السياسات الخاطئة والعناصر الفاسدة كيف أوقعت "الحاكم" في فخ المعارضة؟

2009-02-22 04:23:01


عبدالوارث النجري

لم يعد الحزب الحاكم اليوم قادراً على التعاطي ومتغيرات المرحلة الراهنة خاصة بعد أن صار خليطاً من الأفكار والرؤى والقيادات المتناقضة مع بعضها البعض من جهة ومتناقضة مع أدبيات الحزب وميثاقه الوطني من جهة أخرى فسياسة الاستيعاب التي نهجتها قيادات المؤتمر خلال السنوات الماضية للغث والسمين دون أي معايير جعلت من الحزب الواحد مئات الجماعات والأجنحة المتناقضة والمتآمرة فيما بينها لا يجمعها سوى شعار المؤتمر " والحصان" وشبكات الدائرة المالية ومما زاد الطين بله هو الدور الذي بدأت تلعبه إفرازات المؤتمر العام السابع باسم الحزب الحاكم في أوضاع البلاد وقضايا وطنية أخرى كانت في السابق خطاً أحمراً على حديثي الأمانة العامة واللجنة الدائمة، قد يقول قائل بأن المؤتمر ومنذ تأسيسه في بداية ثمانينات القرن الماضي كان مظلة لجميع ألوان الطيف السياسية منها والقبلية والاقتصادية وغيرها، وهذا صحيح لكنه كان حينها مؤتمر شعبي عام وتنظيماً رائداً لكافة أبناء الوطن في ظل عدم وجود الحزبية والتعددية السياسية وحرية الرأي وغيرها، لكنه ما بعد ال 22 من مايو 1990م تحول إلى حزب سياسي ضمن عشرات الأحزاب المتواجدة على الساحة اليمنية في ظل مناخ ديمقراطي على ضوئه تتنافس كافة تلك الأحزاب للوصول إلى كرسي الحكم حيث صار من الصعب أن يعمل الفكر الاشتراكي مع الفكر الإخواني أو البعثي في إطار حزب واحد لديه أدبيات مختلفة عن الفكر ، وهذا ما صار يتحدث به إعلام الحزب الحاكم فيما يخص تكتل اللقاء المشترك، دون أن يكلف أنفسهم القائمون على هذا الإعلام بالبحث داخل أروقة اللجنة الدائمة ليكتشفوا التناقضات قبل الحديث عن الآخرين، وهذا بلا شك كان له تأثير سلبياً على أداء كافة دوائر المؤتمر الشعبي العام خلال السنوات الماضية وفروعه في المحافظات ولعل من أبرز تلك الآثار السلبية التي صار يعاني منها "الحاكم" من الداخل موضوع الفساد المالي والإداري الذي تجاوز الوزارات والمرافق الحكومية إلى مقر اللجنة الدائمة للحزب وفروعه في المحافظات وعلى مستوى المديريات، وصار الفساد تهمة تلاحق كل منتسبي المؤتمر مع أنه ليس مقروناً إلا بالقيادات المؤتمرية، سواءً خلال سلوكها الغير سوي في العديد من الوزارات والمرافق الحكومية أو من خلال علمها التنظيمي في دوائر المؤتمر وفروعه بالمحافظات أو الأمانة العامة وهذا في الوقت الذي نجد فيه أن معظم المخالفين أو المتحايلين على الأنظمة والقوانين العاملين في القطاع العام معظمهم ليسوا من كوادر الحزب الحاكم وعلى سبيل المثال"المعلمين المنقطعين عن العمل" وهكذا في بقية مرافق الدولة، لكن فساد القائمين على تلك المؤسسات الحكومية والسعي وراء الثراء وتحقيق المصالح الشخصية - وهم طبعاً قيادات مؤتمريه- هو من جعل الفساد يتجذر في كافة مفاصل الدولة وشجع الآخرين "مؤتمر وغير مؤتمر" على المخالفة وتجاوز النظام والقانون، وهذه الورقة- الفساد- استغلتها الأحزاب المعارضة من خلال طرحها بقوة على الشارع كصفة للحاكم وتهمة لكل أعضائه وكوادره، ولأن كبار قياداته لا تستطيع أن تبرئ نفسها من تلك التهمة وذلك السلوك فقد سعى الحزب الحاكم في إعلامه وبياناته خلال السنوات الماضية لغض الطرف عن شيء أسمه الفساد ، بل أن بعض قيادته لا تزال تسعى للتضليل والمغالطة بعدم وجود شيء اسمه الفساد الذي يعد فبركة في خيال ووهم أحزاب المعارضة - وهذا هو الداء بعينه- وهذه إحدى المؤثرات السلبية على أداء الحزب الحاكم خلال السنوات الماضية جراء ذلك المرض الذي يعاني منه "الحاكم" خاصة وأن أغلب ما سعى الحزب الحاكم لاستيعابهم خلال السنوات الماضية من الأحزاب الأخرى هم إما فاشلين وفاسدين أو أصحاب مصالح شخصية لفظتهم أحزابهم جراء سلوكهم الغير سوي، وللأسف أن الحزب الحاكم قد دخل في ورطة حقيقية عندما منحهم مواقع قيادية تنظيمية وحكومية بمجرد إعلان انضمامهم إلى المؤتمر ، دون حتى إجراء اختبار قبول ذلك في الوقت الذي لا تزال هناك قواعد مؤتمريه حتى النخاع تعمل في الميدان بصمت دون أن يلتفت الحزب إليها الأمر الذي ولد الكثير من الإحباط والحساسية لدى تلك الكوادر وقلل من نشاطها المعهود خاصة وقد تولدت لديها نظرة بأن الحزب الحاكم لا يثمن جهود كوادره الصادقة العاملة بجد وإخلاص في الميدان في الوقت الذي يسعى فيه لبذل الملايين والفلل والسيارات والمناصب الحكومية لشراء كوادر وقيادات أحزاب المعارضة دون أن يتأكد من مصداقيتها رغم أنها لا تزال تعمل بعقلية تلك الأحزاب ولما يصب في خدمتها بطريقة غير مباشرة بل ومن داخل الحزب الحاكم ولجنته الدائمة أيضاً غياب الرقابة التنظيمية ودورها خلال السنوات الماضية الأمر الذي شجع الكثير من القيادات المؤتمرية وغيرها لمواصلة سيناريو الفساد والمخالفات دون رقيب أو حسيب سواء في مكاتب وأروقة اللجنة الدائمة للحزب الحاكم أو داخل المرافق الحكومية ولعل تلك الملزمة الكبيرة التي قدمها المرحوم أحمد العماد في المؤتمر العام السابع للحزب الحاكم خير شاهد وبدلاً من الاستماع إليها وطرحها للمعالجة ثم الرد عليه بالقول "ما ينفعش الآن أنت كنت فين من زمان!!" كذلك نجد أن الحزب الحاكم الذي فاز بانتخابات 97م بأغلبية مريحة في البرلمان شجعته على الانفراج في الحكم وتشكيل الحكومة، نجد هذا الحزب الحاكم قياداته في اللجنة الدائمة والأمانة العامة تعمل في وادي وحكومته المشكلة والمحسوبة عليه تعمل في وادٍ آخر، وهذا أوجد هوة كبيرة بين القيادات التنظيمية وقيادة السلطة التنفيذية في الحزب ناهيك أن هناك قيادات مؤتمرية تسعى من خلال مواقعها التنظيمية للمخالفات ونهب الثروات والمال العام والفساد باسم المؤتمر، بل أن بعضها تنتهك الحقوق والحريات في كثير من المحافظات بقوة مواقعها التنظيمية في المؤتمر، ولعل ما حدث في رعاش والعنسيين في ذي سفال محافظة إب خير شاهد على ذلك، خاصة وأن إفرازات المؤتمر العام السابع وما سبقه من هيكلة مؤتمرية كانت إما مشائخية أو عسكرية أو قيادات تنظيمية وعلى مستوى المركز الانتخابي الواحد بحيث لم تراعى القدرة والكفاءة والنشاط الذي تتمتع به الكثير من قيادات وقواعد الحزب الحاكم وفوق هذا وذاك نلمس بأن السياسة التنظيمية الخاطئة داخل المؤتمر ودور العناصر والقيادات الفاسدة فيه قد ساهم بشكل غير مباشر في ضعف أداء الدوائر التنظيمية للمؤتمر وعلى سبيل المثال الدائرة الإعلامية حيث يمكن للمؤتمر "الحزب الحاكم" أن يصدر في اليوم الواحد عشرين وسيلة إعلامية من صحيفة أو مجلة أو موقع إخباري لكنه من الصعب على هذا الحزب أن يجد لتلك الوسائل متابعين أو مشترين من عامة الناس والمثقفين والسياسيين في جميع محافظات الجمهورية، والأفضع من ذلك قيام الحزب الحاكم مؤخراً بمحاربة العديد من كوادره الإعلامية التي عملت في وسائله الإعلامية خلال السنوات الماضية حيث أصبح إعلام المؤتمر كالبغبغاء يردد كل ما يقال له ويملي عليه من قياداته في الدائرة الإعلامية وقطاع الفكر والإعلام دون وجود سياسية وخطط إعلامية تتوافق مع المتغيرات والمرحلة الراهنة وبما يسهم بشكل أو بآخر في المنافسة داخل الوسط الإعلامي المحلي والخروج بخطاب إعلامي يتوافق مع أهداف المؤتمر وسياسة الدولة ويليق بالحزب الحاكم اليوم نجد الحزب الحاكم عبر الإعلام الرسمي يؤكد المضي في إجراء الانتخابات النيابية الرابعة بموعدها المحدد في ال 27 من إبريل القادم لكن خلف الكواليس تتم المفاوضات مع قيادات المشترك وبذل المزيد من الاغراءات والوعود وغيرها من التنازلات بهدف دخول تلك الأحزاب في عملية الانتخابات حتى تكتسب الشرعية ورضى وموافقة الحكومات والمنظمات الداعمة للعملية الديمقراطية ومنذ انتخابات 97 نجد الحزب الحاكم دائماً ما يفاوض قبيل كل استحقاق ديمقراطي والمعارضة تهدد في المقاطعة، ففي انتخابات 97م النيابية الثانية قاطع الحزب الاشتراكي تلك الانتخابات وشارك فيها الإصلاح وفي انتخابات 2003م خاض الحزب الحاكم المعركة الانتخابية في مواجهة التكتل المستحدث "اللقاء المشترك" لكن بعد الكثير من المفاوضات حول لجنة الانتخابات وتشكيلها وفي انتخابات 2006م المحلية والرئاسية توصل الحاكم والمعارضة قبيل الانتخابات إلى اتفاقية المبادئ المتمثلة في حيادية المال العام والإعلام واللجنة العليا وهكذا واليوم يصر الحاكم في اجتماعاته على المضي في إجراء الانتخابات بموعدها المحدد في الوقت الذي بدأت أحداث مؤتمرية تظهر وتدعو لتأجيل الانتخابات وهناك يبدو توافق ذلك الرأي من داخل أحزاب المشترك حتى يصل طرفي الخلاف إلى توافق ولتكن مبررات التأجيل "سيول حضرموت" أو حتى "حرب غزة" المهم أن يتم التأجيل لكن السؤال الذي يطرحه الشارع هو هل سيتوصل الطرفان إلى اتفاق خلال فترة التأجيل خاصة وأن فترة المفاوضات لها أكثر من عام وبدون أي نتيجة، وكيف سيفعل الحاكم في حال الإصرار على إجراء الانتخابات بموعدها؟! هل سيتم إلغاء التحالف الوطني الديمقراطي لتدخل أحزاب المجلس الوطني كمعارضة في انتخابات 2009م النيابية؟! وإلى متى سيضل الحزب الحاكم يفاوض عند قدوم كل استحقاق ديمقراطي؟ وهل السياسات التنظيمية للحاكم الخاطئة وإجراء العناصر الفاسدة المحسوبة على المؤتمر داخل المرافق الحكومية وراء الحال الذي وصل إليه المؤتمر كمفاوض على طول؟! أسئلة يجب على "الحاكم" البحث عن الإجابة عليها من خلال عمل إصلاحات من الداخل للتنظيم لدى المؤتمر الشعبي العام.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد