لماذا خسر سيد المقاومة وزعيم الممانعة ؟

2009-06-14 04:07:43


كتب/ شريف عبد العزيز

في أجواء هادئة استرعت اهتمام المراقبين والمحللين السياسيين ، لبلد مشهور بالانتخابات الحامية التي لا صوت يعلو فيها علي صوت الطائفية ، جرت الانتخابات اللبنانية وأسفرت نتائجها عن فوز قوى الأغلبية المعروفة بقوى 14 آذار أو التحالف المسيحي السني ، ب71 مقعداً في المجلس النيابي ، في حين حصلت قوى المعارضة المعروفة بقوى 8 آذار أو التحالف المسيحي الشيعي علي 57 مقعداً ، أي ما يعني فوز قوى الأغلبية ، وبالتالي يكون من حقها تشكيل الحكومة وتسمية رئيس وزرائها ، وبلهجة من تجرع السم وكتم الغيظ ، أقر حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله ، بهزيمة حزبه وحلفائه في الانتخابات مع تلميحات لاتسمن ولا تغني من جوع بوقوع تزوير طفيف، وضغوط خارجية أثرت في سير العملية الانتخابية .

محاصصة الانتخابات اللبنانية

يعتمد النظام الانتخابي في لبنان علي فكرة المحاصصة الطائفية التي كان لها كلمة الفصل في العملية الانتخابية علي مر السنين منذ إقرارها سنة 1960 ميلادية ، هذا النظام العجيب يضمن لكافة الطوائف الدينية الأحد عشرة ، الحصول علي عدد محدد سلفاً من المقاعد النيابية في البرلمان ، علي الرغم من عدم عدالة هذه الطريقة في التوزيع ، فمثلاً وقد وزعت مقاعد البرلمان ال128 بالتساوي بين المسلمين و النصارى بواقع 64 مقعد لكل منهما ، علي الرغم من انخفاض نسبة نصارى لبنان إلي 35% من إجمالي السكان وفق آخر الاحصاءات، كما أن مقاعد المسلمين توزع كما يلي : 27 مقعداً للسنة ، ومثلهم للشيعة ، ويحصل الدروز علي 8 مقاعد ، والنصيريين علي مقعدين ، علي الرغم من كون الدروز والنصيريين أساساً من طوائف الشيعة ، ونسبة أهل السنة بلبنان تفوق نسبة الشيعة الجعفرية والدروز والنصيريين مجتمعين .

وبهذا النظام الطائفي المعيب يكون كل فريق من المسلمين والنصارى ، على الرغم من تفاوت النسب السكانية بينهما ، يكون كل فريق قد ضمن خمسين مقعداً ، تم حسمهم سلفاً ، قبل انطلاق العملية الانتخابية أصلاً ، وفقاً لتفاهمات الدوحة العام الماضي ، والتي كان لها دور كبير في تهدئة وتيرة الانتخابات هذه المرة ونزع فتائل إشتعالها كما هي العادة في الانتخابات السابقة ، واقتصر الصراع علي 28 مقعداً فقط ، كان جلها في المشهد النصراني المليء بالمتنافرات والتجاذبات التي صبت كما يروج لذلك كثير من المحللين لصالح قوى 14 آذار التي استفدت بشدة من الصراع المحتدم علي أشده بين العماد ميشيل عون زعيم التيار الحر ومعه حليفه الوثيق سليمان فرنجية زعيم تيار المردة ، و بين سمير جعجع زعيم القوات اللبنانية ، وحليفه الرئيس السابق أمين الجميل زعيم حزب الكتائب ، واستحالت كل أطروحات المصالحة والاتفاق بين الفرقاء النصارى .

هذه الطريقة الانتخابية جعلت أثر التدخلات الخارجية يخفت جداً هذه المرة ، فبعد انتخابات بإرادة سورية لأكثر من عشرين سنة ، ثم انتخابات أخيرة بضغوط أمريكية سافرة سنة 2005 ، جاءت الانتخابات هذه المرة هادئة خالية من مثيرات القلق والاعتراض ، وبالتالي كانت الفرصة سانحة جداً لسيد المقاومة وزعيم الممانعة أن يحقق طموحاته الإيرانية التي يبشر بها من فترة طويلة ، ولا يكاد يمر أسبوع علي لبنان حتى يخرج علينا السيد ! بخطبة أو تعليق أو مداخلة أو تهديد أو وعيد أو تهييج لنائرة الطائفية وهكذا ، حتى ظن كثير من المراقبين في الداخل والخارج أن دولة شيعية ما ستقوم في هذه البقعة الملتهبة من العالم ، فما الذي جري ، ولماذا خسر سيد المقاومة وزعيم الممانعة ؟

من خلال مراقبة الأوضاع الداخلية والخارجية للساحة اللبنانية ، وبتحليل الخطاب الإعلامي للتكتل الشيعي النصراني نستطيع أن نجمل أسباب الخسارة الصادمة لآمال الشيعة وحلفائهم وأوليائهم والمفتونين بهم في المنطقة لعدة أسباب :

أحداث 7 مايو من العام الماضي ، والتي استعرضت فيها الآلة العسكرية لحزب الله الجعفري عضلاتها علي العزل والأبرياء من سكان بيروت الغربية ذات الكثافة السنية ، في مشهد شديد الشبه بما تقوم بها العصابات الصفوية في العراق ، وذلك بنكهة طائفية فاضحة ، وحقد رافضي طافح ، لم يبق معه سوي الاعتذار و التنصل منه بأي سبيل ، ولكن سيد المقاومة يفاجئ الجميع بخطبة دفع حزبه ثمنها باهظاً ، دافع خلالها عن الجرائم المروعة التي قام بها جلادوه بحق سكان بيروت العزل ، و أعلن فيها عن اعتزازه وافتخاره بذلك اليوم ووصفه بأنه من الأيام المجيدة في حياة لبنان والمقاومة ! ولا أدري أي مجد في تخريب بيوت الآمنين وترويعهم وسفك دمائهم ، وبهذا الإعلان يكون السيد الطائفي قد أسفر عن وجهه الحقيقي ، وخلع قناعه الذي خدع به البسطاء والسذج في المنطقة ، وما أكثرهم في المنطقة ! ، وشعر اللبنانيون بخطورة الاعتماد علي هذا التيار بما يملكه من نظرة طائفية ضيقة وخطة اقصائية معدة سلفاً لإقامة دولة شيعية علي الطراز الإيراني ، ولعل هذا السبب يكون الأكبر والأهم في خسارة سيد الطائفية .

قضية خلية حزب الله التي تم اكتشافها في القاهرة وملابسات هذه القضية الشائكة التي نجحت قوى 14 آذار في الاستفادة منها ، وإظهار حزب الله و حلفائه ، بأنهم سوف يجلبون علي لبنان الكثير من المتاعب والمشكلات مع الجوار، خاصة وأن هذه القضية قد خرجت عن حيز الإقليمية ، وتم تدويلها بدخول العديد من الأطراف التي ساهمت في تأجيجها ، وزاد هذه القضية تعقيداً اعتراف سيد المقاومة ! بها وإصراره علي ذلك ، ظناً منه أن ذلك سيكسبه دعماً داخلياً كبيراً ، ولكنه قد أخطأ في حساباته خطئاً كبيراً ، إذ خاطب الرأي العام الخارجي ، في حين أهمل الأثر الداخلي لمثل هذه التدخلات التي قد تجلب علي لبنان الكثير من الويلات والمتاعب ، وذكري الدمار الشامل الذي لحق بلبنان في حرب تموز 2006 ، لم ينمح بعد من ذاكرة اللبنانيين ، الذين تهمهم سلامتهم وبلادهم أولاً ، وهذا الأمر يدل علي سذاجة السيد السياسية الشديدة، وغلبة الأفكار الثورية الإيرانية وتصدير مبادئها علي مصالح بلاده الداخلية .

البرجماتية الواضحة التي سلكها حسن نصر الله وحزبه خلال الفترة الأخيرة للانتخابات ، والتي تمثلت في تهدئة لغة الخطاب [ من جانب نصر الله فقط عكس الميشيل عون ] وخفوت صوت محور الممانعة وخطب سيد المقاومة الذي استشعر بهزيمة تلوح في الآفاق بعد سلسلة من الخطوات والقرارات والرهانات الخاطئة ، وكان لتهدئة الحرب الإعلامية بين إيران وأمريكا ، والغزل المتبادل بين البلدين ، والذي جاء في أوضح صوره بتصريح أوباما بحق إيران في إمتلاك الطاقة النووية ، دور كبير في تهدئة صوت تيار الممانعة والمقاومة ! باعتباره كما هو معروف للجميع جبهة إيرانية متقدمة في المنطقة ، وفي المقابل كان تيار الحريري الممثل لأهل السنة في لبنان يشهد صحوة سياسية ، اكتسبها الحريري الصغير ، بعد أن عركته الأيام والخطوب ، فسار علي نهج أبيه ، فأحسن استغلال المواقف الداخلية والخارجية ، وأهمها تقرير مجلة دير شبيجيل الألمانية ، والذي اتهم حزب الله بإغتيال رفيق الحريري ، فلم ينساق سعد الحريري وراء هذه الاتهامات ، وتعامل مع الموقف بحنكة كبيرة ، فلم يثبت ولم ينفي ، مما أكسبه احتراماً وشعبية كبيرة داخل لبنان وخارجها .

الدور المؤثر الذي لعبه عناد وتصلب العماد ميشيل عون تجاه خصومه من نصارى لبنان ، فقد كان العماد عون حتى وقت قريب يمثل آمال الكثيرين من نصارى لبنان ، لما له من مكانة تاريخية في المنظومة النصرانية في لبنان ، ولكنه فقد هذا الزخم الداخلي بسبب موالاته لحزب الله ، وموافقته الصريحة لعدوان 7 مايو 2008 علي بيروت وبعض مناطق الجبل ، مما جعل الناخب اللبناني النصراني يعيد النظر في اختياراته ، خاصة وأن العماد عون تعامل بمنتهي الصلف والجفاء مع خصومه ، وأهمل تقوية علاقاته مع نصر الله صفير بطريرك المارون في لبنان والشخصية النافذة المتحكمة في الصوت النصراني داخل لبنان ، فأصبح الناخب اللبناني يري في العماد عون الرجل الذي يؤثر محالفة نصر الله الشيعي علي مصالحة نصر الله الماروني ، ومما لاشك فيه أن علاقة حزب الله الشيعي مع العماد عون قد أضرت بالطرفين أيما ضرر.

ربما تكون المحاصصة الطائفية قد لعبت دورها في هذه الانتخابات ، وأفرزت وضعاً جديداً في المنطقة ، قد ينذر بانهيار منظومة محور الممانعة ، وتيار المقاومة ، ولعلنا نشهد في الأيام القادمة سقوط أحمدي نجاد في إيران ، واحتواء أمريكا للطموحات الإيرانية ، ومهما يكن فإن الطائفية هي التي أسقطت حزب الله ، وأطاحت بأحلام زعيمه الطموح حسن نصر الله .

وأخيراً فإني أتفق في الرأي مع سيد المقاومة ! في وصفه ليوم 7 مايو 2008 ، بأنه يوم مجيد في حياة لبنان واللبنانيين ، لا من وجهه نظره الطائفية المقيتة ، ولكنه يوم مجيد ، استعاد فيه اللبنانيون الوعي ، وانكشفت عنهم الحجب ، وأبصروا حقيقة سيد المقاومة ، فوضعوه في حجمه الطبيعي ، وربما كان أكبر من حجمه الطبيعي بسبب المحاصصة .

موقع مفكرة الإسلام

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد