دلالات وتداعيات نجاح الدكتور مرسى في مصر

2012-07-05 00:02:10 الدكتور/ السيد مصطفى أبو الخير


ثورة 25 يناير 2011م في مصر، لم تكن في الحسبان، ولم يتوقعها أحد سواء داخل مصر أو خارجها، ولم يستطع أي جهاز مخابراتي في العالم التنبؤ بها أو بأحداثها، بل كانت مفاجأة مدوية للكل، وبدأت باحتجاجات شبابية لإظهار الاعتراض على تزوير انتخابات مجلس الشعب عام 2010م، وظهور بوادر توريث جمال نجل مبارك للحكم، ولم يدر بخلد هذا الشباب على الإطلاق أن يقوموا بثورة، ولكن الأمر تدحرج وتضخم بسرعة كبيرة، بعد أن التفت فئات كثيرة وطبقات أكثر من الشعب المصري لهؤلاء الشباب، وأعتصموا بالميدان خوفا من بطش جهاز الشرطة المصرية وأمن الدولة، حتى شعار الثورة (الشعب يريد إسقاط النظام) لم يصدر من هؤلاء الشباب بل صدر من أحد أفراد الشعب، وتمسك به الثوار تمسكا شديدا، حتى أنه ظل شعار الثورة حتى الآن، بما يدل على أن هؤلاء الشباب لم يكن لهم أجندة متفق عليها من قبل.
وتطور الأمر سريعا جدا وزاد عدد المتظاهرين واحتموا بميدان التحرير، وخافوا الخروج منه ومكثوا فيه، مما أدى إلى الزيادة في العدد بشكل متزايد، وبدأت الجماهير تزحف على كل ميادين مصر، بفعل حشد الأخوان المسلمين أنصارهم في كافة محافظات مصر وخاصة الميادين العامة، واحتمى الثوار بهم فثبتت أقدامهم وعلا صوتهم، وبذلك بدأت تخور قوى النظام وخاصة بعد اختفاء الشرطة بطريقة مريبة، ومحاولة النظام عمل فوضى لتبرير اتخاذ إجراءات قمعية بدأت بموقعة الجمل التي لولا تدخل الأخوان المسلمين وحمايتهم للثوار في الميدان لتغير الأمر لصالح النظام الذي بدأ عليه الأرتباك والتضارب، خاصة بعد إقالة الوزارة وتعيين الفريق شفيق في منصب رئيس الوزراء، مما أدى إلى تثبيت إقدام الثوار في ميادين مصر وخاصة التحرير، وزاد من ذلك ضعف شخصية الفريق وبدا عليه الأهتزاز والارتباك، مما جعل الثوار يزدادون تمسكا وتصلبا في مواجهة النظام.
وقام الأخوان المسلمون بالوقوف خلف الثوار وحمايتهم، ولم يظهروا على قمة الثورة حتى لا يكون ذلك تبريرا للنظام والقوى الخارجية التدخل وأستخدام القوة المفرطة ضد الثوار تحت زعم أن ما يحدث محاولة من الأخوان للسيطرة على الحكم، مما يبرر للنظام أرتكاب مجازر أخرى ضد الثوار، وبدا على النظام الضعف والوهن وأن رموزه تخلوا عنه وخاصة عندما تم اقتحام مقار أمن الدولة في المحافظات أشتد عود الثورة والثوار وتضاءل النظام مما أدى إلى سقوطه بسرعة لم تكن في الحسبان، وساعد على ذلك وقوف القوات المسلحة إلى جانب الثورة والثوار، وقد أتضح ذلك بعد نزول الجيش للشوارع بعد اختفاء وأنهيار الشرطة، ولم يكن ذلك لتحقيق أهداف الثورة وحمايتها، ولكن كان رئيس أركان الجيش المصري في الولايات المجرمة الأمريكية، التي أرسلته بخطة عاجلة لمحاولة أنقاذ مصر من أن تقع في يد الأخوان، بعد أن قادت الولايات المجرمة الأمريكية أنقلاب عام 1952م على الأخوان الذين كانوا يمثلون لحظتها ثلث سكان مصر، كما أنهم كانوا خطرا حقيقيا على صعود هيمنة وسيطرة الولايات المجرمة على المنطقة بعد الوهن الذي أصاب قوى الأستعمار القديم بريطانيا وفرنسا، وتأكد ذلك في حروبهم في فلسطين، فقد أثبتوا أنهم رجال يعرفون ماذا يريدون وأنهم لا يهابون المحن ولا حتى الموت في سبيل دعوتهم، لذلك تحركت الولايات المجرمة بإنقلاب عام 1952م.
ولكن خطة الولايات المجرمة الأمريكية هذه المرة لم تكن المواجهة، ولكن هذه الخطة بنيت على الأحتواء بديلا عن الصدام، فقد جربت الولايات المجرمة الصدام مع التيارات الإسلامية في أفغانستان ففشلت فشلا ذريعا وكذلك في العراق وفى جنوب لبنان، فكان الأحتواء بدلا من الصدام للإنحراف بالثورة عن تحقيق أهدافها وإعادة إنتاج النظام السابق الفاسد وتكرار سيناريوا الثورة الرومانية، وقام المجلس العسكري مع فلول النظام السابق ورموزه بمحاولة التطبيق، فكان تنحى مبارك للمجلس العسكري يوم 11 فبراير عام 2011م، لحماية النظام القديم، وكل ما فعله المجلس العسكري كان إسقاط الحكومة مع الإبقاء والحفاظ على النظام القديم، وتبنى المجلس العسكري تنفيذ السيناريو لكن أتت الرياح بما لم تشته به السفن.

إعلان دستورى
قام المجلس العسكري بعمل استفتاء على إعلان دستوري، بعد أن أسقت الثورة دستور عام 1971م وتم حل مجلسي الشعب والشورى، حيث تم استفتاء الشعب على (11) مادة، وتم إعلان دستوري بأكثر من ستين مادة، لأن الغرض من الإعلان الدستوري كان لمعرفة التيارات السياسية في الشارع السياسي المصري ومدى قوتها وتأثيرها في الشعب، وتبين أن التيار السياسي الإسلامي هو التيار الوحيد القادر على حشد وتعبئة الشعب وأنه هو صاحب القوة الكبيرة في الشارع، وتبين هشاشة الأحزاب والتيارات الأخرى وأنها لا توجد إلا داخل مقراتها فقط وأن النظام السابق كان يستخدمها لإضفاء شرعية على نفسه أمام العالم بزعم وجود أحزاب وتيارات سياسية معارضة، كما تبين أن القوة التصويتية لنصارى مصر ضعيفة ولا تأثير لها على الشارع، ولا يمكن الاعتماد عليها في تحريك الشارع، لذلك عمد المجلس العسكري على تفتيت الثوار عن طريق جلب شباب يعملون لصالحهم في أحزاب كثيرة أنشئت بعد الثورة خصيصا لذلك، وقد تم استخدام هؤلاء فضلا عن وجوه قديمة من النظام السابق الفاسد في تشويه الثوار والثورة.

تدبير الانفلات الأمني
وقد تم استخدام كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، في تنفيذ هذه الخطة، بل تم إنشاء قنوات فضائية جديدة لهذا السبب، وتم التركيز على تشويه الثورة والثوار، حيث تم تجاهل الثوار الحقيقيون والاعتماد على الثوار صنيعتهم في إظهار أن الثوار الحقيقيون لا يعدون إلا مجموعة تبحث عن مصالحها، كما تم تدبير الانفلات الأمني بصورة أثارت القلق والرعب في الشارع، فضلا عن عمل أزمات مفتعلة في ضروريات الحياة مثل البوتاجاز والبنزين ورغيف العيش، وتدبير اعتصامات فئوية بمطالب ليس وقتها على الإطلاق، وإحداث حوادث غريبة على الشارع المصري مثل السطو على البنوك، وتركزت حمالات التشويه أكثر على التيار الإسلامي وخاصة الإخوان، لكن أظهرت نتيجة انتخابات مجلسي الشعب والشورى فشل ذلك تماما.
بالعكس هو الذي حدث فقد فاز التيار السياسي الإسلامي على ما يقارب من 77% من مقاعد مجلسي الشعب والشورى، وظهر تيار سياسي إسلامي جديد لم يكن في حسبانهم هو التيار السلفي الذي حصل على نسبة كبيرة في المجلسين، فضلا عن ظهور لفئات أخرى من التيار السياسي الإسلامي، لها موقع قدم داخل الشارع السياسي المصري، وقد أبطل ذلك كافة السيناريوهات المعدة، فلم يستطع المجلس العسكري تمرير وثيقة المواد فوق الدستورية سواء وثيقة السلمي، وحتى وثيقة الأزهر لم يستطع المجلس العسكري أن يخدع الناس ويستغل أسم الأزهر لتمرير الوثيقة، لأن إجماع واتفاق التيار السياسي الإسلامي على إسقاط ذلك وقد سقطت كل المحاولات لعمل وثيقة فوق دستورية على صخرة التيار الإسلامي الذي أحسن استغلال مليونيات ميدان التحرير، كما أحسن استغلال الشارع المصري وجعله معه وليس ضده بل نجح في إظهار حقيقة المجلس العسكري وفلول النظام السابق الذي تم افتضاح أمرهم، مما على الأقل جعل تأثرهم في الشارع قليلا جدا.
تصدير الأزمات
عمد المجلس العسكري ومعه فلول النظام السابق، على تحجيم وإفشال رئيس وزراء الثورة الدكتور عصام شرف، فجعله بلا صلاحيات حقيقية ومنع التعاون معه، وعمل أيضا في ذات الوقت على تصدير الأزمات والانفلات الأمني ونجح في إظهاره بأنه سبب هذه المشاكل والأزمات علما أنه بلا صلاحيات، وأثاروا عليه الاعتصامات والإضرابات الفئوية حتى ثار عليه الشارع ورفضه وطالب بعزله، لكى يمرروا ويبرروا وجود الجنزوري في رئاسة الوزراء، الذي رضي أن يشترك في محاولات إجهاض الثورة لإيمانه العميق بالدولة العسكرية العميقة، ولكون أي نظام ديمقراطي وطني سوف يفتح ملفات قديمة ممكن أن تؤدى به إلى المحاكمة ولذلك كان مع المجلس العسكري ومرر الكثير من طلبات المجلس العسكري فلم يتعاون مع مجلس الشعب تعاوناً تاماً، بل كان يقف ضده في صف المجلس العسكري.
ولما فشل المجلس العسكري في جذب الشارع إليه وعزل أنصار التيار السياسي الإسلامي عن الشارع وعن الثورة والثوار، لجأ إلى القانون حيث أستخدمه في تمرير ما يريد وتنفيذ ما يرغب، حيث صدرت مراسيم بقانون وإعلانات دستورية لإضفاء شرعية على ما يخالف أبجديات القانون وخصائص القاعدة القانونية، وكان معظم ذلك يصدر بليل، ثم كون مجلس استشاري من فلول النظام السابق حتى يضعوا له ما يريد من قرارات بقوانين وحتى يبعد المجلس العسكري نفسه عن الصدارة ويتقى غضب الشعب الذي أصر ومازال يصر على شعار ( يسقط يسقط حكم العسكر) بديلا عن الشعار الذي ساد في بداية الثورة (الجيش والشعب أيد واحدة) تحول الأمر مع ظهور حقيقة المجلس العسكري والحكومة من الإصرار على المحافظة على النظام السابق ولكن بشخصيات أخرى، فقد وقف كل من الحكومة والمجلس العسكري في مواجهة مجلسي الشعب والشورى.

عراقيل أمام مجلس الشعب
تم وضع عراقيل كثيرة جدا في طريق ممارسة مجلس الشعب لمهامه التشريعية فلم يستطع مراقبة أداء الحكومة ومراجعة الموازنة العامة للدولة، مع استمرار رفض الحكومة الاستجابة لمطالب وطلبات الإحاطة من المجلس للحكومة، حيث رفض رئيس الحكومة الامتثال لقرارات المجلس بل هدد رئيس المجلس بأن قرار حل البرلمان في درج مكتبه، وقلب المجلس العسكري ظهر المجن للمجلس، وأستخدم القانون كما كان يفعل النظام الفاسد السابق، فبعد أن تم تشكيل اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، بالاتفاق مع قوى الأحزاب والتيارات السياسية، دفع المجلس العسكري أحد من رجاله للطعن على تشكيل اللجنة، كعادة القضاءَ في العهد السابق تم الحكم بحل اللجنة وكان حكما سياسيا وليس قضائيا، لأن تشكيل اللجنة التأسيسية عمل من أعمال البرلمان لا يخضع لمراقبة القضاء، وحاول المجلس العسكري تشكيل لجنة تأسيسية إلا أنه أصطدم بالإعلان الدستوري الذي نص على أن البرلمان بمجلسيه هو المنوط بذلك، لذلك عمل المجلس العسكري على إمالة بعض التيارات السياسية والأحزاب صنيعته على رفض أي محاولة لتشكيل التأسيسية من قبل البرلمان، وفى المحاولة الأخيرة فشلت القوى والأحزاب المصنوعة في إفشال وتشكيل اللجنة، وصدر القرار المجلس بتشكيل اللجنة قبيل حله بساعات معدودة، وهذه هي الأخرى مطعون عليها أمام القضاء مخالفة للقانون.
قانون العزل السياسي وتمرير شفيق
وفى الانتخابات الرئاسية التي تمت على جولتين، حاول المجلس العسكري القفز عليها، وعلى منصب الرئيس فعمد أولا بفتح باب سحب الاستمارات لكل من هب ودب، ورأينا العجب فيمن سحبوا استمارات الترشيح حتى أخذها الشعب المصري طريقا للتهكم والسخرية، وأستخدم المجلس العسكري لجنة الانتخابات الرئاسية في إبعاد من تخافه ولا تريده وتمرير من يريد، فقد تم استبعاد المرشح حازم صلاح أبو إسماعيل رغم حصوله على حكم قضائي بأحقيته في الترشح وأن والدته لا تحمل الجنسية الأمريكية، واستبعاد عمر سليمان غير المرضى عنه من المؤسسة العسكرية، واستبعاد خيرت الشاطر مرشح الإخوان المسلمين، لسبب مشكوك فيه، ونظرا لإدراك الاخوان تربص المجلس العسكري بمرشحهم دفع حزب الحرية والعدالة بمرشح اخر هو الدكتور محمد مرسى احتياطيا، وتم تمرير قبول الفريق أحمد شفيق رغم صدور قانون العزل السياسي وانطباقه عليه، إلا أن اللجنة الرئاسية، فتحت له باب الطعون بعدما إقفاله قانونا، وقبلت طعنه على الاستبعاد بزعم عدم دستورية قانون العزل، وإحالة قانون العزل السياسي للمحكمة الدستورية العليا للفصل في دستوريته خلافا للمادة (29/1/2) من قانون المحكمة الدستورية العليا، وأقرت اللجنة الرئاسية التي تحصنت بالمادة (28) من الإعلان الدستوري التي حصنت أعمال اللجنة من الطعن عليها بأي طريق من طرق الطعن، مخالفة بذلك أبجديات النظرية العامة للقانون الدستوري في العالم، التي تمنع تحصين أي قرار من الطعن عليه.
ودخل الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية ثلاثة عشر مرشحا، من ثلاثة عن التيار السياسي الإسلامي، الدكتور محمد سليم العوا والدكتور محمد أبو الفتوح والدكتور محمد مرسى، وجاءت نتيجة الانتخابات صادمة وغير متوقعة ولعب فيها التزوير دورا ظاهرا، فقد حصل، الدكتور محمد مرسى مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي للإخوان المسلمين على المركز الأول، وتم تصعيد الفريق أحمد شفيق للمركز الثاني، وحمدين صباحى للمركز الثالث، وقد حصل على أكثر من أربعة ملايين صوتا، والدكتور عبد المنعم أبو الفتوح للمركز الرابع، وحصر الإعادة بين الأول والثاني مرشح الإخوان ومرشح العسكر، وتبين من خلال هذه النتيجة أن التيار السياسي الإسلامي مازال في المقدمة من حيث عدد الأصوات.
وجرت الإعادة وجاءت الرياح بما لم تشته السفن، بعد أن حاول المجلس العسكري بكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة الدفع بمرشحه ومرشح النظام، الفاسدين السابق، إلا أنه فشل لعدة أسباب تتمثل في :
1 - إصدار المحكمة الدستورية العليا حكمان الأول بعدم دستورية قانون انتخاب مجلس الشعب وحل مجلس الشعب كاملا، خلافا للمتبع في أحكام المحكمة الدستورية التي تقضى بعدم الدستورية فقط دون ذكر الآثار في منطوق الحكم، ثم قيام المجلس العسكري في ذات اليوم بإصدار قرار بقانون بحل مجلس الشعب، مما جعل ذلك يصب في مصلحة مرشح الإخوان حيث تبين للشعب أن المجلس العسكري يعمل لصالح الفريق شفيق وأنه مرشحه، مما جعل الدكتور محمد مرسى في نظر الشعب مرشح الثورة والفريق شفيق مرشح المجلس العسكري والنظام الفاسد السابق، والحكم الثاني بعدم دستورية قانون العزل السياسي وبالتالي إبقاء الفريق شفيق في الانتخابات علما بأن أتصال المحكمة بالقضية مخالفا لنص المادة (29) من قانون المحكمة الدستورية العليا، مما أكد للشعب على حقيقة أن الفريق شفيق هو مرشح المجلس العسكري والنظام الفاسد السابق.
2 – زيادة الأعداد الكبيرة التي ذهبت للانتخاب في جولة الإعادة أكثر مما توقع المجلس العسكري بكثير حيث ذهب للانتخاب أكثر من الجولة الأولى من الانتخابات وأكثر من خمسين في المائة من عدد الأصوات، مما جعل الأصوات التي زورت للفريق شفيق لا تمنحه الفوز، وأدرك المجلس العسكري ذلك، فقد بإصدار إعلان دستوري مكمل/مكبل لرئيس الجمهورية القادم بعد أن تأكد له أن فوز مرشحه شفيق أصبح مستحيلا.
3 – استباق حملة المرشح الدكتور محمد مرسى في إعلان النتيجة أولا بأول من محاضر فرز اللجان العامة والفرعية طبقا للقانون الذي أحسن مجلس الشعب بإصداره مما حد كثيرا من آثار وعملية تزوير أ ى انتخابات، مما وضع المجلس العسكري ومن خلفه ولجنة الانتخابات الرئاسية في موقف لا يحسدون عليه.
4 – قيام حركة قضاة من أجل مصر بإعلان فوز الدكتور محمد مرسى بالانتخابات جعل القضاة في الأمانة العامة للانتخابات تتمسك هي الأخرى بصحيح ما نتج عن الصناديق، حيث هددت اللجنة الرئاسية بالإعلان عن حقيقة عدد الأصوات التي حصل عليها كل مرشح مما وضع اللجنة الرئاسية أمام الحقيقة، خاصة بعد أن تم رفض ثلثي الطعون التي كانت في الحقيقة مخالفة لقانون الانتخابات الرئاسية والذى نص على تقديم الطعون على اللجان الفرعية أمام اللجان العامة، وفى حالة عدم تقديمها لا يجوز تقديمها أمام اللجنة الرئاسية، مما جعل لجنة الانتخابات الرئاسية والمجلس العسكري أمام اختيار واختبار مر،
5 – أفادت تقارير المخابرات العامة والحربية، أن مصر مقبلة على مرحلة حرجة حال إعلان فوز أحمد شفيق بالرئاسة، وأن الثورة سوف تبدأ من جديد ولكنها في هذه المرة لن تكون سلمية وأن اضطرابات سديدة وعنيفة لن تستطيع مصر تحملها قد تحمل الدولة إلى مرحلة الفوضى، وسوف يصب الشعب المصري كله جام غضبه على المؤسسة العسكرية جام عضبه، وأن الأمور سوف تخرج عن السيطرة ولا يمكن التحكم فيها أو التنبؤ بما قد تصل إليه الأمور، فتراجع المجلس العسكري ومعه اللجنة الرئاسية وسلم بالحقيقة وأعلنها، وما أن أعلنها حتى سجد الكثير جدا ممن سمعها ليس في مصر وحدها ولكن في تونس واليمن وفلسطين، حتى أن الناس كانت توقف سيارتها وتنزل تسجد في الشوارع، مما القى كثيرا من الصبغة الإسلامية على الثورة، وأكد ذلك من قبل كون المليونات كانت دائما في يوم جمعة، وكان كل من في الميادين يقومون الصلوات جماعة في وقتها.

لذلك لم يكن أمامهم إلا إعلان فوز مرشح حزب الحرية العدالة مرشح الأخوان المسلمين على مضض، آملين في فرصة قادمة يمكن من خلالها تدارك الأمر وعودة النظام السابق، بأشخاص جديدة، لذلك فأنهم سوف يضعون كافة العراقيل التي تؤدى لإفشال الدكتور محمد مرسى في مهمته، فقد بدأوا بحرب الشائعات ثم إطلاق يد الفضائيات التابعة لهم لمهاجمته والتقليل من شأن تعز عمل يقوم به، فضلا عن جرائدهم التي بدأت عملها مبكرا في الهجوم والتشنيع والهجوم عليه، ولكن خطابات الدكتور محمد مرسى سواء في ميدان التحرير أو أمام المحكمة الدستورية العليا أو في جامعة القاهرة أظهرت أنه يسير في طريق التحدي للمجلس العسكري وفلول النظام السابق الفاسد، ولكن عن طريق الاصطدام الناعم.
وبدأت القوى العميلة في التحرك المضاد حيث اجتمعت في مؤتمرات لتكوين جبهة ليست معارضة ولكنها متواطئة، مع النظام السابق وفلوله من العسكر، وكونوا جبهة أطلقوا عليها ( التيار الثالث) والغريب أن هذا التيار مكون من تيارات ليست متعارضة في الفكر والسلوك والأسلوب بل هي متضادة، ولكن وحدهم هدف واحد خبيث هو إسقاط التجربة الديمقراطية المصرية، وزعموا أنهم يتحدثون باسم الأغلبية الصامتة أو كما يطلقون عليها حزب الكنبة، على أساس أنهم أسهموا كثيرا جدا في فوز الدكتور محمد مرسى، ولكن التناقضات بين أنصار هذا التيار سوف تقضى عليه، وهذا لم يحدث في أي دولة العالم ففي فرنسا فاز أولاند بالرئاسة الفرنسية بفارق واحد في المائة وسيطر الاشتراكيون على المحليات والبرلمان والرئاسة ولم نسمه عن جبهة التيار الثالث، بل وقف الشعب الفرنسي كله خلف أولاند دون أدنى اعتراض من أحد، وخضعت لأولاند كل أجهزة الحكومة والجيش الفرنسي ولم نسمع عن جيش أنفصل عن الدولة بأن كان له مكانة فوق رئيس الدولة كما فعل المجلس العسكري، حيث نص في الإعلان الدستوري المكمل / المكبل على أن المجلس العسكري القائم الآن هو المجلس بكافة شئون القوات المسلحة وأن رئيسه هو القائد الأعلى للقوات المسلحة مخالفا بذلك النظريات السياسية الموجودة في العالم، وضمن لنفسه حق التشريع وحق الاعتراض على القوانين، بطريقة تهين رئيس الدولة، حتى إعلان الحرب لا يملكه الرئيس إلا بموافقة أعضاء المجلس العسكري القائم، وذلك دون سند من قانون أو واقع.   
وقد فطنت الكثير من القوى السياسية لذلك مبكرا، ووقفت في صف الدكتور محمد مرسى، و أيقن ذلك أيضا الدكتور محمد مرسى فذهب للتحرير أولا وأقسم أمامهم القسم الدستوري واحتمى بهم، في رسالة يبعثها للمجلس العسكري وحكومته أن الشعب معه وليس معهم، مما يجعلهم كبيت فوق الرمال، لذلك هم لن يصطدموا به علانية، بل سوف يحركون الخيوط من بعيد ودون الظهور في الصورة، عن طريق عملاؤهم سواء في الإعلام أو في الدوائر الرسمية، ولكنهم الآن يلملمون أنفسهم وأشياعهم وأذنابهم لمحاولة إعادة العجلة إلى الوراء وإعادة حكمها العسكر الذي تركت معقد الرئاسة لأول مرة في التاريخ.
وبعد الخطابات الثلاث التي ألقاها الدكتور محمد مرسى زادت شعبيته في الشارع المصري، وأكد ذلك وزاد منه أيضا تصرفاته الشخصية التي تنم عن رجل متواضع ولكنه ليس ضعيفا، فقد حاول البعض إحراجه ولكنه أستوعبهم جميعا، أبانت لهم أن لين جانبه ليس ضعفا ولكنها حكمة وتواضع، فالدكتور محمد مرسى هو الرئيس العربي الوحيد الذي يحفظ كتاب الله، كاملا، وهو الرئيس العربي الوحيد الحاصل على الدكتوراه وأستاذ جامعي، وهو متجذر في عقله وقلبه المشروع النهضوي الإسلامي، كما أن من ورائه جماعة لها وزن وأنصارها في كل العالم، وتملك هذه الجماعة رؤية واستراتيجية للنهضة عن طريق الإسلام ليست عن طريق الرأسمالية التي قريبا سوف تلقى في مزبلة التاريخ مع الشيوعية، فضلا عن أن هذه الجماعة إسلامية.
مما سوف يؤلب عليها الأعداء سواء في داخل مصر أو خارجها، في محيطها الإقليمي والعالمي، فالمحيط الإقليمي مصر دولة رائدة وقائدة في المنطقة، لذلك فأن هناك عروش عربية اهتزت بشدة بعد فوز مرسى، مما جعلها تفتح زراعيها لبعض رموز ورؤوس النظام السابق، فبعد الإعلان شددت دولة الأمارات العربية من إجراءات إقامة المصريين فيها، وهناك عروش أصبحت على الرمال المتحركة وليست الثابتة، وقد دفع نجاح التجربة في مصر شهية الثوار في دول عربية منها سوريا واليمن وتونس، لمحاولة تكرار التجربة المصرية، فالتآمر الإقليمي لن ينجح في القضاء على التجربة المصرية، لأن جماعة الأخوان تملك عمق استراتيجي في معظم دول العالم كما أنها ماليا يمكنها من دعم الاقتصاد المصري بما يجعله بعيدا عن الضغوطات الاقتصادية وخاصة من الدول العربية البترولية، وحتى يجعل الضغوطات العالمية من القوى الكبرى غير ذاته تأثير على المسيرة الديمقراطية المصرية، ولكن ذلك لا يمنع من الحذر والأخذ بالأسباب لاستكمال مسيرة النهضة والديمقراطية، وذلك عن طريق الوقوف صفا واحد وراء هذه المسيرة والتجربة الناجحة بأذن الله والصبر والمصابرة في تحدى الصعاب التي سوف تلقى في طريق هذه المسيرة وتلك النهضة، وعدم استعجال النتائج وتصيد الأخطاء بل أن النقص جارى على تصرفات الإنسان لذلك فلا عيب في ارتكاب الخطأ ولكن العيب في عدم الاعتراف به وبذلك عدم العمل على إصلاحه والرجوع فيه.
عهدا جديدا بدأ في مصر جمهورية ثانية وأولى ثانية بعد جمهورية العسكر بعد انقلاب عام 1952م، وأولى لأنها التجربة المدنية الأولى في تاريخ مصر لذلك يجب الصبر عليها وعدم التسرع في الحكم عليها أو تصيد الأخطاء بل المعارضة من أجل الإصلاح وليس التدمير، ويتطلب ذلك تنقية الصف المصري من المحبطين والعملاء والخونة الذين يعملون في الخفاء ضد التجربة والمسيرة، وكشف باطلهم وزيفهم وإبعادهم عن المسيرة والطريق، وذلك حال فشل إصلاحهم وضمهم إلى فريق المسيرة والنهضة.                             
كاتب ومحلل سياسي مصري وخبير في القانون الدولي
المادة خاصة بأخبار اليوم

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد