العالم العربي .. احتجاجات وتغيير منتظر في السياسات الاقتصادية

2013-10-06 12:17:34 أخبار اليوم/ متابعات

إن التغيرات المتمثلة في قبول دور أوسع للدولة في النشاط الاقتصادي، خاصة في فرض القواعد والمعايير التي تدار وفقا لها النشاطات وبعض القطاعات الاقتصادية، خاصة القطاع المالي علي المستوي العالمي، نجمت إذن عن الأزمة المالية والاقتصادية العالمية، وهو الأمر الذي يسير في خط التطور الإنساني الطبيعي، بمعني أن كل أزمة يترتب عليها بالضرورة، في محاولة تجاوزها، إقرار سياسات جديدة، تختلف بشكل واضح عما كان مطبقا من سياسات قبل تفجر هذه الأزمة. وتواجه المنطقة العربية ومصر الآن وضعا مشابها، بمعني أن الثورات التي شهدتها بعض دول المنطقة، كتونس ومصر، والاحتجاجات التي تشهدها دول أخري، مثل ليبيا واليمن والبحرين وعمان والجزائر والمغرب والأردن، والتي تكشف معها في مصر وتونس عن حجم ضخم من الفساد والنهب المنظمين للموارد العامة من قبل جحافل نظم الحكم السابقة، خاصة في ظل تزاوج المال بالسلطة، وفي ظل سياسات كانت تروج للاستناد إلي آليات السوق وحدها، وفي ظل تفاوت واسع في الدخل والثروة بين أقلية تتحكم في مقادير الأمور اقتصاديا وسياسيا، بين أغلبية كاسحة تعيش في مستويات معيشية متردية -كل هذه التطورات ستفرض بالضرورة اتباع سياسات جديدة في كل هذه البلدان.
فهذه الثورات والاحتجاجات أسهمت بدور بارز في تفجيرها طبيعة الأوضاع الاقتصادية - الاجتماعية التي شهدتها هذه البلدان، خاصة من بطالة للمتعلمين، وتدهور مستويات معيشة أقسام واسعة من السكان. وهو أمر ليس واضحا وصحيحا في حالة بلدان كمصر وتونس فقط، بل ينطبق أيضا علي عدد آخر من البلدان النفطية الغنية. فتقديرات نسب البطالة، علي سبيل المثال، خلال عام 2010 تقترب من 12% في المملكة العربية السعودية، وترتفع إلي 12.8% في الجزائر، و 15% في البحرين، وتصل إلي أكثر من 25% في ليبيا. ومع الوضع في الاعتبار ارتفاع مستوي التعليم، فإن نوعية العاطلين عن العمل الآن تختلف قطعا عن نوعية هؤلاء مع بدء التدفق الكبير لعائدات النفط، خاصة مع زيادة الأسعار في منتصف السبعينيات، وهو ما يشكل ضغطا كبيرا علي الدولة.
كما لا يمكن أيضا تجاهل أن تذبذب أسعار تصدير الموارد الطبيعية، خاصة النفط، يؤدي إلي دورات متعاقبة من الازدهار والكساد في البلدان التي تعتمد علي هذه العائدات. وبالطبع، فإنه حينما تكون هناك دورة ازدهار، فإنه لا تكون هناك مشكلة لدي الدولة الريع النفطي، بينما في حالة مرور الأسعار بدورة انخفاض، فإن ذلك يؤدي إلي مصاعب مالية للحكومة، وإلي ركود اقتصادي. وهو أمر منطقي، حيث تلعب السياسة المالية في دول الريع النفطي دورا يتجاوز بكثير الدور المعروف الذي تلعبه هذه السياسة في بلدان أخري، نظرا لدورها في إدارة عجلة النشاط الاقتصادي ككل، سواء في القطاع العام عن طريق المشروعات الكبري التي نفذتها وتديرها الحكومة، أو من خلال الإنفاق علي مشروعات البنية الأساسية التي يقوم بها القطاع الخاص، أو من خلال الدعم المباشر وغير المباشر للمنتجين من القطاع الخاص، وكذلك من حيث توسيع الاستهلاك العائلي من خلال سياسات الدعم المفرط للمواطنين والتي تبنتها هذه البلاد منذ منتصف السبعينيات.
ولذلك، لم يكن غريبا أن كافة البلدان التي شهدت ثورات أو احتجاجات أو حاولت توقيها قد سارعت إلي بعض الإجراءات العملية السريعة، سواء بتوفير فرص العمل المستقر للعاملين المؤقتين، أو زيادة مستويات الرواتب، أو التدخل بزيادة مستوي الدعم لبعض السلع الأساسية وغيرها، كما حدث في مصر وتونس. ويأتي في السياق نفسه ما أقدم عليه الملك عبدالله، العاهل السعودي، عند عودته لبلاده بعد رحلة علاج استغرقت عدة أشهر، بإعلان خطة حكومية لإنفاق نحو 36 مليار دولار علي عدد من القطاعات التي تهم المواطنين السعوديين كالإسكان وتوفير الوظائف وغيرها، توقيا لحالة احتجاج متصاعد في المملكة. بل رأينا اتجاها من دول مجلس التعاون الخليجي الغنية الأربع (السعودية والكويت والإمارات وقطر) إلي توفير خطة يبلغ مقدارها 20 مليار دولار لدعم كل من البحرين وعمان، عضوي المجلس، الأقل ثراء علي مدي عشر سنوات.
وفي البلدان غير النفطية، كمصر وتونس مثلا، ربما لا يمضي الأمر إلي حد هجران آليات السوق، ولكن في ظل ضبط جديد للأوضاع علي يد الدولة بالتحجيم من الفساد، وتوفير آليات شفافة وعادلة تحفز علي المنافسة وتجرم وتحارب الاحتكار، وفي ظل تطبيق معايير تحقق المزيد من العدالة الاجتماعية.
وربما يعبر عن ذلك خير تعبير الدعوة إلي تطبيق حد أدني جديد للأجور يتناسب مع مستويات الأسعار السائدة، وربما سياسة ضريببة تصاعدية جديدة تفرض حدودا أعلي للضرائب علي دخول الشرائح الأغني من السكان، وبما يتيح إنفاقا أكثر، وبالتالي تقديم خدمات عامة أفضل في قطاعات مثل الصحة والتعليم. وفي كل هذا، لن نكون بالضرورة قد انتقلنا إلي دائرة الاقتصاد الموجه، ولكننا علي الأقل سنكون في دائرة اقتصاد يستند إلي آليات السوق، ولكن مع دور أكبر للدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية، سواء عبر توزيع الدخل بصورة أكثر عدالة، أو عبر إعادة توزيع الدخل بزيادة الإنفاق العام، وتأكيد توافر معيار الجودة في الخدمات العامة، خاصة تلك التي تقدم للفئات الفقيرة من المواطنين.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد