انتهجا التمرد والعنف بدلاً من الحداثة والتغيير..

الحوثي والحراك.. الانتحار السياسي المبكر

2012-02-28 05:27:16 تحليل/ عارف العمري


كان أمام اليمنيين عوائق كثيرة في الطريق إلى 21 فبراير، إلا أن اليمنيين تجاوزوا تلك العوائق والتحديات بعزيمة قوية وإرادة صلبة أثبتت مدى رغبتهم العارمة في التغيير الذي ينشدونه منذ سنوات طويلة, في مقابل فشل المشاريع الصغيرة أو المستوردة – كما يحلو للبعض تسميتها – ومثل الإقبال المنقطع النظير, والتدفق الكبير منذ ساعات الصباح الأولى على مراكز الانتخابات صبيحة يوم الثلاثاء الماضي رسالة واضحة في عدم تبعية اليمنيين لأشخاص أو مشاريع ضيقة تهدف إلى جر البلد إلى متاهات الصراع والحروب الداخلية, ومثل ذلك الإقبال الكبير على صناديق الاقتراع انتحاراً سياسياً مبكراً لجماعات ارتأت أن تعرقل سير الانتخابات بالقوة المسلحة.

دعا الحوثيون إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية فكان ذلك حقاً من حقوقهم – شريطة عدم اللجوء إلى الخيارات المسلحة – التي انتهجها الحوثي يوم الاقتراع, وكذلك دعت بعض فصائل الحراك إلى مقاطعة الانتخابات بقوة السلاح, ففشل رهان الحوثي والحراك وأكدت نتائج الانتخابات عدم صوابية قرارهما، إضافة إلى وقوعهم في الفخ السياسي الذي احرمهم فرصة خوض غمار العمل السياسي المدني, وأظهرتهم الأحداث الماضية كقوى تمرد وعنف وليست كقوى حداثة وتغيير.

لم يكن قرار المقاطعة قراراً حوثياً أو حراكياً بامتياز بقدر ما كان قراراً خارجياً من إيران التي تسعى إلى تصدير الأزمات والحروب إلى الدول العربية بدءاً من لبنان مروراً بالبحرين وليس انتهاءً باليمن, وبالتالي فان قرار المقاطعة قد افقد الحراك الكثير من التعاطف الدولي, فيما زاد من حدة العداء لجماعة الحوثيين التي لها ارتباط عقائدي ولوجستي بإيران.

تساؤلات في طريق المقاطعة
تثير الكثير من التحركات المسلحة للحوثيين تساؤلات عديدة في الشارع اليمني وهي كيف أن الحوثيين شاركوا في انتخابات 2006 الرئاسية وحصل علي عبدالله صالح حينها على أعلى الأصوات من محافظة صعدة في مقابل نسبة ضئيلة حصل عليها المهندس فيصل بن شملان؟ وخصوصاً أن مشاركة الحوثيين في الانتخابات الرئاسية جاءت عقب جولة من جولات القتال بين الحوثيين والدولة, وهو ما فسر حينها بان الحرب لم تكن سوى مسرحية من إنتاج علي عبدالله صالح وعبدالملك الحوثي, واليوم يقف الحوثيون على النقيض في الانتخابات التوافقية, ويقاطعون الانتخابات الرئاسية التي أنهت حكم صالح الذي يتهمه الحوثيون بقتل الآلاف منهم, إنها متناقضات إن دلت على شيء فإنما تدل على شيء واحد فقط هو أن الحوثيين كانوا جزءاً من النظام السابق ولم يكونوا في يوم من الأيام أعداء له.

وبالنسبة للحراك الجنوبي – المسلح – فانه أصبح حراكاً تابعاً للحوثي, وجاءت دعوة البيض عشية الانتخابات الرئاسية من بيروت لأنصاره بإفشال الانتخابات كدليل على محاولة البيض إرضاء إيران ولو بالتحالف مع من يعتبره الخصم القديم الذي أزاحه من السلطة في حرب 94م, وفي المقابل فان البيض في فترة انتخاب صالح في العام 2006م كان ملتزماً الصمت ولم يقم بأي عمل سياسي, واليوم عند خروج صالح من السلطة يرفض البيض العهد الجديد في إشارة تدل على ارتهانه وحبه للماضي الذي ظل ساكتاً عنه طيلة ستة عشر عاماً.



الانتخابات تكشف حجم جماعات العنف
 حظي الرئيس الجديد بنسبة عالية من أصوات الناخبين فاقت كل التوقعات وحصل على نتيجة عالية تجاوزت 98% من الأصوات التي قاربت من سبعة ملايين صوت, ولم تكن الانتخابات سوى وسيلة لنزع السلطة من الرئيس السابق, وبالتالي فان هادي كان مرشح التوافق السياسي قبل الانتخابات, وبعد ظهور تلك النتيجة التي أذهلت المراقبين فان هادي أصبح مرشح الإجماع الشعبي والسياسي, تلك المشاركة الكبيرة كشفت حجم الحوثيين والحراكيين للداخل والخارج, وبرهنت أن هؤلاء ليسوا أرقاماً مؤثرة, بل سارع اليمنيون إلى وصف من يدعون إلى مقاطعة الانتخابات بأنهم أصوات نشاز, وبالتالي فان الوصف الذي ينطبق على حراكيي الجنوب وحوثيي الشمال هو وصف " المتمردين " فإرهاب الناس بقوة السلاح وفرض القوة في إطار دولة ليست إلا من صفات التمرد والمتمردين.

لغة القوة ومنطق التهديد والوعيد، إضافة إلى الحملة الدعائية الضخمة التي دشنها الحوثي والحراك المسلح لمقاطعة الانتخابات أثبتت فشلها, وبالتالي فان عدم الاستجابة لتلك الدعوات أظهرت تلك الجماعات بأنها جماعات منبوذة من قبل أطياف المجتمع اليمني بكل مكوناته, كما أن استخدام السلاح أكد للداخل والخارج أنهما – أي الحوثي والحراك- جماعات عنف مسلحة لا تؤمن بالتغيير السلمي والسياسي، وفوتا على أنفسهما فرصة إثبات أنهما قوى مدنية ورقم صعب ومهم في الساحة السياسية، لديه مطالب مشروعة يلتف حولها غالبية الشارع.

 لقد خسر الحوثيون تعاطفاً شعبياً وسياسياً كانوا حصلوا عليه بانخراطهم في العمل الثوري السلمي، ونجحت عصابة صالح في جرهم إلى مربع العنف في حجة والجوف والإضرار بالعمل الثوري بتفجير الصراعات فيها ضد العمل السياسي الذي حمى الثورة وحقق أهم أهدافها سلمياً، ولم أجد للحوثيين مبرراً واضحاً ومقنعاً لرفضهم الانخراط في المجلس الوطني حتى الآن؟ بحسب احد الصحفيين اليمنيين المتابعين للشأن الحوثي والحراكي في اليمن.

دوافع المقاطعة
لم ترق المبادرة الخليجية - التي تم توقيعها من قبل أحزاب اللقاء المشترك والمؤتمر الشعبي العام وحلفاءه في العاصمة السعودية الرياض - لإيران, حيث رأت في تلك المبادرة نجاحاً خليجياً يحسب لدول الخليج في حلحلة المشهد اليمني المعقد, وبالتالي فإنها ومنذ ذلك اليوم لم تألو جهداً في إفشال المبادرة بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة وعبر جناحي العنف في اليمن "الحوثيون والحراك المسلح", فدعمت إنشاء أحزاب سياسية كحزب الأمة وقامت بتمويل صحف في اليمن ودعمت شخصيات برلمانية لإفشال المبادرة الخليجية, وضخت بالمليارات لشراء الولاءات الضيقة, وعمل الحوثيون على تنفيذ ذلك واقعاً عملياً ملموساً على الأرض فشنوا حرباً شعواء في الجوف وعمران وصعدة وحجة بهدف تفجير الوضع عسكرياً قبل الوصول إلى 21 فبراير فباءت محولاتهم بالفشل الذريع نتيجة لعدم قبول المذهب الاثنى عشري القائم على المتعة والتقية وسب الصحابة الكرام, والقائم على تقديس الفرد السيد, والتعامل مع الآخرين كما لو كانوا بشراً من الدرجة الثالثة, كما لم يفلح الحراك المسلح في إقناع الناس بالوصول إلى الانتخابات, ونتيجة لفشله في ذلك سعى الى اللجوء الى أعمال العنف والتي كان من بينها إحراق ساحة المعلا بعدن التي يعتصم فيها شباب التغيير السلميين.
تجدر الإشارة إلى أن الكثير من أتباع الحوثي وعناصر الحراك المسلح لا يؤمنون بالفكرة التي يؤمن بها الحوثي وبعض قادة الحراك ولكن الفقر والعوز المادي جعلت الناس يعملون بأفكار غير مقتنعين بها حباً في التخلص من الفقر والبطالة, وبحسب احد المفكرين فان مفردات الوطن والحرية لا تعني شيئاً لبطن جائع.

النتائج التي حصدها الحراك والحوثي
كان التخبط السياسي واضحاً في قرارات الحوثي والحراك منذ أول يوم, ولذلك كان لابد أن يدفعوا ثمن ذلك التخبط السياسي أعواماً قادمة, وقد دعا سفراء الخليج وأمريكا لإقالة مسئولي عدن باعتبارهم جزءاً لا يتجزأ من مخطط إفشال الانتخابات في اليمن, فيما دعت اشتون لمحاسبة قادة الحراك.
وكان مصدر حكومي أكد لـ"أخبار اليوم" يوم الخميس الماضي أن هناك ضغوطات تمارس على حكومة الوفاق من قبل عدد من سفراء الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي يطالبون بها الحكومة بسرعة اتخاذ قرارات بإقالة القيادات التي تورطت في الأحداث التي شهدتها محافظة عدن سواء بتحريض أو التخطيط أو الدعم المباشر واللوجستي الذي تسبب في خلق حالة من الفوضى والعنف بهدف عرقلة العملية الانتخابية.
لا يستطيع هؤلاء الحراكيون أن ينتزعوا أي حق من الحكومة الحالية أو يحققوا أي مطلب لهم دون دعم وتأييد دولي وهذا ما خسروه بالفعل, وان كان هناك تداخل لإفشال الانتخابات بين قيادات في المؤتمر الشعبي العام والحراك والحوثيين ويقف وراء الجميع دولة الملالي ( إيران).
وداخلياً خسر الحوثيون والحراكيون التعاطف الشعبي, يقول المهندس احمد الفقيه "سقَطَت الأقنعة فازداد مَن عرف الحقيقة يقينًا، وازداد بائعو أوطانهم خوفًاً على مصالحهم، وازداد أتباع كل ناعق نعيقًاً واستغرابًا وحيرة، وازداد الباحثون عن الحقيقة تراجُعاً وعقلانية وتسليمًا بالحقيقة", مستدركاً "أن شعبنا يدرك تماماً حجم التحديات التي تنتظره في طريقه لنيل أهدافه، لكنه مصمم على المواصلة بعدما تعلم دروساً عظيمة في الصبر خلال عام كامل من الثورة", مضيفاً "أن من أبرز التحديات التي تواجه الشعب خلال الأيام القادمة هي المشاريع الصغيرة سواء كانت سلالية أو مناطقية, والذين يساهم في تحريكهم الأبناء من بقايا النظام...سوف ينتصر عليها الشعب".
مقابلة الإحسان بالإساءة

كل الدلائل والقرائن تقول إن هناك تحالفاً ثلاثياً بين بقايا النظام السابق والحوثيين وبعض الحراكيين - المراهقين سياسياً – بهدف إدخال البلد في دوامة من العنف والفوضى والخراب والاقتتال الداخلي, والعدو في المقام الأول في نظر هؤلاء هو اللقاء المشترك وتحديداً حزب التجمع اليمني للإصلاح, ولم يراعِ الحوثيون ما قدمه لهم اللقاء المشترك في الماضي، حيث أن الرئيس السابق فشل مراراً في الحصول على تأييد من أحزاب اللقاء المشترك في حربه مع الحوثيين التي لم تكن سوى مسرحية, وبالمثل لم يفهم الحراكيون انه لولا اعتصامات المشترك في كل المحافظات تضامناً معهم، عندما أوقف صالح الحرب في صعدة وأعلن تفرغه لضربهم في الجنوب، لكان قضى عليهم بضربة قاضية.

لقد خسر الحوثيون والحراك المسلح التعاطف الشعبي أولاً ثم الإسناد السياسي الداخلي متمثلاً في أحزاب اللقاء المشترك وخسروا بالتالي الدعم والتأييد الدولي نظراً لارتهانهم لإيران, وليس هناك اسوأ من مراهقين سياسيين يبيعون قضاياهم المصيرية بحفنة من الدولارات.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد