النسوية .. قراءة في الخلفية المعرفية لخطاب المرأة في الغرب .. الحلقة (2)

2007-12-09 13:01:11

تفرض القراءات السياسية الفكرية وجودها على واقع الوعي البشري وفي الخطاب الغربي المعاصر بفعل حوار الحضارات وتعدد الثقافات تهيمن الرؤى الثقافية ذات المرجعيات الفكرية والنسوية احدى هذه المنطلقات التي تعتمد المرجعية الثقافية وبشكل أو بآخر هي توجه سياسي نشأ في الغرب ويطرح نفسه في مشروع معاصر في الثقافة العربية وانطلاقا من قراءة الأبعاد المعرفية( الابستمولوجية) للنسوية يقدم الأستاذ الدكتور/ رياض عبد الحبيب القرشي كتابه المعنون ب( النسوية_قراءة في الخلفية المعرفية لخطاب المرأة في الغرب) للقارئ اليمني والصادر عن دار حضرموت للنشر اذ يعد هذا الكتاب من اهم الكتب الفكرية في الساحة العربية فقد اعتمد المفكر رياض القرشي في بحثه هذا على الأطر الثقافية التي تهيمن على الخطاب الأنثوي مناقشا فكرة ( الخلود) وفكرة العصمة في قصة الخلق وكذلك الخلفية المعرفية والمواقف من المرأة في التوراة وكذلك النظرة الدينية المسيحية للمرأة موضحا معنى "النسوية" في المصطلح والمفهوم وأيضا التأثيرات التراثية في الفكر الغربي وفي قضية المرأة

وإيمانا منا بجهد المفكر والباحث الأستاذ رياض القرشي في بحثه الجديد والمعايير لكل خطاب التنظير في الفكر العربي نقوم بنشر هذا الكتاب بشكل يومي -على سلسلة حلقات- لما له من اهمية عظمى تفسر معنى النسوية والنقد النسوي في الفكر الديني والمجتمعي العام حيث سيلي هذا الكتاب كتاب اخر يبرز مفهوم النسوية في النص القرآني :

ثالثاً: الثقافة والتغلغل النصي:

بالرغم من إدراك ان «التأثير الثقافي المهيمن» يخلق ثقافة «لا واعية» في تناول المصطلح أو في ممارسة السلوك أو في الكتابة أو غيرها، في المجتمعات «المتلقية» للثقافة المهيمنة، والتي أثبتتها الدراسات المتخصصة في قضايا الثقافة أو «التبادل الثقافي» أو ما كان يسمى ب«الثقافة الامبريالية» ودورها في صبغ مجتمعات العالم الثالث بصبغة «ثقافية» تؤدي إلى تمييع ثقافتها الخاصة، وإحلال تتبع «لا واعي» للثقافة المسيطرة وبخاصة في مجال «الهيمنة الإعلامية» المعاصرة، فإن تلقي مصطلح «النسوية» واشكالاتها، وصبغ قضايا المرأة بنفس اشكالات الواقع الغربي هو ما تعاني منه قضايا المرأة العربية الإسلامية أيضاً وهو ما سبق تناوله من قبل النسويات في أميركا اللاتينية وفي أفريقيا وغيرها.

ولا يعني هذا رفض «التثاقف» ولكننا نجد في مناهج السيميوطيقا ونظريات «التلقي» واستجابة القارئ ما يمكننا من تجاوز «فكرة التأثير غير الواعي، إذ ان هذه النظريات تضع أسساً للتثاقف يقوم على «تجاوز» التناول الحرفي للمصطلح أو للفكر وذلك لأنها تفترض: ان الناس تفض شفرات «decode» ورموز النصوص بأساليب وطرق مختلفة، تعتمد على خلفياتهم الثقافية، والمستويات الاجتماعية الاقتصادية لهم. . «علم العلامات».

أو أن: كل فرد يضفي المعنى على النص بطريقته الخاصة «استجابة القارئ»، وان مثل هذه «الفرضيات» تقتضي «وعياً» ثقافياً مجتمعياً أيضاً في المجتمعات المتلقية، حتى تتحقق مثل هذه القراءة التي يمكن وصفها بأنها قراءة «تفاعلية» لا «متلقية» فقط، ومعروف ان هذه الثقافة المجتمعية لا تنفصل عن كونها بدايات فردية مشتتة، لابد ان يكتب لها الالتئام الثقافي المجتمعي مع استمرارها وافية بالأسس العلمية التي تتطلبها قراءة النصوص.

ولعله من المفارقات ان نجد ان التلقي «التابع» قد يتم تشجيعه حتى وان أدى ذلك إلى محو الخصوصيات كما في مصطلح «النسوية» واشكالاته الثقافية، في حين ان مصطلحات أخرى يتم إلصاقها بثقافة ما- مثل الثقافة العربية والإسلامية- في الوقت الذي يتم فيه محو المصدر الذي انتج هذه «الملصقة» الذي غالباً لا تكون الثقافة نفسها التي ألصق بها هذا المصطلح، مثل مصطلح «العنف».

وإذا كان «العنف» قد مورس على المرأة/الآخر في الثقافة الغربية فإن مرتكزات «الثقافة الغربية» الحديثة قد قامت على دعامة «العنف» حتى قد ترسخ في السلوك كما في الفكر إذ ان تقسيم «الآخر» على أساس: «الخير والشر».

كما انطبق على الرجل والمرأة، نجده تماماً هو ما مارسته الحضارة الغربية في ثقافتها وسلوكها تجاه الآخر «رجل وامرأة» في الشعوب «التي لا تنتمي إلى الحضارة الغربية» ولذلك نجد أن جانباً من الدراسات يلتقط «دلالات» الأحداث التاريخية وانعكاسات «القيم» المكتوبة لتدلل على المعاني التي تتجلى في هذه الحضارة أو تلك الثقافة ومنها بعض المظاهر أو المؤشرات أو تلك الثقافة ومنها بعض المظاهر أو المؤشرات التي نكتفي بها لأنه ليس هدفنا هنا الاستقصاء وانما الدلالة فقط، إذ كشفت ذلك دراسات غربية واسهبت في دراسة التاريخ وناقشت القيم الفلسفية بوصفها مظاهر لهذه الحضارة، ومن ذلك:

- ان الثورة الفرنسية تمثل مفتاح الحضارة الغربية المعاصرة وهي في الوقت نفسه تمثل مصدر الرعب أو الإرهاب الذي يقوم على «المدنيين المسلحين» تجاه المجتمع، حتى اصبح «العنف» هو القابلة Midwife في توليد احداث التاريخ بعد ذلك.

- ان ثقافة العنف تمتد- ايضاً- إلى «نابليون» حيث وقف وراء انتصاراته الاعتماد على «الوطنيين المتحمسين للدفاع والتضحية عن الوطن» Patriots «حيث ينزع هؤلاء إلى القتل من أجل هدفهم وغاياتهم» تحت نزعة: The

civic religion of Nationalism اي «المواطن الذي

ينظر إلى تحقيق هدفه بوصفه واجباً دينياً مقدسا».

- صاغت فلسفة «هيجل» هذه الممارسات في السلوك الغربي:

فكتب بأن الإنسان يرغب في الموت من أجل قيمة عظيمة هي افضل من الحياة نفسها، وأوحت كتاباته في المقابل:

ان الإنسان يرغب في القتل من أجل سبب عظيم أيضاً، ولذلك يجد الباحثون ان «الحداثة» الأوروبية استندت إلى فلسفة العنف تجاه «الآخر»، وبخاصة مع التوسع الغربي لاحتلال بلدان العالم غير الأوروبي.

ولعل من أهم مخاطر هذه النزعة أنه: نشأ النزوع نحو العنف بلا معنى وبلا هدف أيضاً وبخاصة مع الشعار الحضاري الغربي: The West and The rest إذ تشكل من هذا كله، ومن الممارسات التي استمرت منذ حركة الاستعمار حتى التاريخ المعاصر، نزوعاً آخر يميل إلى العنف من أجل «حقوق» يراها «وطنية» أو «قومية» أو دينية مقدسة» وهكذا.

ولذلك لا يمكن فصل قضايا النسوية واشكالاتها عن هذه الاشكالات العامة لأنها في النهاية تتشابك فكراً وسلوكاً في كل الثقافات المعاصرة، في الابداع الأدبي والنقدي كما في الفلسفة والتشريع «. . . ».

ويعد اختيار المبدع لموضوعاته- في الرواية مثلاً- نتاجاً لرؤية يحملها، وهذه الرؤية تتشكل في ثنايا ابداعه متوزعة بين الوظائف والأحداث، والصياغات المختلفة التي قد تتميز هنا بسمة ما، وتند عنها سمة أخرى هناك، ووراء كل ذلك «ثقافة» توجه اسلوب المعالجة وطرق التناول، وتحدد اتجاه الموقف، وتكشف لوناً أو الواناً من «المواقف»: تعارضاً، أو توافقاً، أو هدماً أو بناءً، وهكذا.

وفي تجليات الفكر النسوي والموقف منه، يمكننا ان نجد مواقف جزئية بين الاحداث ولكنها ذات دلالة موحية فيما نحن بصدده، وفي هذا المجال يمكننا ان نقتبس من رواية «شفرة دافنشي» ل«دان براون» مقطوعات توضح ثقافة التهميش والاقصاء في الفكر الغربي «للآخر» الذي يمثل غير «الرجل الغربي الأبيض»، حيث يتجلى هذا الآخر في المرأة بالدرجة الأولى، وكيف ان هذا الفكر اعتمد على «البعد الديني».

يقول المؤلف: ان النساء حتى إذا كن اتباع طائفة دينية أو مذهبية. . كن مجبرات على تنظيف غرف الرجال وقاعاتهم دون أجر، وذلك أثناء وجود الرجال في القداس.

وان النساءينمن على ارض خشبية خاصة، بينما ينام الرجال على حصائر من القش، وكانت النساء مجبرات على تحمل متطلبات اضافية من طقوس التعذيب الذاتي «. . . » وكل ذلك كان عقوبة اضافية، تكفيراً عن الخطيئة الأصلية.

ويقول معلقاً: يبدو ان قضمة حواء من تفاحة المعرفة كان ديناً، كتب على النساء ان يؤدينه إلى الأبد ويؤكد تأثر «الفلسفة المسيحية» من خلال نصوص «التوراة» إذ يخبرنا «سفر التكوين» ان حواء خلقت من ضلع آدم، وبذلك اصبحت المرأة فرعاً من الرجل، والأسوأ هو انها ارتكبت خطيئة من اجل ذلك.

لقد كان «سفر التكوين» هو بداية النهاية للأنثى، وبالرغم من ان سياق النص يدور حول محور «إنسانية المسيح» عليه السلام وان يسوع كان أول نصير للمرأة، فإن دور الكنيسة في اضفاء «الصفات الشيطانية» بالأنثى، وتأكيد «السيطرة الذكورية Patriarchy» لم تكن إلا من فعل الرجل «وليس الرب».

وان هذا الإنسان الرجل هو الذي اخترع فكرة الخطيئة وان حواء سببت طرد الجنس البشري من الجنة إلى الأرض فأصبحت المرأة «عدو الإنسانية» ولهذا يذهب المؤلف إلى ان «الانجيل هو كتاب من تأليف بشر». . .

ولم ينزل بوحي من الإله فهو ابتكار الإنسان الذي ألفه لتسجيل الأحداث التاريخية في تلك العصور التي طبعتها النزاعات والفتن.

ومن اجل ترسيخ هذه الأفكار المضادة للمرأة عمدت محاكم التفتيش الكاثوليكية إلى معاقبة «القابلة»- التي تساعد الحامل على الولادة وتخفيف آلامها- بالبحث عنها وتعذيبها وقتلها: لأنها تخالف ما ارادته العدالة الإلهية من فرض الآلام على النساء عقاباً لهن على ذنب حواء التي اكلت من تفاحة المعرفة. . . واطلق على النساء اللاتي يقمن بذلك أو يقبلنه : «النساء الملحدات ذوات الافكار المتحررة» ونشرت تعليمات تبين كيف يتم تتبع «القابلات» ومعاقبتهن وقتلهن.

رابعاً: تأثيرات «الطفولة البشرية» ومراهقتها:

ليس غريباً ان تكون نصوص التوراة ذات تأثير في كل المؤمنين من اتباع الأديان الثلاثة السماوية بخاصة، وفي غيرهم من البشر الذين- من المؤكد- اتصالهم بهم وتواصلهم معهم، فالبشرية في أول تجربة لحمل تكاليف «الرسالة السماوية» كانت مع «التوراة» التي حملها «موسى عليه السلام» والتي اطلق عليها «اليهودية».

فانتشرت في كثير من مراكز التجمعات البشرية- حينها- في مصر وفلسطين واعتنقها اليمنيون، وفي هذا دلالة على الاتساع التأثيري فيما بين مصر واليمن والشام، ثم العراق وبلاد فارس، ومع الانتقال والهجرات إلى غيرها من البلدان.

وكان «النص التوراتي» هو المرجعية «للنص الانجيلي» بعد ذلك، حتى كادت ثقافته تتسرب إلى ثقافات شعوب كثيرة:

- اما بالانتماء أو التبعية المرجعية كما في اليهودية والمسيحية.

- واما بالتأثير والتأثر القومي أو الاتصالي بين الأمم كما في «اليهودية والعرب».

وفي الحالة الثانية انتقل تأثير التراث الثقافي اليهودي إلى العرب واثر فيهم حتى بعد انتمائهم الديني إلى «الإسلامي».

فاليهودية تمثل التجربة البشرية الأولى لمسألة «الدين» «الرسالة» والعلاقة بين الإنسان والإله والكون.

ولذلك لاشك في انتقال كثير من المفاهيم الحياتية من نصوص التوراة في مجال العلاقة مع المرأة أو النظر إلى مكانة الرجل، وبخاصة وقد مثل معتنقو اليهودية في الجزيرة العربية قبل الإسلام الفئة الأكثر فهماً للديانات، والعلم بالكتب المنزلة وقراءتها وشرحها لقومهم من العرب في جوانب تاريخ الأمم السابقة وقصصها واخبارها، ومنها قصة الخلق الأول.

ومن هذا المنطلق لم يجد بعض المفسرين للنص القرآني حرجاً في تداول تفاصيل القصص القرآني في كتبهم من خلال ما رواه «الأحبار» اليهود سواء قبل الإسلام أو بعد الإسلام، وسواء تم تداول تلك القصص مع الأحبار الذين اعتنقوا الإسلام أو مع غيرهم.

ولأن الأديان الثلاثة تخرج من مصدرية واحدة، فلابد ان يتشكل فيما بينها سمات الالتقاء، والاتفاق، كما يتشكل بينها التكامل والتمام وبسبب التدخل البشري في النصوص تأليفاً- كما في التوراة والانجيل -وتفسيراً وتأويلاً، كما في تفسير القرآن، تنشأ كذلك وتتشكل ملامح الاختلاف والتباين وفي كل هذه السياقات يتبدى روح التناص وفاعليته.

ولعل من أهم هذه التأثيرات في الفكر النقدي المعاصر، تناول مصطلح «البطريركية» في النقد العربي، اثناء تناول النقد النسوي وخلفيته الثقافية.

البطريركية :

هي التسمية التي تطلق الآن على «السيطرة الذكورية في مقابل امتهان المرأة أو تهميشها أو عدم الاعتراف بحقوقها» وتكثر في الكتابات العربية منفصلة عن تأثيراتها الثقافية التي حملها المصطلح.

فهذا المصطلح نشأ اساساً في إطار «ثقافة» النص التوراتي ثم انتقل إلى النص الانجيلي حتى أصبح سمة على مرتبة كنسية ولكنه في دلالته ظل يحمل انحيازاً واضحاً للرجل ضد المرأة، للأب ضد الأم، وهكذا.

حتى ان فكرة «عدم زواج» رجال الكنيسة قد ارتبط بهذا المفهوم من ناحية، وبكون المرأة رمز الخطيئة من ناحية أخرى، وان ذهب بعضهم إلى ان عدم الزواج تعبير عن «الاشمئزاز» من المرأة ودونيتها في الفهم الديني عند رجال الكنيسة بالرغم من تعارضه مع الطبيعة البشرية.

فالبعد الديني صارخ في هذا التشكيل، وربما بين لنا النص القرآني هذا الاحساس وتشكله في حياة الناس قبل ظهور المسيح عليه السلام- في قصة «امرأة عمران» التي مات زوجها وهي حامل فنذرت حملها للعبادة وهي تدعو الله ان يكون ذكراً، ولكن حين وضعتها كانت «أنثى» مريم عليها السلام، فقالت: «إني وضعتها أنثى» ولذلك لم يكن امامها سوى عدم الالتزام بنذرها، لأن العبادة والتفرغ للعبادة لله- عندهم حينها- ليست من حظ الإناث وانما الذكور، ولأنها كانت مدركة- حسب الثقافة السائدة- ان المرأة طريق من طرق الغواية أو انها اقرب إلى طريق الغواية والشيطان، كان تعبيرها مبيناً ذلك فقالت: «وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم» ولا تقف الخطيئة عند المرأة فقط وانما تتحملها ذريتها من بعدها كما تبين ذلك نصوص التوراة، وأسس الثقافة التي نشأت عنها تلك النصوص.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد