بين الحرب والسياسة.. مستقبل حزب الإصـــلاح اليمني بعد 30 عامـاً من التأسيس الحلقة 1

2020-09-16 09:07:20 أخبار اليوم / نقلا عن أبعاد للدراسات والبحوث فؤاد مسعد


 بحلول شهر سبتمبر/ايلول 2020 يكون قد مضى على تأسيس حزب (التجمع اليمني للإصلاح) 30 عاما، حيث تم الإعلان عنه رسميا في 13 سبتمبر/ايلول 1990، بعد إعلان الوحدة بين شطري اليمن الشمالي والجنوبي، وقيام الجمهورية اليمنية، والاعلان عن التعددية السياسية والحزبية، لأول مرة بعدما كانت الحزبية محظورة في كلا الشطرين.

تمهيد
وبعد أشهر قليلة على تأسيسه غدا تجمع الإصلاح القوة السياسية الثالثة بعد الحزبين الحاكمين، (المؤتمر الشعبي بقيادة رئيس اليمن الموحد علي عبدالله صالح، والحزب الاشتراكي بقيادة نائبه علي سالم البيض)، وبات يشكل الصوت الأقوى والأكثر حضوراً في المعارضة السياسية، وعندما أجريت أول انتخابات برلمانية حصل الإصلاح على 63 مقعداً ليحل في المركز الثاني، بعد حزب المؤتمر الذي حصل على 123 مقعداً من إجمالي مقاعد مجلس النواب البالغة 301، وانتقل تبعاً لذلك من المعارضة إلى السلطة، ليشكل مع المؤتمر الشعبي والحزب الاشتراكي الذي حل في المركز الثالث بـ56 مقعد، ائتلافاً ثلاثياً للحكم.

 وما إن بدأ الائتلاف الجديد يتلمس الطريق حتى وقفت العقبات امامه، ووجد نفسه أمام أزمة سياسية عاصفة أودت بكل ما أنجزه الاتفاق، وتعطلت معها كل الجهود الرامية لإنهاء التوتر واستئناف الحياة السياسية، وصولاً إلى الحرب الشاملة التي استمرت زهاء شهرين بين مايو/ايار- يوليو/تموز 1994. وانتهت بانتصار الرئيس علي عبدالله صالح وحلفائه، وهزيمة علي سالم البيض وحزبه الاشتراكي الذي غادر بعدها السلطة، ليبدأ صالح وحزب التجمع اليمني للإصلاح تجربة ائتلاف ثنائي شكّل حكومة جديدة، ولم يتجاوز نصيب الإصلاح 8 حقائب وزارية بالإضافة إلى رئاسة مجلس النواب التي تولاها الشيخ/ عبدالله بن حسين الأحمر رئيس الحزب، ونائب ثان لرئيس مجلس الوزراء، شغله عبدالوهاب الآنسي الذي كان يشغل حينها الأمين العام للحزب.

تراجعت العلاقة التي كانت توصف بـ(الاستراتيجية) بين المؤتمر والإصلاح، حيث بدأ الأول في العمل على إقصاء حليفه والتضييق على كوادره وأعضائه في معظم الوزارات والمؤسسات الحكومية وفي مختلف المحافظات، وما إن أجريت انتخابات مجلس النواب في العام 1997 حتى خرج الإصلاح من السلطة، ودخل في حوار مع الأحزاب السياسية التي كانت منضوية في (مجلس التنسيق الأعلى لأحزاب المعارضة)، وتضم الحزب الاشتراكي والتنظيم الناصري، وحزب البعث القومي واتحاد القوى الشعبية وحزب الحق، وتوج ذلك الحوار بتشكيل اللقاء المشترك.

وبتأسيس اللقاء المشترك انتقلت المعارضة اليمنية إلى مرحلة جديدة من المواجهة السلمية مع النظام الحاكم الذي ظل يعمل بكل ما أوتي من قوة- ومن وسائل مشروعة وغير مشروعة على تثبيت نفسه في الحكم، واستغلال إمكانات الدولة ومواردها في سبيل تحقيق هدف الرئيس علي عبد الله صالح في البقاء حاكما إلى الأبد، وإزاء ما وصلت إليه أوضاع اليمن من انسداد أفق سياسي وتدهور اقتصادي وانفلات أمني وأزمات متلاحقة- بالإضافة إلى ما شهدته بلدان عربية من موجة ثورية عرفت بالربيع العربي، بدت الثورة الشعبية هي طريق الخلاص للشعب اليمني والقوى السياسية والاجتماعية التي وجدت أن النظام الحاكم أوصد أمامها كل سبل التغيير بالطرق السلمية.

وعلى الرغم أن دول الخليج العربي تدخلت بوضع مبادرة للانتقال السلمي للسلطة، ضمنت للرئيس صالح وأتباعه حصانة من أي ملاحقة جراء ما ارتكبوه خلال فترة الحكم التي امتدت زهاء ثلث قرن، كما ضمنت لحزبه شراكة في الحكم تتجاوز النصف، إلا أن صالح آثر العمل على محاربة الرئيس والحكومة الجديدين، وقرر الانتقام من كافة خصومه بالتحالف مع جماعة الحوثي التي خاض ضدها ست حروب بين عامي 2004 و 2009 ، وأسفر التعاون بين صالح والحوثي عن سقوط الدولة بالكامل في قبضة الأخير، خاصة بعدما سيطر على العاصمة صنعاء في سبتمبر/ايلول 2014، وكانت تصريحات الطرفين تأتي تلميحاً وتصريحاً أن الهدف هو حزب الإصلاح، خصم صالح الذي كان أبرز مكونات الثورة عليه، فيما سعت جماعة الحوثي أن لا يكون خلافها سياسيا مع الاصلاح بل تعتبره خصما أيديولوجيا على اعتبار أن مرجعية الحزب الإسلامية سنية، بينما يتبنى الحوثيون فكراً مناهضاً، هو خليط من إرث الزيدية المندثر وأفكار ثورية مستمدة من نظام إيران (ولاية الفقيه) ذات المرجع الشيعي الاثني عشري، وهذا التوجه هو نوع من تحويل الصراع في اليمن من صراع سياسي إلى صراع طائفي جربته إيران حليفة الحوثيين في لبنان والعراق ونجحت في احكام القبضة على مفاصل الحكم في الدولتين.
في الأشهر الثلاثة الأولى من العام 2015، حاصر الحوثيون الرئيس والحكومة ووضعوا الجميع تحت الإقامة الجبرية، وأعلنوا بياناً دستورياً نصبوا أنفسهم فيه حكاما على اليمن، وشرعت قواتهم في التوجه جنوباً وشرقاً لاستكمال السيطرة على بقية المحافظات وإخضاعها بالقوة، لكن مغادرة الرئيس عبدربه منصور هادي بطريقة سرية ووصوله إلى عدن أفسد طبخة الحوثي- صالح، سيما وأن الرئيس هادي نجح في إجراء لقاءات واتصالات مع دول الإقليم وعدد من السفراء، ولم تصل أولى طلائع الاجتياح الحوثي أطراف عدن إلا وقد أعلنت المملكة العربية السعودية عن انطلاق عاصفة الحزم وتشكيل تحالف عسكري داعم للشرعية اليمنية في مواجهة الانقلاب الحوثي- صالح، باسم التحالف العربي لدعم الشرعية.

كان ذلك اواخر مارس/أذار 2015، وحينها سارع حزب الإصلاح لإصدار بيان سياسي يؤيد عاصفة الحزم، ويجدد رفضه الانقلاب الحوثي، معززاً ذلك بالوقوف مع القيادة الشرعية ممثلة بالرئيس هادي، ودعم المقاومة الشعبية ضد الحوثيين، وتضم مختلف مكونات الشعب اليمني وأطيافه، ومع أن الحوثيين استأثروا الإصلاحيين بنصيب وافر من القتل والتنكيل والاختطافات والاعتقالات في مختلف المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم، إلا أن الإصلاح وجد نفسه وعناصره- بعد تحرير عدد من المحافظات من جماعة الحوثي- هدفاً لقوى محسوبة على التحالف العربي، ولا سيما في العاصمة المؤقتة عدن، حيث شارك المئات من أعضائه وقياداته في معارك التحرير، وقتل وأصيب العشرات منهم، ثم كان جزاؤهم بعد التحرير القتل والاغتيالات والمداهمات والاقتحامات، وإحراق مقراتهم وملاحقة نشطائهم وإطلاق الحملات الأمنية والإعلامية عليهم، مما زاد في معاناة الإصلاحيين الذين باتوا موزعين في الغالب على مواضع ثلاثة: إما التشريد خارج البلاد، أو البقاء في جحيم الحوثي، أو النزوح إلى مناطق محررة وآمنة ولو بشكل نسبي.
 
ملخص ومنهجية البحث
 يتناول البحث حزب التجمع اليمني للإصلاح باعتباره أكبر الأحزاب اليمنية في الوقت الراهن، وفي ظل الأوضاع العامة التي تعيشها اليمن منذ اندلاع الثورة الشعبية في العام 2011، حيث يقف الإصلاح في الحرب التي دخلت عامها السادس مع الحكومة الشرعية، في مواجهة جماعة الحوثي التي قادت انقلابا مسلحا على الدولة وعلى العملية السياسية أواخر العام 2014.

ويسلط البحث الضوء على النشأة الأولى للحركة الإسلامية اليمنية التي صارت تعرف بعد إعلان التعددية السياسية باسم «التجمع اليمني للإصلاح»، مع أهم وأبرز الظروف والعوامل التي ساهمت في النشأة، سواء من عوامل تاريخية وسياسية أو روافد فكرية وأيديولوجية، فضلاً عن ظروف الواقع اليمني المحلي وتشابكاته الخارجية.

ويركز البحث على أهم التحولات في مسيرة حزب الإصلاح خلال 30 سنة منذ تأسيسه في العام 1990، بدايةً بوجوده الفاعل والمؤثر في المعارضة السياسية خلال الفترة الانتقالية بعد الوحدة اليمنية، ومروراً بمشاركته في السلطة عقب حصوله على المركز الثاني في أول انتخابات نيابية عامة في أبريل/نيسان 1993، ثم عودته إلى مربع المعارضة إثر انتخابات البرلمان في العام 1997، وما أسفرت عنه التطورات بعد ذلك إبان انفراد نظام علي صالح بالحكم في أعقاب الانتخابات الرئاسية في العام 1999، والمحلية في العام 2001 ثم النيابية في العام 2003.

ويتناول البحث دور الإصلاح وشركائه في تكتل «اللقاء المشترك» في العقد الأخير من حكم صالح، ثم الثورة الشعبية، وأخيراً الانقلاب الحوثي، وما أفضى إليه من نشوب حرب شاملة.

كما يسلط البحث الضوء- باقتضاب- على مواقف الإصلاح من عدد من القضايا، ومنها قضايا المرأة والديمقراطية والعنف والإرهاب، والنظام الجمهوري، ويختتم بإشارات موجزة لأبرز التحديات التي تواجه الإصلاح في المرحلة الراهنة، ومحاولة الاجابة على تساؤل إن كان الحزب سيواصل مشواره السياسي ككتلة واحدة، مع قدرته في التمييز بين الأداء السياسي والعسكري في الحرب؟ أم أنه مهدد بالانقسام والتشظي، في ظل التحديات التي يواجهها كحزب، والمخاطر التي تهدد اليمن كدولة، مع وضع بعض التوصيات في ضوء ما توصل إليه البحث من نتائج.

واشتمل على خمسة مباحث يسبقها تمهيد وتتبعها خاتمة، تناول المبحث الأول نشأة الحركة الإسلامية اليمنية التي تشكل منها الإصلاح فيما بعد، وركز المبحث الثاني على انتقال الإصلاح من مرحلة الاحتشاد الجماهيري إلى العمل الحزبي السياسي، فيما ناقش المبحث الثالث مواقف الإصلاح من قضايا الديمقراطية والنظام الجمهوري والفكر الإمامي وكذلك موقفه من العنف والإرهاب، أما المبحث الرابع فتناول أهم المحطات التاريخية والسياسية في مسيرة حزب الإصلاح، وناقش المبحث الخامس والأخير ظروف الحزب في ظل الحرب التي تدور رحاها منذ نحو ست سنوات، فضلا عن ما يتعرض له الحزب بصفة خاصة من حملات سياسية وإعلامية واستهداف وجوده من قبل قوى محلية وأخرى خارجية.
واعتمد الباحث المنهج التاريخي لدراسة أحداث ووقائع الماضي القريب المتصلة بموضوع البحث، من أجل فهم أفضل للحاضر، ومن استشراف المستقبل بالشكل الأقرب للواقع وتداعياته، كما اعتمد المنهج الوصفي التحليلي لدراسة الوضع الراهن للحزب/ موضوع البحث، من حيث أهم خصائصه وملامحه، والعلاقات بين أطرافه ومكوناته، وتحليل بعض مضامينه بالتركيز على أهم محتوياته وتطوراته وارتباطاته، والعوامل المؤثرة فيه سلباً أو إيجابا.

كما استخدم الباحث أداة (إجراء المقابلات) التي شملت عددا من قيادات الحزب، بالإضافة إلى سياسيين وأكاديميين وباحثين ومهتمين من خارجه بهدف إثراء الدراسة بمضامين وأفكار وآراء متنوعة ومتعددة، تضمنتها المقابلات، التي شملت محاور عدة في البحث وأثـــْـرت بعض محتوياته.

المبحث الأول: النشأة والتأسيس
 تكاد تتوافق الدراسات التي تناولت تاريخ حزب الإصلاح على اعتباره امتداداً لحركة التجديد والإصلاح اليمنية التي ظهرت في القرون الثلاثة الأخيرة على يد عدد من العلماء والمفكرين والمصلحين أمثال محمد بن إسماعيل الأمير (1688-1769)، وصالح مهدي المقبلي (1720-1788)، ومحمد بن علي الشوكاني (1760-1834).

ومنذ ثلاثينيات القرن العشرين، بدأت تتبلور حركة تجديد ذات بعد فكري إسلامي في إطار حركة المعارضة اليمنية، بعد خروج بعض أفرادها من اليمن للدراسة في مصر، وهناك التقوا بتيارات فكرية وسياسية عدة، منها حركة الإخوان المسلمين المصرية التي تأسست في العام 1928 على يد حسن البنا، وتعزو مصادر تاريخية تقارب وجهتي نظر الطرفين (المعارضة اليمنية وحركة الإخوان)، إلى كون الأولى حركة إصلاحية دينية نهل معظم روادها من منابع الفكر الإسلامي ورموزه مثل: جمال الدين الأفغاني (1739-1897)، ومحمد عبده (1849- 1905)، وهو المنهل نفسه الذي نهل منه مؤسس الجماعة البنا وبقية مؤسسي جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي ظهر هذا التقارب وتعزز لاحقاً بفعل عوامل عدة، منها دعم جماعة الإخوان للحركة الوطنية اليمنية في الإعداد والتغطية والمواكبة السياسية والإعلامية لثورة الدستور اليمنية التي انطلقت في العام 1948، ضد الإمام يحيى حميد الدين لكنها فشلت بعد نحو عشرين يوماً على قيامها. وهذا ما جعل بعض المصادر ترى أن حركة المعارضة اليمنية- في بداياتها الأولى على الأقل- تمثل امتداداً فكرياً وتنظيمياً لحركة الإخوان المسلمين.

في خمسينيات القرن العشرين توسعت حركة المعارضة اليمنية، سيما في جمهورية مصر، حيث يوجد غالبية عناصر المعارضة سواء من غادروا اليمن فراراً من بطش الإمام أحمد حميد الدين بعد فشل ثورة 1948، أو من غادروا للدراسة في الجامعات المصرية. وقد أسهمت ثورة 23 يوليو 1952 بزعامة جمال عبدالناصر، في تعزيز تلك العلاقة بين الحكومة المصرية والمعارضة اليمنية، وأبدت مصر دعمها للمعارضة في مواجهة الاستعمار البريطاني جنوب اليمن، والحكم الإمامي في شماله. وقد أخذت المعارضة تتفاعل مع المحيط العربي والدولي، وما فيه من تيارات وأحزاب وقوى، وتأثروا بالأفكار التي كانت منتشرة في تلك الفترة، وقد تمكنت المعارضة من نسج علاقات واسعة مع التيارات الفكرية والسياسية، ومنها حركة الإخوان المسلمين والقوميين العرب والتيار الناصري وحزب البعث.

وبعد قيام الثورة اليمنية سبتمبر/أيلول 1962 ضد الحكم الإمامي في شمال اليمن، وأكتوبر/تشرين 1963 ضد الاستعمار البريطاني في الجنوب اليمني، برزت تيارات عدة على مستوى اليمن شماله وجنوبه، بينما أخذ الشباب الذين كانوا في الغالب محايدين إزاء صراعات التيارات الفكرية المحتدمة حينها بين القوميين والناصريين والماركسيين والبعثيين، يتجمعون تحت لافتة العمل الإسلامي، كانت البداية الأولى من خلال مجموعة من الطلاب اليمنيين في مصر، ثم تجدد العمل في اليمن بأشكال مختلفة.

 في عدن تجلت أنشطة الحركة الإسلامية من خلال المركز الإسلامي الذي أسسه الشيخ/ محمد بن سالم البيحاني، حيث برز شباب الحركة المتأثرون بأفكار التجديد الإسلامي، وفي المقدمة عمر سالم طرموم رئيس المركز، ومحمد علي البار الأمين العام للمركز، كما ظهر علماء كبار على تقارب مع شباب الحركة الإسلامية أمثال الشيخ/ علي باحميش، واستطاع شباب الحركة حينها نسج علاقات واسعة خارج محيط المركز الإسلامي، ومن أبرز الشخصيات التي جرى التنسيق معها الشخصية القوية في الجيش، العميد حسين عثمان عشال قائد الجيش الاتحادي في الجنوب اليمني.

وفي صنعاء كان مجموعة من ذوي الميول الفكرية الإسلامية بقيادة محمد محمود الزبيري، أحد أبرز القيادات التاريخية للمعارضة والثوار اليمنيين، قد شرعوا في التواصل مع أبناء القبائل وبعض الشيوخ، بهدف تنسيق المواقف لمواجهة حملات بقايا الحكم الإمامي التي لا زالت تحارب الثورة والنظام الجمهوري، وكانت تضلل أتباعها باستخدام الدين لاستثارة العاطفة الدينية لدى اليمنيين، وتقوم حملات الإمامة على اتهام الثوار بالكفر والعمل لصالح اليهود والنصارى، وقد كان لوجود الشباب الملتزمين دينياً تأثيره الفاعل في أوساط المجتمع القبلي، حيث أبطلت دعاية خصوم الثورة، واستمال الزبيري ومعه شيوخ قبائل وعلماء دين ومثقفون كثيراً من أبناء القبائل الذين كانوا يقاتلون الثورة لصالح فلول الحكم الإمامي.

وفي مدينة تعز بدأ الشاب/ عبده محمد المخلافي، وهو من أبرز مؤسسي العمل الإسلامي في اليمن، يجمع حوله عدداً من الشباب الذين شكلوا نواة للعمل الإسلامي، وكان عملهم أقرب لنشاط المركز الإسلامي في عدن، وذلك من خلال التوعية والتثقيف، ورغم أن المدينة كانت تعج بالتيارات المختلفة، فقد نجح المخلافي ومعه سعيد فرحان وعبدالسلام كرمان في تأسيس قاعدة قوية للحركة الإسلامية اليمنية.

ومُنيت الحركة الإسلامية بخسارة فادحة باغتيال الزبيري في العام 1965، لتبدأ بعدها جهود تجميع العمل الإسلامي تحت قيادة واحدة، تضم مناطق العمل الثلاث: صنعاء وعدن وتعز، ولما كان يتمتع به عبده المخلافي من سمات وقدرات اختير مسؤولاً عاماً عن العمل، حتى وفاته في العام 1969، وخلفه في قيادة الحركة الشيخ/عبدالمجيد الزنداني، خلال عقد السبعينيات، ومنذ العام 1979، آلت القيادة لأحد أبرز مؤسسي الحركة، وهو ياسين عبد العزيز القباطي الذي ظل في هذا الموقع حتى اعلان التعددية السياسية في العام 1990، وفيما شهدت أواخر الستينيات وبداية السبعينيات توسعاً ملحوظاً للحركة الإسلامية في شمال اليمن، فقد تمكن الماركسيون في جنوب اليمن من إحكام سيطرتهم على السلطة، ومارسوا كل أشكال القمع والتنكيل بالتيارات والأفكار المناوئة وفي مقدمتها التيار الإسلامي، ما أدى لإيقاف أعماله وانتقال كثير من عناصره إلى الخارج، واستقر بعضهم في شمال الوطن، واستأنفوا نشاطهم في إطار الحركة الإسلامية هناك.

ويمكن القول إن عقد السبعينيات شهد تنامي الحركة الإسلامية وانتشار أعضائها، خاصة في قطاع التربية والتعليم، وذلك بعد تأسيس جمعية للعلماء غدت منبراً معبراً عنهم، ومكتب الإرشاد ثم في فترة لاحقة المعاهد العلمية، ومنذ بدأ عهد الرئيس/ علي عبد الله صالح في يوليو/تموز 1978، باتت الحركة الإسلامية أكثر حضورا، وتحالفت مع الرئيس صالح لمواجهة خصومه في التيارات القومية واليسارية ، فقد وقفوا إلى جانبه ضد انقلاب التنظيم الناصري بعد ثلاثة اشهر من وصوله للحكم، كما تحالفوا معه ضد الذين كانوا يعملون على إسقاط نظامه بدعم من النظام الحاكم في عدن. وتجلى التحالف بين صالح والإسلاميين بداية الثمانينيات ميدانياً في المواجهات المسلحة في المناطق الوسطى ضد الجبهة الوطنية التي تضم عناصر اليسار، وسياسيا في تأسيس المؤتمر الشعبي العام الذي ضم مختلف التيارات السياسية، ودليله النظري الميثاق الوطني الذي غلبت عليه الصبغة الإسلامية.

وفي يوليو/تموز 1988، أجريت أول انتخابات برلمانية شاركت فيها معظم التيارات الفكرية والسياسية – ولكن بصورة غير معلنة لأن التعددية الحزبية كانت حينها محظورة- وحقق فيها التيار الإسلامي فوزا ملحوظا تمثل في الحصول على 36 مقعدا من إجمالي المقاعد البالغ عددها 128 مقعدا على مستوى الجمهورية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد