الانقلاب يحاكم الشرعية.. استعراض هزلي لعبثية القضاء

2020-03-14 02:32:33 أخبار اليوم/ متابعات

في إطار سعي مليشيا الحوثي الانقلابية لإثباتجبروتها الوهمي، وانتزاع مكاسب سياسية قليلة الكُلفة، أصدرت السلطات القضائية التابعة لمليشيا الحوثي، مطلع شهر مارس الجاري حكمًا غيابيًا بإعدام 35 برلمانيا يمنيًا، تعزيرًا، في توظيف سياسي واضح للمؤسسة القضائية الخاضعة لهيمنة السلطة الانقلابية في صنعاء.

ويتصدر المحكوم عليهم بالإعدام رئيس البرلمان سلطان البركاني، ونائبه عبد العزيز جباري، إضافة إلى محافظ الجوف أمين العكيمي، ورئيس هيئة الأركان في الجيش اليمني الفريق صغير بن عزيز.

واتهمت الجماعة الانقلابية في الحكم الذي أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة الخاضعة لها في صنعاء، النواب المحكوم عليهم بـ"الخيانة ومساندة الحكومة الشرعية والتحالف الداعم لها، قبل أن تقضي بإعدامهم تعزيراً ومصادرة ممتلكاتهم ومنازلهم".

ومع أن الأحكام القضائية الصادرة عن الحوثيين تعد باطلة من الناحية القانونية، بحكم صدورها من سلطة قضائية معطوبة وغير مستقلة، لكن هذا ما يضعنا أمام الهدف الباطن من إصدار مثل هذه الأحكام، التي تأتي لاعتبارات سياسية مؤجلة الفاعلية.

فإلى جانب أن الحوثيين أرادوا التظاهر ببأس سلطتهم المهيمنة على صنعاء، أرادوا بموازاة ذلك، انتزاع ورقة سياسية يمكن المساومة بها، في حال حدثت أي تسوية سياسية مع الشرعية في المستقبل، أو استخدامها كذريعة "قانونية" لملاحقة خصوم الأمس، واجتثاثهم، أو على أقل تقدير إقصائهم من العمل السياسي، في حال تمكنت الجماعة من احكام قبضتها والاحتفاظ بقوتها ونفوذها الجغرافي والسياسي، وفرض سلطة الأمر الواقع، وإن كان هذا الواقع مستبعداً في الوقت الحالي، لكن ذلك ما يدور في الذهنية الحوثية التي وضعت نفسها موضع الدولة.

في المقابل، ثمة مآخذ كثيرة على السلطة الشرعية، التي ظلت طوال كل هذه الفترة بمنأى عن تفعيل الورقة القضائية ضد المنقلبين عليها، ما يُسْقِط من يدها ورقة مهمة كان بمقدورها الاستفادة منها بحكم حيازتها المشروعية القانونية والسياسية، بعكس جماعة الحوثي التي تفتقر لكل ذلك.

خسارة الشرعية

في ظروف الواقع الحالي، تعد جميع هذه الأحكام من الناحية العملية غير قانونية وفاقدة للمشروعية من الأساس، حيث أصدر مجلس القضاء الأعلى اليمني، التابع للشرعية، في إبريل من العام 2018، قرارا بإلغاء "المحكمة الجزائية" الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي الانقلابية في صنعاء، واعتبر كافة القرارات الصادرة عنها ملغية تمامًا.

لكن رغم ذلك، يبقى هناك أمر في غاية الأهمية، وهو امتناع الشرعية، التي هي السلطة المعترف بها دوليا، عن إصدار أي حكم قضائي بحق قادة المليشيا الحوثية التي جرت البلاد إلى الدمار وارتكبت أفظع الجرائم والانتهاكات بحق اليمنيين في جميع مناطق نفوذها منذ نشأتها الأولى، وليس انتهاءً بانقلابها على الشرعية قبل خمس سنوات.

كما أن تقاعس الشرعية عن تقديم قادة الانقلاب ومعاونيهم إلى المحاكمة، يُوبِقُها بخسارة مزدوجة، إحداها سياسية والأخرى قانونية، فمن الناحية السياسية تكون الشرعية قد أسقطت أحد أهم أوراقها، وهي محاكمة جماعة الحوثي الانقلابية، التي من المفترض أن تستفيد منها لتخفيف أي ضغوط خارجية، حيث إن محاكمة الانقلابيين وتقديم قياداتهم للعدالة حقٌ مكفول للقضاء المستقل، بمقتضى الدستور والقانون.

وحتى في حال تمت التسوية بين الحكومة الشرعية والحوثيين، فسوف يظل بمقدور الشرعية المساومة بورقة العفو أو تجميد المحاكمة، مقابل انتزاع تنازلات ومكاسب سياسية تدعم موقفها التفاوضي مع الحوثيين مستقبلًا.

أمّا من الناحية القانونية، فإن تراخي الشرعية وتفريطها في ما يقتضيه واجبها الدستوري والقانوني، لا يجعلها بمأمن عن المساءلة الوطنية على الصعيد القانوني والشعبي، وهذا ما لم تنتبه له الشرعية حتى الآن، ما يجعل خسارتها لهذه الورقة المهمة مؤكدة وحتمية، إن لم تتدارك ذلك السهو غير المبرر قبل فوات الأوان.

إضافة إلى كل ذلك، فإن الشرعية أيضًا ستتضرر بالأثر المعنوي لهذه الأحكام، كونها تعد مساسًا بهيبتها السياسية وتَعَدٍ على سيادتها التي تستمدها من الشعب ومن الاعتراف الدولي، ما يُحتِّم عليها اتخاذ موقف عاجل يضع حدًا لعَطَب السلطة القضائية التي يعبث بها الحوثي في مناطق نفوذه على هواه السياسي.

استعراض مكرر

ليست هذه المرة الأولى التي يقوم فيها الحوثيون بإصدار أحكام هزلية بحق مسؤولين في الشرعية بتهم لا أساس لها من الثبوت في الواقع، حيث إن الجماعة بدأت منذ سنوات، بعقد جلسات محاكمة متقطعة لمسؤولين وقيادات عسكرية وسياسية في الحكومة الشرعية، وأقروا أكثر من مرة، أحكاماً بالإعدام ومصادرة أموال وغيرها من الأعمال.

ففي أواخر شهر ديسمبر من العام المنصرم 2019م، أصدرت المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي في صنعاء، حكمًا بإعدام الرئيس عبد ربه منصور هادي، ورئيس الحكومة معين عبد الملك، ووزير الخارجية السابق، خالد اليماني، بتهمة "الخيانة العظمى".

كما قضت المحكمة الجزئية الابتدائية المتخصصة بمصادرة ممتلكاتهم داخل وخارج اليمن، بعد أن أدانتهم بتهمة "التخابر مع إسرائيل"، حسب ما نشرته وسائل إعلام تابعة للمليشيا في ذلك التوقيت.

الحكم الهزلي للحوثيين، جاء على خلفية مشاركة اليماني، حين كان وزيرًا للخارجية، في مؤتمر وارسو الدولي، في فبراير، من العام الماضي، وظهوره بجوار رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، حيث قضى الحكم في الجلسة التي ترأسها رئيس المحكمة المعين من الجماعة القاضي مجاهد العمدي، بـ "الإعدام تعزيراً"، ومصادرة جميع أموال الثلاثة المذكورين، داخل اليمن وخارجها.

كما تضمنت الإدانات التي ووجهها الحوثيون للرئيس هادي اتهامات مضحكة، بَدَتْ أقرب إلى النكتة منها إلى الاتهام، مثل اتهام الرئيس هادي بـ"انتحال صفة رئيس الجمهورية"، وكذلك الأمر بالنسبة إلى رئيس الحكومة معين عبد الملك، وشمل الحكم أيضاً، تغريم المذكورين أيضاً مليوناً و500 ألف ريال يمني، وهو ما يكشف عن العقليات الجنائزية الضحلة، التي تتحكم بالقضاء، وتسير بلا وجهة خلف توجيهات المكتب السياسي للحوثيين في صنعاء، في توزيع صكوك البراءة أو الإدانة بمقتضى الولاء والطاعة للحوثي وعصابته الملوثة بالدم.

القضاء في خدمة الحوثي

مؤخرًا أصبحت مليشيا الحوثي تستخدم السلطة القضائية التابعة لها كأداة للترويع والبطش بالرافضين لشذوذها السياسي والإداري الذي أفضى إلى نتائج كارثية على اليمنيين، حيث حوّلت المؤسسة القضائية في مناطق سيطرة المليشيا إلى مرفق تابع للجماعة الانقلابية، توظفها في تمتين سطوتها السياسية والأمنية.

فضلا عن استخدام القضاء، كذريعة لمصادرة العقارات والممتلكات الخاصة بالمناهضين لها، بعد أن كانت تصادرها أو تقوم بتفجيرها بدون أي مسوغ قانوني، وآخر الممتلكات الخاصة التي قامت جماعة الحوثي بمصادرتها هي جامعة العلوم والتكنولوجيا، والتي تعد أقدم وأكبر جامعة خاصة في اليمن، حيث صادرتها الشهر الماضي بدون حكم قضائي أو أي مسوّغ قانوني، سوى التذرع بتهم فضفاضة تتقنَّع بها الجماعة الانقلابية لتبرير سعيها لترهيب اليمنيين ومصادرة أموالهم، وممتلكاتهم، بعد أن صادرت المال العام وحرمت اليمنيين من جميع حقوقهم.

موقف المجتمع الدولي

وسط هذه العبثية القانونية التي يلهو بها الحوثيون في صنعاء بحق كل مناهض لانقلابهم وسلطتهم الساديّة، ظلت الأمم المتحدة والمنظمات الدولية ذات الصلة على الحياد مما يحدث، حيث كف المجتمع الدولي لسانه ويده من أي بادرة استهجان أو موقف له موجباته إزاء الخلل الجسيم الذي ضرب المؤسسة القضائية في اليمن في ظل سلطة الانقلابية الحوثية المتغطرسة.

في غضون ذلك، ندد ناشطون يمنيون على المنصات التفاعلية، بالموقف الذي وصفوه بـ"المخجل" للمجتمع الدولي، إزاء تغاضيه الكامل عن زجر سلطة الانقلاب الدموية التي تتخذ القضاء ذريعة لارتكاب الفظائع بحق اليمنيين، مع أن الأحكام التي يصدرها القضاء الحوثي غير المستقل لا تختلف من ناحية المشروعية عن الأحكام التي تصدرها الجماعات الإرهابية الأخرى مثل داعش والقاعدة، التي يتخذ منها القانون الدولي موقفًا صارمًا، بعكس ما حدث ويحدث مع الحوثيين، ما يكشف عن الازدواجية المخلة التي يتعامل بها المجتمع الدولي تجاه مثل هذه الطفرات الشاذة التي تمس أرواح الناس وممتلكاتهم الخاصة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد