الممارسات المؤثرة على الحصول على الغذاء والصحة..

فريق الخبراء: سلطات الأمر الواقع ينتهكون الحق في المستوى المعيشي ولا سيما فيما يتعلق بكفاية الغذاء والمياه

2020-10-19 08:08:44 أخبار اليوم/ خاص الحلقة (9)

 



إن بعض السياسات التي تنتهجها أطراف النزاع، ولا سيما حكومة اليمن والحوثيين، قد تنتهك أيضا الحق في الغذاء المناسب، بما في ذلك الماء.
ففي عدن، على سبيل المثال، يعود انقطاع إمدادات المياه في بعض الأحيان إلى الأضرار التي تسببت بها الأعمال القتالية، وقد تلقى فريق الخبراء ادعاءات بتحويل مسار المياه إلى أعلى مزايد في مناطق القلوعة والصافي والزيتون بالقرب من مرتفعات عدن بالرغم من الشكاوى المرفوعة إلى سلطات المياه لكل من حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي.


وعلاوة على ذلك، فإن إغلاق مطار صنعاء الدولي منذ آب/ أغسطس 2016 وفق أوامر من الحكومة اليمنية والتحالف، أدى لمنع آلاف المدنيين من الحصول على الرعاية الصحية المنقذة للحياة والعلاج وإيصال الأدوية والمساعدات الإنسانية تم إجراء بعض الاستثناءات ولكنها تبقى غير كافية للتصدي للاحتياجات الإنسانية الهائلة.
على سبيل المثال فقد ورد ان المطار قد أعيد فتحه لأغراض إنسانية محدودة منذ 3 شباط/فبراير 2020، بوجود رحلة جوية تنقل 7 مرضى وبهدف شحن البضائع لاحقا للفيضانات في شهري آذار/مارس ونيسان/ابريل 2020 وأيضا للأدوية الضرورية منذ منتصف تموز/يوليو 2020. وبتاريخ 14 آذار/مارس أعلن الحوثيون بأن المطار سيغلق لأسبوعين بسبب مخاوف من انتشار جائحة كوفيد-19.
وعلى أية حال فإن إعادة فتحه بالكامل مرتبطة بمفاوضات السلام.
 
وفي الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون والحكومة اليمنية، وكذلك في الآونة الأخيرة في عدن التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي، فلا تتوفر المياه الصالحة للشرب والكهرباء للعديد من المدنيين. وعلى سبيل المثال، أجرى الفريق مقابلات مع سكان عدن، بمن فيهم النازحون داخلياً، الذين اشتكوا من عدم قدرتهم على الوصول إلى مياه البلدية أو من عدم القدرة على الاعتماد على هكذا وصول.
ونتيجة لهذا فقد اضطر العديد من الناس إلى شراء المياه في عبوات ماء بتكلفة كبيرة، الأمر الذي أدى إلى الحد من قوتهم الشرائية التي كانت ضعيفة أصلا. وبالنسبة للنازحين داخلياً والمجموعات الهشة الأخرى فإن الوضع شديد السوء.

 وتلقى الفريق ادعاءات وجمع معلومات إضافية عن حادثتين محددتين من حالات نقص المياه في عدن وإب. تتعلق إحدى الحالات بأولئك الموجودين في مناطق القلوعة والصافي والزيتون بالقرب من مرتفعات عدن، والذين لم يتلقوا منذ أيلول/سبتمبر 2019 أي مياه بلدية.
وبالإضافة إلى ذلك، يُزعم أن المياه تُحول في هذه المناطق لأغراض الاستخدام الخاص والتربح. ويفرض على سكان هذه المناطق والمرتفعات شراء المياه التي لا يستطيعون تحمل ثمنها و/أو السير لمسافات طويلة جداً لاسترداد المياه من أنابيب بلدية أخرى. كما أن كل من حكومة اليمن والمجلس الانتقالي الجنوبي يدعون أن الإخفاق في تأمين المياه يرجع ببساطة إلى التحديات التي تواجه البنية التحتية ولكن يبدو أنهم يهملون واجبهم في استخدام أقصى الموارد لتوفير المياه لهذه المناطق.
 
وكمثال آخر، في تعز، أبلغ الفريق أن معظم المنازل لا تحتوي على مياه في الأنابيب. وهذا يعني أن أغلب الناس يعتمدون على شاحنات المياه في الحصول على المياه. إن هذا الشكل من إمدادات المياه باهظ التكاليف، حيث يقال إن تكلفتها كانت تتراوح بين ستة إلى ثمانية أضعاف ما كانت عليه قبل النزاع.
وبالنسبة للمنازل التي لديها أنابيب مياه، تفيد التقارير بأن المياه لا تصل إلا لفترة نصف شهرية.
وفي المناطق التي تسيطر عليها حكومة اليمن، يستطيع الناس أن يستخدموا العملات النقدية الجديدة والقديمة في البنوك لتغطية تكاليف المياه المحملة بالشاحنات والصهاريج، في حين أن العملة الجديدة لا تحظى بالقبول عموماً في المناطق التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، الأمر الذي يؤدي إلى المزيد من الشلل للقوة الشرائية للأفراد.
 
إن محدودية المياه لها أثر ضار على صحة المدنيين. تتزايد حالات الكوليرا بسبب نقص مياه الشرب النظيفة بينما تزداد حمى الضنك والشيكونغونيا مع تخزين الناس لمصادر المياه وحصاد ما يمكنهم العثور عليه من مياه وبالتالي تشجيع انتشار البعوض. كما أن أمراض الجلد تزداد في جميع أنحاء اليمن بسبب عدم القدرة على الوصول إلى المياه.
وعلاوة على ذلك، وفي أوقات تشهد انتشار جائحة كوفيد-19، فإن تضاؤل إمكانية الحصول على المياه يثير قلقا خاصا نظرا لضرورة توفير المياه لممارسة إجراءات النظافة العامة السليمة وإجراءات الوقاية. وتعتبر نسبة الوفيات جراء فيروس كوفيد-19 البالغ 25 بالمائة في اليمن من أعلى المعدلات في العالم.

 وفي اليمن، فإن مسؤولية جمع المياه للمنازل تقع على عاتق النساء والفتيات، وحتى أن هذه المسؤولية ازدادت نظرا لأن النزاع زاد من عدد العائلات التي ترعاها النساء. ويلقي انقطاع إمدادات المياه عن طريق المواسير عبئا متزايدا على النساء والفتيات من أجل التنقل إلى أماكن أخرى للحصول على المياه، مما يعرضهن لخطر متزايد يتمثل في الضرر والعنف المباشر من جانب الأطراف المتنازعة.
وبالإضافة إلى ذلك، فإنه ينطوي أيضا على مخاطر ذات آثار طويلة الأجل على النساء والفتيات في جوانب أخرى، مثل التأثير على حصول الفتيات على التعليم، حيث تبين أن التطور السابق لإمدادات المياه في اليمن يرتبط بزيادة التحاق الفتيات بالمدارس.
 
وعلى غرار هذا العجز في الحصول على المياه، تعاني مناطق عديدة في اليمن أيضاً من نقص الكهرباء أو انقطاع الكهرباء في أفضل تقدير. واشتكى من أجريت معهم المقابلات من عدم انتظام الحصول على الكهرباء.
وفي عدن، يختلف توافر الكهرباء من منطقة إلى أخرى، ويتلقى بعض المناطق الكهرباء كل 3-4 ساعات بينما لا تحصل مناطق أخرى على الكهرباء إلا لبضع ساعات يوميا أو كل بضعة أيام. ولقد أدى هذا إلى تدهور قدرة الناس على تخزين الغذاء، وخاصة المواد التي تحتوي على البروتين مثل اللحوم الطازجة وأثر سلبيا على قدرة صيادي الأسماك على تبريد الصيد البحري مما أدى إلى تقليص المعروض من الغذاء والتأثير على الأسواق.
كما أن الكهرباء التي لا يمكن التنبؤ بها تهدد بشكل كبير نظام الرعاية الصحية الذي يعاني بالأصل.
 كما ساهمت سياسات أخرى بتدهور بارز لقدرة اليمنيين الشرائية الضعيفة بالأصل. فنظام البنك المركزي المزدوج الذي قيد من قدرة حصول اليمنيين على النقد منذ العام 2016، أدى إلى ابتكار وتنظيم العملات البديلة وفاقم من زعزعة الاقتصاد.
على سبيل المثال، بدأ البنك المركزي اليمني المنقول إلى عدن من قبل الرئيس هادي عام 2016 بطباعة أوراق نقدية جديدة بينما استمر البنك المركزي في صنعاء أيضا بطباعة أوراق جديدة.
ولقد أدى هذا إلى تعقيد نظام الصرف المتوتر بالأصل في اليمن إلى المزيد من خفض قيمة الريال اليمني والمساهمة في خفض قيمة العملة والتضخم والسوق السوداء.
وقد بلغت التعقيدات ارتفاعات جديدة في كانون الأول/ديسمبر 2019 عندما حظرت سلطات الأمر الواقع استخدام الأوراق النقدية المطبوعة حديثاً من البنك المركزي في عدن على أراضيها. كما أدت العملات المزدوجة إلى زيادة الرسوم على التحويلات المالية. على سبيل المثال، حتى في الفترة من آذار/مارس إلى أيار/مايو 2020، أصبحت الكلفة لنفس المبلغ (30.00 ريال على سبيل المثال) 1
.950 ريال إضافية لإرسالها من عدن إلى صنعاء (آذار/مارس: 450,3 ريال وفي ايار/مايو 400,5 ريال).
 وقد أشار الفريق سابقا إلى الإخفاق في دفع مرتبات الموظّفين المدنيين في اليمن بشكل منتظم أو عدم الدفع كلياً منذ 2016.
ولا يزال يتم الإبلاغ عن بعض التأخيرات في دفع المرتبات من قبل الحكومة اليمنية في عام 2020 بما في ذلك عدم الانتظام في دفع رواتب القطاع العام في المحافظات الجنوبية وعدم دفع الرواتب نهائيا في الشمال. إن فشل حكومة اليمن في دفع هذه المرتبات، وكذلك الطريقة التي تدفع بها الرواتب بشكل غير منتظم، يدفع بعض العمال اليمنيين وأسرهم إلى المزيد من الفقر، ويضعف حقوقهم في العمل والصحة ومستوى المعيشة والتعليم وحتى الحياة.
وقد أبلغ أحد موظفي وزارة التعليم في حكومة اليمن الفريق بأنه لم يتلق أي راتب بين 2015 و2018. وذكر آخر أنه لم يتلق راتبًا من آذار/مارس 2018 حتى الآن، وقال أشخاص آخرون أجريت معهم مقابلات إن مرتباتهم غير منتظمة (لذا فعندما يتلقون راتبًا، سيكون دفع راتب واحد لكل فترة تتراوح بين 3 و6 أشهر).
وفي الشمال، وجد الفريق أن انعدام رواتب مديري المدارس والمعلمين بشكل خاص قد مثل عاملا محفزا مكَّن من عملية تجنيد الحوثيين للأطفال في المدارس. كما أدى تخفيض قيمة الريال اليمني إلى تقليص القيمة الحقيقية للمرتبات التي يتم تلقيها. وأوضح أحد الوزراء أن صافي راتبه الشهري يعادل 400 دولار أمريكي تقريباً في عام 2015، ولكنه الآن لا يساوي سوى 121 دولاراً أمريكياً. وبالتوازي مع هذا، وبحسب البنك الدولي، في نيسان/أبريل 2020، أعلن الحوثيون دفع رواتب «نصف شهر « لجميع موظفي القطاع العام في الشمال.
إن هذه الأوضاع من عدم انتظام دفع المرتبات أو عدم دفعها يزيد سوءًا الاقتصاد غير المستقر بالأصل ويؤدي بجميع من يعيش في اليمن لأن يصبح ضعيفا أمام أي ارتفاع في الاسعار.
 
وأشار العديد من اليمنيين الذين قابلهم الفريق إلى أنه حتى عندما تتوفر المواد الغذائية والمياه والأدوية والوقود، فإنها مكلفة إلى حد كبير.
وقد ساهمت القيود المفروضة منذ العام 2015 على الواردات والوصول إلى ميناء الحديدة في إحداث أزمة وقود من صنع الإنسان وارتفاع الأسعار في ظل خلفية من انخفاض قيمة العملة.
وكانت ضوابط الموانئ تعني أن الاستيراد الوحيد الذي يأتي عبر ميناء الحديدة كان الوقود لعدة سنوات تقريبا، وحتى في هذه الحالة، كان يوجد تأخير في كثير من الأحيان، ربما بسبب الفساد والنية إلى تضخيم أسعار الوقود.
يجب أن تمر كل شحنات الوقود المتجهة إلى ميناء الحديدة الذي يسيطر عليه الحوثيون عبر آلية الأمم المتحدة للتحقق والتفتيش (UNVIM) ثم عبر الميناء والإرساء قبل أن يتم شراء الوقود واستخدامه في اليمن، الأمر الذي يساهم في ارتفاع أسعار الوقود في اليمن. ولم يتم الإبلاغ سوى عن استثناءات قليلة تمكن فيها، على سبيل المثال، برنامج الأغذية العالمي، واليونيسيف، ووكالات المعونة الطبية من الحصول على السلع عبر الحديدة.

الاستنتاجات القانونية

وخلص فريق الخبراء إلى أن ما اتخذته حكومة اليمن من إجراءات وما غفلت عنه، وإلى أن سلطات الأمر الواقع ينتهكون الحق في مستوى معيشي ملائم، ولا سيما فيما يتعلق بكفاية الغذاء والمياه. كما أن أوجه الإخفاق في هذه المجالات تؤثر سلبيا بالتمتع بالحقوق الأخرى، مثل الحق في الصحة.
وخلص الفريق إلى أن الحوثيين تدخلوا في توفير المساعدات الإنسانية انتهاكا لالتزاماتهم الدولية بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني. إن إعاقة إمدادات الإغاثة عمداً تشكل جزءاً من جريمة الحرب المتمثلة في استخدام الجوع كوسيلة من أساليب الحرب التي اقرت بموجب القانون الدولي العرفي. كما وقد خلص الفريق إلى أن جميع أطراف النزاع قد أعاقت العمليات الإنسانية وقدرة الناس على الحصول على الغذاء والرعاية الصحية.
ويعتقد الفريق أن الحالة الإنسانية المتردية في اليمن يمكن التخفيف من حدتها إلى حد كبير إذا بدأت أطراف النزاع باحترام التزاماتها بموجب القانون الدولي والامتثال لها.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد