البعد العلمي والصحي و الاجتماعي للصيام

2010-08-17 04:45:41

د.جمال عوض عاطف

فُرض علينا الصيام كأحد أركان الإسلام الخمسة في السنة الثانية للهجرة، حيث يقول الخالق سبحانهُ وتعالى في الآية الكريمة رقم(183) من سورة البقرة من محكم كتابه العزيز( يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون)، ثمّ أتبعها بالكثير من الأحاديث والسنن النبوية الشريفة التي أوحى بها إلى رسولهِِ الكريم(ص) ليبيّن لنا من خلالها جلّ جلاله شروط وآداب هذه الفريضة وليتمكّن الإنسان المسلم عند التقيّد بها من الحصول على أفضل وأكثر الفوائد الصحية والاجتماعية والأخلاقية لهذه الفريضة والوصول من خلالها إلى درجة عالية من التقوى كما جاء في الآية أعلاه.

وللصيام كما هو معروف معاني كثيرة ومختلفة كالمعنى اللغوي مثلاً والذي يعني الإمساك والامتناع عن فعل الشيء كالأكل والشراب أو حتى الكلام كما جاء في الآية (26) من سورة مريم والتي يقول فيها تعالى على لسان مريم بنت عمران... أني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا، أمّا المعنى الشرعي للصيام كفريضة وركن من أركان الإسلام الخمسة فإنهُ يعني الإمساك عن المفطورات من لحظة طلوع الفجر وحتى غروب الشمس مع اشتراط النيّة، والمفطورات هنا لا تقتصر على الطعام والشراب فقط، ولكنّها تشمل كذلك الحواس والغرائز والشهوات والغضب والنميمة وقول الزور، كما جاء في الحديث الشريف الذي يقول فيه المصطفى (ص)... من لم يدع قول الزور والعمل بهِ والجهل فليس لله حاجه أن يدع طعامه وشرابه، وكما جاء كذلك في الحديث النبوي الشريف الذي رواه أبو هريرة - رضي الله عنهُ - والذي يقول فيه الرسول(ص)..إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابهُ أحد أو قاتله فليقل اللهمّ إني صائم، هذا بالإضافة طبعاً إلى الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة والآيات القرآنية الكريمة التي سنأتي عليها بالتأكيد، الأمر الذي جعل الكثير من العلماء والباحثين يجمعوا على تعريف الصيام علمياً بأنهُ تدريب روحي وبدني ونفسي، لأنهُ يترك في نفس الصائم الملتزم أثراً أخلاقياً وتربوياً ونفسياً عظيماً يؤدي بالتأكيد إلى ترويض جسمهِ وتهذيب روحهِ وكبح جماحهِ وصولاً إلى زيادة قوته وقدرته على الصبر والتحمّل من جهة، وعلى السيطرة والتحكّم في كلِ تصرفاتهِ وغرائزه ونزواته من جهةٍ أخرى، ولكنّ الصيام الكامل والمقبول عند الله والذي يصل بصاحبهِ إلى درجة التقوى كما أسلفنا، لابد أن يشمل كذلك كفّ البصر واللسان والسمع وسائر الجوارح والغرائز عن الآثام، وهو الأمر عزيزي القارئ الذي يفسّر لنا عملياً السبب الذي جعل الخالق سبحانه وتعالى يتخذ من الصيام وسيلة المسلم للتكفير والتطهّر من المعاصي والأخطاء التي تقابله في الدنيا ويقع فيها، حيث أُمرنا جل وعلا في الكثير من الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة بالصيام ليوم أو عدت أيام تبعاً لحجم ونوع المعصية المرتكبة، وبالمناسبة هنا فإن الحديث الذي رواه مسلم وأبو هريرة.... والذي يقول فيه الرسول الكريم(ص)..الصيام جنّه يستجن بها المسلم من النار...يعتبر من وجهة نظري المتواضعة أدق وأعمق تعريف ووصف قيل في الصيام، لأن الصيام المقبول والكامل والسليم- كما أصبح واضحاً لنا مما سبق- سيقي ويحجب وجه الإنسان المسلم من النار ويستره يوم القيامة، لأنهُ يهذّب الإنسان ويروضه ويمكّنه من السيطرة والتحكم في نزواته وغرائزه وعدم الوقوع في المعاصي والخطايا تبعاً لذلك، ولهذا فإن كلمة جُنّه كما جاء في الحديث تعني ساتر أو حاجب أو مانع، مثل كلمة مجنون التي تطلق على الإنسان عندما يكون العقل محجوباً أو مستوراً عنهُ، أو كلمة جنين التي تطلق على الطفل المحجوب في بطنِِ أمهِ عن العالم الخارجي والوسط المحيط من حولهِ.؟؟؛؛

وبالعودة إلى أبعاد ومعاني الصيام الكثيرة فإن لهُ كذلك بعداً اجتماعياً وإنسانياً عظيماً يتمثل في الإحساس والشعور بالمساواة في المعاناة والتحمّل وفي تلاشي الفوارق الطبقية بين الفقراء والأغنياء أثناء الصيام، الأمر الذي يشكّل حافزاً كبيراً للناس للتكافل والتراحم والإحساس والشعور بمعاناة وظروف الآخرين، وتحديداً هنا إحساس الأغنياء بحاجة وفاقة ومعانات الفقراء، وهو بالمناسبة ما يعتبر من آداب الصيام الصحيح والكامل، كما جاء في الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه الرسول الكريم(ص)... ليس منا من بات شبعاناً وجاره جائع وهو يعلم.....

كما أن للصيام - وهذا هو الأهم-عزيزي القارئ بعداً علمياً وصحياً عظيماً، حيث يعتبر شهر رمضان المبارك فترة راحة واسترخاء للإنسان المسلم يتخلّص جسمهِ خلالها من الكثير من السموم والفضلات الضارة التي تتراكم فيه طوال العام ليتمكّن مع انتهاء الشهر الفضيل من استعادة نشاطهُ الطبيعي بشكل أفضل وبقوة متجددة، حيث أثبتت الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية أن للصيام تأثير عجيب ومدهش في حفظ الصحة وإذابة الفضلات والسمو بالروح وتهذيبها، كما أثبتت كذلك أنهُ دائماً ما يترك في نفسية الصائم أثراُ روحياً وسلوكياً وبدنياً عظيماً، الأمر الذي جعل الخالق جلّ وعلا يفرضهُ علينا وعلى المؤمنين الذين سبقونا في كل الديانات السماوية السابقة، كما توضّح الآية السابقة التي تقول..كما كتب على الذين من قبلكم...، حتى أن الكثير من الشعوب وأتباع المذاهب والديانات غير التوحيدية أيضاً يعتبروا الصيام من الطقوس والتقاليد التي يحرصوا عليها، لأنهُ وكما تشير الدراسات والأبحاث العلمية التي أُجريت عليه منذ القدم وحتى يومنا يعالج أو يساعد على علاج الكثير من الأمراض الحادة والمزمنة، حيث كان ينصح بهِ دائماً ومنذ القدم الطبيب المسلم والمشهور - أبن سينا- عند علاجهِ لجميع الأمراض المزمنة تقريباً، كما نصح بهِ كذلك ولمدة ثلاثة أسابيع الأطباء المسلمين في القرنين العاشر والحادي عشر الميلادي للعلاج والشفاء من مرض الجدري ومرض السيفلس، أمّا القائد الفرنسي المشهور نابليون بونابرت فقد أمر بالصيام في المستشفيات التي تعالج الأمراض الجنسية والتناسلية عندما دخل مصر وأحتلها، وفي عصر النهضة الذي عاشتهُ أوروبا والذي شهد تطوّراً في العلم واكتشاف المزيد من الفوائد الصحية للصيام فإن العلماء بدؤوا يحذّرون الناس من مخاطر ومضاعفات الإفراط في تناول الطعام والشراب وينصحونهم بالصوم للتخفيف من الشهوات الجامحة والحد من انتشار الأمراض المختلفة، ففي ألمانيا مثلاً أكتشف الطبيب الألماني فريدريك هوفمان أن الصيام الطبي كما أسماه علمياً يساعد على علاج الصداع والقرحة وأورام اللثة ونزيفها، حتى أنهُ نصح كل مريض بأي مرض كان بالصيام، أما في روسيا فقد توصّل العلماء إلى النتيجة ذاتها في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، حيث أعلن الدكتور بيتر مينوف من جامعة موسكو في عام 1769 أن الصيام أثناء المرض يعطي المعدة فترة راحة تُمكّن المريض بعد التعافي من العودة إلى الأكل والهضم بشكل أنشط وأفضل، وهو تقريباً بالضبط ما توصّلت إلية دراسات وأبحاث الطبيب الروسي زيلاند الذي كتب خلاصتها في إحدى مؤلفاته قائلاً " أن الصوم يسمح للجسم بأن يرتاح ليستأنف نشاطه الطبيعي بشكل أفضل وبقوة متجددة"، ولكني شخصياً عزيزي القارئ أعتبر أن ما أعلن عنهُ الدكتور سباسكي من جامعة موسكو من أهم وأبكر ما أُكتشف وقيل عن الصيام، حيث كتب قائلاً بعد أن نجح في علاج الحمى الراجعة بالصوم" أن الصوم كثيراً ما يؤدي إلى حدوث معالجات متزايدة ومتضاعفة في جسم الإنسان، الأمر الذي يضاعف بهذهِ الطريقة إمكانية شفاءه من الأمراض دون تدخّل خارجي وتحديداً هنا الأمراض المزمنة. أمّا في الولايات المتحدة فقد بدأ الاهتمام بالصوم والاعتماد عليه كوسيلة علاجية في القرن قبل الماضي(التاسع عشر)على يد الدكتور إدوارد ديوي والذي استخدمهُ في علاج مرض الاستسقاء والاضطرابات المعدية والمعوية وتحديداً التهابات وقرحة المعدة والأثني عشر، لأن الصيام- كما أسلفنا مراراً- يريح الجهاز الهضمي ويعدّل حموضة المعدة، الأمر الذي يساعد على ترميم المعدة والتام قروحها والتهاباتها.

وبالعودة إلى البعد العلمي والصحي للصيام لابد من الإشارة عزيزي القارئ إلى أن أهمية هذا البعد وعمقه تتكشّف لنا كل يوم كلما تقدّم العلم الحديث وأبحاثهِ والتي كان آخرها وأهمها من وجهة نظري ما توصّلت إليه الدراسات والأبحاث العلمية التي أُجريت على مرضى السرطان الذين يخضعون للعلاج الكيميائي، حيث أثبتت هذهِ الدراسات والأبحاث التي قامت بها مجموعة مشتركة من العلماء الفرنسيين والألمان وأُعلن عنها مؤخراً أن الصيام يؤدي إلى زيادة مناعة وقوة دفاعات الإنسان، الأمر الذي يضاعف ويركّز الأثر الدوائي للعلاج الكيميائي ويحدّ من آثارهِ وأعراضه الجانبية والسلبية المعروفة عنهُ تبعاً لذلك، وذلك لأن العلاج الكيميائي الذي يعتبر العلاج الوحيد المتاح والمستخدم في الطب حتى يومنا لعلاج المراحل المتقدّمة للسرطان - كما هو معروف - لا يقتصر تأثيره على الخلايا السرطانية الضعيفة مناعياً فقط، ولكنهُ يشمل كذلك الخلايا السليمة والقوية مناعياً الموجودة حول مركز السرطان، الأمر الذي يؤدي بالضرورة إلى ظهور الآثار الجانبية السيئة المعروفة عن العلاج الكيميائي مثل الضعف العام وتساقط الشعر وغيرها من الأعراض، ولكن لأن الصيام- كما أسلفنا مراراً- يزيد مناعة الإنسان والخلايا المجاورة للسرطان تحديداً، فإنهُ بهذهِ الطريقة يحميها ويجنبها من الآثار السلبية هذهِ، كما يحصر ويركّز تأثير العلاج الكيميائي على الخلايا السرطانية فقط، وبالمناسبة هنا عزيزي القارئ فإن الأمانة وشرف المهنة تحتّمان عليّ الإشارة بكل فخر واعتزاز إلى أن هناك تجارب وأبحاث علمية حول العلاقة بين الصيام والمناعة قام بأجرائها علماء مسلمون قبل ذلك بكثير في الولايات المتحدة، حيث أجرى الدكتور رياض البيبي والدكتور أحمد القاضي تجارب مخبريه على متطوعين خلال شهر رمضان و بعد شهر رمضان توصلوا من خلالها إلى نتيجة تقول في خلاصتها أن للصيام أثراً إيجابياً على جهاز المناعة في جسم الإنسان، حيث أظهرت النتائج ألمخبريه زيادة ملحوظة في عدد الخلايا اللمفاوية الموجودة في الدم Lymphocytes)) بالإضافة إلى تحسّن في أدائها ودورها الدفاعي، وتحديداً الخلايا اللمفاوية (T) المسئولة عن مقاومة الأمراض، كما لوحظ كذلك زيادة وتحسّن في أداء الأجسام المضادة في الدم (Antibodies)، ولأن الفوائد الصحية والأبعاد العلمية للصيام لا تنتهي وتتكشّف لنا كل يوم مع تقدّم العلم وأبحاثه- كما أسلفنا- فإني أعتقد أن الدراسات والأبحاث العلمية السعودية التي أُجرتها وأعلنت عنها مؤخراً كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز من أحدث المعلومات والاستنتاجات عن الصيام والتي تقول في خلاصتها "أن الصيام السليم والكامل يزيد من خصوبة الرجل والمرأة على حدٍ سواء"، حيث أثبتت الأبحاث والتجارب ألمخبريه أن أداء هرمون الذكورة (التستيستيرون) خلال شهر رمضان يتحسّن كثيراً وأن النشاط والعدد الكلي للحيوانات المنوية والبويضات عند الرجل والمرأة يتضاعف، الأمر الذي يفسّر لنا علمياً الزيادة الملحوظة في حالات الحمل خلال شهر شوال الذي يلي شهر رمضان مباشرةً.

ختاماً عزيزي القارئ حول الصيام إجمالاً وأبعاده الصحية والعلمية والاجتماعية والأخلاقية فقد ارتأيت أن أنهي مقالتي هذهِ بالملاحظات والمعلومات التالية علّها تجيب على تساؤلات البعض أو تشبع فضول البعض الآخر وصولاً إلى تحقيق الهدف الأسمى والأهم الذي دائماً ما أنشده من وراء كل ما أكتبة أو أناقشة والمتمثّل في زيادة الثقافة الصحية والوع ي الوقائي للمواطنين والقراء من العامّة والعاملين في الحقل الطبي على حدٍ سواء، هذهِ الملاحظات والمعلومات التي ارتأيت أن استعرضها بحسب أهميتها وموضوعيتها كما يلي:-

- فُرض الصيام ووجد منذ القدم وإن بطرق مختلفة في كل الديانات السماوية وغير السماوية التي سبقت الإسلام كما جاء في الآية السابقة التي يقول فيها تعالى... كما فرض على الذين من قبلكم، حتى أن الكثير من الديانات والمذاهب إلى يومنا تعتبره من طقوسها وتقاليدها التي تحرص عليها، كما أن الصيام في بعض الديانات و عند بعض الأتباع قد ينحصر فقط على أنواع معيّنه من الطعام كالحوم، حيث تحرّم الديانة اليهودية مثلاً أكل اللحوم ومشتقاتها في يوم السبت من كل أسبوع...

- رغم أن الإسلام أمرنا بالصيام إلاّ أنهُ رخّص لنا بالإفطار في بعض الحالات وفي بعض الأحيان، حيث رخّص بالإفطار مثلاً للشيخ الكبير والمرأة الكبيرة و الحائض و النفساء وحتى أصحاب الأعمال الشاقة، كقولهِ تعالى في الآية (29) من سورةِ النساء ...ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما أو قولهِ تعالى في الآية(78) من سورة الحج...هو اجتباكم وما جعل لكم في الدين من حرج صدق اللهُ العظيم، كما أنهُ تعالى رخّص لنا كذلك بالإفطار في حالة المرض أو عند السفر مع اشتراط القضاء، كقولهِ تعالى في الآية(185) من سورة البقرة...و من كان مريضاً أو على سفرٍ فعدةٌ من أيامٍٍ أخر يريد اللهُ بكم اليسر ولا يريد بكم العسر...صدق الله العظيم.

- لا يختصر الصيام في الإسلام على شهر رمضان من كل سنه فقط، ولكنّهُ يشمل كذلك أياماً أخر من السنة الهجرية وهو ما يسمى صيام التطوّع، كالأيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر هجري والتي تعرف بالأيام البيض عند العرب، وكذلك صيام كل يوم أثنين وخميس من كل أسبوع وغيرها من الأيام والمناسبات التي سنأتي عليها بالتفصيل والتي لم تأتي من فراغ هي الأخرى. فمثلاً في الحديث الشريف الذي أخرجه النسائي يقول الرسول الكريم(ص) ناصحاً...يا أبا ذر إن صمت من الشهر ثلاثاُ، فصم ثلاثة عشر وأربعة عشر وخمسة عشر..، و للصيام في مثل هذهِ الأيام عزيزي القارئ بعداً صحياً وعلمياً وأخلاقياً عميقاً أتمنى على القارئ الكريم أن يعذرني مقدماً أنٍْ أطلت أو أسهبت في توضيحه.

فالمعرفة البعد العلمي والصحي والأخلاقي للصيام في مثل هذه الأيام كما جاء في الحديث الشريف السابق وإيصال المعلومة بكل يسر ووضوح للمهتمين وغير المهتمين على حدٍ سواء، لا بد من الإشارة عزيزي القارئ أن القمر في مثل هذهِ الليالي يكون مكتملاً(بدراً) وشديد البياض، حتى أن العرب والمسلمين إجمالاً من شدة ضياءه وقوة سطوعه في هذهِ الأيام أسموها الأيام البيض، لأن الليل من شدّة ضياءه يكاد يكون متصل بالنهار، حتى أن العرب يقولوا عن كل امرأة جميلة وشديدة البياض قمر أربعة عشر تشبهاً، وبالعودة إلى البعد العلمي والصحي والأخلاقي للصيام في مثل هذهِ الأيام لابد من الإشارة كذلك أن الدراسات والأبحاث العلمية الجيولوجية والأرصاد جوية أثبتت أن القمر كلما كان مكتملاً وبدراً وشديد البياض، كلما زادة قوة جاذبيته وقوة تأثيره على السوائل في الكرة الأرضية كالبحار والمحيطات والأنهار، وهو ما تفسّره لنا عملياً وعلمياً عزيزي القارئ عمليات المد التي تجتاح البحار والمحيطات دائماً في الليالي المقمرة، ولأن ثلاثة أرباع جسم الإنسان والكرة الأرضية عبارة عن سوائل - كما هو معروف علمياً-، فإن عمليات المد التي تحدث في البحار والمحيطات - كما أسلفنا - تشمل كذلك السوائل الموجودة في جسم الإنسان، حيث يتمدد ويثور دم الإنسان وتزيد حركته وتدفّقه في الأوعية الدموية، الأمر الذي يجعل الإنسان في هذهِ الليالي المقمرة متحفزاً وسريع الإثارة والانفعال وسهل الانقياد لغرائزه والأقدام على الجريمة والمعصية، وهو تحديداً عزيزي القارئ السبب الرئيسي الذي جعل الرسول الكريم(ص) ينصحنا عبر أبا ذر بالصيام في مثل هذهِ الليالي كما جاء في الحديث، وذلك لأن الصيام- كما أسلفنا مراراً- سيروّض الإنسان ويهذّبه وسيمكّنه من التحكّم والسيطرة على غرائزه ونزواته وسيجنّبه من الوقوع في الخطايا والذنوب والمعاصي، وبالمناسبة هنا عزيزي القارئ فإن الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية رصدت لنا كذلك الكثير من الظواهر الطبيعية التي كثيراً ما تصاحب هذه الليالي المقمرة والتي أجدها من وجهة نظري الشخصية والمتواضعة سبباً صحياً وأخلاقياً كافياً يقنعنا بأهمية وفوائد الصيام في مثل هذه الليالي التي نصحنا الرسول الكريم(ص) بالصيام فيها كما جاء في الحديث السابق، حيث لُوحظ مثلاً أن نسبة الجريمة في الليالي القمرية ترتفع وأن الرغبة والقدرة الجنسية تزيد وتتضاعف عند الرجل والمرأة، كما لوحظ أيضاً أن نوبات الصرع عند الإنسان المصاب بالصرع تتكرر وتتعمّق خلال هذهِ الليالي، حتى أن الصرع خلالها يسمى الصرع القمري أو الجنون القمري (lunatic)، وهو الأمر عزيزي القارئ الذي يفسّر لنا علمياً زيادة تهيّج ونشاط وجنون المجانين والمصابين بالصرع في الليالي القمرية.

في الختام حول هذا الموضوع أحب أن أشير إلى أني شخصياً وبجهد ذاتي رصدت بعض الظواهر من واقع بيئتنا اليمنية التي تصاحب هذهِ الليالي المقمرة، حيث لاحظت مثلاً ارتفاع في مستوى ومنسوب المياه الجوفية في الآبار والحفر العميقة، كما لاحظت ورصدت تشقق وتلف فاكهة (الحب حب) أو البطيخ- كما يسميّها الأشقاء العرب-، حتى أني لاحظت أن الفلاحين في الليالي القمرية دائماً ما يلجئوا إلى طمر البطيخ بالتراب حتى لا تؤثر عليه جاذبية القمر وتتمدد السوائل الكثيرة التي يحتويها ويتشقق، وهذهِ الظواهر وغيرها مما قد يكتشفها العلم في المستقبل لها بعد وتفسير علمي واحد تقريباً، وهو زيادة تمدد وتدفق السوائل في جسم الإنسان والكرة الأرضية بفعل جاذبية القمر كما أسلفنا مراراً. والآن عزيزي القارئ أعتقد أنهُ أصبح يسيراً علينا معرفة البعد العلمي والصحي والأخلاقي للصيام في مثل هذهِ الأيام كما جاء في الحديث الشريف، حيث الصيام في مثل هذهِ الأيام التي يكون فيها الإنسان مثاراً ومتحفزاً ومهيئاً للانحراف والإقدام على أي معصية أو جريمة سيشكل لهُ جُنّه وحاجز يقيه من الوقوع في أي معصية أو خطيئة.

ختاماً عزيزي القارئ حول الصيام في غير شهر رمضان أو ما يسمى في الإسلام بصيام التطوّع، حيث توجد الكثير من الأيام خلال السنة الهجرية التي يمكن للمسلم الصيام فيها، كالصيام كل يوم أثنين وخميس وصيام يوم عرفه ويوم عاشوراء وغيرها من الأيام فإن صيامها كما فهمت من شيوخنا الأفاضل المتمكنين من الدين يحمل بعداً فقهياً وأخلاقياً إلى جانب طبعاً البعد الصحي والعلمي، حيث فهمت منهم مثلاً أن الإنسان المسلم يحرص على صيام كل أثنين وخميس لأن أعماله ُتعرض على الخالق جل وعلا في هذهِ الأيام، ولهذا فإنهُ يفضّل أن تعرض أعمالهِ على المولى عزّ وجل وهو صائم حتى يزيد ويتضاعف أجره وثوابه، وهو ما يوضحهُ لنا نصاً الحديث الشريف الذي رواه النسائي والذي يقول فيه الرسول(ص)تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس، فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم.

- تعتبر الاستعانة بالسحور من السنن النبوية الشريفة التي دائماً ما يحرص عليها الرسول الكريم(ص)، ففي الحديث الذي رواه أبن ماجة عن أبن عباس يقول الرسول الكريم(ص)..تسحّروا فإن في السحور بركة، كما يعتبر الاستعجال بالإفطار من السنن النبوية الشريفة أيضاً، حيث يقول المصطفى(ص) في الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم..لا يزال الناس بخير ما عجّلوا الفطر..، ولكن من وجهة نظري المتواضعة تعتبر السنّة النبوية التي تأمرنا بالإفطار على التمر من أهم وأعمق هذهِ السنن لما لها من بعد علمي وصحي عظيم، ففي الحديث الذي رواه وأخرجهُ الترمذي يقول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام .. إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمرٍ فإنهُ بركة، وهنا عزيزي القارئ لم يأتي اختيار التمر اعتباطاً أو من فراغ ولكنهُ جاء لأسباب وأبعاد علمية وصحية تصب في مصلحة الإنسان المسلم كما هو دائماً، فكما تشير الدراسات والأبحاث العلمية تعتبر الساعات والدقائق الأخيرة من يوم الصائم من أصعب وأشق لحظات صيامه، لأن نسبة السكر والجلوكوز في دمهِ خلال هذهِ الساعات والدقائق تصل إلى أدنى مستوياتها، الأمر الذي قد يعرّضه للتعب والإنهاك عند أي مجهود يبذله وحتى إلى الإغماء والسقوط في كثير من الأحيان، ولكن لأن التمر كما تشير الدراسات والأبحاث العلمية التي أُجريت عليه يعتبر من السكريات ألسهله الهضم لأنهُ أحادي التسكّر كما يطلق عليها علمياً فإنهُ وكما تشير نفس الدراسات والأبحاث العلمية يعتبر من أسهل وأسرع المواد والسكريات التي يمتصها جسم الإنسان، حيث يبدأ امتصاصه من الفم مباشرةً وليس من المعدة أو الأمعاء كما هو الحال مع السكريات المعقدة الثنائية والثلاثية التسكر، ولهذا فإن الإفطار بالتمر يعدّل نسبة السكر والجلوكوز في دم الصائم سريعاً بعد الإفطار مباشرةً، هذا بالإضافة إلى أن التمر كما تشير الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية يعتبر وجبه كاملة لأنهُ يحتوي تقريباً على معظم العناصر الغذائية المهمة لحياة الإنسان وهو ما كان قد أوضحهُ النبي الأمي عليه أفضل الصلاة والسلام قبل أكثر من ألف و أربعمائة عام في حديثهِ الشريف الذي يقول فيه(ص) بيتٌ لا تمر فيه جياعٌ أهله.. ، ولأن الشيء بالشيء يذكر وسعياً وراء زيادةً الثقافة الصحية والوعي الصحي للقارئ الكريم فإني أحب أن أسلط الضوء هنا أيضاً على الدافع الصحي والبعد العلمي الذي جعل الخالق جلّ وعلاّ يختار شجرة النخيل وثمرة الرطب تحديداً لمريم بنت عمران عليها السلام وهي تولد كما جاء في سورة مريم، حيث يقول تعالى في الآية رقم (25 ) من سورة مريم...وهزي إليك بجذع النخلة تسقط عليكِ رطباً جنيا.....

وكما أسلفنا فإن اختيار شجرة النخلة وثمرة الرطب من أنواع التمر تحديداً لم تأتيا من فراغ كما قد يعتقد البعض، ولكنّهما اختيرا لأسباب وأبعاد صحية وعلمية عظيمة، حيث أثبتت الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية أن شجرة النخيل عندما يكون ثمارها رطباً يكون ساقها أجوفاً وعبارة عن قشور، الأمر الذي يعني أنها في هذهِ المرحلة من نموها تكون خفيفة جداً وبالتالي يسهل على سيدتنا مريم بنت عمران عليها السلام المنهكة بحملها أصلاً أن تهز جذع الشجرة كما أمرها الخالق جلّ وعلا، كما أن التمر عندما يكون رطباً كما أثبتت نفس الدراسات والأبحاث العلمية يكون في قمة نضوجه وأضعف التصاقه بالنخلة، الأمر الذي يعني سهولة سقوطه عند أبسط هزّه. ولأن الرطب يعتبر من مجموعة الألياف والمليّنات كالملوخية والبامية فإنهُ يقوم هنا مقام المسهلات والملينات التي تعطى للمرأة قبل الولادة بساعات حتى يسهل خروج الجنين، ولكنّي أعتقد عزيزي القارئ أن العناصر الغذائية كالحديد والكالسيوم والبوتاسيوم والفيتامينات وتحديداً فيتامين (K)التي يحتويها الرطب هي السبب الرئيسي وراء اختياره غذاءً لمريم أثناء ولادتها، لأنها طالما ستلد إذاً فهي بالتأكيد ستنزف وستحتاج حينها إلى حديد لتعويض النزيف وإلى فيتامين(K) لإيقافه وهما العنصران تحديداً المتواجدان بنسبة كبيرة في الرطب، ولأنها كذلك سترضّع وليدها بعد الولادة مباشرةً فإنها ستؤمن حاجته من الحليب من الكالسيوم والبوتاسيوم الغني بهِ الرطب أيضاً، هذا بالإضافة إلى الكثير من الفوائد الأخرى التي قد أكون أجهلها أو لم يكتشفها العلم بعد.

في الختام عزيزي القارئ حول الصيام وأبعاده الصحية والعلمية أحب أن أنهي مقالي هذا بالتذكير بالحديث النبوي الشريف الذي يختصر كل فوائد الصيام وأبعاده والذي يقول فيه المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (صوموا تصحّوا).<

ستشاري الأمراض الباطنية وأمراض الجهاز الهضمي

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد