حينما تكون إب عاصمة للفساد.. لا للسياحة..قصة المنارة الآيلة للسقوط.. شاهد عيان على عبثية صرف أكثر من 200 مليون

2010-10-12 05:23:01 تقرير/ عبدالوارث النجري

الحكاية تعود إلى ما قبل ثمان سنوات تقريباً، أي في نهاية العام 2002م، والمكان هو جامع الخليفة عمر بن الخطاب، أو الجامع العمري كما يسميه أبناء إب أو الجامع الكبير لمدينة إب كما ورد في معاملات ورسميات مكتب الأوقاف في المحافظة.. والمنارة التي وردت في عنوان هذا الموضوع هي منارة الجامع الكبير في مدينة إب القديمة، وتقول الروايات الأكيدة التي وصلتنا من نفس المدينة حول ما تم بالضبط، إن مقترحاً طرحه المصلون وعدد من الآباء والمشائخ والشخصيات الاجتماعية في المدينة القديمة، تم عرضه على مكتب الأوقاف والإرشاد بإعادة بناء منارة الجامع ، كونها صارت آيلة للسقوط ومصدر قلق لأصحاب المنازل المجاورة والمارة من أبناء المدينة، حينها قام مكتب أوقاف إب بدراسة الموضوع لتنفيذ ذلك المشروع وكيفية صياغته وإخراجه إلى النور، ونظراً لأن الجامع الكبير بإب ليس لديه وقفيات كبيرة كما هو الحال بالنسبة لجامع السيدة أروى بنت أحمد الصليحي في مدينة جبلة، فقد تم وضع مقترح بإضافة موضوع ترميم جامع الملكة أروى الكائن في جبلة والغني بالوقف - إلى مشروع ترميم الجامع الكبير بمدينة إب القديمة، خاصة وأن جامع جبلة هو الآخر قد صار آيلاً للسقوط بعد أن قام الأهالي بتحويل مجاري منازلهم إلى المجرى الذي كان يمد الجامع بالماء من رأس الجبل، وبسبب مجاري المواطنين بدأت الرطوبة والأملاح تؤثر على جدران الجامع وأساساته إلى جانب انتفاخات في مادة القضاض المستخدمة في عملية البناء.

 طبعاً أشرك في هذا كلاً من الهيئة العامة للآثار والهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية واللتان بدورهما جادتا بالعديد من التقارير التي توصي بضرورة سرعة البدء في مشروع الترميم للجامعين وعدم التوقف حفاظاً على تلك المعالم الأثرية الهامة في المحافظة.

 وهناك رؤية تقول إنه ما إن بدأ مكتب أوقاف إب يدرس موضوع الترميم للجامعين حتى قام/ - الدكتور/ محمد برهان الدين – سلطان البهرة - بعرض موضوع ترميم جامع السيدة أروى على حسابه، الأمر الذي رفضته حينها قيادة المحافظة نظراً لحساسية الموضوع ووجهت أوقاف إب بسرعة البدء في تنفيذ مشروع الترميم، وهو ما تم بالفعل حسب العقد الموقع بين كل من أوقاف إب والهيئة العامة للآثار وتم تعميده من قبل المحافظة بتكليف المقاول/ غسان عبدالله حمران بترميم الجامعين الكبير وجبلة بمحافظة إب بحيث يكون التمويل من جهة مكتب الأوقاف بالمحافظة والإشراف على عملية التنفيذ من قبل الهيئة العامة للآثار، وكذا الهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية.

 وفي العام 2005م تقريباً تم توقيف العمل في مشروع الترميم خاصة بعد فضيحة فساد مكتب الأوقاف التي أثارها كل من فرع الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة ونيابة الأموال العامة بالمحافظة، حيث باشرت النيابة التحقيق في الكثير من المخالفات، وعلى إثر ذلك تم حبس عدد من موظفي أوقاف إب وكذا تغيير مدير عام المكتب سابقاً الأخ/ عبدالحميد الأشول وكان موضوع ترميم الجامعين من ضمن ما تم التحقيق حوله.. إصرار نيابة الأموال حينها على استكمال التحقيق في تلك المخالفات التي طالت مسؤولين كبار في إب - اضطر كلاً من قيادة وزارة الأوقاف ممثلة حينها بالأستاذ/ حمود عباد وقيادة محافظة إب ممثلة بالعميد/ علي القيسي - إلى تغيير مدير مكتب الأوقاف سابقاً، وتكليف الوكيل المساعد/ فؤاد يحيى منصور بإدارة أوقاف إب إلى جانب منصبه مؤقتاً، لكن عملية الترميم ظلت خلال تلك الفترة موقفة، وظلت أخشاب المقاول داخل الجامع الكبير في مدينة إب تزعج المصلين الذين طالبوا بسرعة استكمال أعمال الترميم، إلى جانب التقارير التي أعدها الدكتور/ جار الله – أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة صنعاء حينها ووكيل الهيئة العامة للآثار حالياً - حول الآثار السلبية لعملية توقيف أعمال أي ترميم أثري مستقبلاً والذي أكد فيها على ضرورة استئناف عملية الترميم، ورغم رفض ( الوكيل المساعد – مدير المكتب ) وخلافه مع المقاول، إلا أن المراقبين تفاجأوا بحل الخلافات واستئناف عملية الترميم للجامعين، كما تم تعيين المدير العام للشئون المالية في ديوان وزارة الأوقاف الأخ/ عبداللطيف المعلمي – ورئيس لجنة الحصر لأوقاف إب من قبل الوزارة سابقاً - مديراً عاماً لمكتب أوقاف محافظة إب، رغم أن قيادة المحافظة كانت قد رشحت الأخ / ناجي النهمي – مدير مكتب البيئة - لهذا المنصب، بعدها استلم المعلمي مهامه وواصل المقاول حمران أعمال الترميم لتصل الصرفيات لتلك الأعمال في بداية عام 2007م إلى أكثر من "120" مليون ريال لترميم جامع جبلة وقرابة "70" مليون لترميم الجامع الكبير بإب.

 ومنذ ذلك الحين وحتى منتصف العام الحالي ظلت أعمال الترميم متقطعة وغير متواصلة بسبب خلافات غامضة كانت تنشب بين الحين والآخر بين مدير مكتب الأوقاف بالمحافظة من جهة ومقاول المشروع والهيئة العامة للآثار الجهة المشرفة من جهة أخرى، وفجأة يتم طرح موضوع تصفية أعمال المقاول لمشروع ترميم جامع جبلة والجامع الكبير بإب.. وقبل أن ندخل في هذا الجانب ننوه بأن هناك روايات تقول إن أعمال الترميم للجامعين نهاية العام 2005م لم تستأنف إلا بعد دخول شريك غير معلن مع مقاول هذا المشروع، وكان ذلك شرط على المقاول لاستئناف أعمال الترميمات بعد توقيفها لعدة أشهر. المهم نعود الآن إلى موضوع تصفية أعمال المقاول في مشروع الترميمات للجامعين ، حيث تم تشكيل لجنة الحصر والتصفية مكونة من ثلاثة مهندسين من قبل وزارة الأوقاف ومهندس من قبل الهيئة العامة للآثار وكذا رئيس اللجنة الفنية في محلي إب ومقرر اللجنة، وظلت هذه اللجنة تواصل أعمال التصفية لأكثر من شهرين وتخيلوا كم تم صرفه من ملايين الريالات لهذه اللجنة التي يقال أنها تجاوزت العشرة ملايين ريال، ولكن ماذا كانت النتيجة؟! الخروج بأن للمقاول يتجاوز قيمة الأعمال التي تمت وفجأة يختفي المقاول وتنتهي قضية المخالصات التي تم الصرف باسمها، والتي تجاوزت الـ"200" مليون ريال، لكن في نفس الوقت لا تزال منارة الجامع الكبير في مدينة إب آيلة للسقوط ولم تطالها أعمال الترميم، بل كانت المنارة شاهد عيان على ما تم خلال السنوات الماضية.

 وحتى لا نظلم أحداً في سرد هذه القصة فإن ما تم من أعمال سواء في جامع إب أو جامع جبلة لا يستهان بها، وكانت أعمالاً دقيقة وأثرية بالفعل ومن أراد التأكد فما عليه سوى زيارة جامع جبلة وبركة الجامع ممتلئة بالماء وكذا سماسر الجامع.. لكن هناك أسئلة لا تزال تراود عقولنا نحن أبناء هذه المحافظة وهي: لماذا تم استثناء منارة جامع إب من الترميمات رغم أنها آيلة للسقوط؟ وهل كان للمقاول /غسان حمران شريك غير معلن؟ ومن هو؟ ومن الذي طلب تصفية الأعمال المقاول أم الأوقاف، أم المحافظة ؟ وكيف خرج المقاول حمران من مشروع عملاق كهذا بخفي حنين؟ وهل كانت لجنة الحصر صادقة في أعمالها ؟ وهل كان غسان ضحية مؤامرة كبيرة بالفعل كما كان مكتب أوقاف إب ضحية للفساد والاغتصاب ولا يزال؟ ومن كان وراء هذه المؤامرة؟ ولماذا اختفى المقاول فجأة؟ وهل أغلق ملف ترميم الجامعين - الكبير وجبلة - بإب إلى الأبد؟ وكيف تم نهب سيارات المقاول غسان كما يقال؟ أم أنها أخذت بموافقته؟ وكيف تمت عملية بيع سيارته السابقة لمدير الآثار؟ وأين دور قيادة محلي إب وخاصة القاضي/ أحمد الحجري من كل ما مضى، أم أنه لا يزال في موقع المتفرج؟ وكيف تحول أصدقاء المقيل والتقارير إلى أعداء؟.

 هذه الأسئلة وغيرها لن تجيب عنها سوى الأوليات الموجودة في أرشيف كل من أوقاف إب والهيئة العامة للآثار والمحافظة، وربما قد يخرج أحد أطراف اللعبة عن الصمت ليكشف خفايا ما دار بالتفصيل الممل.. وقبل أن ننهي هذه القصة نذكر بأن منارة الجامع الكبير لمدينة إب القديمة هي الشاهد العيان الوحيد على ما تم.

وأخيراً نطرح سؤالاً لكافة أبناء المحافظة هو: في ظل هكذا وضع هل يمكن لمحافظة إب أن تصبح العاصمة السياحية لليمن؟ أم أن ذلك سيؤهلها لتصبح بالفعل عاصمة للفساد والمفسدين في الوطن بشكل عام؟.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد