية.
من جانبه قرر الشيخ «عبدالمجيد الزنداني» رئيس جامعة «الإيمان» بعدم مقاومة الحوثيين «حقنًا للدماء»، وتسليم الجامعة لهم والانسحاب منها.
وتعد جامعة الإيمان هي أكبر جامعة شرعية سنيّة في البلاد، وتتبنى خطابًا معتدلاً وتدرّس المذهب الزيدي أيضا.
في ذات اليوم ومع حلول الظلام دخل الحوثيون جميع المؤسسات بما فيها وزارة الدفاع ودار الرئاسة، وتحت تهديد السلاح أجبروا القوى السياسية المجتمعة بدار الرئاسة على التوقيع على «اتفاق السلم والشراكة» بإشراف الأمم المتحدة من خلال مبعوثها لليمن «جمال بن عمر» المتهم بشرعنة الانقلاب الحوثي على السلطات الشرعية، ورعاية الدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية.
رفض المتمردون الحوثيون التوقيع على بند المحلق الأمني القاضي بانسحاب الميليشيات المسلحة من العاصمة.
في 21 سبتمبر/أيلول 2014، استقالت حكومة «محمد سالم باسندوة»، ويهم هنا إلى اختيار وزير الدفاع «محمد ناصر أحمد» دولة الإمارات للفرار إليها، في نوفمبر/تشرين الثاني 2014.
في 22 سبتمبر/أيلول، أفرغ الحوثيون دار الدفاع من الآليات العسكرية ونقلوها إلى صعدة.
في 23 سبتمبر/أيلول، وجّه «عبد الملك الحوثي» شكره في خطاب النصر للقبائل وقوات الجيش التي رفضت قمع من وصفهم بالثوار.
في 24 سبتمبر/أيلول، اقتحم الحوثيون مقر الأمن القومي وحرروا معتقلي الحرس الثوري الإيراني وأشهرهم الأفراد الذين كانوا معتقلين على خلفية قضيتي (جهان 1) و(جهان 2) وهما سفينتان داهمهما الجيش اليمني أثناء نقل أسلحة للحوثيين، وتسببتا في أزمات دبلوماسية مع إيران.
في 10 أكتوبر/تشرين الأول، أقر «محمد عبد السلام» المتحدث باسم الحوثيين في لقاء مع قناة «الجزيرة» بتنسيق الجماعة مع قوى في الجيش وسفارات بعض الدول قبل اجتياح صنعاء، وقال إن الرئيس السابق صالح لم يقف في طريق ما أسماه «الثورة الشعبية».
* ردود دولية
عقب سقوط صنعاء ونجاح الانقلاب الحوثي على السلطات الشرعية، توالت ردود الفعل الإقليمية المؤيدة والمباركة لهذا الانقلاب الذي سيمهد لمرحلة أشد قسوة من سابقتها.
أصدر «المجلس الوزاري لمجلس التعاون الخليجي» من نيويورك بيانًا يُبدي فيه ارتياحه لاتفاق السلم والشراكة، ويأمل أن يؤدي لتحقيق الأمن والاستقرار في اليمن.
وفي ذات اليوم في نيويورك أيضًا اجتمع وزير الخارجية الإيراني «جواد ظريف» مع نظيره السعودي «سعود الفيصل» ونقلت وكالة «إرنا الفارسية» عن ظريف قوله:
أنا ونظيري السعودي نأمل أن تكون هذه الصفحة الجديدة في العلاقات السعودية الإيرانية موسماً مثمراً لتحقيق السلام والأمن في المنطقة والعالم لحماية تطلعات الأمة الإسلامية.
وفي السياق وعلى المستوى الرسمي للنظام الإيراني نقلت وكالة «رسا الفارسية» عن مندوب المدينة «علي رضا زاكاني» قوله في البرلمان:
صنعاء هي العاصمة الرابعة التابعة لنا في المنطقة العربية بالطبع فإن الدور على السعودية بعد اليمن، فللدولتين حدود مشتركة على طول 2000 كم، ولدينا 2 مليون من المسلّحين المنّظمين باليمن.
* الخلاصة
إذا كانت 11 فبراير 2011 ثورة أسقطت النظام فإن 21 سبتمبر 2014 نكبة قد أعادت النظام نفسه، بل تجاوز الأمر بإسقاط ثورة 26 سبتمبر 1962، ومبادئها وإعادة النظام الأمامي الكهنوتي من جديد، وان اختلف المسميات.
في الثورة هناك نوعان من الناس، من يقومون بالثورة ومن يستفيدون منها، والحوثيون ومن خلفهم النظام الإيراني من أكبر المستفيدين من التخبط السعودي والإماراتي في مواجهة ثورات الربيع العربي، وخاصة في اليمن.
فالمعطيات تثبت أن إيران باتت تطوق المملكة العربية السعودية من الشمال عبر مليشيا الحشد الشعبي في العراق، ومن الجنوب عبر جماعة الحوثي الانقلابية.
سوف تدري دولة الظلم غدا
حين يصحو الشعب من أقوى انتقاما
سوف تدري لمن النصر إذا
أيقظ البعث العفاريت النياما
إنّ خلف اللّيل فجرا نائما
وغدا يصحو فيجتاح الظلاما
و غدا تخضرّ أرضي، وترى
في مكان الشوك وردا وخزامى

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد