عام على حرب غزة.. موات عربي وتواطؤ غربي

2010-01-03 05:03:53

محمد جمال عرفة

مضى عام على المحرقة الصهيونية التي جرت في 27 ديسمبر الماضي 2008 واستمرت 23 يوما ضد قطاع غزة، وراح ضحيتها أكثر من 1450 شهيد و5500 جريح، ودمرت 5000 منزل و45 مسجد بالكامل، بخلاف البنية التحتية لغزة ومقار الحكومة والشرطة والمؤسسات الخيرية.

مضى عام جرت فيه مياه كثيرة تستحق جردة حساب من جانب كل الأطراف: من استفاد وعظم مكاسبه؟ ومن خسر وفشل في تحويل الكارثة إلى انتصار؟ من كشفت الأيام أنه وقف مع أهل غزة؟ ومن وقف ضدهم؟، وما هي أبرز الدروس أو النتائج التي خرجنا بها من هذه المحرقة؟.

صعود التضامن المدني عالميا

نبدأ من القوافل الشعبية الدولية التي تتوجه صوب غزة مثل قوافل شريان الحياة 1و2و3 التي نظمها عضو البرلمان البريطاني جورج جالاوي، وقوافل "مسيرة غزة" و"أميال من الابتسامات" وغيرها العشرات، لنؤكد أن أبرز دروس المحرقة - برغم التعتيم الإعلامي الصهيوني والتخاذل الرسمي العربي وتضييع فرصة محاسبة المجرمين الصهاينة- هي صعود المجتمع المدني العالمي وقيادته حركة الضغط على الدولة العبرية والعالم ككل لإنقاذ غزة.

فعلى حين استمرت حالة الجمود الرسمية العربية بل وتصاعدت الضغوط والحصار على غزة من جانب الأطراف العربية، وآخرها بناء الجدار الفولاذي المصري، وتقاعست الحكومات العربية عن القيام بأي مبادرات لرفع الحصار أو تبني خطط حقيقية لمحاكمة الصهاينة، ظهر نشاط كبير على الجانب العالمي والغربي لإنقاذ غزة في صورة قوافل إغاثة ومبادرات لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة أمام المحاكم الأجنبية.

بعبارة أخرى كان أبرز درس من دروس عام الحصار الأول بعد الحرب هو هذا الصعود المذهل في التضامن الشعبي الغربي مع أهل غزة وتنظيم عشرات القوافل التي يقودها نشاطون أمريكيون وأوروبيون وأتراك وأجانب من أصل عربي، مقابل تشديد النظام الرسمي العربي حصاره على غزة بدعاوى الحفاظ على السلطة الفلسطينية بزعامة الرئيس عباس!.

هذا الصعود في دور المجتمع المدني العالمي مقابل موت الحكومات العربية أو شهادة الوفاة التي كتبها النظام الرسمي العربي لنفسه في هذه الأزمة "المحرقة" لم يكن قاصرا على الإغاثة والسعي لكسر الحصار الإسرائيلي على غزة، برغم وجود قرار (ديكوري) للجامعة العربية بكسر الحصار، وإنما امتد دور هذا المجتمع العالمي إلى السعي لمحاكمة المجرمين الصهاينة عبر محامين أجانب تطوع المجتمع المدني العربي والأوروبي لتوكيلهم بالتعاون مع أنصار حماس!.

ومقابل هذا يمكن ملء مجلدات عن سلبيات عربية لا حصر لها، سواء فيما يخص الصراعات التي جرت بين فتح وحماس والتي كشفت صعوبة المصالحة لأن ثوابت كل طرف باتت متعارضة تماما مع الأخر، أو فيما يخص فشل النظام الإقليمي العربي الذي يقوم أمنه الأساسي وشرعيته على القضية الفلسطينية، أو فيما يخص ازدواجية المعايير الغربية والإصرار على حماية إسرائيل مقابل عجز أو عدم رغبة الحكومات العربية الاستفادة مما في يدها من أدلة عن جرائم الحرب في محاكمة القتلة والمجرمين الصهاينة.

أفول محور الاعتدال!

أحد الدروس الأخرى أو نتائج العام الأول من محرقة غزة هو احتراق ما سمي "محور الاعتدال العربي" الذي ضم مصر والسعودية والأردن والإمارات والسلطة الفلسطينية. . ذلك المحور الذي ظهر على يد وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد بوش (كوندوليزا رايس) في عام 2008 لمواجهة ما يسمى (محور الممانعة) الذي تقوده سوريا وإيران، ومعها قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.

فمحرقة غزة جاءت بمباركة عربية أو على الأقل صمت من قبل دول محور الاعتدال في وقت كان التصور الرائج هو أن هذا العدوان الصهيوني سوف ينهي حكم حماس في غزة ويعيدها لأحضان السلطة الفلسطينية بعدما جرت تجربة كل السبل مع حماس لإسقاطها منذ فوزها في الانتخابات قبل ثلاث سنوات.

وقد ساهم في أفول نجم هذا المحور أمران:

الأول: انتهاء عهد صقور المحافظين الجمهوريين بانتهاء ولاية الرئيس الأمريكي السابق بوش بعد محرقة غزة مباشرة، ومن ثم توقف الدعم -أو التحريض- الأمريكي لدول "الاعتدال" التي خسرت شعبيا واضطرت للتعامل مع الواقع الجديد الذي أفرزته حرب غزة بخروج حكم حماس قويا وانتصار المقاومة عموما في فلسطين ولبنان ومن خلفهما سوريا.

ومع تغير الإستراتيجيات الأمريكية، فتغيرت الإستراتيجيات فيما يخص علاقة محوري الاعتدال والممانعة، ونتج عن ذلك حل المشاكل العالقة في لبنان وبين سوريا والغرب، وانتهى الأمر عمليا بتفكيك محور الاعتدال العربي (الأمريكي النشأة).

الثاني: ردود أفعال دول محور الاعتدال تحديدا خلال العدوان كانت تحمل حماس المسئولية عن هذه المجزرة لا إسرائيل بدعوى أنها رفضت تجديد الهدنة مع إسرائيل، وهو ما خلف حالة احتقان وغضب شعبي كبيرة على الحكومات داخل أوساط المجتمع المدني العربي والدولي؛ مما شكل ضغطا كبيرا على محور الاعتدال العربي للتراجع.

المقاومة تكسب. . وعباس يخسر

أيضا من نتائج محرقة غزة على الساحة الفلسطينية نفسها أن نتائج الحرب وما تبعها فضح السلطة الفلسطينية برئاسة الرئيس عباس الذي اضطر في نهاية المطاف -خصوصا بعد تخلي أمريكا والغرب عنه- لإعلان تنحيه وعدم ترشيح نفسه لولاية جديدة، وهو الذي كان يراهن خلال المحرقة الصهيونية على عودة غزة لحكمه.

كما أن فضيحة تأجيل تقرير جولدستون قضت على ما تبقى من مصداقية الرئيس الفلسطيني عباس لدى الشارع الفلسطيني، وأظهرته كمن يحمي ظهور المجرمين الصهاينة بعدما أظهر موقفا ضعيفا خلال المحرقة، ولم يشفع له معاودة طلب مناقشة التقرير لأن التقرير الذي صدر أخيرا جاء ناقصا وجرى تعديله بضغوط أمريكية.

وعلى الجانب الأخر باتت حماس أكثر شعبية وسيطرة على غزة بعد عام من العدوان، إذ إن الحملة الإسرائيلية على غزة لم تزعزع قوتها أو تمنع صواريخها، بل وفرت لها الأسباب الملائمة لإحكام قبضتها على القطاع شعبيا وعسكريا، وهو ما ظهر في أمرين: الأول تزايد المنضمين لألويتها المسلحة وأعداد الاستشهاديين، والثاني سعيها لضرب القوى الإسلامية (الجهادية الموالية لفكر القاعدة) المناوئة لها في غزة والسيطرة عليها مثل "جيش الإسلام" أو "جلجنت".

ولكن مقابل هذا هناك تداعيات سلبية لحماس خلال عام المحرقة الأول، أبرزها تصاعد دورها في "الحكم" على حساب دورها الأساسي في "المقاومة"، ما انعكس على أخطاء في إدارة الملف السياسي مثل التزامها -كحكومة- بمنع إطلاق باقي فصائل المقاومة الصواريخ على إسرائيل، الأمر الذي أثار استياء العديد من هذه المنظمات المقاومة، ومثل قمعها لحركات إسلامية "قاعدية" بالقوة وقتل وإصابة واعتقال العشرات من المقاومين أصحاب الفكر القاعدي.

جرائم الحرب. . تهاون عربي وتواطؤ غربي

بعد المحرقة الصهيونية في غزة تساءل كثيرون وهم يعضون على أصابعهم غضبا: متى يحاكم هؤلاء المجرمين الصهاينة سواء كانوا السياسيين الذين أصدروا قرارات العدوان أو الطيارين الذين ألقوا القذائف المحرمة دوليا على النساء والأطفال؟!.

ومع هذا فقد فشلت كل محاولات محاكمة الصهاينة خلال العام الأول للمحرقة وحمايتهم من قبل أمريكا وحكومات أوروبا، فعندما سنحت فرص لمحاكمة هؤلاء -عبر تقرير جولدستون الشهير أو عبر المحكمة الجنائية الدولية أو عبر المحاكم الأوروبية مثل قرار قاضي محكمة "وستمنشستر" بالقبض على وزير الخارجية السابقة (تسيبي ليفني) في لندن- ظهرت لعبة ازدواجية العدالة والنفاق الغربي لإسرائيل، حيث ظل مدعى عام المحكمة الجنائية الدولية (لويس أوكامبو) يرفض كل الطلبات التي قدمت له من منظمات حقوقية عربية لمحاكمة مجرمي الحرب الصهاينة بحجة أن أسرائيل لم توقع الاتفاقية، وعندما تقدمت السلطة الفلسطينية بطلب رسمي لتبطل حجته، ألمح لأنه لا توجد دولة فلسطينية معترف بها ولا يزال يعد بدراسة الأمر، برغم إصراره على محاكمة الرئيس السوداني عمر البشير الذي لم توقع دولته أيضا على الاتفاق.

وعندما ظهر أن هناك أدلة قانونية قوية تسمح بمحاكمة القادة السياسيين والعسكريين الإسرائيليين أمام المحاكم المحلية العربية أو الدولية أو الأمريكية والأوروبية، حدث نوع من التهاون والتكاسل الرسمي العربي والتواطؤ الأوروبي مع المجرمين الصهاينة وجرى تهريبهم كما جرى في لندن عدة مرات مع ليفني مؤخرا ومن قبلها قائد الجبهة الجنوبية الأسبق في الجيش "الإسرائيلي" الجنرال دورون ألموغ وإيهود باراك وموشيه يعلون!.

الجهات الوحيدة التي تحركت كانت شعبية ومن أوساط المجتمع المدني العربي والأجنبي ممن جمعوا -سواء في اتحاد الأطباء العرب أو منظمات حقوقية عربية وأجنبية- أدلة على جرائم الحرب واستخدام الفوسفور الحارق والأسلحة المحرمة دوليا، وسلموها للجامعة العربية والمحكمة الجنائية الدولية، لكن انتهى الأمر بها حبيسة في الأدراج.

الإعمار. . الإنسانية ضاعت!

إعمار غزة. . درس آخر من دروس المحرقة المؤلمة، فبعد 12 شهرا من التدمير والتخريب على نطاق واسع لكل شيء في غزة لا تزال غزة محاصرة وممنوع دخول مواد البناء لها. . وكل وعود العرب والعالم بإعمار غزة ذهبت أدراج الرياح، ولا زالت الأسر الفلسطينية التي تفترش الأرض وتلتحف بالسماء تنتظر تحقيق حلم الإعمار الذي نسجته بعض الدول العربية لأهل غزة. . والتعهدات الدولية بتقديم مساعدات قيمتها خمسة مليارات دولار لإعادة الإعمار قبل عشرة أشهر لا تزال حبرا على ورق.

فالجهات المانحة مثل ال"UNDP" و"الأونروا" وعدت الفلسطينيين منذ عام مضى بتحسين أوضاعهم، لكنها لم تتحرك حتى الآن، ولا أحد تحرك لإعمار ما خربته يد الغدر الصهيونية، والعقاب الجماعي مستمر وقوانين وقرارات الشرعية الدولية تحت أقدام المحتل الصهيوني!

وحتى توصيات الجامعة العربية بخرق الحصار على غزة خرجت ولم تعد، بل وتشارك العديد من الحكومات العربية بالصمت أو بالفعل في تشديد الحصار على غزة سواء عبر منع وصول المساعدات والأموال لها بدعاوى أن هذه الأموال ستذهب للسلطة الفلسطينية لا حماس، أو بتشديد الحصار فعليا من خلال استمرار غلق معبر رفح وغلق الأنفاق وبناء جدار فولاذي تحت الأرض يقضي على أجهزة التنفس الباقية لغزة!.

وقد أصدرت 16 جماعة حقوقية أجنبية تقريرا في ديسمبر الجاري تؤكد فيه على أن المجتمع الدولي كله خذل سكان قطاع غزة بفشله في إنهاء حصار إسرائيل المفروض على القطاع منذ أكثر من 3 سنوات، وقال التقرير إن "جميع الدول ملزمة بموجب القانون الدولي بالتدخل لوضع حد للحصار القاسي، لكن حتى الآن أخفق الزعماء في الوفاء بهذا الإجراء الأساسي الذي يعتبر من مظاهر إنسانيتهم ذاتها"!

المغزى الذي قصدته هذه المنظمات الأجنبية هو أن محرقة غزة فضحت ضياع الإنسانية في عالم اليوم. . فلم يكتف العالم بالصمت والتواطؤ على جرائم المحرقة وإنما يرفض تضميد جراح أهل غزة النازفة. . يرفض تضميد جراح "الإنسانية" لأجل خاطر النفوذ الصهيوني!.

المحلل السياسي بشبكة إسلام أون لاين. نت

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد