اليمن على موعد مع عجز أكبر وانهيار الاحتياطي الأجنبي

2014-09-07 11:23:04 الاقتصادي/ نبيل الشرعبي


النمو المتقلب والذي مازال أقل بكثير من إمكانياته، وحيز محدود في المالية العامة نتيجة تنامي عجز الموازنة وارتفاع الدين العام وتراجع الاحتياطي الأجنبي ما أدى إلى تقلص المدخرات المتاحة للاستثمار العام والخاص، وضعف القطاع الخاص الذي يعجز عن دفع النمو وخلق فرص عمل، ولهذا العامل الأخير أهمية كبيرة بسبب الأعداد الضخمة من المواطنين، لا سيما الشباب الأكثر تعليماً، الذين يعانون من البطالة ويدفعون للعمل في القطاع غير الرسمي.

ما سبق عدها تقرير اقتصادي دولي صدر حديثاً، مشاكل اقتصادية تقف حائلاً أمام تقدم اليمن وكذلك عدد من دول الشرق الأوسط ووفقاً لترتيب التقرير حسب البلدان الأكثر معاناة من المشاكل سالفة الذكر، تأتي اليمن في المقدمة تليها مصر ثم ليبيا وبعدها تونس والأردن ولبنان وإيران.  

تنامي العجز

وقال التقرير الدولي إن تنامي العجز المالي سواءً في اليمن أو بقية البلدان الستة، زاد من اقتراض حكومات قروضاً خارجية فاقت الأعوام الماضية، مما أدى إلى تفاقم الاختلالات في الاقتصاد الكلي، وعلى ذات الصعيد ترجع مشكلة العجز الضخم في الموازنات العامة السنوية، إلى ما تم ترحيله من مشاكل والتزامات مرحلة من قبل العام 2011، وهذه كان لها تأثير سلبي على التضخم ورصيد الحساب الجاري والنمو في جميع البلدان السبعة تقريباً.

وعلى الجانب الأخر أرجع التقرير الزيادة الحادة في عجز الموازنات بعد عام 2011، إلى زيادة الإنفاق الحكومي استجابةً للضغوط الاجتماعية والسياسية، وبخاصة دعم الوقود والغذاء وأجور القطاع العام، وتظهر بيانات حديثة أن الدين الحكومي المحلي ارتفع بحدة في اليمن بعد عام 2011 لتمويل عجز الموازنة، ليصل إلى 166بالمائة من حجم الموارد العامة للبلد، وقد يرتفع إلى 260بالمائة خلال الأشهر القليلة القادمة، والدين العام الخارجي بلغ أكثر من 7مليارات دولار بأواخر شهر أغسطس 2014.

الأسوأ عربياً

وبالمقارنة بين اليمن ومصر، يتضح أن وضع اليمن يُعد الأسوأ عربياً، وضمن أسوأ عشر دول عالمياً، إذ بالمقابل في مصر وكما تبين أرقام رسمية فإن نسبة الدين الحكومي (المحلي والخارجي) المصري، إلى إجمالي الناتج المحلي بقيت عند 88.8 في المائة في نهاية مارس/آذار 2014، بارتفاع 9 نقاط مئوية تقريباً عن مستواها في نهاية السنة المالية 2010.

وفي الأردن، زادت نسبة الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي 6 نقاط مئوية في الربع الأول من 2014 مقارنة بالربع نفسه من العام السابق. وقد عرّض اتجاه الدين الحكومي نحو الارتفاع اقتصاد هذه البلدان لصدمات اقتصادية مختلفة.

وحذر التقرير البلدان السبع وفي مقدمتها اليمن، من الاستمرار بهذا النمط من الإنفاق الحكومي المتزايد، لا سيما وأن العائدات الحكومية تراوح مستوياتها، ولا تتسم العائدات الحكومية بالتنوع حيث تعتمد البلدان السبعة على منتج واحد للتصدير، ما يجعل مصدر عائداتها معرضاً بشدة لصدمات الأسعار الخارجية.

تواضع الموارد

وفي اليمن بلغ مستوى الإنفاق الحكومي الجاري غير الاستثماري نسبة تفوق الــ35بالمائة من مستوى الإنفاق العام، فيما الإنفاق الاستثماري تراجع إلى أقل من نسبة 5بالمائة، وهو ما يُعد مشكلة كبيرة تواجه الحكومة اليمنية، في ظل تواضع عائدات الموارد العامة، وتعرض المورد الأهم النفط الذي تعتمد عليه الدولة لتمويل الموازنة بنسبة 75بالمائة، إلى استهداف وتفجير مستمر.

وفي ما يخص الإنفاق، سواءً في اليمن أو بقية البلدان الستة، حسب التقرير فإن الدعم العام للوقود والغذاء والأجور والرواتب يمثل جزءاً ضخماً من الإنفاق الحكومي، إضافة إلى كونه عبئاً على المالية العامة، يستفيد الأثرياء من الدعم أكثر من الفقراء، ويمثل هذا الدعم أكثر من 10 في المائة من إجمالي الناتج المحلي وما لا يقل عن 20 في المائة من إجمالي الإنفاق في أغلبية البلدان السبعة (باستثناء إيران التي استبدلت عام 2012 التحويلات النقدية بالدعم العام).

وحسب تقرير بيان الرقابة السنوي للحسابات الختامية للسنة المالية المنتهية في 31ديسمبر 2012، والصادر مطلع العام الماضين بلغ مستوى الدعم الحكومي في اليمن الموجه إلى المشتقات النفطية، أكثر من الدعم الموجه إلى التعليم والصحة وبقية الخدمات الأساسية بحوالي 100مليار ريال أي ما يعادل نصف مليار دولار.

فخلال العام قبل الماضي كان مبلغ المخصص للمشتقات النفطية في الموازنة العامة للدولة مبلغ 630مليار ريال، ما يعادل 3مليارات دولار، والعام الماضي تم تقليصه إلى 354مليار ريال، ما يعادل مليار ونصف المليار دولار، فيما الدعم الموجه للتعليم والصحة وبقية الخدمات الأساسية خلال العامين على التوالي كان 160مليار ريال و210مليار ريال.

وأشار التقرير الدولي إلى أن دعم الوقود والغذاء في ليبيا يتجاوز الإنفاق الحكومي الاجتماعي على الصحة والتعليم، ويزيد ما تنفقه مصر على الوقود سبع مرات عمّا تنفقه على الصحة، وكذلك يسري نفس الحال لكن بنسب متفاوتة مع بقية البلدان الأخرى التي أوردها التقرير.

الإنفاق على الرواتب

ويفيد التقرير أن حدة المشكلة في اليمن تزداد أكثر، إذ أنفق اليمن ثلث عائداته على دعم الوقود والغذاء عام 2013، والإنفاق على الأجور والرواتب تجاوز60 في المائة من إجمالي الإنفاق الحكومي باليمن، هذا مع تنامي مشكلة العجز في الموازنة العامة وبلوغها مستويات عليا، دون أن تلجأ الحكومة إلى تقليص النفقات الجارية، خارج الإنفاق العام المبوب وكذلك تقليص النفقات على مسئولي الحكومة.

وفي حين أن بعض الجهود قد بذلت لترشيد الدعم في اليمن والأردن وتونس ومصر، إلا أن ذلك الترشيد الذي عمدت إليه الحكومة اليمنية خلال أواخر شهر يوليو 2014، لم يكن مدروساً ولم يقابله تجفيف منابع السابع، أما في مصر اقترحت الحكومة الجديدة في مصر خفضاً بنحو 6 مليارات دولار في الموازنة الجديدة عن طريق خفض دعم الطاقة - فإن ترشيد الدعم يمثل مسألة شائكة في البلدان الأربعة الأخرى.

وتزداد المشكلة حدة وفق تأكيد التقرير، جراء تراجع عائدات الصادرات النفطية، في البلدان السبعة، وفي مقدمتها اليمن، إذ مازال خط أنابيب النفط معرضاً لأعمال التخريب، مما يؤثر على صادرات النفط ويؤدي إلى تراجع الاحتياطي الأجنبي للشهر الخامس على التوالي إلى 4.6 مليار دولار في مايو/آيار 2014 (ما يكفي أربعة أشهر من الواردات تقريبا) وهو أقل مستوى لها منذ يونيو/حزيران 2012.

السحب من الاحتياطي

وفي ظل هذا الوضع في بقية البلدان الستة، يدفع العجز المتنامي في المالية العامة حكومات هذه البلدان إلى السحب من الاحتياطي الأجنبي وخاصة في مصر حيث تبين أحدث الإحصاءات أن صافي الاحتياطي الدولي بلغ 16.7 مليار دولار في نهاية يونيو/حزيران 2014 أي أقل من نصف ما كان عليه قبل الثورة، واضطرت ليبيا وإيران إلى السحب أيضاً من احتياطاتها (وإن كانت ضخمة) لتمويل العجز المتنامي في الموازنة عامي 2013 و2014.

ويلفت التقرير الدولي إلى أن اليمن، ستواجه العام القادم 2015، عاماً مالياً صعباً وستضطر إلى سحب ما يفوق الثلث من الاحتياطي النقدي الأجنبي، فوق ما قد سحبته خلال العامين الماضيين، والذي بلغ وفق تقارير البنك المركزي اليمني، ما يقارب المليار والنصف المليار دولار.

وأفاد التقرير الدولي فيما يخص الوضع في بقية البلدان الستة، بأنه تشير التقديرات إلى أنه في حين تمكنت مصر من إعادة بناء احتياطيها تدريجياً بمساعدة من أموال الخليج، فإن إيران وليبيا ستسحب ما لا يقل عن ثلث احتياطاتها الأجنبية عام 2015.

ليس قطاعاً قوياً

وعلى صعيد القطاع الخاص في البلدان السبعة، قال التقرير الدولي بأن هذا القطاع ليس قطاعاً قوياً بسبب ضعف البيئة الرقابية وضعف إمكانية الحصول على الائتمان، وفي المقابل يتسم القطاع العام، بما فيه الشركات المملوكة للدولة، بالضخامة ويتمتع بامتيازات في جميع جوانب الاقتصاد ما يترك مساحة ضئيلة أمام القطاع الخاص لينمو.

ولاحظ التقرير الدولي بأن في هذه البلدان، تشير قوة المؤسسات القانونية إلى متوسط الترتيب في الحصول على الائتمان، وحماية المستثمر، وإنفاذ القوانين، وتسوية حالات الإعسار، في حين أن تعقيد الإجراءات الرقابية وتكلفتها يمثل متوسط الترتيب في بدء النشاط التجاري، واستصدار التراخيص، وتوصيل الكهرباء، وتسجيل الملكية، ودفع الضرائب، والتجارة عبر الحدود، القوانين واللوائح المرتبطة بحماية المستثمر غير واضحة وتحد من قدرته على جمع رأس المال.

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد