قراءة نقدية في المسرحية المونودرامية "ياراجويا " الأنيما والأنيموس.. الثنائية الجنسية وصراع التعلل والانتقال المونودرامي

2015-03-15 08:58:03 هايل علي المذابي


لعل أجمل تسطير لهذه القراءة هو استحضار مقطع للشاعر محمود درويش من آخر قصيدة له " لاعب النرد " إذ يقول:

أدرب قلبي على الحب،

ليتسع الورد والشوك

وأنا من أنا الآن إلا إذا التقت الاثنتان

أنا وأنا الأنثوية .. "

تطالعنا ثيمة المرآة كأول شيء نجده في مونودراما "يارا جويا" للكاتب المسرحي عادل البطوسي، والمرآة رمز يحيل إلى انقسام الوعي على ذاته إلى نصفين ويتسع أكثر من خلال المشهد التي تطالعنا به المسرحية المونودرامية إلى أكثر من ذلك فنجد يارا من خلال هذا الحديث مع المرأة تؤكد فكرة الثنائية الجنسية للإنسان ومبدأي التعلل والانتقال ومؤداها بحسب عالم النفس النرويجي "كارل يونج" أن هناك رجلاً داخل كل أنثى وأنثى داخل كل رجل وهو ذاته قول درويش الذي سطرنا به القراءة "أنا وأنا الأنثوية" فتصبح الأنيما التي تسكن الرجل والأنيموس التي تسكن المرأة وإشباعهما هما ما يحققان للإنسان التوازن في نفسه وفي واقعه وعليه فإن الصراع بحسب المسرحية وبحسب يونج بين الرجل والمرأة هو صراع عقيم لا يولد إلا المزيد من التردي والنكوص في المجتمعات كفكرة عامة تؤكدها المسرحية في بنائها وسياقها العام، وهذا يؤكد لنا علة تسمية الكاتب البطوسي لمسرحيته ووصفه لها بالمونودراما المزدوجة، بمعنى أن بنائها كما يبدو لي - على الأقل - بوعي وبدون وعي كان على هذا الأساس وبناءا على مبدأي التعلل والانتقال بين شخصية يارا وجويا اللذين كما يظهر في نهاية المسرحية ليسا سوى شخص واحد هو "جويا" الذي تسكنه الأنثى لكن توظيف هذه النظريات في المسرحية كان بطريقة ما بعد حداثية.

الأمر ذاته تطرقت إليه الناقدة القديرة والأستاذة الجامعية لارا حتّي وأوردته في بعض صفحات المسرحية المونودرامية بطريقة ممهدة وهو أن تعدد الموضوعات في مسرحية البطوسي سمة من سمات المونودراما الحداثية ومابعدها، ولا بأس أن نتفق على رأي الناقدة حّتي وهي المتخصصة في شؤون دراما ومونودراما مابعد الحداثة، للإنتقال من ثمّ إلى أمور أخرى تهتم بموضوعية المسرحية بعيدا عن بنائها والمدرسة التي ينتمي إليها، فنجد في موضع آخر أن البطوسي يجسد مأساة هاملت رائعة شكسبير في شخصية جويا كإمتداد للمأساة في مسرحية " هاملت " لشكسبير، مثلما فعل ذلك الكاتب المسرحي الكبير علي أحمد باكثير في مسرحيته "شايلوك الجديد" فكانت امتدادا لمسرحية شكسبير "تاجر البندقية" وإظهارا وقولا لما لم يقال حينها أو يظهر في زمن شكسبير وعلى لسانه، والبطوسي يفعل ذلك فتتضح لنا من قسمات الأمر ما خفي عن شكسبير مثلا في رائعته مأساة هاملت كأن هاملت مثلا كان يعاني حقا من عقدة أوديب أو كما تظهر مسرحية البطوسي عن جويا على الأقل وهذه إمتدادات مشروعة في الكتابة الحداثية وما بعدها.

ثم نجد ثيمة أخرى يتكشف من خلالها نوعية الصراع الدائر في المسرحية وكذلك البناء العام لمجمل المونودراما " يارا جويا " وهي ثيمة التمثال الذي يصنعه جويا وهذا استعارة لهيكل اسطوري واضحة تستحضر لنا أسطورة بجماليون الذي صنع تمثالا ثم عشقه فكان ذلك التمثال الذي صنعه جويا ليارا أولا ثم عشقه تأكيدا لهذه العقدة عقدة "بجماليون " وقد تناولها الكثير من الكتاب المسرحيين العالميين ولكن استعارتها في المونودراما "يارا جويا" من قبل البطوسي كان بطريقة حداثية شأنها في ذلك شأن باقي استعاراته.

وختاما أقول أن مسرحية البطوسي المونودرامية " يارا جويا " إن لم تكن قد حققت ريادة في إزدواجيتها كما يزعم عنها كاتبها فإنها قد حققت بالفعل قفزة كبيرة في فن كتابة المونودراما مابعد الحداثية، واستطاع البطوسي أن يجد لنفسه بهذه المسرحية مكانا سامقا وراقيا يضعه في مصاف أهم ما وصلت إليه المونودراما في العالم بعصرها الحديث والقديم.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد