ستة عقود من انعدام الاستقرار.. صراعات على هامش الوحدة الوطنية الحلقة (8)

2020-06-10 05:35:09 أخبار اليوم / نقلاً عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث




مــع انطـلاق الثــورة اليمنيــة شــمالاً عــام 1962 وجنوبــا 1963،كانــت الوحــدة حــاضرة بقــوة لـدى غالبيـة القـوى والمكونات ، غـير أن نشــوب الصراعات الداخليــة بعــد الثــورة مبــاشرة أجــل تحقيــق الوحــدة اليمنيــة، بيــد أنهــا لم تغب طويلا عن أجندة كافة القـوى السياسية.

نجح علي ناصر في بدايــة حكمــه باسـتقطاب حلفاء أقوياء إلى جانبــه يحتلــون مواقــع مهمــة في الجيش والأمن والحزب الحاكم لكنه اصطدم بخصوم أقويـاء يقودهم نائبه عــلي عنـتر حتـى انفجـر الوضع في حرب دامية اشتعلت في يناير 1986 ،وانتهت لصالـح فريـق عنتر وحلفائه الذيـن تولوا الحكم حتى تمت الوحدة في مايو 1990م.


بعد قيام ثورتي سبتمبر واكتوبر الخالدتين والتحرر من الاستبداد في الشمال والاستعمار في الجنوب وبعد انحلال جهود السلام وتلاشي التأثير العربي على الاحداث نوعا ما ؛ ضهرت خلافات بين القوى الثورية للسيطرة على مقاليد الحكم... نستعرص هنا الحلقة السادسة من هذه الدراسة والتي تسرد تفاصيل الخلافات التي نشبت بين فصائل المعارضة الثورية سواء في الشمال حيث انه كانت سلطات الشمال تحارب اليساريين او التيار اليساري وفي الجنوب ايضاً كانت السلطات تحارب تيار اليمين حيث كانت الصراعات بين هذه القوى من أجل السيطرة على الحكم وتقلد المناصب في السلطة.


استمرت الخلافات والصراعات بين القوى الثورية على الحكم وتقلد المناصب والمحاصصة وتقسيم الثروة وذلك في فترة ما بعد التخلص من الاستعمار والاستبداد بقيام ثورتي سبتمبر واكتوبر وهذا ما أثر تاثيرا كبيرا على بقاء اليمن في الحضيض سواءً الجمهورية العربية اليمنية في الشمال او جمهورية اليمن الديمقراطية في الجنوب ، حيث ساعد على بقاء ذلك الضعف وعدم الاستقرار هو تأثير تدخل القوى الخارجية العربية والاجنبية في مستقبل اليمن..

نستكمل هنا في الحلقة الثامنة تفاصيل النزاعات البينينة لقوى الثورة وما حدث من انتقادات للسلطة الحاكمة والاختلاف الأيدلوجي المعارض لسياسة الانفتاح خصوصاً في الجنوب الى أن اشتعلت الحرب في كانون الثاني عام ١٩٨٦ م قبل قيام الوحدة اليمنية ولا شك أن الصراع في هذه الفترة بين قيام الثورة وإعلان الوحدة تاثر بشكل او بآخر بالمتغيرات الإقليمية والدولية.

 صراعات على هامش الوحدة الوطنية
حـين بدا لنظام الحكم في عدن أنه حسم – ولو بشكل مؤقت، صراعه مع نظام صنعاء، تبلور تيار واسع داخل قيادة الحزب والدولة ينتقد أداء الرئيس/ عبدالفتــاح إسماعيل، مقابل احتفاظـه بنفوذ وتأييد داخلي وخارجــي، غـيـر أن موجــة النقــد كانــت أقــوى، فقــرر تقديــم استقالته في أبريل/نيســان 1980 ،بنــاء على رغبــة معارضيه، وحرصاً منــه عــلى إغــلاق بــاب جديــد في الصراع على السـلطة، وخلفـه في تولي الحكـم عـلي ناصر محمد السياسي والعســكري الذي دفعت بــه الأحداث سريعــا إلى الواجهــة منذ بداية السبعينيات،

وفي بدايــة حكمــه نجــح في اسـتقطاب حلفاء أقوياء إلى جانبــه يحتلــون مواقــع مهمــة في الجيــش والأمن والحــزب الحاكم تغيـر اســم الجبهــة القوميــة إلى الحــزب الطليعــي، ثــم الحــزب الاشتراكي اليمنــي، لكنه لم يعدم – في المقابل خصومــاً أقويـاء أيضـا، يقودهـم نائبه العميـد/ عــلي عنـتر ،أحد قيادات ثــورة أكتوبـر 1963 وصاحـب التأثـر القـوي في الجيــش والحزب وتركزت نقــاط الخــلاف حــول إدارة الصلاحيــات والسـلطة، وانعـدام الثقـة بيـن الطرفين، كما أن الاختلاف الأيديولوجي حـضر مـن خـلال معارضـة خصـوم عـي ناصر لسياســة الانفتاح التــي تبناهــا تجــاه الشمــال وتجــاه دول الخليــج العربي، ورأوا أن ذلـك يفتـح المجال أمام عودة ما يطلقون عليهــا البرجوازية الأمر الــذي يؤثــر مـن وجهــة نظرهــم عــلى ( الطهــارة الثوريــة).

وظل الفريقان يعملان على الاستقطاب الــذي بــدا في الغالـب مرتبطــا بعوامل ودوافع جغرافيــة مناطقيــة أكـثـر منهــا سياســية فكريــة، حتـى انفجـر كل ذلـك في حـرب داميـة اشــتعلت في يناير/كانــون ثاني 1986 ،وانتهـت لصالـح فريـق عنتر وحلفائـه الذيــن تولوا الحكم حتى تمــت الوحدة بــن الجنــوب والشـمـال في مايو/أيــار مــن العــام 1990 .
والخلاصــة أن ثمة حالــة صراع سياسي ومغالبــة طبعــت الحيــاة السياســية في اليمـن شـمالا وجنوبـا بيـن الشـركاء والفرقــاء على حــدٍ ســواء، وثمة اســتقطابات وتجاذبــات داخليــة وخارجيــة (إقليميــة ودوليــة ) فرضتهـا ظـروف المرحلة مـن توازنـات ومعادلات إقليميــة مطلوبــة كانــت ، تحملهـا اسـتحقاقات الحرب البـاردة ولا شــك أن الـصـراع في هــذه الفترة بــين قيــام الثــورة وإعــلان الوحــدة، تأثــر بشــكل أو بآخــر بالمتغيرات الإقليمية والدوليــة، إذ بـدا في الكثـيـر مـن الأحيـان ،ولا سـيما في السـبعينيات وحتــى منتصف الثمانينيات من القــرن الماضي، وكأنه امتداد مباشر وطبيعي للصراع الدائـر في قمة النظـام الدولي، ومـا ينطـوي عليـه مـن استقطابات إقليمية.

بين التشطير والوحدة:
احتلت قضية الوحدة اليمنية صدارة القضايا الوطنية، وارتبطــت لدى القـوي السياسية المعارضة للاستعمار والإمامة، بالنضال الوطنــي والعمــل الثــوري شـمالا ضــد الحكــم الإمامي، وجنوبــاً ضد الاستعمار الأجنبي
وظلت القـوى اليمنية ترفـض واقـع التجزئة والتشطير الذي فرضــه الاستعمار البريطاني ليضمـن سـيطرته على الجزء المحتل في الجنوب، ووافق عليه نظام الإمامة عجزاً وضعفاً وحرصا على السلطة، حتى لو كانت منقوصة.

وطــوال النصــف الثاني مــن القــرن العشريــن كان الموقف مــن وحــدة اليمـن معيـار وطنيـة ونزاهـة وانتـاء
كل قـوة سياسـية تظهـر على السـاحة شــمالاً وجنوبــاً وتلاشت واضمحلــت كل القــوى والتنظيــمات التــي لم تتــبنَ الوحــدة أو وقفــت ضدهــا ولقـد حـاول الاستعمار جاهـدا ترسـيخ التجزئـة بــكل مــا أوتي مــن قــوة وإمكانـات، وتماهـت معه بعـض القوى الطامعــة في الحصــول على ســلطات رمزيــة وامتيــازات ماديــة، بيــد أن صعـود قـوى الثـورة وحـركات التحـرر الوطنــي محليــاً وعربيــا بأفكارهــا القوميــة الوحدويــة ونزعتهــا الوطنيــة الثوريــة ضــد الاستعمار الأجنبي وسياســته التــي تقــوم على قاعــدة (فــرق تسد ) ، ومــع انطـلاق الثــورة اليمنيــة شــمالاً عــام 1962 وجنوبــا 1963،كانــت الوحــدة حــاضرة بقــوة لـدى غالبيـة القـوى والمكونات ، غـير أن نشــوب الصراعات الداخليــة بعــد الثــورة مبــاشرة.

والتناقــض الأيديولوجي بــين القــوى الثوريــة الحاكمــة فرضــا تحديــات جديــدة، تراجــع معهــا العمــل لأجــل تحقيــق الوحــدة اليمنيــة، بيــد أنهــا لم تغــب طويــلاً عــن أجنــدة الحــكام والقـوى السياسـية، فسرعـان ما حضرت مطلــع الســبعينيات عقــب مواجهــة عســكرية نشــبت على الحــدود بــن شـطري اليمـن، انتهـت بانتصـار جزيء للجنــوب، وتدخلــت دول عربيــة في العمـل على جمـع الشـمال والجنـوب، فكانـت مفاوضـات القاهـرة وطرابلس- ليبيـا، التـي أسـفر عنهـا الاتفاق على الهدنـة وإقامـة الوحدة مستقبلاً، وكان الجنـوب أكبـر إلحاحـاً في طـرح القضية، حيــث كانــت الجبهة القومية التي تحكــم الجنــوب تدعو إلى الوحدة، لكـن بشـرط سـيطرة الجبهـة وحلفائهـا اليساريين في الشـمـال، وإخـراج مــن تسميهم (الرجعيــن وأتبــاع العهــد البائـد) كما أن «الوحــدة حينهــا أعطيـت مضمونا أيديولوجياً محدداً جعل من تحقيقها على أسس وطنيــة مجــردة أمراً يكاد يكون مستحيلا.

فقــد آثر الثوريــون في الجنــوب وفي الشمال أن لا يحققــوا الوحــدة مــا لم تــصبغ بلونهــم»،وكان حــكام صنعـاء يدعـون إلى الوحـدة أيضـا، مـع تحفـظ بعـض رمـوز التيارين الإسلامي والقبــلي على الاتفاق مــع حكام الجنــوب، وهــو التحفــظ الــذي أنهــاه الرئيــس عبدالرحمــن الإرياني، عقــب التوقيــع على اتفــاق القاهــرة بقولــه لكبــار مسؤولي الدولــة في صنعــاء: الوحــدة اليمنيــة هــدف تاريخــي ولايمكن رفضـه، أمـا الاتفاقيات فيمكـن تعديلهــا في أي وقــت وفي عقــد الســبعينيات اســتمر الصــراع السياسي- والعســكري، بــين نظامــي الحكــم في الشــمال والجنــوب حينــا وبيـن الأجنحة والفرقـاء داخـل النظـام الواحـد أحيانـاً أخـرى، بينـا تواصلـت اللقــاءات الثنائيــة بــين الطرفــين الحاكمــين وعقــدت الاتفاقيات بشــأن تحقيــق الوحــدة، ومــن أبــرز تلــك الاتفاقيات:
• اتفاقيـة القاهـرة أكتوبر/تشريـن أول 1972.
• بيــان طرابلــس، نوفمبر/ترشيــن ثــاني 1972.
• لقاء الجزائر، سبتمبر/أيلول 1973.
• لقـاء تعـز- الحديـدة، نوفمبر/تشريـن 1973.
• لقاء قعطبة، فبراير/شباط 1977.
• بيان الكويت، مارس/آذار 1979.

وكان التوافــق يتــم على أن «تــذوب الشـخصية الدوليـة لـكل مـن الدولتين في كيــان دولي واحــد، وقيــام دولــة يمنية واحـدة»، كما نصـت على ذلـك اتفاقيـة القاهـرة، ومع ذلك اسـتمر كل طـرف يعمـل على تطبيـق الوحـدة وفـق رؤيتـه الخاصـة، وبـدأ كل طـرف يدعـم حـرب العصابـات ضـد الطـرف الآخر، فقــد دعــم الشـمـال الجنوبيــن الذيـن خسـروا المواجهات مـع الجبهـة القوميــة في وقــت ســابق، ليقومــوا بشـن حـرب عصابـات داخـل المناطق الجنوبيـة اسـتطاع النظام القضـاء عليها سريعاً، وكذلـك دعـم الجنـوب عناصر اليسار الشماليين لشـن حرب عصابات مماثلــة في المحافظات الشـمالية، وكان الشمـال أكثـر تضرراً مـن هـذا الـصراع، لأن اليساريين المدعومين مــن حــكام الجنــوب كانــوا أكـثـر خـبـرة وتنظيــماً، بينــما كانــت مؤسســات الدولــة في الشــمال وفي مقدمتهــا الجيــش تعاني الضعف والاختراق مــن تيــارات معارضة أبرزها تيار اليسار نفسه.

وظهـرت الأحزاب اليسارية في الشـمال أكـثـر تنظيـمـاً في العــام 1976 عندمــا شــكلت في عــدن (الجبهــة الوطنيــة الديمقراطية)، بهــدف إسقاط نظــام الشمـال وتحقيـق الوحـدة اليمنيـة وفي الثمانينيات تواصلــت اللقــاءات بــين القيادتين بعدمــا تــم الاتفاق على إيقــاف دعــم الأعمــال المعاديــة مـن الطرفين داخـل كل شـطر، وشـهد الشمـال بعـض الاستقرار فيما اسـتمرت الصراعات داخــل أجنحــة الحـزب الاشتراكي الحاكـم في الجنـوب، حتــى كانــت اتفاقيــة 30 نوفمبر عــام 1989 ،وتلاهــا التوقيــع النهائي على الوحدة بصيغتهــا الأخيرة التــي أعلنـت في 22 مايو/ايـار 1990 ،بذوبـان الشـخصية الدوليـة لـكل مـن الدولتين، وقيام الجمهورية اليمنية، وبمقتضى الإعلان تشـكل مجلـس رئاسـة مــن خمسـة أعضـاء، واختيـر عـلي عبداللـه صالــح رئيســاً لمجلس الرئاســة وعلي سالم البيض نائبا للرئيس.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد