الشرعية اليمنية".. جثة تذبح وتشرح من الوريد إلى الوريد

2019-08-14 03:16:37 اخبار اليوم / تقرير خاص

 

نجاة بصعوبة بالغة عقب إصابة كادت إن تقضي عليها وعلى سيادتها في أيلول الأسود 2014 ، فرت من صنعاء ونزيفها لم يتوقف من عدن إلى الرياض، ثم ارتمت في أحضان من أوشى باغتيالها دون إن تدرك. ويضيف آخرون، أن مشروع إنعاش الدولة اليمنية ممثلة في الحكومة الشرعية، التي كانت في حالة الموت السريري عبر منظومة التحالف، سبقها فحص دقيق لبنية وتركيب الدولة اليمنية، من قبل تلك الدول، بناء على ضرورات ذبحها وتشريحها من الوريد إلى الوريد، سعيا في تحقيق أطماعهما الجيوسياسية الذي يستدعي إضعافها وتفكيكها إلى مكونات سياسية ضعيفة. نشوة تفكيك الدولة اليمنية، من قبل بعض دول الجوار الإقليمي تعود إلى دعم المتمردين الحوثيين وحليفهم السابق في الانقلاب "علي عبدالله صالح" في أيلول الأسود 2014، وأسفر عن توقيع وثيقة السلم والشراكة التي يراها مراقبين بأنها السبب الرئيس في التهام الدولة اليمنية من قبل الانقلابيين (الحوثي _ صالح). وثيقة تسبب في التمدد الإيراني باليمن، وأسهمت في إشعال معركة لاتبقي ولاتذر في معظم الجغرافيا اليمنية، وساهمت في تطويق إيراني للسعودية من الجنوب عبر جماعة الحوثي الانقلابية، عقب تطويقها من الشمال السعودي عبر مليشيا الحشد الشعبي العراقي. تمر أيام الحرب في اليمن، ومازال مشروع تشريح الدولة اليمنية و تفكيكها من الداخل من قبل التحالف العربي مستمر، الأمر الذي سمح في ترسيخ جماعة الحوثي شمال اليمن، واسهم في بزوغ جماعات متشددة ومليشيا لاتؤمن بالدولة تنادي بالانفصال جنوب اليمن وتحظى بدعم إقليمي وخليجي، وساعد في ظهور لاعبين دوليين جدد في معادلة الحرب التي سقطت في مستنقع مشاريع التقسيم المناطقي والمذهبي.. *تكرار السيناريو

تثبت إحداث عدن الأخيرة أن المدينة وقعت تحت تأثير صفقة بيع مماثلة لتلك التي تعرضت لها العاصمة صنعاء في 21 أيلول/ سبتمبر 2014 نفذتها الأطراف ذاتها وهي دول التحالف والرئاسة اليمنية، بحسب خبراء في الشأن اليمني. فبين محاولتين سابقتين في العامين الماضيين من قبل مايعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا بالانقلاب على السلطات الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن، عملت اذرع الإمارات خلال هذه الفترة على تقويض الحكومة والحيلولة دون عودتها وعودة الرئيس عبدربه منصور هادي، إليها، لتبدو الشرعية أخيراً أضعف على صعيد السيطرة الميدانية، وفي المرة الثالثة نجحت هذه المليشيات في الانقلاب الفعلي على السلطات الشرعية وخلقت واقع جديد يضع الدولة اليمنية بين سلطتي أمر واقع مركزيتين تمثّلان انقلابي صنعاء وعدن فيما يتبقى للشرعية والسلطات المحلية الموالية لها، العواصم الثانوية، وأبرزها محافظة مأرب إلى جانب أجزاء من حضرموت وغيرها، لكنها تبدو الحلقة الأضعف على الأرض. ثلاثة أيام دامية شهدت عدن، تراجعت فيها المليشيات التابعة للانتقالي الجنوبي المدعومة إماراتيا، وكانت الغلبة للقوات الحكومية، لكن نتائج اليوم الثالث كانت حاسمة لصالح أذرع الإمارات، التي ذبحت فيها الحكومة الشرعية من الوريد إلى الوريد حسب وصف البرلماني اليمني، "عبد العزيز جباري"، ووزير الداخلية "أحمد الميسري". هذه الأحداث، المتسارعه في العاصمة المؤقتة يمكن فهمها، من زاوية التقارب الإماراتي الإيراني، التي انعكست سلبا على المشهد الجنوبي، من جهة، ويمكن إن تقرا من زاوية مع الترتيبات الدولية، الموازية للتقارب بين أبوظبي وطهران، والتي تسعى لإعادة صياغة المشهد الجنوبي، المحضرة لها مسبقا والتي اختمرت أركانها، عقب الانقلاب الإماراتي في عدن، من جهة أخرى. انقلاب يندرج في سياق استدارة سياسية باشرتها أبوظبي قبل فترة، من خلال توقيع اتفاق أمني مع إيران، وإحياء خطوط تواصل مع المتمردين الحوثيين والانسحاب من اليمن الذي مهد لإنجاح انقلاب اذرعها من دون تحمل المسؤولية المباشرة. *التواطؤ السعودي

بحسب مصادر صحفية، فأنه من الخطأ الظن بأن الرياض كانت غافلة عن الخطوة الإماراتية في الانقلاب على السلطات الشرعية وإسقاط العاصمة المؤقتة عدن، أو أنها لم تتواطأ على إنجاحها حين لزمت الصمت المطبق طوال أربعة أيام، والتي كانت كافية لكي تستكمل ميليشيات الانتقالي الجنوبي زحفها على القصر الرئاسي، وتجبر حاميته على الاستسلام. في عبارة أخرى، كانت السعودية تتيح للإمارات فرصة استرداد بعض أثمان مشاركتها في التحالف عن طريق إرساء نفوذ بعيد المدى في الجنوب اليمني، لعله أيضاً يمكّن الشريك السعودي من إيجاد فرصة مقبلة لابتلاع الشمال اليمني. أن مخطط إسقاط عدن وإخراجها من تحت نفوذ وسيطرة السلطة الشرعية، يمثل التجلي الأكثر وضوحاً للسياسة السعودية التي تسير في تناسق وتناغم تام مع الإستراتيجية العبثية التشطيرية لدولة الإمارات جنوب اليمن. يرى "أرنست خوري" مدير تحرير "العربي الجديد"، أن النوايا السعودية تسعى إلى تسليم جنوب اليمن للإمارات، تمهيداً لإيجاد صيغةٍ تعطي الشمال للحوثيين بشروط سعودية تضمن أمن المملكة وحدودها الجنوبية، بما يُخرج الرياض من مستنقع لا أفق عسكري يوحي بإمكانية حسمه لمصلحتها، وبما يؤدي إلى ربط نزاعٍ مع إيران أو هدنة طويلة الأمد بالواسطة الحوثية إحياءا لتحالف الرياض ــ صنعاء في عهد الإمامة. وفق فرضية المؤامرة، يكون انقلاب أتباع الإمارات متفقاً عليه بين أبوظبي والرياض، بعيداً عن موجباتٍ تفرضها الدبلوماسية، كضرورات إظهار الدعم السعودي للحكومة في كل حين، ورفض كل ما من شأنه "الإخلال بشروط الحرب ضد الانقلاب الحوثي". الكاتب والمحلل السياسي " ياسين التميمي" يرى أن مخطط إسقاط عدن وإخراجها من تحت نفوذ وسيطرة السلطة الشرعية، مثل التجلي الأكثر وضوحاً للسياسة السعودية التي شكلت طيلة السنوات الأربع الماضية غطاء للسلوك الإماراتي الأكثر وقاحة وصلفاً خصوصاً في الساحة الجنوبية، وبقيت معه محل أمل ورجاء من معظم اليمنيين. فقد كان رهان الجميع منعقدا على القوات السعودية في منع الانقلاب المسلح الذي قامت به المليشيا الانفصالية على السلطة الشرعية، لكن السعودية هي التي قامت في آخر المطاف ورغم وصول تعزيزات عسكرية تابعة لها إلى عدن، بتسليم قصر المعاشيق للانفصاليين، وتأمين خروج ما تبقى من وزراء الحكومة في عدن وكلهم من أبناء المحافظات الجنوبية، ليتحول الأمر إلى دورة تسليم وتسلم كاملة الأركان، وليُفرضُ واقعٌ جديدٌ في عدن عنوانه الانقلاب على السلطة الشرعية. إلى ذلك كشفت إحداث عدن عن عدوان مبطن وتآمر قذر للانقلاب على الشرعية في عدن"، احرق أوراق المملكة العربية السعودية في اليمن مع الجميع وعرض علاقتها مع اليمنيين للقطيعة. معادلة قد تنعكس على مهمة التحالف الذي تقوده وتزيد من صعوبتها في إضعاف قبضة المتمردين الحوثيين على البلاد إذ يسيطرون حاليا على العاصمة صنعاء وأغلب المراكز الحضرية.

*شرعنه سعودية

 

مع ذلك الواقع الذي فرضته أذراع الإمارات في العاصمة المؤقتة عدن، حاولت المملكة امتصاص غضب الشارع والحكومة اليمنية، وذر الرماد في العيون، من خلال صيغ دبلوماسية، تسعى إلى شرعنه الانقلاب الإماراتي في عدن، من خلال إجبار الحكومة اليمنية بالجلوس على طاولة الحوار مع الانقلابيين في عدن. فعقب الانقلاب الإماراتي في عدن عبرت الرياض عن قلقها البالغ لتطور الأحداث العسكرية في عدن، مؤكدة أنها تتابع التطورات، داعية إلى تغليب صوت العقل ووقف الفتنة. وقال مصدر مسؤول بوزارة الخارجية السعودية، إن بلاده وجّهت دعوة للحكومة اليمنية ولجميع الأطراف التي نشب النزاع بينها في عدن، لعقد اجتماع عاجل في المملكة، لمناقشة الخلافات وتغليب الحكمة والحوار، ونبذ الفرقة ووقف الفتنة وتوحيد الصف، للتصدي لميليشيا الحوثي المدعومة من إيران. في المقابل، بالتزامن مع النجاح الذي حققه الانتقالي الجنوبي في عدن، كثفت الدبلوماسية السعودية من جهودها السياسية في سبيل جمع المتصارعين في عدن (الحكومة اليمنية_ الانتقالي الجنوبي) فقد التقى الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، في الديوان الملكي بقصر منى، لبحث مستجدات الأوضاع في عدن. وفي وقت سابق ، وصل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، إلى جدة بالسعودية (في زيارة غير محددة المدة) بالتزامن مع تصاعد الأوضاع في عدن اليمنية. وبحث ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، مع العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان، مجمل الأوضاع على الساحة اليمنية.

*هيكلة الدولة

بحسب تسريبات حصلت عليها صحيفة "أخبار اليوم" من مصادر خاصة فأن المساعي السعودية لبحث المستجدات التي طرأت على المشهد الجنوبي، تسعى إلى خلط الأوراق الحكومية وتمهد لصيغة تشرعن بها الانقلاب الإماراتي في عدن، ومنحها فرصة اكبر للسيطرة على باقي المحافظات الجنوبية. هذه المساعي بحسب المصادر تكرر تجربة الانقلاب الحوثي في أيلول سيتمر 2014، وتستنسخ اتفاق "السلم الشراكة" الذي مكن الجماعة الانقلابية من السيطرة المطلقة على القرارات الإستراتيجية في الحكومة في ذلك الوقت. إستراتيجية سعودية ليست بمعزل عن التفاهمات الإماراتية الحليف الخليجي الأقوى تهدف، إلى إشراك اذرعها في الانتقالي الجنوبي في الحكومة اليمنية، بحكم امتلاكهم للقوة في العاصمة السياسية للدولة. الترتيبات السعودية الإماراتية تسعى إلى إحداث اختراق في الحكومة اليمنية من خلال منح أعضاء في الانتقالي الجنوبي من 4 إلى 5 وزارات في الحكومة تنتهي باختراق بعض الوزارات السيادية (الداخلية _ الدفاع). المصادر قالت لصحيفة " أخبار اليوم" في حال تمكن اذرع الإمارات من السيطرة على وزارة الدفاع فأن النوايا المبطنة للرياض وأبوظبي تسعى إلى هيكلة شاملة لقوات الجيش الوطني. الأمر الذي يبرهن ما كشف عنة موقع "عربي21" في يوليو 2019 ، عن ترتيبات تجريها السعودية مع قيادة الجيش الوطني وسط ضغوط تمارس على الأخيرة لإحداث تغييرات داخل قواتها بحسب مصدر عسكري يمني. الموقع قال إن ترتيبات عسكرية تقوم بها الرياض مع قيادة الجيش، وإن اجتماعات مكثفة عقدت في محافظة مأرب على مستوى القيادات العسكرية في وزارة الدفاع. وتابع: "عقدت لقاءات أخرى بين قيادة الجيش اليمني مع قائد القوات السعودية التي تسلمت ملف العمليات العسكرية من القوات الإماراتية بعد إعلان انسحابها في وقت سابق . وأكد أن هناك توجها سعوديا لدعم جبهات القتال التابعة للقوات الحكومية ضد الحوثيين بأسلحة وعتاد حربي. وأشار المصدر إلى أنه مقابل هذا الدعم لقوات الجيش، فإن هناك ضغوطا تمارس على قيادة الجيش للإطاحة بعدد من قادة الألوية والمناطق العسكرية وتعيين أخرى تحظى بقبول لدى السعوديين. وبحسب المصدر ذاته فإن القيادة العسكرية اليمنية بينها الفريق الركن علي محسن الأحمر، تقبل على مضض إملاءات المملكة، رغبة منها في تحريك ملف العمليات العسكرية ضد المتمردين الحوثيين تمهيدا لحسم المعركة ضدهم، على حد قول المصدر.

*الخلاصة

قد لا يكون دقيقاً اعتبار الوضع الذي آلت إليه عدن بعد سيطرة الانفصاليين، حالة خرجت من أيدي الشرعية على غرار صنعاء، إذ إن تقييم الواقع ما يزال مرهوناً بالسيناريوهات التي ستؤول إليها نتائج المساعي السعودية في هذا الشأن؟ لكن الحساب الدقيق لنتائج الانقلاب ألإماراتي في عدن يدل على إن الكاسب الأكبر من هذه المعادلة هي جماعة الحوثي الانقلابية باعتبارها ضربة قاصمة للشرعية، وانكشافاً غير مسبوق للتحالف السعودي الإماراتي وأهدافه التي تدعم في الواقع تمزيق البلاد بدلاً من "دعم الشرعية والوقوف ضد الانقلاب" بحسب أدبيات 26 مارس/آذار 2015. ومن المفارقات أن التحالف ذاته وبصدارة إماراتية اقتفى أثر الحوثيين بالانقلاب ضد الشرعية في العاصمة الثانية. واذرع الإمارات في اليمن (الانتقالي الجنوبي) في حال أفضت نتائج المساعي السعودية بتمكينهم من بعض الوزارات في الحكومة اليمنية، الذي من الممكن أن ينتهي بالسيطرة الكاملة أو الجزئية بشرط الحفاظ على الوزارات السيادية (الدفاع والداخلية). أما الخاسر الوحيد من هذه المعادلة فهي الحكومة اليمنية التي تضمحل آخر معاني سيادتها جراء وثن الصمت الذي أصبح صنماً معبود تبجله آنَاءِ الانقلاب الحوثي، وإعقاب الانقلاب الإماراتي. في الأخير ترى صحيفة القدس العربي، أن " هذه الأحداث تظهر تصارع ثلاث قوى إقليمية على الكعكة اليمنية، وبعد التحالف السعودي ـ الإماراتي العتيد، بدأت لعبة تدوير الكراسي والأوراق بين هذه الأطراف الثلاثة، بينما تضمحل آخر معاني السيادة اليمنية، وينوء الشعب اليمني تحت وطأة الاستعراضات العسكرية الإماراتية والصواريخ الحوثية والطائرات السعودية.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد