شهر الصيام..وأخلاق الصائمين

2011-08-24 01:08:55 أخبار اليوم/ متابعات


الصيام والشهوة الجنسية
لقد أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- معشر الشباب أن يتزوجوا إذا وجد أحدهم الباءة، ومن لم يستطع أوصاه بالصوم، فالصوم جُنة ووجاء، ولكن لا من حيث إن الجوع والعطش يرهقان الجسد، فتقل الرغبة الجنسية عند الصائم، فالصائم يفطر عند الغروب، وعندها يذهب الظمأ وتبتلّ العروق، وتعود للجسم حيويته، وتعود له الرغبة الجنسية، حتى إن بعض الصحابة كانوا يختانون أنفسهم في ليالي رمضان؛ أي يباشرون زوجاتهم ذلك عندما كان الرفث إلى نسائهم محرمًا عليهم في رمضان حتى في الليل، وهذا يرينا أن الصوم لم يضعف الرغبة الجنسية لديهم، لكن النبي -صلى الله عليه وسلم- نصح الأعزب الذي عجز عن الزواج بالصوم، لأن للصوم على ما يبدو فائدة في هذه الحالة بآلية أخرى غير إضعاف الجسد بالجوع والعطش، فالشاب العفّ والشابة العفّة اللذان لا يقعان في الفاحشة وما يزالان عزبين يمكن أن يعانيا من انشغال البال بالأفكار والخيالات الجنسية أو الرومانسية انشغالاً يسمى في العلوم النفسية: "انشغالاً وسواسيًا" فيه تسيطر الخيالات الجنسية والرومانسية على فكر الشاب أو الشابة، وتعطله عن أن يوجه ذهنه في دراسته أو عمله، وهذا الانشغال يقوم في النفس حتى حين لا يكون هنالك مثيرات أمام الشاب أو الشابة، وهو أمر متعب للنفس، ويستحوذ عليها، ويجد الإنسان صعوبة في التخلص منه، وهنا تظهر إحدى فوائد الصيام، فقد لاحظ بعض من حدّثني عن تجربته الشخصية في هذا المجال أن الصوم يقضي على هذا الانشغال لوسواسي بالجنس والعشق، دون أن يقضي على الرغبة الجنسية نفسها، حيث تبقى لدى الصائم القدرة على الاستجابة إلى المثيرات الجنسية، والقابلية للتأثر بها إذا ما تعرض لها، والعامة عادة لا يحبّذون الزواج في رمضان أو قبله مباشرة، لأن العروسين الجديدين يجدان صعوبة بالغة في الامتناع عن أي فعل جنسي أثناء النهار رغم أنهما صائمان، لا يأكلان ولا يشربان، أما العزب الصائم الذي يغضّ بصره ويبتعد عما يثيره يبقى ذهنه حرًا، وغير منشغل بالأمور الجنسية الرومانسية، وبهذا يكون الصوم وجاء له إذا ما اقترن بغض البصر والابتعاد عن دواعي الزنا، كما للصوم أثره في العزب، من حيث هو عبادة مستمرة من الفجر إلى المغرب، والصائم إن نسي للحظات أنه صائم فإنه لا يلبث أن يعود إلى جو العبادة التي يعيشها، وهذا بدوره يجعله أقل رغبة في نظرة لا تحل له، أو غير ذلك مما ينبه الرغبة الجنسية لديه.

الصيام وسوء الخلق
لقد فرض الله علينا الصيام في رمضان ليقربنا إلى التقوى وليدخلنا فيها، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أساسيات التقوى التي يهدف إليها الصيام. قال تعالى معددًا بعض صفات المتقين: (الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)، وقد علّمنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن نقول إن تعرضنا لجهل جاهل علينا، أو سابنا أو شادنا أحد: "إني صائم، إني صائم"؛ وذلك كي نصبر ونملك أنفسنا، فلا نردّ على المسبة بمثلها، ولا ندخل في شجار أو مشادة، فالصائم في عبادة، والعابد وقت العبادة يترفع عن أن يردّ على من يشتمه أو يشاده، وفي رمضان تتحسن أخلاق المتقين، لكن بعضنا يصبح نكد المزاج، ويغضب لأتفه الأسباب، ولا يبدي أي استعداد لتحمل الناس، ولا يقوم على خدمتهم، حتى لو كان ذلك مهنته ووظيفته، فهو صائم ولا صبر لديه، ثم إنه يقل إنتاجه في عمله إلى حد كبير، لأنه كما يقول: صائم! فهل يا ترى يتسبب الصيام بكل هذا؟ وكيف يتسبب بذلك، وكظم الغيظ والعفو عن الناس من أخلاق التقوى وأين الخلل إذن؟
صحيح أن الجوع والعطش قد يجعلان الإنسان عصبي المزاج قليلاً، وذلك إذا اشتدا كثيرًا، وهذا لا ينطبق على الموظف الحكومي الصائم، الذي تبدأ عصبيته وكسله منذ الساعة الثامنة صباحًا، ولا يمكن للصائم أن يحتج بالجوع والعطش منذ الصباح، ليبرر سوء خلقه مع الناس، إن السبب الحقيقي لسوء أخلاق بعض الصائمين في رمضان هو أنهم يجدون العذر والمبرر بأنهم صائمون كي يظهروا أخلاقهما لسيئة ويعبروا عنها، ويمارسوها وهم مطمئنون إلى أن المجتمع سيتحمل سوء أخلاقهم،ويغفر لهم ذلك، فهم صائمون، وعلى الناس تحمل طباعهم السيئة، مقابل أنهم تكرموا علينا فصاموا، وكأنما هم صاموا لنا ولم يصوموا لله، الذي وعد على الصيام ما لم يعد على سواه، إنهم يتبعون أنفسهم هواها، وينصرفون وفق الأخلاق السيئة التي لو أتيح لهم لكانت هي أخلاقهم في الصيام وبعد الصيام.

أسباب العصبية والغضب
لكن هنالك أسبابًا أخرى لعصبية بعض الصائمين وسرعة غضبهم، لعل أهمها أن بعضهم مدمن على التبغ، فهم مدخنون، والمدخن الذي يواظب على التدخين يوميًا ولمدة طويلة يكون في الحقيقة مدمنًا على التبغ، وعندما ينقطع عن التدخين لبضع ساعات يبدأ يعاني من أعراض الحرمان من التبغ الذي اعتادت عليه خلايا دماغه، فيشعر بالعصبية وسرعة الغضب والتململ والصداع، وضعف التركيز وانخفاض المزاج، والقلق وضعف الذاكرة، واضطراب النوم، "وهي أعراض تختفي خلال أسبوع إن بقي ممتنعًا عن التدخين"، وهذه الأعراض ناجمة عن الإدمان على التبغ، وليست ناتجة عن الصيام بحد ذاته، فالشخص الطبيعي الذي لم يدمن شيئًا لا يمر بها إن صام.
كما أن هناك إدمانًا آخر شائعا بين الناس يتسبب في عصبية بعض الصائمين، وهو الإدمان على الكافيين، وهي المادة المنبهة في القهوة والشاي والكولا، والانقطاع المفاجئ عن الكافيين يتسبب –إن طالت ساعاته- بشعور المدمن بالكسل والنعاس، وفقْد الرغبة في العمل، وبالعصبية وانخفاض المزاج، وإذا بلغ الانقطاع عن الكافيين عند المدمن عليه ثماني عشرة ساعة أو أكثر فقد يصيبه صداع يشمل رأسه كله، ويتميز بأن الألم فيه نابض يشتد مع كل ضربة من ضربات القلب، لذا كان من المفيد لمن أدمن على الكافايين أن يخفف تناوله للقهوة والشاي والكولا تخفيفًا تدريجيًا قبل رمضان، وذلك استعدادًا للصيام، وعليه أن يتناول شيئًا منها عند السحور، حتى لا يعاني من أعراض الحرمان منها أثناء الصيام.

الصيام وانخفاض المزاج
إن من أسباب تعكّر مزاج بعض الصائمين وانخفاض معنوياتهم عند الصيام وجود قدر من القلق النفسي لديهم، والخوف الغامض من أن يعانوا من امتناعهم عن الطعام والشراب، وأن عليهم الانتظار إلى المغرب، وهذا القلق لا داعي له طالما أن الصائم يستطيع أن يفطر متى بلغ به الجهد حدًا لا يطيقه، وله أن يفطر إن أصابه من الألم أو المرض ما يستلزم تناوله للأدوية؛ سواء منها المسكنة للألم أو المعالجة للداء، والرخصة قائمة، والصائم حر في الأخذ بها، طالما أن مرضه لا يشكل فيه الصيام ضررًا على صحته، فالله لم يجعل علينا في ديننا أي نوع من أنواع الحرج، أما إن كان الصيام يؤدي إلى الضرر بسبب المرض الموجود صار الإفطار واجبًا، وليس مجرد رخصة، فعلينا أن نستعين بالله، ونصوم ونحن مرتاحو البال إلى أننا لو بلغت معاناتنا من صيامنا حدًا مؤلمًا فإن الله بنا رحيم، ولنا في رخصته راحة ومخرج؛ وعادة لا يبلغ الجهد بالصائم حدًا يضطره إلى الإفطار إلا في حالات خاصة، كالذي تعرّض للحر، فيعطش عطشًا شديدًا، وكان ضعيفًا وفاته السحور، وآذته عضات الجوع في معدته، وما شابه ذلك من حالات، وحد المشقة والحرج صعب التحديد، إنما هي تقوى المؤمن، فالله عليم بخفايا النفوس، أما أطفالنا فعلينا ألا نشدد عليهم إن لاحظنا أن الجوع أو العطش قد آذاهم، فإن إصرارنا عليهم كي يتموا صومهم قد يولد في نفوسهم الكراهية لهذه العبادة الرائعة، وقد يدفعهم إلى الفطر خلسة، ويتعلموا بذلك الكذب والغش.ومن أسباب انخفاض المزاج والتكاسل عن العمل في رمضان أن بعض الصائمين ينفقون الليل في السمر والأكل والشرب، حتى إذا اقترب الفجر تسحروا وناموا، لكن الساعات الباقية لهم حتى موعد العمل لا تكفيهم كي يستعيدوا نشاطهم، فيذهبون إلى أعمالهم مرهقين، وتكون ساعات العمل بالنسبة لهم شاقة ومزعجة، وذلك نتيجة نقص النوم،وليس نتيجة للصيام.

عضات الجوع وبركة السحور
الصيام مدخل إلى التقوى وحسن الخلق، والصبر على الناس، والصيام كما أمرنا الله به -من الفجر إلى غروب الشمس- يجب ألا يوصلنا إلى حالة من الجوع الشديد، الذي يترافق مع عضات الجوع في المعدة، ويصاحبه التوتر النفسي والعصبية، ذلك أن المعدة بعد أن تفرغ من الطعام الذي كان فيها، ويمضي على فراغها عدة ساعات، تبدأ فيها تقلصات شديدة - تسمى "انقباضات الجوع"-، وتترافق مع الإحساس النفسي بالجوع، وتكون هذه التقلصات في المعدة على أشدها في الشباب والشابات ذوي الصحة الجيدة؛ حيث تكون المعدة لديهم نشيطة، وانخفاض سكر الدم يزيد من انقباضات الجوع هذه كثيرًا، فإذا طال جوع الإنسان صارت انقباضات الجوع مؤلمة، وسميت "عضات الجوع"، وهي تظهر عادة بعد 12 إلى 24 ساعة من آخر وجبة، وهذا يختلف من شخص إلى آخر؛ أما إن كان الجائع في مجاعة واستمر جوعه فإن عضات الجوع تشتد، حتى تبلغ أقصى مدى لها خلال 3 إلى 4 أيام، ثم تضعف بالتدريج في الأيام التالية، حتى لو استمرت المجاعة، ويتلاشى معها الإحساس بالجوع.
إن الجوع هو الإحساس الذي يدعو الكائن إلى تناول الطعام، وقد وجد العلماء في الدماغ مركزًا صغيرًا جدًا إذا ما تنبّه أحس الكائن بالجوع وأقبل على الطعام، وإذا ما حزبه المرض أو استأصله الجراح فإن الحيوان أو الإنسان يفقد الرغبة في الطعام نهائيًا، ويموت جوعًا رغم أن الطعام أمامه.
وحتى لا يبلغ الأمر بنا مبلغ عضات الجوع، نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن تأخير الفطر من جهة، فقال: "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر". [رواه البخاري ومسلم]. وحثنا على السحور من جهة أخرى فقال: "تسحروا فإن في السحور بركة". [رواه البخاري ومسلم].
فليست المبالغة في الجوع والعطش هي الغاية من الصوم، إنما المطلوب مجرد الامتناع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات من الفجر إلى الغروب،ولو سبق هذا الامتناع وجبة جيدة تعين عليه وتخفف مشقته لما قلل ذلك من ثواب الصائم،بل على العكس فإن السحور يجلب المزيد من الثواب، لأنه سنة النبي -صلى الله عليه وسلم .

نوم الليل لنمو الهرمونات
رمضان شهر القيام، قال - صلى الله عليه وسلم -: "من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه.
وقد خلق الله النهار لننشط فيه ونبتغي من فضل الله، وخلق الليل لنسكن فيه ونهجع، والنوم نعمة من نعم الله علينا؛ إذ في النوم راحة لجهازنا العصبي، فلو حرم الإنسان من النوم لبضعة أيام فإن عمل الدماغ لديه يضطرب، وفي النوم ترميم لما اهترأ من جسم الإنسان، كما يتم النمو خلاله أيضًا، وخاصة نوم الليل، حيث تزداد الهرمونات التي تنشط النمو والترميم أثناء الليل، وتزداد في النهار بدلاً عنها هرمونات منشطة مناجل العمل والحركة، وفي النهار يغلب معدل الاهتراء في الجسم معدل الترميم والبناء،قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُواْ فيه والنهار مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)، لكن الله أثنى على المتقين بأنهم كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون، قال تعالى: (إنا لمتقين فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ* آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إنهم كانوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَفِي أَمْوَالِهِمْ حقل لسائل وَالْمَحْرُومِ)، وهنا يثور في الذهن تساؤل، لقد اختار الله الليل ليكون وقت الاستغراق في العبادة، لكن هل يكون ذلك على حساب صحة الإنسان العقلية،ونحن نعلم كم هو مفيد نوم الإنسان في الليل؟ والجواب أنه لن يكون ذلك أبدًا، فقد كشفت دراسات الأطباء النفسيين في السنين الأخيرة أن حرمان المريض المصاب بالاكتئاب النفسي من النوم ليلة كاملة، وعدم السماح له بالنوم حتى مساء اليوم التالي هذا الحرمان من النوم له فعل عجيب في تخفيف اكتئابه النفسي وتحسين مزاجه حتى لو كان منا لحالات التي لم تنفع فيها الأدوية المضادة للاكتئاب، ثم أجريت دراسات أخرى، فوجدوا أنه لا داعي لحرمان المريض من النوم ليلة كاملة كي يتحسن مزاجه، إنما يكفي حرمانهم نوم النصف الثاني من الليل، لنحصل على القدر نفسه من التحسن في حالته: (كانوا قليلا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ* وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)،إذن لقيام الليل والتهجد في الأسحار جائزة فورية، وهي اعتدال وتحسن في مزاج القائمين والمتهجدين، وفي صحتهم النفسية.


الصيام صبر والتزام
الصيام تدريب على الصبر، فالصوم كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم- شطر الصبر، والصبر شطر الإيمان، والصبر في جوهره رضاء، فعندما يصبر الإنسان على الصوم فإنه يصوم وهو راضٍ بهذا الصوم، غير متذمر منه ولا حتى في سره، فهو يمتنع عن الطعام والشراب وغيرهما من المفطرات من تلقاء نفسه، يلتزم بذلك من الفجر وحتى الغروب، ولا يحتاج إلى رقيب عليه، وهذا الالتزام بالامتناع عن الطعام والشراب دون مقابل إلا ابتغاء رضوان الله يجعل البقاء دون طعام وشراب هذه الساعات الطويلة أهون بكثير مما لو كان البقاء دون أكل وشرب ناتجًا عن مانع من خارج النفس، كأن يمنعك شخص من الوصول إلى الطعام والشراب؛ ففي هذه الحالة يكون الجوع والعطش أشد، وهذا ما بينتْه الاختبارات النفسية، حيث وجدت أن "الالتزام يغيّر الدافع"، ففي إحدى التجارب حضر الأشخاص الذين ستتم عليهم التجربة دون أن يأكلوا أو يشربوا لعدة ساعات قبل مجيئهم، ثم طلب من بعضهم أن يبقى دون طعام أو شراب فترة أخرى دون أي مقابل مالي أو غير مالي، وذلك بأن يلزموا أنفسهم بذلك، فيكون صومهم التزامًا منهم، وقرارًا اتخذوه بحرية، وإن كان بناءً على طلب من الباحثين، أما باقي الأشخاص المجرب عليهم فلم يطلب منهم الالتزام بالبقاء دون طعام أو شراب، إنما تركوا دون طعام أو شراب، وجعل الأمر يبدو لهم وكأنه غير مقصود، وفي النهاية أجريت على الجميع اختبارات نفسية لمعرفة شدة الجوع والعطش لديهم، فوجد أن الذين التزموا بالامتناع عن الطعام والشراب التزامًا كانوا أقل جوعًا وعطشًا من الذين تمت مماطلتهم بحيث صاموا الساعات نفسها، ولكن دون التزام منهم بذلك، كما تمت معايرة "الحموض الدسمة الحرة" في دمائهم، وهي مواد تزداد في الدم كلما اشتد جوع الإنسان، فوجد أنها كانت أقل ازديادًا عند الذين التزموا بالصيام التزامًا، فالالتزام بالصوم أثّر حتى على رد فعل أجسامهم الفسيولوجي على بقائهم دون طعام أو شراب الساعات الطويلة؛ وفي دراسة أخرى درس العلماء أثر الالتزام على العطش، فوجدوا أن العطش عند من التزم من نفسه بالامتناع عن الماء كان أقلّ حتى في الاختبارات التي تكشف مدى انشغال النفس لا شعوريًا بالعطش، وبالرغبة في الماء.
إن الصبر في الحقيقية التزام ورضاء بالحال التي يضعنا الله فيها، وبالصبر تهون المعاناة وتقلّ، لأن الرضا حتى بالمصيبة يشبها لالتزام بها، كالذي منع نفسه من الطعام والشراب من نفسه، لأنه يريد الصيام لله تعالى، والذي ابتلاه الله بالفقر أو المرض، أو فقد عزيز فصبر، فإنه امتنع عن الشيء الذي حرم منه امتناعًا عن رضا وقناعة، امتناعًا يشبه امتناع الصائم، وإن كان رفضه لهذا الحرمان لا يغيّر شيئًا من الواقع، بخلاف رفض الصائم للصيام؛ إذ يمكن الأكل والشرب، وهذا الامتناع الراضي يكون أقل إيلامًا للنفس، مما لو تلقى المصيبة بتذمر وسخط وغضب.

الصيام تهذيب نفسي
يتفاوت الناس في فضل الله عليهم؛ ففيهم القوي وفيهم الضعيف، وفيهم الغني وفيهم الفقير، وفيهم صاحب الجاه والسلطان، وفيهم الشخص العادي الذي لا سلطان له؛ وعندما يعطي الله من فضله أحدًا أكثر من غيره فإنه قد ينسى أن قدرته وقوته أو غناه أو سلطانه إنما هو فضل من الله، وامتحان واختبار له، أيشكر أم يكفر هذا الفضل، فإذا ما نسي ذلك غرته قدرته وغره ماله، ودعاه ذلك إلى أن يتكبر ويتجبر على الآخرين، ناسيًا قدرة الله عليه، وأن الله هو الجبار، وهو القاهر فوق عباده، وفي رمضان يصوم المؤمن، ويمضي الساعات الطويلة بلا طعام ولا شراب، فيشعر بشيء من الضعف في قوته، ويشعر بالحاجة إلى الطعام والشراب، ويسره أن تغيب الشمس حتى يتمكن من أن يأكل ويشرب من جديد، إن الصائم يستشعر بهذا ضعفه البشري، فيقل اغتراره بقوته، وتتطهر نفسه من نزعة التجبر والعلو في الأرض؛ إذ كيف يتجبر وهو لم يصبر دون طعام وشراب أكثر من ساعات؟. ولعل هذا من الفوائد النفسية الهامة للصيام، لأنه يرجع المغرور إلى الواقع، ويخلصه من عقدة التفوق والعلو التي أفسدت عليه نفسه.
كما أن الصوم بما يترك في نفسية الصائم من إحساس بالضعف والحاجة إلى لقمة طعام، وإلى جرعة ماء، هذا الصوم يجعل للآيات الكريمة، التي وعدتا لمؤمنين في الجنة الطعام والشراب ضمن ما وعدتهم به من نعيم، ويجعل لها أثرا كبيرا في النفس أكبر مما يكون لو أن الإنسان الذي أنعم الله عليه قد أمضى عمره كله دون أن يجوع أو يعطش، فكما أن الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى فإن الطعام والشراب نعمة من الله، لا يعرف قدرها إلا من جاع وعطش.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد