تعاطي النظام مع المبادرة شكل جديد من أشكال الالتواء على الثورة

2011-10-06 04:14:42 تحليل/ عبدالرب الفتاحي


تعذر تحقيق أي تقدم طيلة الفترات التي مضت ،لهذا يتحرك النظام بمساندة غطاء دولي وإقليمي من أجل تحديد شكل الأسلوب المناسب في إنهاء الثورة اليمنية ,فقبل مجيء صالح كانت العملية الدسمة التي حدثت حينما تم قتل الكثير من الضحايا من الشباب الذين خرجوا معبرين عن مطالبهم في إنجاز الخيار الذي سيؤدي إلى إزالة أعراض الاحتقانات طوال الفترات الماضية ولنقل طوال الثلاثة العقود بكل ما تشمله هذه السنوات من دمار أدى إلى تجميد الحياة السياسية وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والحروب المتتالية.
أفقد النظام اليمنيين شعورهم بالأمن ,بينما كان اللعب على الأوراق المؤثرة مثل القاعدة والجرع أمراً في غاية الصعوبة من هنا تبرز معضلة التواطؤ من صالح وبتشجيع من جهات عديدة  ساعدته في رسم سياساته القاتلة وهي مازالت تلعب بالواقع السياسي اليمني من خلال إبقاء صالح بطريقة شبه مرسومة بواسطة الخلاف حول المبادرة ..فصالح أضعف بكثير من أن يرفض المبادرة والطرف الخلفي من وراءه يحدد له وقت المناورة ونوعيتها..مع أن الظروف الحالية تستدعي رسم واقع ما بعد رحيله وإزالة القوى التي تحتمي ببقائه, لما لها من معطيات تتناقض مع حق اليمنيين في اختيار طريقة النظام الذي يحكمهم وحجم المصالح الوطنية التي يجب النظر إليها قبل أي اعتبار للمصالح الخارجية..

تأخر مبعوث الأمم المتحدة عن السفر حسب الموعد الذي كان محدداً له بطلب من نائب الرئيس ,فجمال بن عمر كان واضحاً في التعبير عن حق اليمنيين في التغيير دون أي خلفيات تنم عن طبيعة الهزات التي زعزعت كيان النظام الأسري ..وقد قال إنه بصدد تقديم إحاطة لمجلس الأمن الدولي حول تطورات الوضع في اليمن خلال الأيام المقبلة ,منوهاً بأن الوضع في اليمن يعكس القلق الدولي والإقليمي المتزايد، فالعالم يراقب بقلق بالغ الوضع ويدعم بقوة التوصل لاتفاق سريع..
لكن لماذا لم تتحرك المنظمة الدولية في التعرف عن كثب على أوضاع اليمنيين وظروفهم الواقعية وكيف يواجهون أدوات قمعية شديدة أضعفت كل الأدوار وأسقطت كل الرهانات حول التعامل المزدوج مع الوضع اليمني ؟؟..فليس هناك حلول واقعية تتعامل مع المحيط الذي يساعد النظام وهناك تغافل واضح في فرض عقوبات على المسؤولين اليمنيين بدلاً من إتاحة الوقت والفرص لهم لكي يعبروا عن هذا النظام واختزانه لواقع اليمن بمثاليات زائفة ,لكن القربي الذي ألقى كلمة في مجلس الأمن حاول فيها تبرير ما يحدث كما لو كان صراعاً بين المعارضة والسلطة ولم يتحدث عن قتل أكثر من مائة وثلاثين شخصاً, فذلك لم يكن ضرورياً ,بل إن المسائل الرسمية هي استثناء في قاعات الدمية الدولية والتي تطرق فيها معظم الممثلين للدول للحديث عن مشاكلهم السياسية .
ابن عمر مثله كأي شخص مازال يراهن على أن الوضع اليمني قابل للمساومة والوقت قد يتيح لذلك مجالاً من خلال نقاط الضعف التي اشتملت عليها المبادرة بدءاً من كونها لم تنظر إلى خطورة إعفاء الرئيس من الجرائم التي ارتكبت ضد المواطنين اليمنيين وطريقة تنفيذ الجريمة ,ثم النظر إلى المطالب التي وضعت من قبل الشباب اليمني في الدعوة لتغيير نمط الحكم المتبع وتحقيق حلول واقعية من خلال النظر إلى الإستراتجية المناطقية التي اعتمد عليها النظام من خلال توفير بيئة مناسبة لكي يضع كل المسؤوليات وفق إطار محدود..وهذا أدى إلى مشكلة الجيش اليوم من خلال الانقسام في التعبير بين الجهة العسكرية الداعمة للثورة والتي وجدت الظروف مهيئة للقيام بدورها الوطني وكذلك الأطراف التي تقع فيما يسمى بحماة الرئيس وقواته الخاصة التي يراهن عليها البعض في مساعداته في البقاء أو إيجاد بنية تفاوضية قوية خاصة من قبل الطرف الذي يخاف أن تنزل الأوضاع إلى صراع دامٍ يؤدي إلى تدهور كبير في المجال الأمني وتمنع توفير الحاجات الأساسية للمواطنين ..وهذا ما جعل تلك القوة القريبة من النظام تعمل على إثبات عنف غير مسبوق من خلال ضربها المدن اليمنية بطريقة عنيفة ألحقت الضرر الكبير بحقوق الناس وتمركزت في المستشفيات والمدارس ,بينما يظل الأمر خفياً في كشف هذه التبعات التي تفاقم من حدة المشكلة وتفرض واقعاً جديداً سيؤدي إلى عنف تفرضه ليس قوى التوازن ولكن النتائج في فرض واقع لا يكون للمحيط أي دور وربما سترسم إستراتيجية ما بعد الثورة تجعل المحيط قوة ليست ذا فائدة ويجب تحديد الأطر التي من خلالها سيتم مواجهة حجم تلك التدخلات التي جعلت من اليمن مجرد زبالة لكي يلقي عليها البعض تبعات فشلهم ونظمهم التي لا تتسم بواجباتها تجاه شعوبها.
 وبالتالي فإن الوضع في اليمن خطير ودول الخليج تختلف من حيث حديث المثقفين عن القادة في تلك الدول والذين يتحدثون في قاعاتهم عن الوضع اليمني وبطريقة قريبة إلى الاحتقار ,دون أن يكون هناك مراهنة لكي يستعيد اليمنيون دورهم التاريخي في فرض أنفسهم كدولة إقليمية يجب عليها أن تختار الأجندة المناسبة دون وضعها في خانة المساومات التي مازالت تضع اليمن بين علي صالح والمبادرة ..وهذا خطأ فادح لن يخسر اليمنيين دولتهم بقدر ثقتهم بالمسار السلمي في إزالة كل أخلاقيات النظام وفتح الباب واسعاً في التضييق على خياراته, بل سوف تثبت الأيام القادمة أن خيار السياسيين لن يكون هو النهاية لأن هناك ملفات ومطالب ستظل تضع نفسها في المقدمة حسب التحقق منها خاصة وأن كل شيء كان يجري أثناء حكم صالح الذي كان بعيداً, كونه قائماً على سياسات أو خطط لتحديد مستواه القانوني والحقوقي وارتباطها بالسيادة الوطنية وماهي حجم التأثيرات التي طرحها نظام صالح لكي يساوم عليها من أجل فرض خياراته في تشكيل مسار لا يصب مع مطالب اليمنيين.. وهذا ما يجعل المناداة بالصندوق مطلب مرضٍ لمن يرغبون في استنفاذ الوقت لا غير ,مع أنه بحاجة إلى مثقف أو عالم دين أو سياسي بارع يصعد ليتحدث عن مشروعهم الوطني الذي أدى بروز الثورة إلى تفكك كل الصور والبنية التي عمل النظام على فرزها في واقع مادي ,لكنها ابتعدت عنه لكي تعبر عن عدم رضاءها حول أسلوبه في التعامل مع العديد من الظروف التي خولت له اتباع سلوك شخصي في وطن متعدد الظروف والوقائع والمصالح والحاجات..

العودة من السعودية والأمر الواقع
في مقابلة أجرتها قناة الحوار مع عبدالباري عطوان -رئيس تحرير صحيفة القدس- حول حقيقة الرئيس اليمني الذي لم يستجب لشعبة أجاب:إن الرئيس اليمني يريد الاستمرار في الحكم رغم وضعه الجنائي والحقوقي بالنسبة لمعمر القذافي الذي يعتبر مجرم حرب ,خاصة بعد صدور قرار من محكمة الجنايات الدولية باعتقاله ،حيث لم تصدر حكماً أو لم تصدر أية اتهامات من محكمة الجنايات الدولية ضد الرئيس اليمني علي عبدالله صالح، أي أنه لن يلاحق قانونياً من قبل هذه المحكمة.
 وتطرق عبدالباري أيضاً للخوف الخليجي من الذي سوف يتولى ما بعد صالح وليس خوفهم على مستقبل اليمن قائلاً "يعني السعودية وبعض دول الخليج لا تريد للرئيس/علي عبدالله صالح أن يغادر، خايفين من اللي يجي بعده ،لأنه الرئيس نسج علاقات قوية مع دول الخليج ومع المملكة العربية السعودية، ربما يخشون لو جاء نظام وطني منتخب في اليمن لن يسكت على احتكار الثروة في الخليج، يعني يا أخي عيب على دول الخليج وعلى المملكة العربية السعودية اليمن جائع وهؤلاء يلعبون بالمليارات، يعني عيب يعني عيب هؤلاء إخواننا وأهلنا، يعني لو وقفوا مع اليمن بشكل حقيقي وساعدوا الشعب اليمني" .
هذا هو الكلام الذي تم اقتباسه من ذلك الحوار, مما يعني أن عودة صالح لم تكن مجرد هروب من استحقاق المرحلة المقبلة بقدر ما هو عملية مخطط له وذات تنظيم دقيق من أجل إجراء العديد من الصيغ التي تغير مسار اللعبة على الخارطة اليمنية ..عبدالباري لم يقال ذلك ,لكن تحديد وقت العودة ,ثم العملية التي سبقت تلك المرحلة من خلال القتل الذي كان واضحاً وبشعاً في حق المتظاهرين ,إلا أن الدول التي اظهرت مرونة مع النظام لم تتحرك بسرعة حتى تقف على طريق واحدة بين الثوار المتعلمين الجامعيين الذين يعيشون على البطالة ومسؤوليات المستقبل دون أن يتيح لهم النظام أي قدر من التعاطي مع الظرف المأساوي ,بل ربما حاول تعقيد الحياة الاقتصادية وأدخل البلاد في وضع أمني وصراعات لم تنتهِ وربما أن هناك خططاً كانت موضوعة من أجل القيام بحروب أخرى في المستقبل وهذا جعله يتوقف ويتجه نحو إزالة معالم الثورة من خلال أجهزته العقيمة وأدواته التي حاولت إظهار الثورة كما لو كانت سبباً لما يجري من أحداث وقتل وقطع للكهرباء وارتفاع في أسعار الوقود وعملية التسليح التي تجري من أجل القضاء على الثورة بطريقة الحسم الانقلابية رغبة في بقاء الأسرة بلا أي حدود لتاريخ طويل رفض فيه اليمنيون المساس بحريتهم ومحاصرتهم بلقمة عيشهم ..لذلك كانت عودته خطة جديدة ليضمن الورقة التي ستبعث بما يضمن خروجه من السلطة بطريقة تجنب اليمن الدخول في مأزق العب على صيغة الاختلاف والتعقيدات لكن من خلال متابعة عميقة سيكون من المؤكدة أن الرئيس ليس قادرا على مواجهة الخليج لأنه أضعف بكثير من أن تكون عنده القدرة لكي يثق يوماً بما كان يمتلكه وكيف صارت حياته أضعف بكل أسلوب ينخرط في تنفيذه..
 لذلك تتعقد ظروف بقاء صالح لأنه استمد وجوده من الخارج لكي ينفذ خطة الاستبداد على شعبه طوال وجوده ,كما أن مراهنة الرئيس على الخارج ضد شعبه سيجعل هناك حالة من الغضب لن تتوقف عند إزالة صالح,بل في وضع نهاية حاسمة لكل من وضع خياراته في هذا الشخص وعمل بتعاونه معه في احتلال القرار اليمني استباقاً منه في نزع التركيبة الاجتماعية المؤثرة لليمنيين ..وهنا تبرز على السطح حجم الأدوار التي تحدث بين الحين والآخر من أجل إنقاذ النظام من الضغوط الداخلية والخارجية والتي تمارس بقوة على الوضع اليمني من خلال إحداث أساليب تؤدي إلى إعادة الاقتناع حول جدوى ما يمثله هذا النظام.
 وبالتالي لن يحدث شيء من تلك المحاولات حتى يتغلغل اليمنيون حول ضرورة أن تصل الامور إلى شيء من الاستقرار, وهذا يأتي وفق دراسة عميقة تم جدولتها ,إلا أن رؤية السياسيين والمتابعين اليمنيين تتصف بالسطحية في تناول مثل هذه الخطط التي تمت على مستوى أعمق على يد خبراء نفسيين واجتماعيين وسياسيين يضعون العديد من الافتراضات حول خدمة مصالح خارجية تعمل على ضرورة إبقاء خيارات صالح ,حتى لو تم تجاوز شخصيته في الفترة الراهنة خاصة من قبل الرفض الكامل لوجوده,

مبادرة تجاوزها الزمن
الصراع الحالي ليس في بيت الأحمر أو بين المشترك والحاكم وليس المبادرة بحاجة إلى آلية بقدر حاجتها إلى قرار واضح من أجل منع النظام في كسب المزيد من الوقت..فالآلية التي يتحدثون عنها كانت مقبولة في بداية الثورة,لكن عندما أقدم النظام على صنع العديد من المطبات منها القتل بالقنص, ثم تفجير الوضع في الحصبة وتعز, ثم تحولت آلية النظام إلى زنجبار ,ثم في ورقة الإرهاب وقتل العولقي.. وتلك كانت رسالة أن النظام يمكن أن يقدم العديد من التنازلات التي قد تكون موضوعة حتى في جزيرة سقطرى التي هي ربما أكبر حجماً من مملكة البحرين..
الآلية توضع عندما يكون النظام لديه من المسؤوليات ما يجعله يدرك ببساطة أن الوطن يمر بمرحلة في غاية التعقيد وأن الدماء اليمنية ليست رخيصة لكي تستباح على الطرقات والشوارع ويتم ضرب الأجساد المنتفضة بالأسلحة الثقيلة لمنعهم من التحرر الذي شكل حالة استثنائية من الضرورة رسم كل شيء فيها على أنه مرتبط بمصالح المجتمع والكيان السيادي لليمن..بدلاً من طرح كل جوانب الحياة في الواقع اليمني كملف عبثت به السعودية ما بعد الثورة وإلى الآن فهي من وضعت القيم الاجتماعية وهي التي رسمت السلوك الديني وهي التي وضعت مميزات أي قيادة تصعد إلى منصب رئاسة الجمهورية في اليمن وهي التي كانت سبباً في مغادرة السلال أرض الوطن بلا عودة وقتل الحمدي والحروب الوسطى و13يناير وحرب الانفصال..
 لذلك تكون الآلية في شقين: الأول حماية مصالح الناس من ضياع الأجهزة الحقيقة للدولة, بحيث يتم الحفاظ على هيكل تلك الأجهزة وهذا معدوم ,لأن منظومة الدولة تشكلت في حماية الرئيس وتوريث الحكم.. والثاني هو إيجاد البدائل الكافية التي تضمن استمرار ثقة الناس بمطالبهم دون الشعور بأن هناك جهات تعمل على مصادرة الحقوق الأساسية لأسباب غير معروفة ,فالآلية هي ضمان مسار أجهزة الدولة وحقوق الناس وليست في الدفع باليمن لتكون فقط وطناً يحكم من الخارج, لكنه يعيش وهم التحرر.
 ليست إذاً المشكلة في الآليات, فهي مرتبطة بشخص قدم وطنه ليكون مجرداً عن سيادته ويتدافع الخارج ليضمن لهذا الشخص الاعفاءات الجنائية ومنع وصول لجان حقوقية دولية لرصد ما سببه النظام على أرض الواقع وهذا يعني قبل أن نرسم الآلية الداخلية يجب أن نضع آلية لمنع الخارج من التدخل في شؤوننا الداخلية..

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد