بالدبابة والمدفع تخنق جماعة الحوثيين محافظة مأرب، وعلى سمائها تحلق بالطائرات المسيرة المفخخة الى جانب صواريخها الباليستية، وعلى الأرض فرشت الموت للمارة بألغامها، لتضع بذلك الإنسان في مرمى نيرانها بأبشع تجليات صور الحرب الدائرة في البلاد المفروض بفعل تمرد الجماعة منذ سبتمبر أيلول 2014.

أطفال ونساء وشيوخ.. مدنيون ونازحون.. مساجد وأحياء سكنية. كل شيء بات مهدد بصواريخ الحوثي الذي أفقد الإنسان قيمته الآدمية، فلا تكاد تدفن جثمان طفلة مقتولة، حتى تلحق بها صديقتها، وما أن تلتقط مأرب أشلاء شيخ هنا، حتى تسمع دوي مدافع الحوثي تعلن مصرع آخرين.

التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان –تحالف رصد– ينشر تقرير بعنوان "مأرب.. مدنيون بين القصف والألغام" وهو تقرير حقوقي يوثق ضحايا القصف الصاروخي والمدفعي ومخلفات الحرب الحوثية على مأرب منذ ديسمبر كانون الأولى 2014 وحتى يونيو حزيران 2021.

صواريخ الموت

اعتمدت جماعة الحوثي خلال فترة حربها ضد الحكومة المعترف بها دوليًا في خططها لاجتياح المدن، اعتمدت على سياسة مغولية دموية، حيث تذهب لتوجه مدافعها على رؤوس المدنيين حتى وإن كانوا من النازحين الذين فروا من ظلم حربها الى مخيمات التشرد والجوع.

حيث وثق تحالف رصد مقتل 440 مدنيًا جراء أعمال القصف الصاروخي التي شنتها ميليشيا الحوثي على الأحياء السكنية ومخيمات النازحين وغيرها من الأعيان الثقافية المدنية في محافظة مأرب خلال الفترة التي يغطيها التقرير.

وأفاد رصد أنه وثق مقتل 440 مدنيًا بينهم 42 طفلًا و36 امرأة و29 مسنًا، بالإضافة الى 914 مصابًا بينهم 124 طفلًا و73 امرأة و60 مسنًا، جميعهم سقطوا ضحايا القصف الحوثي على الاحياء السكنية ومخيمات النازحين في محافظة مأرب.

واضاف "وتأتي صواريخ "كاتيوشا" التي أطلقها الحوثيين على محافظة مأرب المكتظة بالسكان في المرتبة الأولى من حيث إجمالي عدد الضحايا".

وقال "تسببت الكاتيوشا في مقتل 165 مدني بينهم 26 طفلًا و23 امرأة و12 (مسنًا، وإصابة 392أخرين بينهم 69 طفلًا، و29 امرأة و32 مسنًا.

واشار الى ان "الصواريخ "البالستية" إيرانية الصنع تأتي في المرتبة التي تليها، حيث أودت بحياة 104 مدنيًا بينهم 17 طفلًا و9 نساء و7مسنين، بالإضافة الى إصابة 322أخرين بجروح مختلفة بينهم 29طفلا و24 امرأة و17مسًنا".

بينما احتلت الطائرات المسيرة التي بدأت جماعة الحوثي استخدامها خلال السنتين الاخيرتين في المرتبة الثالثة، حيث أسفرت هي الأخرى عن مقتل 109شخصًا بينهم طفل واحد ورجل طاعن في السن وإصابة 83 اخرين بينهم 3أطفال و3 نساء. بحسب التقرير.

فيما تلتها قذائف مدفعية الهاون بواقع 46 قتيلًا مدنيًا بينهم 8أطفال و3 نساء و7 مسنين بالإضافة إلى سقوط 99 جريحًا بينهم 16طفلًا و14 امرأة و10 مسنين.

وقال تقرير " رصد"، تقاسمت صواريخ أورجان والصواريخ الحرارية بقية الضحايا، حيث تسببت الأولى بمقتل 8 أطفال وإصابة 14 مدنيًا بينهم 7 أطفال و3 نساء في واقعة قصف واحدة استهدفت حي الزراعة السكني أو ما يعرف بحي المهندسين.

بينما قتلت الثانية 8 مدنيين بينهم طفل وامرأتين ورجل مسن وأصابت 4 مدنيين أخرين أحدهم طاعن في السن. بحسب التقرير.

ألغام وعبوات

ليست الصواريخ والقاذفات وحدها ما تذهب اليه جماعة الحوثي في حربها ضد الإنسان في مأرب، بل استخدمت حتى الأسلحة المحرمة دوليًا في مثل الألغام المزروعة والعبوات الناسفة التي تستهدف بها المدنيين من خلال الخلايا النائمة.

وفي هذا السياق سجل فريق "تحالف رصد" مقتل 678 وإصابة تعرض لها مدنيون من ابناء محافظة مأرب جراء حوادث انفجار الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المتفجرة التي زرعتها وخلفتها جماعة الحوثي.

وأوضح أنه من بين الضحايا 109 أطفال و22 امرأة و15مسنا موزعين على عدد11 مديرية هي مدينة مـأرب، صرواح، مجزر، الوادي، حريب، مدغل الجدعان، ماهلية، العبديو، رغوان، رحبة.

وأشار الى أنه "وطبقا للأرقام والإحصائيات الموثقة فان 227 مدنيا بينهم 30 طفلًا و5 نساء 7 مسنين قضوا بسبب مخلفات الحرب الحوثية على محافظة مأرب خلا الفترة التي يغطيها التقرير".

فيما أصيب 451 أخرين بينهم 79 طفلًا و17 امرأة و8 مسنين لذات السبب. وتسببت الألغام الأرضية بنوعيها الفردي والمضادة للمركبات في قتل 132 مدنيًا بينهـم 21 طفلا و5 نساء ومسنين وإصابة212 أخرين بينهم 50 طفلا و15 امرأة و4 مسنين.

بينما حصدت العبوات الناسفة التي زرعتها جماعة الحوثي وخلاياها النائمة بمحافظة مأرب حياة وأرواح 87 مدنيا بينهم طفلين ورجلين طاعنين في السن واصابت 234 أخرين بجروح مختلفة بينهم 25 طفلا وامرأة واحدة و4 مسنين. بحسب التقرير.

وفي سياق متواصل، أوضح التقرير أن 8 مدنين قتلوا بسبب الذخائر غير المتفجرة التي خلفتها جماعة الحوثي في عدد من المناطق التي انسحبت منها في محافظة مأرب، بينهم 7 أطفال وأصيب 5 أخرين اربعة أطفال وامرأة".

إنسانية خائفة

مع كل يوم تتصاعد فيه وتيرة العمليات العسكرية في محافظة مأرب بين جماعة الحوثي المدعومة من طهران وقوات الحكومة الشرعية المسنودة برجال القبائل والتحالف العربي، يزداد الوضع الإنساني سواء وتتفاقم معاناة السكان الأصليين وكذلك النازحين على حد سواء داخل مدنية مأرب وباقي المناطق والمديريات الخاضعة لسيطرة الشرعية تحديدا.

قال تقرير تحالف رصد "يبدوا الأمر أكثر تعقيدا في ظل الافتقار إلى ما يكفي من خدمات صحية ومساعدات إغاثية وتجاوز حجم الكارثة الانسانية الناجمة عن التصعيد العسكري الحوثي حدود طاقة وإمكانيات السلطة المحلية".

حيث أشار التقرير الى أن " محافظة مأرب تعتمد في إيراداتها بشكل رئيس على عمليتي استخراج وتصدير المشتقات النفطية المتوقفتين أساسا منذ بداية الحرب عدا كميات ضئيلة جدا من مادتي البنزين والغاز المنزلي".

وافاد أنه "يتم توزيعها بالتساوي على جميع محافظات اليمن بما فيها المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحوثيين وذلك كالتزام أخلاقي وإنساني من قيادة المحافظة والحكومة الشرعية".

ومع ما تشهده محافظة مأرب من نهضة معمارية وتوسع كبير في البنية التحتية وتحسن مستمر في مستوى الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والمياه وخدمات الصحة والتعليم، الا أن التضخم السكاني الناجم عن استمرار موجة النزوح من مناطق سيطرة جماعة الحوثي الى مركز المحافظة على وجه التحدي يضاعف من حجم الغلاء المعيشي الذي تشهده المحافظة. بحسب التقرير.

صمت عن الجرائم

على الرغم من الاقتناع الأمريكي بأن ميليشيا الحوثي هي المشكلة أمام تحقيق السلام في اليمن، الا أن واشنطن لم تتخذ خطوات جادة وفعلية ضد هذه الجماعة لوقف جرائمها البشعة ضد الشعب اليمني، أو لإجبارها على العودة إلى المسار السياسي ووقف ممارساتها الإرهابية.

وفي السياق دعى تحالف رصد وكاتبها ومبعوثها الخاص في اليمن، الى إعلان موقف واضح وصريح من كل الأعمال العدائية التي ترتكبها جماعة الحوثي بشكل شبه يومي ضد السكان المدنيين والنازحين في محافظة مأرب.

وطالها باستخدام كافة الصلاحيات المخولة لها دستورا وقانونا كرعاية للسلام الى سرعة اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بإبعاد محافظة مأرب عن دائرة الصراع القائم في اليمن باعتبارها تضم أكبر تجمعا للنازحين جراء الحرب وذلك من جانب إنساني على غرار ما فعلته مع محافظة الحديدة جنوب غربي البلاد.

واكد على ضرورة إلزام جماعة الحوثي بوقف كافة هجماتها واعمالها العسكرية التي تستهدف الاحياء السكنية والأعيان الثقافية والمدنية بالمحافظة، وفرض كل العقوبات الرادعة بحقها في حالة عدم الاستجابة لذلك.

بالإضافة الى مطالبته الامم المتحدة بتكثيف جهود الإغاثة الإنسانية والرعاية الطبية في مناطق الصراع بمحافظة مأرب والتخفيف من معاناة النازحين الذين تقدر أعدادهم بعشرة أضعاف السكان الاصليين

قد تحرك جثة الطفلة ليان طاهر المتفحّمة بعضاً من ضمير المجتمع الدولي، لكن هذا الأخير وعلى رأسه الولايات المتحدة، مطالب بأن يتخذ إجراءات حاسمة في مواجهة هذه الميليشيا الحوثية وجرائمها، إذا كانت هناك نية جادة وصادقة في وضع حد لمأساة الشعب اليمني وأبناء مأرب خاصة، وإعادة الأمن والاستقرار للمنطقة.

وقد تكون إدارة بايدن في حاجة الآن لمراجعة موقفها بشأن رفع جماعة الحوثي من لائحة الإرهاب الأمريكية التي كانت إدارة ترامب قد وضعتها عليها، فالمؤشرات والأدلة أصبحت واضحة وضوح الشمس أمام واشنطن بأن هذه الجماعة إرهابية بامتياز