عاصمة الاغتيالات.. من يقف خلف الفوضى الأمنية في عدن؟

2020-06-06 02:42:08 أخبار اليوم/ تقرير

 

 

هي مدينة البخور والعبير الذي يفوح من شوارعها وأزقتها، أم هي المدينة المنكوبة التي تتقياء الموت، وتختنق بلهثاتها، ونحيب سكانها، أو يطلق عليها العاصمة الموبوءة، أم تدعى المحافظة المنهوبة التي استوطنها الغرباء والحلفاء، واستباحوا حرمتها وقدسيتها، وحولها إلى مدينة للاغتيالات والموت والقبور الموحشة.

 

كثيرة هي المسميات التي تبعثر كيان عدن العاصمة المؤقتة لليمن جنوبا، بعد إن استوطنها الحرب والانقلاب والأوبئة والاغتيالات.

 

قصة التحول في هذه المدينة جاءات عقب تحريها من قبضة مليشيا الانقلاب الحوثي في 16 يوليو 2015، على يد قوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية المسنودة بقوات التحالف العربي بقيادة السعودية.

 

لكن مافتك أن تتحرر من قبضة الانقلاب الحوثي حتى دخلت العاصمة المؤقتة في خضم مشروع عبثي وتشطير ومناطقي بقيادة دولة الإمارات الشريك الثاني في التحالف العربي، الذي تولى زمام التحكم بمصير هذه المدينة.

 

الإمارات التي استغلت التحالف العربي بقيادة السعودية وهدف إعادة الشرعية باليمن، لإضعاف الشرعية اليمنية وتفتيتها، ونسف مرجعياتها الثلاث، وإيجاد المبررات والذرائع لتدخلها العسكري الذي سيحقق مصالحها الإستراتيجية طويلة الأمد، من خلال تحويل مدينة عدن الساحلية، إلى أقبية الموت مرافق للاحتجاز التي يمارس فيها صنوف التعذيب الجسدي والجنسي.

إستراتيجية إماراتي قائمة على سطو مدينة عدن والتفنن في إيلام واغتيال أهلها.

 

يتنوع سجل دولة الإمارات الأسود، وبارونات الدم فيها، التي اتخذوا منها دار إقامة لتنفيذ مشروعهم العبثي والتشطيري في اليمن، الممزوج بالسلوك العنفواني العابر للحدود.

 

في هذه الورقة تناقش صحيفة "أخبار اليوم" أبعاد موجة الاغتيالات السياسية التي طفت على السطح مواخر في العاصمة المؤقتة عدن، والذي تزامن مع أعلام حلفاء أبوظبي ما أسموه الإدارة الذاتية، وسط تصاعد المعارك العسكري بين مليشيا الأخير وقوات الجيش الوطني في مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين.

 

* موجة اغتيالات

 

عادت مسلسلات الاغتيالات مجددا إلى الواجهة في العاصمة المؤقتة عدن، التي آلت كليا- بعد فشل تنفيذ اتفاق الرياض وإعلان مايعرف بالانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا،ما أسموه بـ "الإدارة الذاتية" في منتصف ليل 25 أبريل/نيسان الماضي 2020.

 

عمليات الاغتيال التي تنامت في الفترة الزمنية لتنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية والانتقالي الجنوبي، وتزامنت مع عودة رئيس الحكومة الشرعية معين عبدالملك وعدد من الوزراء إلى العاصمة المؤقتة عدن، بموجب الإتفاق، كانت لاعتبارات سياسية وأمنية تسعى إلى عرقلة الاتفاق الذي تشرف عليها السعودية.

 

واعتبر البعض أن تنامي هذه الاغتيالات كان مؤشرات على فشل تنفيذ الاتفاق، الذي يستهدف- ضمن ترتيباته الرئيسة- ضبط الأمن في كافة المحافظات الجنوبية، وخصوصا عدن.

 

واعتبر مراقبون آخرون أن انتشار الفوضى الأمنية في تلك الفترة الزمنية، بهذا الشكل المتزايد والمثير، كان يستهدف إفشال تنفيذ الإتفاق، ووضع العوائق والعراقيل أمام تنفيذ أهم أجزاؤه العسكرية والأمنية التي لم تنفذ بعد.

 

في المقابل تقلصت عمليات الاغتيال التي يتهم بها الانتقالي الجنوبي، مع إعلان الأخير ما أسموه بـ "الإدارة الذاتية"، والترحم على الاتفاق الرياض.

 

لكن مسلسل الاغتيالات عاد إلى الواجهة مجددا، وتزامنت مع حالة غضب شعبي جراء سوء إدارة الانتقالي الجنوبي لأمور المحافظة بحم الواقع عقب إعلان "الإدارة الذاتية"، وسط تردي للخدمات الأساسية والصحية وتفشي الأوبئة والحميات القاتلة.

 

موجة الاغتيال التي عصفت بعدن وطالت عدد من القيادات الأمنية والعسكرية، في ضل سلطات الأمر الواقع التي تفرضها مليشيا الانتقالي الجنوبي، تزامنت مع تنامي غير مسبوق لعمليات الاغتيال في محافظة حضرموت جنوب شرقي اليمن، والتي كان أخرها محاولة اغتيال محافظ المدينة وقائد المنطقة العسكرية الأولى " فرج البحسني"، واغتيال مدير أمن مدينة شبام "صالح علي جابر".

 

الملفت هذه المرة إن عمليات الاغتيال في عدن طالت عدد من المدنين والصحفيين، أخرهم كان اغتيال الزميل المصور "نبيل القعيطي"، أثناء تواجده أمام منزله بمديرية دار سعد، شمال عدن، بعد أن كانت محصورة في رجال الدين والعلماء المناهضين لدور الإمارات والانتقالي الجنوبي في المحافظة، ورجل الأمن والقادة العسكريين التابعين للحكومة الشرعية.

 

حادثة مقتل الزميل الصحفي والمقرب من دوائر صناعة القرار في الانتقالي الجنوبي "نبيل القعيطي" أثارات موجة غضب شعبية غير مسبوقة في الشارع العدني، في الوقت الذي وظف فيه حلفاء الإمارات "الانتقالي الجنوبي" حادثة الاغتيال، للتحريض ضد أبناء المناطق الشمالية المتواجدين في عدن، ومداهمة الإحياء السكنية التي لأتدين بالولاء للانتقالي.

 

ووفقا لمصادر محلية فأن وحدات من الحزام الأمني وأمن لحج وقوات التدخل السريع وجميعها مدعومة إماراتياً، داهمت أحياء سكنية في مديرية دار سعد، تحت ذريعة البحث عن منفذي اغتيال المصور، القعيطي، الذي يعمل بالمركز الإعلامي لـ"المجلس الانتقالي"، بجانب التعاون مع وسائل أجنبية.

 

وأشارت المصادر، إلى أن القوات المدعومة إماراتياً قامت بإحراق أكثر من 10 دراجات نارية، بعد اتهامها بأنها تتبع خلايا الاغتيالات، رغم أن عملية الاغتيال التي طاولت المصور القعيطي، نفذها 4 مسلحين على متن سيارة جيب، بحسب مصادر محلية وأمنية.

 

وخلال المعارك الأخيرة التي شهدتها عدن في أغسطس من العام الماضي، كانت دار سعد من أهم المعاقل التي يوجد فيها موالون للشرعية وخرجوا يوما ضد "المجلس الانتقالي"، ويتخوف السكان من اتخاذ عملية اغتيال المصور القعيطي كذريعة لشن حملة انتهاكات وتهجير واسعة ضد السكان غير المنحدرين من عدن.

 

وينظر "المجلس الانتقالي" للمواطنين المنحدرين من محافظات غير موالية له بالكامل بأنهم خلايا نائمة. وخلال الفترة الماضية، زعمت المليشيا الموالية لها ضبط ما تصفها بـ"خلايا إرهابية"، دون الكشف عن تفاصيل كافية عن هوية تلك الخلايا أو نوع المضبوطات التي وجدت مع أفرادها، كما لم تذِع تصريحات أثناء التحقيقات معهم.

 

وأبدى مراقبون يمنيون، على وسائل التواصل الاجتماعي، خشيتهم من أن تكون عملية اغتيال المصور القعيطي" مدبرة من قبل حلفاء الإمارات، خصوصا وأن السلطات الأمنية في عدن لم تنشر أي لقطات لمسرح الحادثة بعد وقوعها.

 

وكتب المحلل السياسي اليمني، نبيل الشرجبي على تويتر: "لا أستبعد أن تكون عملية اغتيال المصور نبيل القعيطي يقف وراءها المجلس الانتقالي نفسه، وهذا مؤشر على بداية ظهور الخلافات بين أجنحة الانتقالي المتصارعة"، فيما أشار الصحافي أحمد الحاج، إلى أنه بات من الواضح "وجود جهات أو قوى تريد جر عدن إلى قتال وفوضى من نوع آخر"، بعد اغتيال المصور القعيطي.

 

* إخماد للانتفاضة

في خضم ذلك يرى مراقبون في الشأن اليمني، أن مايعرف بالانتقالي الجنوبي المتهم بعض قادة ومن خلفهم دولة الإمارات وراء حادثة اغتيال الصحفي "نبيل القعيطي".

 

وبحسب المراقبون، فأن حادثة اغتيال "القعيطي" تتشابه مع حادثة اغتيال القياد في الحزم الأمني منير اليافعي "أبو اليمامة" في أغسطس من العام الماضي، وان اختلف الفاعل.

 

ابتداء من اتهام الحكومة الشرعية من قبل حلفاء الإمارات باغتيال الصحفي "القعيطي"، لتغطية فشلهم الأمني، وتوظيف حادثة الاغتيال لتعزيز النزعة المناطقية ضد أبناء المحافظات الشمالية، واستثمارها في التحريض ضد حزب التجمع اليمني للإصلاح.

 

هي إذا اعتبارات أمنية وسياسية ومناطقي تصب في صالح المشروع التشطير لدولة الإمارات وحلفائها في الانتقالي الجنوبي، يقول المراقبون.

* اعتبارات أمنية

منذ سيطرة مايعرف بالانتقالي الجنوبي، في أغسطس من العام الماضي، تعيش مدينة عدن وضع كارثي على كافة الأصعدة الخدمية والأمنية والصحية.

 

وفقا لخبراء، فأن الأجندات التي سعى من خلفها الانتقالي الجنوبي، في استثمار حادثة اغتيال الصحفي "القعيطي"، تهدف إلى تشتيت الري العام المحلي نحو موجة الاغتيال التي تطال أنصاره، في محاولة لتنصل من مسؤوليته الخدمية والصحية، ولفت أنظار المحتجين في مدينة عدن نحو الحادثة.

 

وخلال الفترة الماضية وبعد إعلان الانتقالي الجنوبي ما أسموه بـ "الإدارة الذاتية"، شهدت العاصمة المؤقتة عدن، موجة احتجاجات شعبية ضد المجلس المدعوم إماراتياً، للتنديد بتردي الخدمات العامة، وانقطاع التيار الكهربائي لـ 12 ساعة، بالتزامن مع ارتفاع قياسي لدرجة الحرارة، وتفشي الأوبئة والحميات القاتلة.

 

وبحسب المعلومات الوردة من عدن، فأن مئات من المحتجّين في عدد من مديريات المدينة يطالون بشكل شبة يومي الانتقالي الجنوبي بحكم إعلانه للإدارة الذاتية بإصلاح الخدمات العامة، وعلى رأسها الكهرباء والمياه اللتان تدهورتا بشكل قياسي، وبالتزامن مع حلول شهر الصيف وارتفاع درجة الحرارة، وظهور للأوبئة والحميات القاتلة التي تفتك بالمئات من المواطنين.

  

ولم تتوقف الاحتجاجات على الشارع، إذ شنّ ناشطون موالون للمجلس الانتقالي هجوماً على قياداته عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وطالبوها بالخروج إلى الرأي العام وتوضيح أسباب تردي الخدمات الاساسية والصحية.

 

في موازاة ذلك يعتقد خبراء أن حادثة مقتل الصحفي المقرب من الانتقالي الجنوبي، يقف خلفها الأخير في محاولة لترسيخ وجودة الأمني، واستثمار الحادثة لإخماد تلك الاحتجاجات الشعبية التي تورق قادته وقادة دولة الإمارات.

 

وتشير تصريحات بعض قادة الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، أن من ضمن الأهداف المرجو تحقيقها من حادثة اغتيال الصحفي "القعيطي"، هي هيكلة اجهزة الدولة الأمنية، وبناء اجهزة استخبارتية تدين لها بالولاء.

 

وكان القيادي في الانتقالي الجنوبي "جمال عاطف" قد قال تغريدة على منصة تويتر تعليقا على حادثة اغتيال "القعيطي"،رصدتها صحيفة "أخبار اليوم": "بناء على مقترح تعيين قائم بأعمال أمن عدن تلقيت تأكيد من مسؤلين في الإدارة الذاتية بأن إعادة الهيكلة قادمة ولن تكون مختصرة على أمن عدن فقط وإنما لوزارة الداخلية بشكل كامل وقد باشرت لجان اليوم برئاسة عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي سالم السقطري في رفع المقترحات بهذا الشأن".

 

من ما سبق يتضح أن تنامي عمليات الاغتيال في العاصمة المؤقتة عدن في ضل سيطرة مايعرف بالانتقالي الجنوبي، قد تطورت من مرحلة تصفية رجال الدين والعلماء المناهضين للمشروع الإماراتي إلى استهداف قيادات الأجهزة الأمنية، تركزت على اغتيال ضباط جهاز البحث الجنائي الذي يعتقد أنهم كانوا مسؤولين عن ملفات تتعلق بالتحقيق في حوادث وعمليات اغتيالات سابقة، وقضايا خطيرة، كانت ميليشيا المجلس الانتقالي المدعومة والممولة من الإمارات تقف وراءها.

 

* عمليات استباقية

مصادر مطلعة ترى أن مشروع الاغتيال الإماراتي الذي يدريه الانتقالي الجنوبي، قد وصل إلى مرحلة تصفية أنصارها من الإعلاميين والصحفيين، والقادة في مليشياته، مشيرا إلى أنها مجرد عملية استباقية تصفي طابع استبداد لتعزز القبضة الأمنية التي تضمن نجاح مشروعة التشطيري في الجنوب اليمن.

 

ومن أهم ركائز هذا المشروع، التي تدعم تعزير القبضة الأمنية، رفع مستوى التحريض، وتشيج النزعة المناطقية.

 

تكلل ذلك بشن المجلس المدعوم إماراتيا عقب حادثة اغتيال الصحفي "القعيطي"، حملة إعلامية تحريضية شرسة ضد أبناء المناطق الشمالية، وحزب التجمع اليمني للإصلاح.

 

جاء ذلك وسط هجوم إعلامي من قبل بعض الشخصيات الإماراتية المقربة من صناع القرار في أبوظبي، على منصات ضد الحزب، والعب على وتر المناطقية لرفع سقف المطالب الانفصالية أكثر، في تناغم للسيناريو المراد إخراجه من قبل دولة الإمارات وحلفائها في الجنوب اليمنية، والمتمثل في استكمال مشهد الانفصال.

 

* صراع النفوذ

تواجه الإمارات عقبات في خضم محاولاتها لتحقيق طموحاتها؛ تمثلت أولاً في حليفتها السعودية، التي عملت معها بشكل وثيق لتأمين نفوذها في اليمن.

 

بحسب المعلومات فأن السعودية تتمتع بكافة مزايا السيطرة على عدن، منذ حلول قواتها محل القوات الإماراتية، التي أعلنت انسحابًا عسكريًا من اليمن، أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

 

وكان اتفاق الرياض يمثل «فرصة ذهبية» للسعودية كي تستعيد نفوذا قديما صادرته الإمارات في غفلة الرياض.

 

هذه المزايا باتت الآن تحت طائلة التهديد الحقيقي، مع إصرار المجلس الانتقالي، المدعوم إماراتيا، على المضي في إجراءات "الإدارة الذاتية" التي تريد جر عدن إلى مربع الفوضى، عبر رفع مؤشر الاغتيالات التي ترفع من منسوب المناطقية والتحريض، لترسيخ نفوذها وتقليص نفوذ الرياض العسكري الذي بداء في التنامي في الفترة الأخيرة.

 

وكانت السعودية قد عملت، بصمت لتفكيك مليشيا حلفاء أبوظبي على الأرض، وتغير معادلة القوة والنفوذ، تحديداً حول عدن عبر مزيج من الخطوات التي شملت شراء ولاء القادة العسكريين المحسوبين عليه، وإنشاء قوات جنوبية جديدة يتزعمها قادة جدد موالين كلياً للرياض، وفرضهم لتولي السيطرة على الأرض في عدن وغيرها من المناطق المهمة خارج المدينة، مثل رأس العارة في لحج.

 

وتعرض عدد من قادة مليشيا الحزام الأمني المشكوك في ولائهم للإمارات، والمقربين من الرياض، لعدد من محاولات الاغتيال بعض كتب لها النجاح فيما فشلت الأخرى.

 

وبالعودة إلى حادثة اغتيال الصحفي "نبيل القعيطي"، حاول بعض المحسوبين على الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا، تحميل الانفلات الأمني في العاصمة المؤقتة عدن، وتنامي ظاهرة الاغتيالات للمملكة العربية السعودية، وانها المستفيدة والممولة لتك العمليات، من خلال منعها لعدد من قيادات الانتقالي من العودة إلى عدن في منصف مارس 2020 .

 

وكان القيادي في الانتقالي الجنوبي "صلاح بن لغبر"، في تدوينه على تويتر ، قد أشار بشكل مبطن إلى السعودية هي من تقف وراء الفوضى الأمني في عدن، من خلال منعها عودة قادة الانتقالي وتوقيف مخصصات الأمن وإعمال جهاز مكافحة الإرهاب.

 

ووفقا لـ " بن لغبر"، فأن : "من يمنع قادة امن عدن من العودة ويوقف مخصصات الأمن وإعمال جهاز مكافحة الإرهاب.. ماذا يريد" ؟؟

 

* فصول مرعبة

عاشت مدينة عدن على مدى سنوات من سيطرة ونفوذ الإمارات وحلفائها أمنياً وعسكرياً، فصولاً مرعبة مع حوادث الاغتيالات والتفجيرات الإرهابية التي راح ضحيتها العشرات إلى مئات الأشخاص، وظلت شبحاً يلاحق أعداداً غير قليلة من الضباط والقيادات المحلية والشخصيات الاجتماعية، بما في ذلك خطباء وأئمة المساجد والدعاة على نحوٍ خاصٍ، لتبدأ التحقيقات المسربة أخيراً، بالكشف عن معلومات خطيرة، تشير بالاسم والتفاصيل الدقيقة حول جانب من الجرائم المنظّمة التي مارستها أبوظبي في اليمن، عبر أذرعها الانفصالية المحلية، بعدما كشفت تقارير سابقة عن استئجار مرتزقة من "القتلة" الدوليين لتنفيذ اغتيالات في البلاد.

 

وفي الوقت الذي بقيت فيه الاغتيالات لغزاً على مدى السنوات الماضية، جاء تسريب السلطات اليمنية أخيراً وثائق محاضر تحقيقات النيابة العامة، مع ثلاثة متهمين بحادثة اغتيال إحدى أبرز الشخصيات الدعوية في المدينة، الشيخ سمحان عبدالعزيز الراوي، لتكشف بالأسماء عن المتورطين بالجرائم والمشرفين على فرق الاغتيالات، وعلى رأسهم القيادي السلفي المثير للجدل هاني بن بريك، وهو أحد أبرز الشخصيات الموالية لأبوظبي، ومن المقربين شخصياً من ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، إلى جانب ذكر تفاصيل مشاركة ضباط إماراتيين في الإشراف المباشر على الاغتيالات.

 

تسريب، محاضر تحقيقات للنيابة العامة في عدن، كشفت أن نائب رئيس ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي" هاني بن بريك المدعوم إماراتيا يقف وراء تصفية ثلاثين داعية.

 

وأوضحت المحاضر أن بن بريك التقى المتهم الأول في قضية تصفية الدعاة بمعسكر للتحالف السعودي الإماراتي بالبريقة بهدف التخطيط لعمليات الاغتيال.

 

وقالت النيابة إن المسدس الذي قتل به الشيخ سمحان رواي، حصل عليه القتلة من بن بريك شخصيا. وأشارت إلى أن الخلية التي قتلت راوي تخلصت من جثته برميها في منطقة بعيدة، موضحة أن الخلية كانت مكونة من ثلاثة أشخاص يتبعون مليشيا الحزام الأمني المدعومة إماراتيا.

 

وقالت إن الخلية التقت الضابط الإماراتي الملقب بـ"أبو سلامة" في شقة بعدن بعد قتلها للشيخ راوي، مؤكدة محاولة بن بريك تهريب المتهمين بقتل الشيخ راوي من السجن، وأنه طلب منهم تغيير أقوالهم في محاضر التحقيقات مقابل تهريبهم إلى خارج البلاد.

 

* اعترافات بن بريك

بعد تسريب محاضر التحقيق وكشفها عن تورط نائب رئيس المجلس الانتقالي، كتب "هاني بن بريك" عدة تغريدات، لم ينف فيها صحة ما جاء في تلك المحاضر، بل كتب ما يمكن أن يفهم أنه اعتراف ضمني بمسؤوليته عن تلك الحوادث.

 

بن بريك قال: "عهد قطعناه سنحارب الإرهاب وسنقضي عليه - بإذن الله- حيث كان، والبداية الصحيحة من حزب الشيطان خونة الإسلام والمسلمين الإخونج، وما تفرع منه في البلاد وأفراخهم القاعدة وداعش، لن يستقيم الأمر في بلداننا العربية بالذات، ولن يستقر بوجود هذا التنظيم الخبيث؛ ولهذا لابد من العزم القوي في مواجهتهم".

 

وكتب في تغريدة ثانية: "خططنا الأمنية في مكافحة التنظيمات الإرهابية، ومقدمتها الإخونج، قائمة ومرتكزة أولا: على محاربة الفكر بالفكر، وذلك بنشر الاعتدال والتسامح ووسطية الإسلام التي يضيق بها دعاة التكفير والتفجير الإخونجية، ثانيا بمحاربتهم بالسلاح وبتضييق الخناق على رؤوس دعاة الخوارج التكفيريين المارقين"، ما اعتبره مراقبون اعترافا ضمنيا بمسؤولياته عن تصفية عدد من شيوخ السلفية والإخوان الذين عرفوا برفض الأنشطة الإماراتية في عدن.

 

لعل الشواهد السابقة على وقوف الإمارات خلف عمليات اغتيال تجعل أبوظبي ومليشياتها المتهم الرئيسي بعمليات الاغتيالات في عدن، ففي 25 نوفمبر 2019 نشرت قناة "الجزيرة" تحقيقاً عن ملفي الاغتيالات والسجون السرية، حمل عنوان "أحزمة الموت"، قالت فيه إنها حصلت عليهما عبر محاضر تحقيق مع متهمين بتنفيذ عمليات اغتيال، وشهادات حصرية.

 

التحقيق ذكر أن المحاضر المسربة تقع في 87 صفحة، وتشمل إفادات 4 متهمين بالمشاركة في الاغتيالات، وتذكر الأسماء الكاملة للمتهمين الأربعة، وكل من يتعامل معهم، كما تضم اعترافات مفصلة باغتيالهم عدداً من أئمة عدن.

 

ونصت المحاضر على أن المسؤول الأول عن عصابة الاغتيالات في عدن كان يعمل مع الإماراتيين، وتحديداً مع ضابط إماراتي لقبه "أبو خليفة"، كما توثق إفادات المتهمين بأسماء الشخصيات المتورطة وأدوار المنفذين، بالإضافة إلى الجهات التي تمولها وتوجهها، وعلى رأسها مليشيا الحزام الأمني والاستخبارات الإماراتية.

 

وكان أخطر ما ورد في محاضر التحقيق أن عناصر من تنظيم القاعدة نفذت عمليات اغتيال بتوجيه من ضباط إماراتيين.

 

وتتوافق الاعترافات مع ما ورد في تقرير لفريق من الخبراء البارزين تابعٍ لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة، أكد أنه رغم اختلاف الخلفيات السياسية والفكرية لضحايا عمليات الاغتيال فإن ما يجمعهم هو تأثيرهم في المجتمع وانتقادهم العلني للإمارات والمليشيات التابعة لها.

 

وفي السياق قدم تحقيق استقصائي -نقلته وكالة الأناضول التركية عن مصادر أميركية- عددا من الأدلة توضح وقوف الإمارات وراء جرائم اغتيالات ضد عدد من قيادات حزب الإصلاح اليمني نفذها فريق اغتيالات متخصص تابع لشركة أمن أميركية.

 

ومؤخرا طالبت شركة ستوك وايت الدولية للمحاماة بمنح ولاية قضائية دولية للولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا، لتوقيف مسؤولين إماراتيين متهمين بارتكاب جرائم حرب في اليمن، وهو ما يفتح الباب أمام الكشف عن كواليس بعض عمليات الاغتيال التي تمت على مدار سنوات الوجود الإماراتي في اليمن.

 

الجدير بالذكر بلغت حصيلة الاغتيالات التي طاولت شريحة الخطباء وأئمة المساجد في عدن ابتداءً من الأشهر الأولى التي تلت انتزاع السيطرة على المدينة من جماعة الحوثي الانقلابية في يوليو/ تموز 2015 وحتى مارس/ آذار 2019، بلغت 23 عملية اغتيال لشخصيات دعوية، 12 منها من المحسوبين على التيار السلفي، وأربعة من المحسوبين على حزب "الإصلاح"، الذي تعتبره أبوظبي وحلفاؤها خصماً سياسياً في مناطق نفوذها. وهذه العمليات جزء من إجمالي أكثر من مائة واقعة اغتيال شهدتها المدينة، ووثّقها تقرير "القاتل الخفي"، في مارس/ آذار الماضي، ووفقاً لإحصائيات حقوقية.

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد