قراءة حول الموقف السعودي المرتبك في صراعه مع طهران..

الرياض.. بعد أن هزمت نفسها في صنعاء هل تنتهي محادثات بغداد بخيبة أمل؟!

2021-09-05 07:14:47 أخبار اليوم - تفرير خاص



شهدت المملكة العربية السعودية وإيران سنوات طويلة من التصادمات السياسية والعقائدية التي يعود جذورها إلى سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتحديدًا منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في إيران واندلاع الثورة الإيرانية بعد ذلك، ليسعى النظام الإيراني الجديد حينها لتصدير الثورة إلى الدول المجاورة في محاولة للإطاحة بالأنظمة العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية ودول الخليج العربي على وجه الخصوص.

تأريخ من الصراعات السياسية والعقائدية التي مرت بين البلدين بأطوار ومنعطفات كثيرة أدت إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بينهما منذ سنة 2016 وأصبح الأفق مسدوداً أمام مشاريع الحوار والتفاوض، لترتفع فيما بعد وتيرة الصراع بين البلدين مع ما عايشته السعودية من مخاطر تهدد أمنها القومي نتيجةً للتوسع الإيراني على حدودها الجنوبية مع اليمن من خلال وكلائها «مليشيات الحوثي الانقلابية.»

مواقف مرتعشة
لطالما اعتبرت السعودية صراعها مع إيران امتداد لصراع أزلي لا ينتهي، لاسيما وأن الرياض تعلم جيدًا أنها الهدف الأول لبناء إمبراطورية فارس الحديثة التي تحلم بريادة العالم الإسلامي.

قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تصريح له على قناة الإخبارية السعودية «النظام الإيراني قائم على أيديولوجية متطرفة منصوص عليها في دستوره ووصية الخميني بأنه يجب أن يسيطر على مسلمين العالم الإسلامي لينشروا المذهب الجعفري الاثنا عشري في جميع العالم الإسلامي حتى يظهر المهدي المنتظر»

الا أن الموقف السعودي المرتبك بدأ يشهد تحولًا سياسيًا كبيرًا فيما يتعلق بصراعه مع طهران.. في أبرز الخرجات الإعلامية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، اعتبر إيران جارًا تطمع المملكة الى علاقة طيبة ومميزة معه، وفوق ذلك كله اختزل ولي العهد السعودي الخلاف مع إيران، بمجرد اشكاليات تتعلق بما اسماه تصرفات إيران السلبية في المنطقة.

مخاوف الخيانة
أتاحت الرياض لطهران فرصة محاصرتها عندما جعلت من اليمن أرضية خصبة لبناء معسكرها الفارسي، بعد أن مهدت لهم الطريق لدخول صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول عام 2014، لتتحول اليوم خيانتها لحلم اليمنيين في بناء دولتهم المدنية، الى مخاوف تهدد أمنها واستقرار أراضيها.

في الـ 10 من سبتمبر/ أيلول عام 2018 كشف ياسر اليماني المتحدث باسم الرئيس السابق صالح، الكثير من الأسرار والخبايا حول الأطراف التي مهدت لدخول مليشيات الحوثي –ذراع إيران في اليمن– إلى العاصمة صنعاء، وكيف تم تطويع المؤتمر «لتنفيذ الأوامر بقصد القضاء على حزب سياسي».

قال اليماني في مقابلة مطولة نشرتها وكالة «سبوتنيك» الروسية، إن الجميع ساهم فيما وصل إليه اليمن، فالمؤتمر الشعبي العام الذي كان يرأسه صالح ساهم بدرجة أساسية وكذلك السعودية والإمارات، في وصول مليشيات الحوثي إلى صنعاء».
وأضاف اليماني: «علينا مراجعة تصريحات محمد ناصر وزير الدفاع اليمني السابق بعد عودته من الإمارات قبل سقوط صنعاء وعمران وتصريحاته لوسائل الإعلام بأن الجيش اليمني على الحياد، فكيف يكون الجيش على الحياد ومعسكرات الدولة تقاتل المليشيات؟ والحقيقة أن الإمارات رتبت لسقوط عمران بذريعة إسقاط حزب التجمع اليمني للإصلاح». 

وكشف القيادي السابق أنه «كانت هناك أخطاء كبيرة وتاريخية، وعن نفسي كقيادي مؤتمري ووكيل الأمانة العامة لحزب المؤتمر سابقا ومتحدث باسم الرئيس السابق وباسم المؤتمر، كنت أحد القيادات المعارضة للتحالف بين الحوثيين وحزب المؤتمر، وعارضنا بشدة من البداية، لكن المشكلة أن المؤتمر الشعبي خدع في هذا التحالف الذي أمنت علية الأمم المتحدة وبرعاية أممية، عندما اقتحم الحوثيون صنعاء في العام 2014، وقتما كان المبعوث الأممي لليمن جمال بن عمر». 

وقال: «كنا نتمنى ألا يضع الأشقاء اليمن في هذا الموضع، حيث كان الرئيس السابق على مدار 33 عاما على علاقة بالأشقاء العرب، كنا نتمنى ألا يساهموا في سقوط اليمن، كان يمكن أن تحاكم حزب أو جماعة أو أي طرف ديني بعيدا عن المجيء بعناصر موالية لإيران وحزب الله لتفرض أجندتها على اليمن واليمنيين».

وتساءل: «لماذا تقبلت السعودية سقوط صنعاء، وأن يخرج علينا عبد الكريم الإرياني نائب الرئيس هادي، والمبعوث الأممي جمال بن عمر بعد اقتحام دار الرئاسة والتلفزيون والأماكن السيادية، وقالوا إنهم ذهبوا مع قادة الحوثيين للتوقيع على مبادرة السلم والشراكة بدار الرئاسة، في الوقت الذي لم يكن هناك سلم أو شراكة بعد أن أسقطوا اليمن والعاصمة بالسلاح، فكيف يخرج الارياني ليبارك هذا الأمر تحت ظلال البنادق ويطلق عليه اتفاق السلم والشراكة».

 وأضاف: «كان دخول الحوثيين إلى صنعاء انقلابا أساسا على المبادرة الخليجية، اتفاق السلم والشراكة الذي تم التوقيع عليها بعد دخول الحوثيين العاصمة صنعاء لم يتطرق بكلمة واحدة إلى المبادرة الخليجية، هذا يعني أن الجميع ساهم في إسقاط الدولة وسيدفع الجميع الثمن... أتحدث عن شهادتي على ما حدث فالسعودية والإمارات هم من فرضوا على الرئيس صالح أن يكون داعما للميليشيات الحوثية عن طريق الحرس الجمهوري وقيادات المؤتمر، بأوامر إماراتية بحتة».

تنازلات ما بعد الخيانة
استطاعت إيران اختراق الحدود الجنوبية للمملكة عبر مليشيات الحوثي التي مدتها بمختلف أشكال الدعم المادي واللوجستي والفكري والمذهبي، بعد أن أخضعتها لمبدأ ولاية الفقيه، الذي يجعل من المرشد الاعلى في إيران الأب الروحي والقائد الذي يدينون له بالولاء لتصبح بذلك طهران مركز القيادة التي تتجسد بأدبياتها وطموحاتها التوسعية جل المخاوف السعودية.

انحرفت الرياض عن تحقيق أهداف تواجدها العسكري في اليمن، منشغلةً ببناء معسكرات خارج إطار الحكومة الشرعية التي جاءت بدعوى اعادتها الى صنعاء، فاتجهت نحو إضعاف الموقف السياسي والميداني للحكمة من خلال اهدار طاقات الجيش الوطني وتحقير امكانياته العسكرية التي يعتمد عليها في مواجهته لمليشيات الحوثي الانقلابية.

الأمر الذي ساهم في تعزيز النفوذ الحوثي ورفع مستوى خطورتهم ضد الأمن السعودي، لاسيما بعد ما تعرضت له منشآتها النفطية من هجمات صاروخية واختراق لحدود أراضيها من قبل حلفاء إيران في المنطقة وهو ما تكبدت على إثره خسائر طائلة.
فما نوع التنازلات الإقليمية التي تعتزم الرياض تقديمها لطهران فيما يتعلق بالملف اليمني وتحالفها ضد ممثليها في اليمن –الحوثيين– وأين موقع السلطة اليمنية الشرعية من هذه التنازلات، وأين يكون موقعاها عقب انتهاء المحادثات السعودية مع إيران، وهل تفرط الرياض بدورها العسكري في اليمن مقابل مصالحة هشة ومؤقتة مع إيران، بينما طهران ستوعز للحوثيين بتهدئة درامية مؤقتة لتحصد مكاسبها الآنية وتعاود التصعيد ضد السعودية في الوقت المناسب. وهل تعكس هذه المحادثات رغبة السعودية في التخفيف من حدة الصراع الإقليمي الذي أنهكها أم أنها مناورة إيرانية لتحقيق مكاسب في المفاوضات حول برنامجها النووي.

مراقبون سياسيون قالوا «من غير المعقول أن تقدم إيران أي تنازلات للسعودية في ملفات إقليمية أخرى تمثل محور نزاع واستقطاب بين الدولتين اللتين تمثلان رأس الحربة في صراع إقليمي طائفي عوامل استمراره أكثر بكثير من عوامل إنهائه وإذا كانت مقتضيات اللحظة الراهنة قد دفعت الدولتين إلى الحوار استجابة لحاجة كلٍّ منهما لهدنة تمكنها من إعادة ترتيب أوراقها، فهذا يعني أن الأمر مجرد توافق مؤقت، في حال نجاحه، وترحيل الأزمة إلى أجل غير مسمى».

تناقضات دراماتيكية تطال الموقف السعودي حول تفاهمات إقليمية غير متجانس، بينما تتعامل إيران مع هذه التطورات بنشوة المنتصر، الا أن حدة العداوة التي بدأت منذ سنوات بين السعودية وإيران، وأفضت إلى خصومة سياسية ودبلوماسية بين البلدين دامت خمس سنوات، لا يمكن اختزالها في التوافق حول ملف إقليمي محدد وترك بقية الملفات محور الخلاف بينهما عالقة.

مساعد وزير الخارجية الإيراني، علي رضا عنايتي، يقول في مقابلة نشرتها صحيفة «اعتماد» أمس السبت بأن إطلاق محادثات مع السعودية كان قرارا مبدئيا من القيادة الإيرانية، مؤكدا أن الطرفين حتى اليوم أجريا ثلاث جولات من الحوار في العاصمة العراقية بغداد، وأن انعقاد الجولة الرابعة مرتبط بالتوقيت المناسب لكلا الجانبين.

وقال: «السعودية جادة في محادثاتها مع إيران، ولم تكن لدى الجانبين شروط مسبقة لبدء التفاوض».

وقال عناياتي: «إننا دولتان قادرتان على التواصل مباشرة وطرح أي مسائل بينهما، والحوار يتألف دائما من جزئين أولهما تجاوز سوء التفاهم وتخفيف التوترات وإزالة العوائق القائمة، والثاني توسيع التعاون وفتح أفق أوسع لتحقيق الأهداف، ولم يكن لدينا مع السعودية حتى الآن أي مشاكل في كلاهما».

فهل تتناسى الرياض كونها الخصم العقائدي الذي يتحقق في حربها الهدف الجهادي لدى مليشيات الحوثي، فتعمد على تقديم الحكومة اليمنية الشرعية كبش فداء في سبيل إنجاح محادثاتها مع إيران، لتختتم بذلك خيانة لصنعاء بخيبة أخيرة في بغداد.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد