من الرياض إلى ستوكهولم.. مبادرات أممية وعربية شرعنت الانقلابات العسكرية على الشرعية اليمنية

2020-09-30 09:10:57 أخبار اليوم/ خاص

 

 

تشرعن الانقلابات بالاتفاقيات وترتبط ديمومتها بجهود السلام الدولية، التي تسعى دائما إلى إعادة ضبط مؤقت الحرب، لأجل غير مسمى، وتحديثها بمسميات أخرى.

 

وترسخ الانقلابات وسلطات الأمر الواقع بمدى خدمتها وإخلاصها في تنفيذ أجندات مشغليها، فيما يكسب الفعل الانقلابي صيغة شرعية من خلال اتصاله بالقوى الأجنبية، لضمان مصالحها مقابل الحصول على دعمهم الضمني عبر مُجابهة الأول لأي مُحاولة إصْلاح في البلاد، تقلص من نفوذ الأخير.

 

سطور تلخص حتمية المشهد اليمني الذي يزداد تعقيد وتدخل فيه الحرب الأهلية التي تجاوزت عامها الخامس، في غياهيب حروب أهلية متعددة على المنظور القريب، نتيجة التخبط والفوضى العارمة، من خلال العزف على سيمفونيات السلام، لتسخين الصراع لقلب المعادلات السياسية والعسكرية، لفرض واقع جديد يمضي في الصراع بالوكالة على خارطة الحرب باليمن، يقول البعض.

 

ويضيف آخرون: أن السلام كالحرب، معركة لها جيوش وحشود وخطط وأهداف، سياسة يستثمرها الانقلابيين عبر استحضاره السلام، وتسخينه بالنفخ في كيره الحرب التي أكلت الحرث والنسل.

 

ويرى مراقبون، مما سبق أن ذلك انعكاسات خاتمة حرب تصاغ لمساتها الأخيرة، باليمن، عقب أكثر من خمسة أعوم، من خلال تبني إستراتيجية الدفع بفكرة الهروب نحو السلام للنجاة من دمار أكبر، وحرف مسار الحرب، وتغير قواعد الاشتباك، ودوافع قادته وحساباتهم الإقليمية، وإخلال التوازن المفروض، وتقليص هامش المناورة السياسية والعسكرية للدفع بالحكومية الشرعية إلى خارج المشهد اليمني منفية ومجردة من النفوذ على الأرض.

 

وبحسب المراقبون، فأن تلك الانعكاسات وجدت طريقها للوجود بفضل اختلال موازين القوى التي خلقتها مبادرات السلام الهشة العربية والأممية، وأفضت إلى قراءة غير صحيح، لواقعية الأخطار والتبعات والأحداث المفاجئة من قبل الشرعية اليمنية، ومنظومة التحالف العربي الداعمة لها (السعودية _ الإمارات).

 

طلاسم إستراتيجية السلام الهشة التي تبناها المجتمع الدولي تجاه اليمن ممثلاُ بما يعرف باتفاق "استكهولم" بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي الانقلابية المدعومة إيرانياً في ديسمبر/ كانون الأول 2018 برعاية الأمم المتحدة، والذي عقبه اتفاق الرياض، كنتيجة لانحراف بوصلة التحالف العربي، بين الحكومة الشرعية اليمنية وما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً في بداية نوفمبر 2019، برعاية سعودية.

 

تمخض عنها سلطتين للأمر الواقع، وعاصمتين للقرار السياسي، وتنذر على المدى القريب بتقسيم التراب اليمن الموحد إلى يمنين، (شمالي وجنوبي)، يتقاسمها جماعة الحوثي الانقلابية المدعومة إيرانيا، بالهيمنة على القرار السياسي في صنعاء وبعض المناطق الشمالية، ومليشيا المجلس الانتقالي المدعومة إماراتيا، بالتفرد المطلق بالسلطة جنوبا.

 

صيغ السلام الأممية والعربية، أفرزت عنها شرعنه دولية وعربية للمليشيا الأمر الواقع في شمال وجنوب اليمن، وعمل على فتح نافذة تواصل لسلطات الانقلاب المدعوم إيرانياً شمال اليمن ومليشيا الانقلاب المدعوم إماراتياً جنوب البلاد، مع العالم الخارجي، وخلق منطلقا لتقسيم اليمن بين أبو ظبي وطهران، بمقابل تطوق عنق الدولية اليمنية سياسياً وعسكرياً، بالإضافة إلى إعدام الشرعية اليمنية بالحقن الانفصالية تارةً وبمقصلة التقاربات المحرمة تارة أخرى.

 

في هذه الورقة تناقش صحيفة "أخبار اليوم" كيف عمل اتفاق استكهولم والرياض، على شرعنه المليشيات المدعومة إيرانياً وإماراتياً في الشمال والجنوب اليمني، وخلق فرصة توصل لتلك الجماعات الانقلابية مع العالم الخارجي.

 

الورقة تناقض ايضاً مخاطر اتفاق الرياض واستكهولم على الدولة اليمنية الشرعية ووحدة اليمن جغرافيا وإنسانيا.

 

*اتفاق استكهولم

في 13 ديسمبر 2018، اجتمع في العاصمة السويدية ستوكهولم وفد عن الحكومة اليمنية الشرعية وجماعة الحوثي الانقلابية في حضور الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، حيث عقدت محادثات تمخضت عن اتفاق لوقف كامل لإطلاق النار وانسحاب عسكري لكافة الأطراف من محافظة الحديدة.

 

تضمن الاتفاق إشراف قوى محلية على النظام في المدينة، لتبقى الحديدة ممراً آمناً للمساعدات الإنسانية.

 

يقضي الاتفاق بانسحاب ميليشيات الحوثي من المدينة والميناء خلال 14 يوماً، وإزالة أي عوائق أو عقبات تحول دون قيام المؤسسات المحلية بأداء وظائفها.

 

الاتفاق ينص أيضاً على انسحاب الميليشيات من موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى إلى شمال طريق صنعاء، في مرحلة أولى خلال أسبوعين.

 

تشكيل لجنة للإشراف على إعادة انتشار القوات اليمنية في الحديدة بإشراف من الأمم المتحدة، على أن تتولى السلطات المحلية الإشراف على المدينة وفق القوانين اليمنية.

 

وستشرف لجنة تنسيق إعادة الانتشار على عمليات إعادة الانتشار والمراقبة، هذا إلى جانب عملية إزالة الألغام من الحديدة ومينائها.

 

وينص الاتفاق أيضاً، أن تودع جميع إيرادات موانئ الحديدة والصليف ورأس عيسى في البنك المركزي اليمني من خلال فرعه الموجود في الحديدة للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الخدمة المدنية بمحافظة الحديدة وجميع أنحاء اليمن.

 

*ماذا تحقق من الاتفاق؟

من خلال البنود السابقة التي في ظاهرة تبدو سامية لكنها تخفي تحت نصوصها ما يكفي لكبح التقدم العسكري لقوات الجيش الوطني في محافظة الحديدة التي كانت على وشك التحرر من مليشيا الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانياً.

 

وبحسب خبراء في الشأن اليمني، فقد كان اتفاق السويد عبارة عن عملية سلام هشة إعادة إنتاج الصراع في اليمن من جديد ليس أكثر.

 

فمنذ إعلان اتفاق السويد، فقد مني بإخفاقات كثيرة، عبر التراخي الأممي تجاه المعرقلين للاتفاق وعدم إلزامهم بتنفيذ بنوده أو عدم فرض عقوبات دولية على الأطراف التي تمنع مرور هذا الاتفاق في مدينة الحديدة، أو حتى تسمية هذه الطرف المعرقل عبر مراحل الاتفاق.

 

ويشير الخبراء إلى أن رضوخ المليشيات الحوثية للتوقيع على اتفاق ستوكهولم لا يعدو كونه مناورة سياسية لتجنب هزيمة عسكرية مؤكدة في الحديدة، ويدرك الجميع أن الأمم المتحدة استخدمت شعار الحل السياسي للأزمة اليمنية كورقة لإنقاذ الحوثيين كلما تكبدوا خسائر فادحة وهزائم عسكرية في بعض الجبهات، بدليل أن الجهود الأممية لا تنشط في هذا السياق إلا في حال تعرض الحوثيون لضغوط عسكرية وهزائم ميدانية، وهو مسعى مناف للقانون الدولي ولدستور الجمهورية اليمنية ولكل الدساتير والقوانين في العالم التي تجرم الانقلابات العسكرية وترفض تشكيل مليشيات إرهابية منغلقة تسعى لتكريس نظام حكم سلالي عنصري طائفي استبدادي، يتنافى مع التعددية السياسية وحقوق الإنسان والديمقراطية والحرية والمساواة.

 

في المقابل مكن الاتفاق وضغوط غريفيث، الحوثيين من التفرغ لمعارك ضد القوات الحكومية في جبهات أخرى.

 

جاء ذلك عقب الارتدادات التي أسفر عنها الاتفاق، بتواطؤ المجتمع الدولي مع التدخلات والأدوار السلبية لإيران التي تواصل تحدي الإرادة الدولية وانتهاك الحظر على الأسلحة وتزود الانقلابيين الحوثيين الموالين لها بالأسلحة المختلفة والتي ثبت أنها تدخل مباشرة في المعارك والقتال وبتاريخ تصنيع يعود إلى ما بعد قرار الحظر، كما أثبت ذلك خبراء أمميون.

 

تواطئ تمخض عنه تمكن الجماعة الحوثية، من حشد المزيد من السلاح والمقاتلين إلى محافظة الحديدة، والتصعيد في جبهات أخرى، والسيطرة على مناطق جديدة، مثل منطقة حجور في حجة، ومناطق أخرى في محافظات إب والضالع والجوف، ونهم وأخيرا في محافظة مأرب أخر معاقل الشرعية اليمنية.

 

كما أن الاتفاق أتاح المجال للمليشيات الحوثية للتفرغ تطوير قدراتها العسكرية بفضل الدعم الإيراني المستمر في مرأى ومسمع المجتمع الدولي، لتصل صواريخها البالستية وطائراتها المسيرة إلى عمق الأراضي السعودية.

 

ويرى مراقبون أن بنود الاتفاق لم تحقق للشرعية أي مكسب، بعكس ما أعطى الحوثيين أكثر مما يستحقونه، ومكنهم من توظيف قدراتهم العسكرية باتجاه جبهات أخرى مثل مأرب والجوف.

 

إلى ذلك عملت الجماعة الحوثي الانقلابية على إفراغ مضامين اتفاق ستوكهولم إلى نقاشات هامشية في مسائل تقنية، وتحويل اتفاق ستوكهولم إلى ما يشبه حصانة دولية لها.

 

وفي المحصلة، نستطيع القول إن اتفاق ستوكهولم أضر ضررا كبيرا بالقضية اليمنية، فهو من ناحية جزأها وفككها، من خلال التركيز على محافظة الحديدة وتجاهل وضع البلاد والانقلاب الحوثي بشكل عام، ومن ناحية ثانية، فالاتفاق جعل من المليشيات الحوثية الانقلابية طرفا موازيا للحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، وهو بذلك سلبها حقها القانوني والدستوري في القضاء على الانقلاب واستعادة سلطاتها وسلاحها المنهوب، ويشرعن للانقلاب الحوثي الكهنوتي الإرهابي، وهذا يعد تلاعبا خطيرا بالقضية اليمنية.

 

نستطيع القول إن اتفاق استكهولم سرع فتل خيوط التقاربات المحلية والدولية التي تسعى إلى تطويق عنق الشرعية اليمنية، ومهد الطريق نحو اتفاق الرياض الذي شرخ الدولة اليمنية الموحدة من خلال إعدامها بالحقن الانفصالية والتشطيرية.

 

*اتفاق الرياض

بدأت أحالت وجود الحكومة اليمنية الشرعية إلى العدم، في الخامس من نوفمبر 2019، تاريخ توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية وما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً.

 

تاريخ قضى بإصدار الحكم النهائي بإعدام الشرعية اليمنية بالحقن الانفصالية، عبر ما يعرف باتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية.

 

تاريخ اتفاق اعتبره البعض محاولة من قبل دول التحالف (السعودية، الإمارات) لتقسيم البلاد، بين محاصصة جهوية، في الجنوب وطائفية في الشمال، لإبعاد البلاد عن مشروع الدولة الاتحادية.

 

وفي الخامس من نوفمبر 2019م، وقعت الحكومة اليمنية مع وما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي برعاية السعودية، وسط خلافات سياسية حادّة وترحيل معظم الملفات الساخنة، السياسية والعسكرية.

 

يشمل الاتفاق على بنود رئيسية، إضافة إلى ملحق للترتيبات السياسية والاقتصادية، وملحق للترتيبات العسكرية وآخر للترتيبات الأمنية بين الطرفين التي شهدت قواتهما خلال الفترة الماضية نزاعا عسكريا وتبادلا للسيطرة على عدة مدن جنوبية خاصة عدن.

 

*وبنص على

- تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى (24) وزيرا يعين الرئيس أعضاءها بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية

- عودة جميع القوات - التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوة منذ بداية شهر أغسطس 2019 م - إلى مواقعها السابقة بكامل أفرادها وأسلحتها وتحل محلها قوات الأمن التابعة للسلطة المحلية في كل محافظة خلال 15 يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق

- توحيد قوات عسكرية، وترقيمها وضمها لوزارة الدفاع وإصدار القرارات اللازمة، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة تحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية في اليمن، خلال ستين يوما من تاريخ توقيع هذا الاتفاق

- إعادة تنظيم القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في محافظة عدن واختيار العناصر الجديدة فيها من قوات الشرعية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي، والعمل على تدريبها، وتعيين قائد لها، وترقم كقوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية

 

على صعيد متصل، ترى جهات سياسية مطلعة، أن اتفاق الرياض جاء ليؤسس لصراعات وحروب مستقبلية في اليمن من خلال منح استراحة للقوات الحكومية ومليشيا الانتقالي الجنوبي لإعادة ترتيب الأوراق.

 

وأضافت أن الاتفاق يستهدف إضعاف الدولة اليمنية وتقسيم اليمن مناطقيا وعنصريا ولم يعتمد على ثوابته الوطنية، ويفتح الباب مستقبلا لمناقشة القضية على أسس تختلف مع كل القرارات الدولية، فقد أجاز الخروج على أهم وثيقة سياسية وهي مخرجات الحوار الوطني في معالجة القضية الجنوبية والوحدة اليمنية.

 

فلم يضع الاتفاق حداً نهائياً للتمرد على الشرعية، ولم يتضمن دمج كل القوات التي جندتها الإمارات خارج إطار الشرعية ضمن قوات الجيش الوطني وتوزيعها على معسكرات الجيش"، بل منحها المسوغ القانوني والشرعي في السيطرة على الأراضي، وتسهيل عملية انتشارها تحت مبرر الدمج العسكري والأمني.

 

فريق أخرى يرى أن إنفاق الرياض يعد وثيقة تمنح دول التحالف حق الوصاية الكاملة على المحافظات الجنوبية، وتنتزع معظم صلاحيات الرئيس "عبدربه منصور هادي" وحكومته على الصعيد السياسي والاقتصادي والعسكري والأمني.

 

ووفقا لرواد هذا الفريق فأن اتفاق بموجبة حقنت الشرعية اليمنية بكينونات انفصالية ومليشيات تهدف إلى خدمة المشاريع الاستعمارية لبعض دول منظومة التحالف العربي، على حساب التراب اليمني الموحد.

 

*امتيازات إماراتية

منح اتفاق الرياض الذي رعاته المملكة دولة الإمارات بعض الامتيازات عبر الانتقالي الجنوبي، فقد وردت الكثير من الفقرات التي لم تحمل الانتقالي أي شيء بل تعطيه الكثير من الامتيازات والحقوق والحقائب والمشاركة في الحكم وصناعة القرار ليس في عدن أو المناطق الجنوبية بل في كل المناطق المحررة مع عدم التزام الانتقالي بأي بند سياسي أو أمني أو حقوقي، الأمر الذي سيمنح دولة الإمارات الغطاء الحكومي في الاستمرار بانتهاكات الإنسانية، والاعتقالات والتعذيب والتغييب، وموصلة مسلسل الاغتيال السياسي التي تمارسها في الجنوب اليمني.

 

بمعنى أخر الاتفاق أعاد تثبيت وتعزيز وتقوية دور الإمارات سواء بشكل مباشر عبر رعايتها المستمرة للاتفاق أو بشكل غير مباشر عبر أدواتها من المجلس الانتقالي وكذا الحفاظ على كامل سلاحها العسكري.

 

وفي موازاة ذلك يعد اتفاق، اعترافا ضمنيا بنوع من "الشرعية" للمجلس الانتقالي الذي لا تزال الأمم المتحدة المشرفة على عملية السلام بين الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي ترفض مشاركة ممثليه في جميع الاتفاقيات بين الطرفين.

 

ولا توجد قيود واقعية تضمن أن يحد الاتفاق من قدرات قوات المجلس الانتقالي الجنوبي على إمكانية فرض الأمر الواقع باستخدام القوة في مراحل لاحقة، فقد منح الاتفاق الانتقالي الجنوبي شرعية دولية لم يكُن يتمنّاها وسلطة واقعية قد تؤسّس لأزمات أعمق في المستقبل القريب، وهو ما تجلى بانقلاب حلفاء الإمارات على السلطات الشرعية في أرخبيل سقطرى في يونيو/ حزيران الماضي.

 

*حكم ذاتي

أدى اقتسام السلطة وفق "اتفاق الرياض" إلى تعزيز قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي من خلال الصلاحيات الإضافية داخل الحكومة والتي قد تفضي إلى منح المجلس سلطة "حكم ذاتي" في جنوبي اليمن يمكن له على المدى البعيد أن يؤدي مستقبلا إلى إقامة دولة مستقلة عن الشمال، وهو الهدف الذي يسعى إليه المجلس الانتقالي وتدعمه الإمارات.

 

وفي25 نيسان/ أبريل 2020، أعلن الانتقالي الجنوبي، حالة الطوارئ في مدينة عدن، والمحافظات اليمنية الجنوبية كافة، وتولّيه إدارتها ذاتيًا، عوضًا عن السلطات المحلية التابعة لحكومة الرئيس الشرعية، بذريعة تعذّر تنفيذ اتفاق الرياض، الذي وُقّع بين الجانبين، في 5 تشرين الثاني/ نوفمبر 2019.

 

وعقب تقديم السعودية آلية تسرع اتفاق الرياض حول اليمن تخلى حلفاء الإمارات عما اسموه بالإدارة الذاتية لبعض المحافظات الجنوبية لليمن.

 

في سياق متصل يقول خبراء في الشأن اليمني إن بعد اتفاق الرياض، الذي وقّعته حكومة الرئيس اليمني عبدربّه منصور هادي، وما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، في 5 نوفمبر 2019، ليس كما قبلة، فاللوبيات الدم وسماسرة الحروب اتخذوا من بنود الاتفاق، نخب لتقارباتهم المحرمة لإعادة هندسة النفوذ في الجنوب اليمني، من خلال الترحيل المؤقت للحرب الدائرة بين الحكومة اليمنية وما يعرف بالانتقالي الجنوبي، على خلفية انقلاب الأخير على السلطات الشرعية في العاشر من أغسطس.

 

في الأخير عملت السعودية ومن خلفها الإمارات، من خلال اتفاق الرياض على ترحيل المشكلات مؤقتاً، وهو ما يفتح باب الصراعات والقتال مرة أخرى، وسيساهم في زيادة إضعاف الحكومة اليمنية، من خلال حقنها بمليشيات مناطقية، انفصالية، التي ستجد نفسها في الأخير محشورة بين انتقالي الإمارات، وحوثي إيران"، التي تأملان من هذا الاتفاق ان يكون جسر عبور للتقارب معهم في ضل التقارب مع ولي أمرهم في طهران.

 

في معادلة أفضت إلى استئصال ما تبقى من كيان مُهْتَرِئٌ للشرعية اليمنية، من خارطة النفوذ السياسي والعسكري في الجنوب اليمني.

 

*جسر عبور

بعد توقيع "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، كسرت المملكة العربية السعودية، التي رعاة الاتفاق، طوق المحظورات باعترافها إجراء اتصالات مع المتمردين الحوثيين الذين تقاتلهم منذ عام 2015، حيث قال مسؤول سعودي بارز: "لدينا قناة مفتوحة مع الحوثيين منذ عام 2016 ولم يعطي المسؤول، أي تفاصيل إضافية حول طبيعة الاتصال.

 

دراماتيكية التحولات في السياسية السعودية، جاء بعد أسابيع فقط على الهجوم الصاروخي على منشآت أرامكو النفطية، التي حملت فيها الرياض مسؤولية الهجوم لطهران، نافية أن يكون لدى الحوثيين قدرة على تنفيذ مثل هذا الهجوم.

 

الترتيبات السعودية سبقها تمهيد إماراتي فقد قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات أنور قرقاش، إن للحوثيين دورٌ في مستقبل اليمن، متوقعاً أن يتحول اتفاق السلام بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبو ظبي إلى نقطة انطلاق لحل شامل ينهي الحرب في البلاد.

 

وبدت التصريحات الإماراتية، بشأن دور الحوثيين في مستقبل اليمن ليست معزولة عن تصريحات وخطوات سعودية ودولية أعقبت "اتفاق الرياض".

 

مما سبق يتضح أن الإمارات تحاول إعادة تعين مشهد الحرب كخلفية ثابتة في اليمن من خلال التماهي السعودي والتقارب الأخير مع الإيرانيين وحلفائهم في الشمال اليمني "الحوثيون"، للانقضاض على الدولة اليمنية.

 

ما تحاول الإمارات فرضه على الأرض يسعى إلى تفكيك اليمن على أسس مناطقية وجهوية "وذلك لم يكن لو اتفاق الرياض الذي رعته المملكة العربية السعودية.

 

*عرابي الانقلابات

من اتفاق ستوكهولم الذي قادته الأمم المتحدة إلى اتفاق الرياض الذي رعته السعودية فقد كان هناك عرابين رسخوا سلطات الانقلاب الحوثي المدعوم إيرانيا شمالاً، وثبتوا جذور الانقلاب المدعوم إماراتيا جنوب اليمن، من خلال اتفاق الرياض وستوكهولم.

 

المبعوث الأممي إلى اليمن " مارتن غريفيث" والسفير السعودي لدى اليمن "محمد آل جابر"

 

فيما يخص اتفاق ستوكهولم، فقد استفدت الجماعة الانقلابية من الاتفاق الأممي بفضل المجهود الأممي الذي قادة "غريفيث" من شرعنه انقلابها على السلطات الشرعية، والعمل على فتح قنوات تواصل مع العالم الخارجي.

 

واستطعت جماعة الحوثي من توظيف المبعوث الأممي عقب اتفاق ستوكهولم، كحلقة الوصل بين الجماعة وبعض دول الجوار الإقليمي والدولي الساعية إلى إقصاء الشرعية اليمنية من خارطة النفوذ السياسي والعسكري في اليمن، وتجاوز مرجعياتها الأساسية.

 

توظيف تمخض عنه خلق تكتل دولي ومحلي لا يؤمن بالحكومة الشرعية ومرجعياتها، تهدف إلى جعل الانقلابيين المدعومين إيرانيا وإماراتيا، يمثل تهديدا بتقسيم البلاد تهديدا حقيقيا، وفقا لخبراء في الشأن اليمني.

 

اتصالاً بذلك فقد تمكن المبعوث الأممي "مارتن غريفيث" من ترسيخ حلفاء الإمارات في جغرافيا الساحل الغربي لليمن من خلال أتفاق ستوكهولم.

 

في المقابل فقد تمكن السفير السعودي لدى اليمن "محمد آل جابر" من هندسة انتداب التحالف ونفوذه في الجنوب والشرق اليمني

 

"آل جابر" الذي يصفه كثيرون مهندس الإستراتيجية السعودية، وأمين سر النفوذ الإماراتي، وسمسار الانقلاب الحوثي في 21 أيلول سبتمبر 2014، وانقلاب ما يعرف بالانتقالي الجنوبي في أغسطس 2019.

 

استطاع أن يحول فكرة الدولة اليمنية الواحدة المرئية، إلى دولة تعاني من التشظي والتشذرم المهددة بشكل محسوس يرى بالعين المجردة.

 

المسؤول السعودي الأول في اليمن والمتحكم بقرار الحرب وإيقافها، وسط غياب الحسم 

العسكري، رسم منحنى تصاعدي للتباين بين الحكومة الشرعية ومنظومة التحالف العربي بقيادة 

السعودية، وذلك من خلال، إطالة أمد الحرب وتأجيل الحسم العسكري ضد أذرع إيران في اليمن 

(الحوثيون)، وإزاحة النفوذ الحكومي بالمناطق المحررة ومحاولة إضعافها واستنزافها عسكريا 

في معركتها الوجودية مع حلفاء الإمارات في الجغرافيا الجنوبية للبلاد عبر ابتزازها اقتصادياً.

 

في الأخير يحاول السفير السعودي في اليمن، استنساخ تجربة "بول بريمر" الحاكم المدني للعراق عقب الغزو الأميركي، بإعادة إنتاج الصراع في اليمن، من خلال ترسيخ الانفصال بين شمال وجنوب اليمن وتحقيق رغبة أمراء أبو ظبي، من خلال صياغته لما يعرف باتفاق الرياض والية تسريعه.

 

 

 

 

 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد