حاضر ومستقبل التحولات الثورية في الوطن العربي

2012-12-26 10:16:36 ثابت حسين صالح


تمهيد
فاجأت التغييرات العربية في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن, المراقبين العرب والأجانب, كون هذه الثورات شكلت ظاهرة جديدة في الوطن العربي, لأن هذه الأحداث لم تأت على "الدبابات" بل جاءت تعبيراً عن رغبة الشعوب وفي طليعتهم الشباب في التغيير والإصلاح والتفاعل مع الحراك العربي والدولي للتحسين والتطوير وإنهاء حكم الفرد أو الاستبداد الذي ساد بعض الدول العربية خلال المراحل السابقة والتي أمضى الرؤساء فيها حوالي ثلاثين عاماً أو يزيد وهم يسهمون في إفقار الشعوب وإفساد موارد الدولة, رغم أن هذه الدول غنية بمواردها وثرواتها.
 لقد كانت مراكز الدراسات والبحث العلمي عاجزة عن قراءة الواقع المؤلم للدول العربية وما يجري خلالها من تحول وحراك اجتماعي وسياسي واقتصادي, ولم تكن تلك المؤسسات العربية تتوقع أن تتم هذه التحولات وينتفض الشعب المقموع في هذه الدول الأربع ويقدم مثالاً في التضحية والعمل من أجل تحسين الأوضاع, خاصة أنه أعزل دون أي سلاح, حيث استطاع مواجهة القوة المفرطة لهذه الأنظمة من أجل تحقيق أهداف الحرية والاستقلال الناجز والمساواة وتكافؤ الفرص.
البعض وصف هذه التحولات بأنها " الفوضى الخلاقة " التي بشر بها الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش, فيما وصفها البعض بأنها " زلزال تسونامي" الذي يجتاح المنطقة العربية, في حين وصفها البعض الآخر بأنها " موجة عابرة " ليس إلا.. والواقع أن صناع هذه الأحداث هم وحدهم من يحق لهم أن يسموها, فالتونسيون أطلقوا على ثورتهم ثورة " الياسمين ", وتلاهم المصريون فسموا ثورتهم ثورة " 25 يناير ", أما الليبيون أطلقوا على ثورتهم ثورة 17 فبراير, واليمنيون سموا ثورتهم ثورة "11 فبراير الشبابية الشعبية السلمية " أو ثورة " البن " وكذلك فعل السوريون.

عوامل قيام الثورات
يسعى السياسيون إما بقصد أو بدون قصد لخلق ظروف قيام الثورات، لكن الثورات ذاتها لا تصنع وإنما تحدث فجأة, وهناك مجموعة من العوامل التي تحدد قيام الثورات وتمثل قاسماً مشتركاً فيما بينها, وأهم تلك العوامل في حالتي تونس ومصر واليمن وليبيا والعالم العربي بشكل عام هي التالي:
أ‌-   العوامل السياسية:
(1)   غياب المشاركة الفاعلة, تلك المشاركة التي تجعل المواطن قادراً على التأثير في عملية اختيار القادة السياسيين الذين يمارسون السلطة فعلياً, وتولي المواقع العامة, والتأثير في صنع السياسات العامة, ومساءلة الحكام, وقد أدت عملية إغلاق المؤسسات الرسمية والدستورية للمشاركة في وجه الطلب المتزايد إلى الدفع بالناس إلى الشوارع التي تثبت الأنظمة الاستبدادية دائما عجزها عن السيطرة عليها, كما أدت إلى سد قنوات الاتصال بين النظام ومواطنيه وأفقدته القدرة على الاستجابة لأي مطالب.   
(2)   فساد النخبة الحاكمة, وهي القلة التي تحكم لصالح نفسها وليس لصالح الشعوب, ضف إلى ذلك أن تلك القلة ورغم الطبيعة الجمهورية للأنظمة قد قامت بشكل أساسي على علاقات القرابة والنسب, وأدى ظهور هذه النخبة إلى تضييق قاعدة الأنظمة وإلى احتدام الصراع بين مكونات تلك النخبة وإلى ظهور التوريث كحل لأزمة انتقال السلطة في هذه الجمهوريات، مما جعل تلك النخب هدفا سهلا للثورات الشعبية.  
(3)   انتهاكات الحقوق, حيث اتفقت هذه الأنظمة الاستبدادية ، وان اختلفت من حيث الدرجة، بأنها لا تطيق المعارضة أياً كان نوعها، ولا التعبير السلمي عن الرأي مهما كان مهذباً، ولا منظمات المجتمع المدني وتلجأ السلطات إلى قمع النشطاء والكتاب والصحف والأحزاب والمنظمات المدنية، وتتفنن في إتباع الأساليب لتحقيق ذلك, مما أدى إلى حدوث كبت سياسي واجتماعي واقتصادي جعل الثورة بما تمتاز به من مفاجأة هي الأسلوب الوحيد للتغيير.        
(4)   غياب الإصلاحات, رغم أن دولاً مثل الجزائر والأردن واليمن ومصر قد شهدت البدء في تنفيذ إصلاحات سياسية طموحة مع بداية العقد الأخير من القرن العشرين أو حتى قبل ذلك التاريخ لكنها سرعان ما تراجعت كلية عن تلك الإصلاحات مع نهاية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين, وقد تطورت الأمور في دول مثل مصر وتونس واليمن وسورية بحيث إن أي إصلاح كان يتم الحديث عنه كان يعني المزيد من التضييق لدائرة السلطة والنفوذ.
(5)   انعدام الأمل في التغيير, وبحيث تحولت تشوهات الأنظمة القائمة إلى ثوابت وطنية يعاقب من يتجرأ على التفكير بالخروج عليها, ومع أن بني البشر يميلون إلى التغيير التدريجي لشؤون حياتهم وليس إلى الثورات الإ أن الأنظمة الاستبدادية التي تسد آفاق التغيير أمام الناس عن طريق الإقصاء والقمع والانتهاك المتكرر للحقوق لا تدع أمام الناس من طريق آخر للتغيير سوى طريق الثورة.
(6)   تراجع الدعم الخارجي للاستبداد, إذ اعتمدت الأنظمة الاستبدادية في الوطن العربي في بقائها في السلطة على دعم الغرب لها ووصلت إلى مرحلة ظنت معها أن تخويف الغرب بخطر صعود "الإسلاميين" قد ضمن لها ذلك الدعم بشكل دائم في مواجهة شعوبها, وتجاهلت تلك الأنظمة كثافة التفاعلات بين الشرق والغرب وما يمكن أن يترتب على تلك التفاعلات من فهم جديد لدى الغرب لأوضاع وظروف وأهداف وتطلعات الحركات الإسلامية.
(7) فشلت الأنظمة المستبدة العربية وخاصة في هذه البلدان في قراءة التحولات التي حدثت في أوضاع وسياسات الغرب وخصوصا تلك المتعلقة بتراجع قوة الغرب من جهة وبالتحول الديمقراطي المستمر في تلك المجتمعات من جهة ثانية, فقد انتقلت السلطة في الولايات المتحدة والمانيا مثلا من نخب مسكونة بشكل أساسي بمصالح الرأسمالية العالمية ومهتمة بالاستقرار وتدفقات النفط وأمن إسرائيل إلى نخب جديدة تهتم أكثر بقيم العدالة والحرية والديمقراطية ولا تتردد في التخلي عن المستبدين عندما تتحرك الشعوب ضدهم. 
ب- العوامل الاقتصادية:
(1)   الأوضاع المعيشية الصعبة وتنامي أسعار الغذاء على نحو خاص تمثل بالتأكيد جزءً من القوى المحركة للثورة وان كان من الخطأ، كما يذهب الكثير من المفكرين، اختزال عوامل قيام الثورة في الجانب الاقتصادي أو اختزال الجانب الاقتصادي في التضخم في أسعار السلع الأساسية.
(2) دخول السياسيين ميدان التجارة ومنافستهم للتجار الحقيقيين بطرق غير شريفة وعن طريق توظيف نفوذهم في الدولة والموارد العامة يؤدي إلى تزايد النقمة ضد النظام القائم, وقد لوحظ التأثير الكبير لهذا الجانب في كل من تونس ومصر واليمن حيث انخرطت القلة الحاكمة في النشاط الاقتصادي واحتكرت مجالات الاستثمار وشاركت الناس في أرباحهم بدون وجه حق وهو ما اثر سلبا على معدلات الاستثمار، والنمو الاقتصادي، وعلى خلق فرص العمل.   
ج- العوامل الإجتماعية:
(1) الانقسام الاجتماعي الحاد إلى أقلية غنية مسيطرة تستأثر بالسلطة والثروة وأغلبية فقيرة مستلبة الحقوق وتتعرض للقمع والاضطهاد من قبل الأقلية المسيطرة.
(2) المعدلات المرتفعة نسبياً للبطالة وخصوصا بين خريجي الجامعات وانتشار الفقر.
(3) غياب العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة وأعباء الإصلاحات الاقتصادية.

د- العوامل التكنولوجية:
(1)   شهدت السنوات العشرين الماضية أكبر ثورة عرفها التاريخ الإنساني في مجال تكنولوجيا الاتصال والمعلومات, وتعد الإنترنت والقنوات الفضائية ابرز التطورات على صعيد الاتصال والتواصل ونقل المعلومات وعولمة المظالم.
(2)   ساهمت التحولات في تكنولوجيا الاتصال في توفير وسائل تواصل زهيدة التكلفة وتمكن الناشطون عبر التدوين وشبكات التواصل الاجتماعي من التعبير عن مظالمهم ونقد أنظمتهم وخلق ثقافة التغيير ونشرها, ولم يكن غريبا أن يطلق على الثورة المصرية "ثورة الفيس بوك" وان تذهب إحدى النكت إلى أن الرئيس مبارك بعد رحيله التقى بالرئيس السادات فسأله الأخير "سم وإلا منصة"، أي هل قتل بالسم أو اغتيل وهو يجلس على المنصة، فرد عليه مبارك "فيس بوك".  

إستراتيجية الثورات ونتائجها وآفاقها
1- كانت هذه الثورات عفوية في بدايتها، بدأها الشباب وانضمت إليها القوى السياسية ذات الشعبية بشكل طبيعي, ثم الفئات المهنية والاجتماعية وأروع ما فيها كان انضمام القوات المسلحة لحمايتها وهي الآن في طريقها نحو الأهداف المنشودة، ولم نسمع في تاريخ الثورات كلها عن ثورات أخرجت هذا الكم الهائل من المتظاهرين ضد هذه الأنظمة في عدة مدن بشكل متزامن, لم تعد هذه الثورات بحاجة إلى أدلة على أنها ثورات شعبية، لكنها بحاجة إلى تصميم وإستراتيجية للوصول إلى تحقيق كامل أهدافها.
2- ما زال النظام السوري يقاوم مصيره المحتوم بوسائل عديدة، من ضمنها ترويج الأكاذيب والتخويف من الفوضى وتنظيم القاعدة والأخوان المسلمين, وادعائهما قبول مطالب المحتجين حين يلزم، وادعاؤهما أن الثوار جواسيس حين يلزم، وقمعهم حين يمكنهما ذلك, ويخطئ من يعتقد أن المسألة مسألة عناد شخص، أو أنها مسألة شخصية, وأستطيع أن أخاطر بالقول إنه لم يعدا يحكم سورية ، بل إنها زمرة حاكمة تحاول الدفاع عن نفسها وعن مصالحها، وأن تنقذ نفسها بماء الوجه . لقد دخل النظام السوري في طور العزلة الدولية الكاملة, وستتعمق هذه العزلة و ستضعف هذا النظام وتضعف ارتباط أصحاب المصالح به وستنتصر الثورة هناك في النهاية . 
3- يجب التمييز بين أعمال احتجاجية - يعقبها تفاوض على مطالب في إطار النظام القائم- وثورة لتغيير النظام, لأن الثورة لتغيير النظام ليست مجرد احتجاجات تتوقف في ظل النظام، بل هي سلسلة من الأفعال المستمرة طالما بقي النظام قائماً, واكتسبت هذه الثورات طابعها الشعبي من مشاركة كل فئات الشعب فيها , وقال القاص والروائى إبراهيم أصلان" من الواضح أن الناس فاض بهم بعد سنوات طويلة من القهر والاستنزاف المادي والروحي، مشيرا إلى أن شعوب تلك المناطق أدركت أنها بحاجة إلى حياة أفضل"(1) .
4- لقد أخرجت هذه الثورات من الشعب أفضل ما فيه، وأظهرت صورة من التمدن والتنوع والحوار والتواضع غير مألوفة في الحياة السياسية العربية , فمنذ زمن بعيد لا يذكره الكثيرون لم يسمع الناس خطيبا يوم الجمعة يتحدث عن ملايين المصريين والمصريات، اليمنيين واليمنيات أو يتحدث عن أخلاق الإسلام والمسيحية، ولم يروا هذا الكم من الرجال والنساء المحجبات وغير المحجبات دون ظواهر التحرش، والملايين تُنشد سوية وتسير في مظاهرات منظمة من دون فوضى, وفي هذا الصدد قال المفكر العربي عزمي بشارة" إن ثوار اليمن في ساحات التغيير يقومون عبر ثورتهم السلمية حاليا بعملية تشكيل هوية وطنية يمنية عابرة للطوائف.. أن ما فشلت فيه الدولة من تشكيل هوية سياسية متماسكة، تفعله الثورة الآن"(2).
5- هذه الأنظمة المستبدة تخرج أسوأ ما في مجتمعات العرب من تعصب وطائفية وجريمة في ظلها, وقد رأينا عينات من "البلطجية" التي أطلقتها الأنظمة ضد المتظاهرين، وخاصة في مصر واليمن و"الشبيحة" في سورية فظهرت وجوه الأنظمة المتخلفة والبدائية في مقابل الشعوب المتحضرة ، وفي هذا الصدد يقول الباحث الدكتور عمار على حسن" تحولت الثورات السلمية في اليمن والبحرين وليبيا إلى دموية لعدة أسباب أهمها أن الأنظمة الحاكمة فى تلك الدول قمعية وتتشبث بالحكم والسلطة إلى أبعد مدى"(3).
6- حظيت هذه الثورات بتأييد شعبي عربي غير مسبوق, في حين تباينت ردود أفال الأنظمة العربية بين مؤيد ومعارض ومتحفظ , ففي حالة الثورة المصرية كان التأييد صريحا من قبل سورية وقطر في بداية الأمر , ثم توالي التأييد الضمني من الأردن والسودان , في حين ظلت السعودية واليمن ودول خليجية أخرى تقف مع مبارك , وفي حالة ليبيا فقد كان الوضع معكوسا , ففي حين دعمت الثورة كل من السعودية ودول الخليج , تحفظت بقية الدول باستثناء تونس ومصر التي وأن لم تعلن دعمها لهذه الثورة , إلا أنها قدمت لها دعماً ملموساً.
7- يمكن القول أن موقف الأنظمة العربية من ثورة اليمن كانت مختلفة تماماً, فلم تحظ هذه بدعم علني من أي دولة عربية وإن كان هناك دعماً إعلامياً واضحاً من كل من قطر ومصر وتونس لكن دول الخليج اضطرت في الأخير إلى تأييد الثورة ضمنياً وسمتها بالتغيير عن طريق تبني المبادرة الخليجية, أما الثورة التونسية فينطبق عليها حال الثورة المصرية, في حين حدث إجماع في الموقف الخليجي في تأييد الثورة السورية وإطلاق صفة الثورة صراحة على ما يحدث في سورية.
الثورات الشعبية العربية مكسب للقضية الفلسطينية
1- الانتفاضات والثورات الشعبية العربية أعادت للشعوب حريتها وأعادت لها العودة للإمساك بالقرارات في الداخل والخارج ، ما يعني ان الأمة العربية كلها بكل أقطارها، ستعود لتحديد عدوها الحقيقي من الصديق ، وتتعامل مع الخارج وفقا لمعايير الكرامة والإرادة المستقلة الأبية لا التبعية وتبادل المنافع وبالتالي ستصبح في موقف واضح من (إسرائيل).
2- عهد بن علي الذي قتل في عهده العديد من قادة المقاومة الفلسطينية في تونس بتآمر واضح وربما تعاون مع الكوماندوز الصهاينة، والصمت عن رد فعل قوي على هذه العربدة الصهيونية ، أنتهى ولن نستغرب أي رد فعل عربي صادم للدولة الصهيونية , ولهذا أيضا لن يكون مستغربا وقف الغاز المصري (لإسرائيل)، علماً أنه لم يعد ليغزي المصانع الإسرائيلية منذ اندلاع الثورة ، وقد نبه لهذا (حزي شطرنليخت) وهو معلق اقتصادي بصحيفة "يسرائيل هَيوم" يوم 4/3/2011 تحت عنوان (علينا الاستغناء عن الغاز المصري)(1).
3- أكد هذا المعلق الاقتصادي أن عدم انتظام تزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي أظهر مدى أهمية هذا المورد المصري في تحريك عجلة الاقتصاد الإسرائيلي، وصار يشكل نحو 40% من استهلاك شركة الكهرباء من أجل إنتاج الطاقة، وأن هناك غموضاً كبيراً وعدم صدور توضيح رسمي من الجانب المصري لاستمرار توقف صادرات الغاز المصرية.. ويضيف أن الضرر الاقتصادي المترتب على ذلك كبير جداً، وهو ليس ناتجاً من إغلاق حنفية الغاز المصري فقط، بل أيضاً من الضرر الحقيقي الذي أصاب الثقة بين البلدين، فأزمة الغاز المصري تدل على مدى ضعف حظوظ صمود الاتفاقات الاقتصادية الأُخرى في المنطقة.
4- رغم أن اتفاقية القسطنطينية تسمح لأي دولة بمرور سفنها في قناة السويس، فلا يمكن اعتبار سماح النظام الجديد في مصر بمرور سفن عسكرية إيرانية كانت في طريقها إلى ميناء اللاذقية السوري والعودة إلى البحر الأحمر عبر قناة السويس ، مجرد تنفيذ للاتفاقية, لأن هذا لم يحدث في العهد السابق الذي صور إيران على أنها صاحبة كل الشرور في مصر، وهو ما يؤكد عودة مصر للإمساك بقرارها السيادي المستقل، وابتعادها بالكامل عن كل مواقف النظام السابق وتحالفاته المشبوهة وضغوط أمريكا و(إسرائيل) التي لم يعبأ بها الجيش المصري هذه المرة بعد انهيار النظام السابق.
"إسرائيل" تتوجس من الثورات العربية
 1- أدرك الصهاينة هذا المعنى وأن ذهاب الديكتاتوريات في الوطن العربي من حكامها الذين كانوا مجرد دمى في أيدي أمريكا و(إسرائيل) يفرضون عليهم خططاً تتعارض مع الوحدة والأمن العربي مقابل الصمت على ديكتاتوريتهم وفسادهم وعدم كشفهم ، يشكل خطرا على الدولة العبرية , وقد كشفت وسائل إعلام ومصادر إسرائيلية عن توجه الحكومة الإسرائيلية إلى وضع خطة لتسوية مؤقتة مع السلطة الفلسطينية كجزء من إستراتيجية جديدة يحاول الاحتلال رسمها للتعامل مع الصراع العربي الإسرائيلي تماشيا مع ما أحدثته الثورات الشعبية العربية من تغيرات على الأرض.
2- يستشعر الصهاينة حالة من الغضب والحيرة, لأن ما حسبوا أنه مات عاد حياً ، فالانتفاضات الشعبية في الدول العربية وبشكل شبه متزامن تظهر أن ما قيل عن اضمحلال العروبة لم يكن صحيحاً.. وهو ما أشار له الأكاديمي المتخصص في الشؤون العربية، إيلي فودة الذي كتب في «هآرتس» يقول : إن المحللين أكثروا في السنوات الأخيرة من الحديث عن أن العالم العربي والأيديولوجيا العربية اختفيا مع وفاة الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر العام 1970 ، ولكن الثورات في تونس ومصر، والتظاهرات العاصفة في عواصم أخرى من الدول العربية تثبت أن العالم العربي والوحدة العربية لم تختف أبداً (1).
الغرب والمواقف المشبوهة
1- يعتقد البعض أن الغرب بزعامة أمريكا قد شجعت أو دعمت هذه الثورات , بيد أن الحقائق تقول عكس ذلك , ففي الحالة التونسية , حدثت الثورة والغرب في غفلة من زمنه , أما في الحالة المصرية فقد ظلت الولايات المتحدة تقف إلى جانب مبارك حتى اللحظات الأخيرة التي رجحت كفة الثورة المصرية , وفي الحالة الليبية, فقد بدا التلكوء واضحاً في الاستجابة لطب جامعة الدول العربية لفرض حظر جوي لحماية الشعب الليبي من القتل والتدمير بمختلف الأسلحة الثقيلة لكتائب القذافي , ثم تلكأ الغرب بعد ذلك في تطبيق القرار الصادر عن مجلس الأمن.
2- الثورة اليمنية هي الأخرى عانت وتعاني من المواقف الغربية المتأرجحة وخاصة الأمريكية تجاه النظام الحاكم في صنعاء, وإن كانت هذه المواقف قد بدأت في التغير تدريجياً , ففرنسا دعت الرئيس علي صالح إلى الرحيل والولايات المتحدة " ليس لا لديها مانع " , لكن ازدواجية التعامل مع الثورة والنظام كانت ولا زالت سيدة الموقف الغربي, مثلما كانت حيال الثورات العربية الأخرى, وهي تتعامل مع المثل الشعبي المصري " اللي تعرفه أفضل من اللي ما تعرفوش".. بيد أن صمود الثورة اليمنية أجبر الغرب في النهاية على الاعتراف بهذه الثورة وتأييد المبادرة الخليجية.
3- تحاول الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها في الغرب أن تركب موجة الاحتجاجات الشعبية في الوطن العربي لتنفيذ أجندتها الخاصة , لكن الشعوب كانت وستكون لها بالمرصاد, ومن الظلم الفادح القول بأن الولايات المتحدة وحلفاءها قد خططت لهذه الاحتجاجات ووجهتها, لأن في ذلك ليس فقط تجني على العوامل الموضوعية والمنطقية التي أنضجت هذه الاحتجاجات فحسب, بل وفي هذه الأقوال إجحاد في حق صناع هذه الثورات الذين سفكت دمائهم في ساحات التغيير وصبروا وكابدوا أصعب الظروف حتى حققوا أهداف ثوراتهم ولازالوا مستمرين في متابعة ومراقبة استكمال تنفيذ أهداف ثوراتهم العظيمة.
دروس وعبر
 1- لقد عادت الشعوب إلى ذاتها، وعادت مصر وتونس وليبيا واليمن وقريباً إن شاء الله سورية متصالحة مع ذاتها، ويبدو أن العرب في المرحلة الحالية إنما يتصالحون مع ذاتهم عندما يخرجون ضد هذه الأنظمة الاستبدادية الحاكمة والتي لم تنل شعوبها منها لا رفاهية ولا كرامة.
2- تخلت الولايات المتحدة عن حلفائها في الكثير من المناسبات والتطورات كما فعلت مع شاه إيران , فتخلت عن رؤساء مصر وتونس واليمن, لأن الولايات المتحدة لا تبالي مع من تتحالف حتى لو كان عدوها بالأمس لحفظ مصالحها ولا تقدم أية تضحية لحماية حلفائها من غضبة الشعوب إذا كان هذا الحليف غير قادر على خدمة مصالحها أو أنه أصبح عبئا عليها.
3- هذه الثورات الخمس ستكون عاملاً مساعداً ورئيساً في تحقيق أهداف الأمة نحو التغيير والإصلاح ورسم خريطة المستقبل حيال قضية فلسطين وقد رأينا الموقف المصري القوي الداعم للشعب الفلسطيني منذ انتصار الثورة المصرية.
4- هذا الحراك الشعبي سيسهم في تغيير وجه المنطقة لصالح قضايا الأمة نحو الإصلاح والتطوير والنهوض بالشعوب نحو الأمن والسلام والاستقرار والازدهار وسيكون عاملا رئيساً نحو تحقيق أهداف الشعوب التي عانت من الاستبداد والقمع والاضطرابات بعد أن أكدت ثوراتها حرصها على استخدام وسائل التواصل الاجتماعي الذي وفرته التقنيات الحديثة نحو تطوير الأوضاع وإنهاء الفساد ومحاربة الفقر والبطالة وتجديد الرؤية الاستشرافية الصائبة نحو النهوض بمستقبل الشعوب.
5- ضرورة إعادة النخب العربية الحاكمة النظر في تحالفاتها الداخلية والخارجية والتفكير الجدي بأهمية الإرادة العربية الشعبية التي تؤكد على ضرورة مشاركة القوى السياسية والاجتماعية في اتخاذ القرار الصائب وفق القوانين الانتخابية الديمقراطية الشفافة التي من شأنها حماية الحريات العامة وحقوق الإنسان وقيم المجتمع ومصالحه الوطنية والقومية.

الخلاصة
1-افتتحت ثورات "الربيع العربي" عصراً عربياً جديداً يتاح فيه الجمع بين الحرية والحقوق وبين السيادة والمواطنة, لن تستهين الأنظمة بشعوبها بعد اليوم, وسوف تجد نفسها مضطرة إلى أن تختار بين الإصلاح الشامل ورحيل النظام, وعلى مستوى القوى السياسية والانقسامات الإيديولوجية سوف يتغير كل شيء, ستفقد الانقسامات السابقة معناها, فقد تضاءل وزن النقاشات الفكرية بين التيارات الإيديولوجية السابقة,لم يتمكن أي منها من خوض التحدي, وصعدت ظاهرة القوى الاجتماعية الجديدة الرافضة للظلم والمتمسكة بالقيم, وسوف تنشأ تعددية جديدة وسوف يتقدم فيها الصفوف ذلك الفكر القادر على الجمع بين الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والهوية العربية من دون التنكر للحضارة الإسلامية.
2-ستحتاج مراكز الدراسات والبحوث العربية إلى القيام بخطوات جادة وناجحة لمناقشة هذه التحولات والتطورات في إطار علمي وأكاديمي لتسليط الضوء على هذه المتغيرات الراهنة التي هي على جانب كبير من الأهمية , وهذه الثورات الشعبية السلمية تؤسس لأمة عربية ونظام عربي جديد يتعامل بسياسات جديدة ومفردات جديدة أيضاً تقوم على قاعدة الاعتراف أن الشرعية الشعبية هي أساس استقرار أنظمة الحكم وليس الصداقات مع الغرب, كما تؤسس هذه المرحلة خطوات جادة لمحاربة الفساد وتوجيه ثروات الأمة لخدمة نماء شعوبها ولدعم قضاياها واستعادة دورها الإقليمي والدولي لتكون شريكا في مستقبل العالم وسياساته تجاه منطقتنا وغيرها.
3-لقد كان هذا الحراك المنظم حريصاً وما زال على امتلاك مختلف سبل الصمود والمقاومة المدنية لتحقيق أهدافه وكذلك الرغبة في إعادة النظر بالسياسات القائمة حاليا في الوطن العربي والتي تمتلك الولايات المتحدة ناصيتها في كثير من الدول الأمر الذي يوجب إعادة النظر بهذه السياسات بخاصة أن وزيرة الخارجية الأمريكية قالت: "لقد فشلنا في مواكبة التطورات السياسية والإعلامية وخسرنا الكثير "(1) .
4-نجاح هذه الثورات مرهون بمواصلة قوى الثورة للنضال بمختلف وسائل الضغط لتحقيق كامل أهداف الثورات وإحداث التغيير الجذري المطلوب, والحيلولة دون انتكاستها أو سرقتها من الداخل أو الخارج.. لكن الحقيقة الثابتة هي أن هذه الثورات قامت لتنتصر, وستمتد رياحها إلى كل البلدان العربية التي لا يمكنها إلا التعامل مع هذه التحولات ولكن بخصوصية كل دولة عربية, هذه التحولات التي سيكون حدها الأقصى التغيير الشامل وحدها الأدنى الإصلاح الجذري الشامل.
* باحث في الشؤون السياسية والعسكرية

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد