الحديث عن نهب الوطن لماذا يزعج الكثير من السياسية؟!

2013-11-10 18:09:37 الاقتصادي/ نبيل الشرعبي


أخبرتني والدتي ـ عافاها الله ـ والتي لم أزرها منذ ثلاثة أعوام بسبب الوضع المادي قبل سنين كيف اضطر الناس أواخر أيام الإمام, وجراء القحط إلى أكل الشجر, وكيف هبط النعيم حين جاء الرئيس الحمدي ـ رحمه الله ـ ومن ثم هطول الأمطار لأيام متوالية بعد إعلان مقتله, حتى أن الناس اعتقدوا جازمين ورددوا أن السماء تبكي على الحمدي.

والدتي التي تعاني من أمراض عدة واستعصى علاجها لذات اليوم, تفهم في السياسة والاقتصاد أكثر من الساسة الذين لا يجرؤ أكثرهم الحديث عن الفساد ونهب الثروات وتقاسم البر والبحر وحتى الصدقات التي تأتي باسم الفقراء, وللإنصاف لا يمكن المقارنة بين والدتي ـ عافاها الله ـ وبين أولئك النفر الذين يدركون أنهم في ظل يمن بلا أزمات لن يعيشوا, فلجأوا إلى اختلاق الأزمات وصناعتها.

في العام 2002م أيام دراستي الجامعية, كان مجندو الأحزاب لاستقطاب القادمين من الأرياف يتهافتون على الطلاب الجدد ودعوتهم لحضور جلسات يروجون لها بأنها نافعة والمتحدث خبير ووطني وكثير إضافات كلها افتراء, وفي ذلك الوقت كنا طلاب فقراء وأغبياء نصدق ما يصل إلينا ونداوم على حضور بضعة مجالس, وفي إحدى المرات أدار قيادي كبير سياسي محنك في أحد الأحزاب العريقة جلسة ركز فيها الحديث على فلسفة الاقتصاد والإسهام الجماعي في النصوص بالبلد والحفاظ على الثروات والمال, وامتدت الفترة الأولى من الحديث من الساعة الخامسة عصراً حتى الثامنة مساءً, وحدد الفترة الثانية حتى الحادية عشرة.

كنا مجموعة طلاب من كليات مختلفة في جماعة صنعاء لم يتناول كثير منا وجبة غداء سوى (كدم وزبادي), وبينما كان بعض ينسل خفية للحصول على شربة ماء من صنبور (حنفية الحمام) كان يجلس جوار ذلك القيادي مرافقه الشخصي الذي يقوم بتصفية أغصان القات ليحشوا فمه به وأمامه علب الماء المعدنية ومشروب غازي وطاقة, وبين الحينة والأخرى يمد الزميل الذي أحضر بالقبضة قات ويربت على ظهره.

ومع تعريجه للحديث عن الشرف والنزاهة والمساواة في توزيع الثروات وضرورة التكافل و ... إلخ, لم استطع تمالك نفسي فقاطعته قائلاً: أنت تتحدث عن قيم ومبادئ وهم وطني, ولكن يبدو أنك لست ممن يقعون في دائرة من تتحدث عنهم, هل سألت نفسك أو سألت هؤلاء المسحوقين هل تناولوا وجبة الغداء ولماذا لا يوجد أمامهم ماء.. أنت يرافقك شخص خاص لتصفية القات وحمل الماء المعدني والمشروبات الغازية والطاقة لك, وغداؤك ربما كانت لحمة أو أشياء نحن لا نجرؤ على الحلم بها, هل تعرف أننا لم نتناول وجبة غداء إلا قليلاً من زبادي وكدم, ونحن نشرب من حنفية الحمام, حرام عليكم يكفي كذب وتدليس, أنتم سبب كل البلاء والخراب الذي ينخر الوطن, ألا تخجل من الحديث عن الوطنية والشرف والعدالة والمساواة, فيما أنت لم تؤمن بعد أننا بشر وما اكتفاؤك بالقول السلام نظر والكف عن مصافحتنا نحن الحثالة, بينما سمسارك الذي أحضرنا أخذته بالأحضان وأقعدته جوارك مباشرة وخصّيته بالماء المعدني وغيرها.

كان الجميع يشير لي أن أصمت, ثم صرخ ذلك القيادي: ما أنا فيه الآن نتاج جهدي وتعبي وهل تريدني أن أعيش مثلك, شوف شكلك وشم رائحة إبطك, كم مر عليك أشهر لم تغتسل أو تتنظف أو تغير ملابسك, قاطعته: والذي نفسي بيده أنك لست سوى كومة رذيلة في هيئة بني آدم, أنت وحل وأنا الآن أظلم ألفاظ الوضاعة حين أصفك بها, ولتعلم أن شكلي وملابس ليست عيباً بل فخراً لي, كوني لم ولن أصبح مثلك متسولاً بائعاً لكرامته وآدميته النتنه, كم أنت غبي وأخرق, اعتقدت وهماً أنك ستصنع منك بطلاً وأن كل طالب سيقدمك لمجتمعه كبطل, ولكن لن تكون سوى ذلك الكوم من الرذيلة, هل سددت ثمن البخور الذي اشترته زوجتك بمبلغ مائة ألف ريال من معرض (..) هدية لإحدى صديقاتها في حفلة زفافها, وحيناه ارتبك وغادر المقر وهو ساخط.

هذه الواقعة حقيقة ولم أنقل سوى ما دار فيها, وإيرادها للتأكيد أن السياسيين كثر ولنفس الأسباب لا يرغبون في الحديث عن قضايا الفساد ونهب الثروات والخزينة العامة والأراضي وخيرات البر والبحر, وكم كان عبدالملك منصور منصفاً ولو فقط في عنوان كتاب ((العُهر السياسي)) هذا رغم أني لست معجباً به ولا أحبذه.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد