في ظل تقلبات المزاج السياسي للرياض ومواقفها الضبابية

قراءة في مستقبل العلاقات اليمنية السعودية بعد "حوار جدة"

2019-10-28 06:55:17 أخبار اليوم/ تحليل خاص

 

منعطف جديد يتجه نحوه المستقبل الجيوسياسي لليمن في ظل علاقة يمنية سعودية يبدو أنها تسير إلى مجهولٍ يكتنفه كثيرٌ من عدم التفاؤل في ظل المواقف الملتبسة التي وسَمَتْ السلوك السياسي للمملكة العربية السعودية في التعاطي مع الازمة اليمنية والحكومة الشرعية المغلولة عن ممارسة صلاحياتها كسلطة معترف بها دوليًا.

ملفات كثيرة طرأت مؤخرًا في الجدول الزمني للأزمة اليمنية، يشوبها غياب التنسيق وتنافر الطرائق والأهداف بين الحكومة الشرعية والتحالف، وتحديدًا من جانب الرياض التي طالما اُعتُبِرَتْ ألطف جانبًا وأقرب إلى الشرعية من حليفتها المارقة (الإمارات) التي يبدو أنها نقلت عدواها بالتأثير على سياسية الرياض في إدارة الازمة اليمنية التي اعتاصت حلولُها على سمع التحالف وبصره.

* ما بعد حوار جدة

حوار جدة وما أسفر عنه من مخرجات تجافي المرجعيات التي تواصت عليها القوى الوطنية، بدتْ في نظر بعض المراقبين استهلالا لمرحلة من عدم التوازن في مستقبل العلاقة بين الرياض وحكومة اليمن الشرعية.

أما الصيغة التي تمخض عنها "حوار جدة" الذي خوَّل بموجبه الكيان الانفصالي الموالي للإمارات _إلى جانب فصائل جنوبية أخرى موالية للشرعية_ الحق في تقاسم السلطة مع الرئيس هادي، دون ضامن مؤكد من قبل التحالف يلزم المنقلبين عليها بديمومة الامتثال لما تم التوافق عليه خلال مباحثات جدة.

الخطير في هذا أن الفصائل المسلحة الموالية للإمارات أكسبها الاتفاق شرعية لم تكن في متناولها سابقًا، وعلى هذا فإن أي تمرد محتمل قد تقوم به مستقبلا ضد الشرعية سيكون مختلفا عن السابق بما سيمنحها الاتفاق من امتيازات، كما سيرفع سقفها التفاوضي في المرة المقبلة، علمًا أن احتمال عودة وكلاء الإمارات إلى عقوقهم السياسي تجاه السلطة الشرعية مرة أخرى واردٌ لا محالة، والمؤسف أنه سيكون من داخلها هذه المرة.

ورغم حتمية التبعات الكارثية على مستقبل اليمن الذي لم يستعد دولته بعد من بين مخالب الانقلاب الحوثي، يجري إرهاق الحكومة اليمنية وشغلها بالأعراض الجانبية الناجمة عن فشل التحالف في إدارة الحرب والانجراف بعيدًا وراء بسط النفوذ وتقاسم غنيمة الحرب التي ظن اليمنيون أنها جاءت لاسترداد دولتهم.

الأمر الآخر الذي يعد تفريطًا جليًا من جانب الشرعية يتمثل في قبولها حضورًا رمزيا في العاصمة المؤقتة، ذلك أنه في الوقت الذي لا يسمح فيه للجيش اليمني بالقيام بمهامه في عدن، وهو ما يجعل أي وجود للحكومة الشرعية في العاصمة المؤقتة وجودًا رمزيًا ومكافأة مجانية وغير مستحقة للمنقلبين عليها ستدفع ثمنه لاحقًا، كما أن هذه الثغرة لا يمكن سدها بمبررات إحلال قوات سعودية محل القوات الإماراتية التي قيل إنها انسحبت من عدن قبل أيام، حتى في حال سلّمنا _جدلًا_ بهذه الحُجَّة فهي لا تعدو كونها خصمًا من سيادة الشرعية واقرارًا بقلة حليتها داخل الاطار الهزلي للاتفاقية المعطوبة وغير المتكافئة.

وتجدر الإشارة إلى أن المملكة تسلّمت رسمياً، خلال الأيام الماضية، الملف الأمني والعسكري في مدينة عدن جنوب اليمن، تنفيذاً لاتفاق جدة الذي رَعَتْه المملكة، حيث عزّزت السعودية وجودها العسكري المحدود في عدن العاصمة المؤقتة للحكومة الشرعية، عن طريق استقدام قوات ومعدّات وآليات إلى قصر "المعاشيق" حيث توجد قوات تابعة للمملكة منذ عدة أشهر، وتعد هذه التعزيزات وفق بعض المصادر الدفعة أولى من تجهيزات سعودية لإقامة قاعدتين لقوات التحالف في عدن، مع أنباء تحدثت عن وصول قوات سودانية برفقة ضباط وعسكريين سعوديين. 

حيث من المقرر أن تحل القوات السعودية محلّ القوات الإماراتية التي أخلت مطار عدن وميناء الزيت بعدما حوّلته إلى ميناء عسكري لها على مدى ثلاث سنوات، وسلّمت الرياض مقرّ قيادة التحالف في مديرية البريقة، كما انسحبت من قاعدة العند العسكرية في محافظة لحج.

أما السجون السرية الإماراتية في عدن، والتي يبلغ عددها قرابة 12 سجناً، فلا يزال يكتنف مصيرَها الغموضُ حتى الآن، في ظلّ تصاعد المطالب بسرعة الإفراج عن المئات من الجنوبيين المعتقلين من قِبَل القوات الموالية للإمارات خلال الأعوام الماضية.

* مكافأة المتمردين

الفخ الذي وقعت فيه الشرعية في الرضوخ للحوار مع الانقلابيين الانفصاليين والاصغاء إلى شروطهم، لا يُعفي السعودية من مسؤوليتها إزاء التمرد الذي تصرفت حياله بلا ردة فعل تحسب لصالحها، كما لوكان خلافًا عارضًا بين مكونات الشرعية، وليس تمردًا ليس من حقه أن يكافأ بنصف الحكومة بعد شهر ونصف من الانقلاب عليها وطردها من عدن بصورة مذلة، لذا كان المنحى الذي اتجهت صوبه الرياض في التعامل مع الانقلاب في عدن سلبيًا ويناقض مزاعم حماية البلاد من العبث، في الوقت الذي تدعو فيه العابث إلى تقاسم الطاولة مع حكومة تقتطع جزءًا من سيادتها، بينما كان من المفترض ألّا تحذو حذو حليفتها المارقة في رعاية الكيانات المناهضة لمشروع الدولة والمصالح الوطنية الجامعة، كما تفعل الإمارات.

* تشكيلات عسكرية خارج الشرعية

سير السعودية على خطا شريكتها في التحالف لم يكن فقط في الاحتفاء بالقوى الطارئة على المشهد، إنما أيضًا على مستوى تشكيل ألوية عسكرية من خلفيات سلفية في معظمها، لا تتبع الجيش الوطني ولا تدين بالولاء للحكومة الشرعية، كما هو حاصل في مناطق من صعدة وحجة، في مهمة الدفاع عن الحد الجنوبي للملكة. مع الإشارة أن تلك القوات تعرضت قبل أسابيع لخذلان من جانب السعودية كان سببًا في وقوعهم فريسة للحوثيين خلال العملية التي أُطلق عليها الانقلابيون "نصرٌ من الله" وقع خلالها مئات الجنود من تلك التشكيلات العسكرية أسرى في يد الحوثيين دون أن تتحرك المملكة لإنقاذ من يحمون حدودها.

ورغم الدور الذي لعبته السعودية في بناء الجيش الوطني الشرعي الذي يرابط حاليًا في مختلف الجبهات، يبقى هذا الدور محدودًا فيما يتعلق بامتلاك السلاح الثقيل بالمقارنة مع جسامة الدور المناط به في مواجهة الجماعة الانقلابية، ناهيك عن القيود المفروضة على الجيش وهامش التحرك المسموح له به في بعض الجبهات كما هو الحال في جبهة "نهم" التي تعد البوابة الشرقية للعاصمة صنعاء، والتي أوقف التحالف التقدم فيها منذ عامين بعد أن كان الجيش الوطني أوشك على تحريرها بالكامل بصورة قد تغيِّر كثيرًا من واقع المعادلة الميدانية. 

الأمر نفسه حدث في بعض الجبهات في الساحل الغربي ومناطق غرب محافظة حجة، التي ما يزال التقدم فيها محدودًا لا يتعدى الوصول إلى خطوط معنية يرسمها التحالف كنقاط تماس مع مناطق الانقلابيين الحوثيين، في الوقت الذي تؤكد فيه قيادات من الجيش الوطني قدرة قوات الشرعية _وبالإمكانيات التي لديها_ التقدم إلى أبعد من ذلك. 

* الخلاصة

في الخلاصة، هناك مآخذ كثيرة على السعودية فيما يتعلق بتأجيل الحسم ضد الانقلابيين الحوثيين، الذي يبدو أنها شطبته من أولياتها من الأساس، حسب ما تؤكده التسريبات بشأن تنسيق من تحت الطاولة يجري بين الرياض والانقلابيين الحوثيين للترتيب لمباحثات مشتركة لإنهاء الحرب في اليمن بعيدًا عن الشرعية، ما يعني أن السعودية أصبحت أكثر تقبلا لفكرة بقاء الحوثيين كسلطة أمر واقع يمكن ربط جسور تفاهم معها، على نحوٍ يمنح الحركة الانقلابية وزنًا سياسيًا يفوق طموحاتهم.

ومن المهم التأكيد أن ما يكمن اعتباره فشلا من جانب التحالف العربي الذي تقوده السعودية في حسم المعركة مع الحوثيين لا يعني أن الحوثيين أقوياء أو أن التحالف ضعيفًا، ولاسيما أن هناك فارقا ضوئيًا بين القوة العسكرية والإمكانيات التي يمتلكها التحالف بالمقارنة مع ما تمتلكه جماعة مسلحة تقود حرب عصابات شبه تقليدية، لكن الأشكال يكمن في التحالف الذي تقوده المملكة الذي كرس تركيزه طوال الفترة السابقة في اللهاث وراء أجندات بعيدة عن الهدف الرئيس الذي تدخل التحالف من أجله في اليمن، وهو دحر الانقلاب وإعادة الشرعية إلى البلاد، وهو ما لم يتحقق حتى الآن. يحدث هذا في الوقت الذي كان بمقدور المملكة وحلفائها تحقيقه خلال أشهر فقط، وبأقل الخسائر، لولا أن جديتها في هذا الموضوع لم تكن موجودة على ما يبدو منذ البداية.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد