"غريفيث" في مهمة اسقاط المرجعيات الثلاث وخدمة الحوثي

2020-04-14 08:17:51 أخبار اليوم/ تقرير

  

  

بعد وقت قصير من إطلاق المبعوث الدولي لدى اليمن مارتن غريفيث، مبادرة مقترحة لوقف العمليات القتالية الدائرة بين الحكومة الشرعية والتحالف من جهة والمليشيا الحوثية من جهة أخرى، لمدة أسبوعين تجنباً لأي انتشار محتمل لفايروس كورونا، ثم عاد المبعوث الاممي مجددًا مساء الجمعة الماضية بمبادرة محدَّثة يقترح فيها على الأطراف انهاء العمليات القتالية في اليمن والانخراط في عملية سياسية لوضع خاتمة للصراع في اليمن.

 

المبادرة الجديدة التي أطلقها المبعوث الدولي حملت معها كثير من ملامح الانحياز لمليشيا الحوثي الانقلابية، وتجاوزا للمرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية، وقرار مجلس الأمن 2216، ومخرجات الحوار الوطني) التي تصر الحكومة الشرعية على تطبيقها كأرضية لأي تصالح سياسي مع الانقلابيين الحوثيين، والتي كانت الأمم المتحدة في السابق تؤكد على ضرورة الالتزام بها كملمحٍ لأي حل سياسي في اليمن، الذي تعثر بسبب رفض مليشيا الحوثي إقرار الالتزام بها، بشكل يثبت ان الجماعة لا تتحاور إلا بمنطق القوة. 

 

وبالعودة تفصيلا إلى المبادرة المحدَّثة التي أعلن عنها المبعوث الاممي، في بيان صحفي نشره مساء الجمعة، دعا فيه إلى وقف القتال بشكل عاجل في اليمن وبشكل تام ونهائي، مستغلا حالة الهيجان والهلع المحلي والدولي تزامنا مع اعلان أول حالة مؤكدة الإصابة بفايروس كورونا في اليمن، وهي المبرر الذي ساقه غريفيث في مقدمه بيانة كتعليل للمقترح المختل الذي صاغه على مقاسات تلائم هوى الانقلابيين الحوثيين في المقام الأول.

 

غريفيث ذكر أن المقترحات المحدثة تتضمن وقف إطلاق نار يشمل عموم اليمن، وعدة إجراءات اقتصادية وإنسانية لتخفيف معاناة اليمنيين وبناء الثقة بين الأطراف، ودعم قدرة اليمن على التصدي لتفشي فيروس "كوفيد 19"، بالإضافة إلى الاستئناف العاجل للعملية السياسية، وفقا لما ورد في البيان.

 

كما أن المبعوث الدولي بدا واثقا جدًا في بيانه الأخير من حتمية القبول بمقترحه المتحيز، وذلك جرياً على ما عرف عنه من تفاؤل رغم عدم توفر الإمكانيات الموضوعية لإنجاح ما يخطط له أو يسعى إلى تنفيذه، على نحو ما تكشف عنه الإنجازات الخائبة لهذا المبعوث على مدى أكثر من عامين، حيث أهاب بالشرعية والانقلابيين بضرورة "قبول الاتفاقات المقترحة بدون تأخير البدء في العمل معًا من خلال عملية سياسية رسمية لإنهاء الحرب بشكل شامل"، حسب نص البيان.

 

تتويج الإخفاقات القديمة بمقترح متحيّز

ما يهم المبعوث الدولي لدى اليمن مارتن غريفيث في الوقت الحالي أكثر من أي شيء آخر، هو تحقيق ما يمكن اعتباره انجازًا سياسيا في اختراق جدار الأزمة اليمنية (ولو من جهة نظره فقط، وليس إنجازا فعليا بالمعنى الحرفي للكلمة) فهو لم يحقق شيئا حتى الان، سوى فشله المتكرر في إدارة الأزمة اليمنية، منذ تكليفه خلفا لسلفه ولد الشخ أحمد. خصوصا بعد أن فشل اتفاق استكهولم عمليا، بين الحكومة الشرعية والانقلابيين الحوثيين، الذي لم تلتزم مليشيا الحوثيين حتى، ولن تلتزم به مستقبلا، وكل ما في الآمر أنه برر للانقلابيين الحوثيين الاستحواذ على مدينة الحديدة، وضمان عدم انتزاعها منهم مجددا بعد أن كانت قوات الشرعية قاب قوسين أو أدنى من السيطرة عليها، قبل أن يرفع المبعوث الدولي عقيرته ويحذر من استمرار الاعمال القتالية في المدينة الساحلية داعيا إلى مفاوضات سياسية عاجلة وفورية في العاصمة السويدية، انتهت بالضغط على وفد الشرعية للتوقيع والقبول باتفاق غير متكافئ يصب في مصلحة مليشيا الحوثي التي لم تلتزم به رغم أنه جاء لإنقاذها.

 

وبعده اتفاق الرياض المبرم بين الحكومة الشرعية والنسخة الثانية من الانقلابيين في عدن (المجلس الانتقالي الجنوبي)، والذي كان خدشا عميقا في سيادة الشرعية اليمنية وغبنا في حقها، لصالح حلفاء الامارات. لكن ما يثير الاستغراب ان الشرعية هي الطرف الوحيد الذي يرضخ دائما ويلتزم بالاتفاقيات المجحفة أساسا في حقها بينما ينكث الانقلابيون في جميع اتفاقياتهم سواء انقلاب الشمال أو الجنوب، في واقع يطغى عليه استحسان المبعوث الدولي الذي يرى كل ذلك امرا طبيعيا طالما كان في صالح الاتجاه المضاد للشرعية.

 

رصيد غريفيث الزاخر بالإخفاقات والمغالطات التي تطغى عليها النفعية السياسية لأطراف على حساب أخرى لم يمنعه من الخروج مؤخرا بمبادرته المحدثة التي تحدث فيها عن انهاء كلي للصراع في اليمن، مستغلا اعلان أول إصابة بفايروس كورونا في اليمن، وكأنه انتظر هذه الفرصة طويلا، حتى جاء الوقت المناسب للإفصاح عنها، دون أي اعتبار للمرجعيات الثلاث التي تصر الشرعية على اتخاذها أرضية أولية لاي اتفاق يفضي لوقف نهائي لإطلاق النار.

 

خدمة مجانية للحوثيين

بالنسبة للحوثيين فلا يطمحون إلى ما هو أكثر من هذه الخدمة المجانية التي قدمها المبعوث الدولي على طبق من فضة، خصوصا أنها جاءت في الوقت الذي تشهد فيه مليشيا الحوثي تقهقرا ميدانيا في جميع الجبهات التي بدأ الجيش الوطني يضيق الخناق عليها في الأسابيع الماضية كما حدث في جبهات الجوف وصرواح والبيضاء وغيرها، في مقابل تراجع مستمر للحوثيين الذين كانوا نهاية الشهر الماضي قد حققوا تقدما جزئيا في بعض الجبهات مستغلين ثغرات استجدت في صف الشرعية.

 

فالحوثي إذاً (بمقتضى مقترح المبعوث الدولي الذي يطالب بقبوله بشكل عاجل ودون تردد كما جاء في بيانه الأخير) غير ملزم بالتنازل عن موقفه القديم والقبول بالمرجعيات الثلاث كأساس مبدئي للحل الشامل، وهذا هو عنصر المشكلة، لكن المبعوث الدولي كما يبدو يمارس ذات اللعبة التي يمارسها بلده (بريطانيا) في التعاطي مع الازمة اليمنية لحساب طرف بعينة، كما يظهر ذلك من خلال تماهيه التام والمتناغم مع موقف السفير البريطاني لدى اليمن، الذي لعب دورا صفيقا اتسم بالازدواجية في أكثر من مرحلة في جولات الصراع بين الحكومة الشرعية ومليشيا الحوثي التي يراد لها أن تكون سيدة الشمال، وهو ذات المنحى الذي يسير فيه حاليا غريفيث وجوقة الأمم المتحدة.

 

الشرعية ترفض بشدة

حتى الآن ما يزال موقف الشرعية يجابيا إزاء المقترحات المحدثة للمبعوث الدولي في رؤيته لحل الأزمة اليمن، حيث أكد الرئيس هادي خلال حديثة مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطون غوتيريش، على أن المرجعيات الثلاث هي جوهر تحقيق السلام في اليمن، والضامن الوحيد للحل الشامل في البلاد، كما انه طلب من الأمين العام للأمم المتحدة توجيه مبعوثه الخاص لدى اليمن مارتن غريفث بالاهتداء بالمرجعيات الثلاث والالتزام بتفاصيلها كحل رئيسي للسلام في اليمن، قائلا إن " إن السلام في اليمن يرتكز على المرجعيات الاساسية الثلاث ممثلة بالمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار رقم 2216، معتبرا أنها تمثل جوهر السلام ومضمونه الحقيقي الشامل والدائم والمستدام".

 

لكن ما يثير الخشية الآن هو احتمال أن يكون البيان الصادر عن المبعوث الاممي لدى اليمن قد حظي بمباركة من أي نوع من السعودية او الإمارات، اللتان ما تزالان تنظران إلى الشرعية كتابع يجب عليه السمع والطاعة، كما حدث ذلك حين أطلق غريفيث مبادرته قبل الأخيرة التي اقترحت هدنة مؤقته لمدة أسبوعين، حيث سارعت السعودية إلى اعلان قبولها من جانب أحادي، قبل أن تعلن الشرعية رأيها الذي لاحقا كإعادة تأكيد لموقف السعودية.

 

الخلاصة

ربما كان تسجيل أول حالات الإصابة المؤكدة في اليمن بفايروس كورونا قد منح غريفيث ومن خلفه ذريعة تبدو مقبولة في ظاهرها، لكنها على أي حال لا تدفع عنه تهمة التحيز ومحاولة الإفلات لتغطية فشله في خلق سلام حقيقي في اليمن طوال عامين من طهي المواقف السائلة والمتسامحة مع مليشيا الحوثي ضاربا صفحا عن كونها عصابة انقلابية إرهابية يرفضها العالم فضلا عن توطئة الفضاء السياسي لها وشرعنة مواقفها الناكثة بعد كل اتفاق.

   

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد