التقارب بين الرياض والحوثيين على إطلال الشرعية اليمنية

2019-11-20 00:11:32 أخبار اليوم/ تقرير خاص

 

على إطلال الشرعية اليمنية، تتغير قواعد الحرب وتكتيكات اللعب بين سماسرة الحروب، الذين أعادوا ضبط مؤقت الحرب، لأجل غير مسمى، من خلال ما يعرف "باتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية وأذرع الإمارات، كواقع جديد وانعكاس لخاتمة الحرب التي تصاغ لمساتها الأخيرة على خارطة الصراع بالوكالة في اليمن.

مؤخرًا وقّعت حكومة الرئيس/ عبد ربه منصور هادي، في اليمن وما يعرف بالمجلس الانتقالي الجنوبي، وهو حركة انفصالية، اتفاقاً في العاصمة السعودية لتقاسم السلطة يُعرف باسم "اتفاق الرياض". توسطت المملكة السعودية في الاتفاق، في خطوات متوازية مع جهودها لتخفيف حدة الصراع عبر الحدود مع المتمردين الحوثيين والحد من الضربات الجوية في اليمن. وأوقف الحوثيون جميع الهجمات على المملكة، وتفيد التقارير أنه يجري الآن مناقشة مبادرة أوسع للحد من التصعيد بين الحوثيين والسعوديين تشمل تسوية سياسية وعسكرية شاملة.

مثّل اتفاق الرياض محاولة سعودية إماراتية لتحسين سياساتهما الكارثية في اليمن منذ خمسة أعوام، إذ تحاول الدولتان أن تصدّرا للمجتمع الدولي صورة بأن تدخلهما العسكري انتهى باستقرار جنوبي اليمن.

الإستراتيجية السعودية الإماراتية جاءت لتخفيف الضغوط الدولية والهجمات الحوثية والإيرانية التي تتعرض لها مدنها، للنجاة من دمار كبير أصبح يفرضه حلفاء طهران عليها.

ويقول التحالف إن تدخله العسكري في اليمن يهدف إلى دعم السلطة الشرعية، والتصدي للسياسات الإيرانية في اليمن..

التحول الملحوظ، في السياسة السعودية والإماراتية، تجاه إيران جاء على حساب استئصال ماتبقى من كيان مُهْتَرِئٌ للشرعية اليمنية، من خارطة النفوذ السياسي والعسكري في الجنوب اليمني، وأحالت وجودها إلى العدم وأزهق روحها، بفرض "سياسية أمر واقع" مصبوغة بنكهة انفصالية وتشطيرية، في الجنوب اليمني، وطائفية في الشمال، كقرابين لذلك التقارب المحرم.

سيناريوهات التحولات الإستراتيجية، التي عملت بتناغم وتبادل في الأدوار، بين الرياض وأبوظبي، لتشريح الحكومة الشرعية، بدأ مع رعاية الأخير للانقلاب العسكري على السلطات الشرعية في العاصمة المؤقتة عدن في العاشر من أغسطس.

بعد ذلك عملت السعودية على شرعنه هذا الانقلاب الدموي برعايتها لـ "اتفاق الرياض" الذي لم يطبق بنده الأول بعد انقضاء حوالي نصف شهر من توقيعه مع حلفاء الإمارات (الانتقالي الجنوبي).

التسوية مع الحوثيين

بعد توقيع "اتفاق الرياض" بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، كسرت المملكة العربية السعودية- التي رعت الاتفاق- طوق المحظورات باعترافها إجراء اتصالات مع المتمردين الحوثيين الذين تقاتلهم منذ عام 2015، حيث قال مسؤول سعودي بارز: "لدينا قناة مفتوحة مع الحوثيين منذ عام 2016 ولم يعط المسؤول، أي تفاصيل إضافية حول طبيعة الاتصال.

تكشف شواهد اللحظة، أن السعودية- ومن خلفها الإمارات- عملتا- من خلال اتفاق الرياض- على ترحيل المشكلات مؤقتاً، وفتحت أبواب صراع أخرى، وساهمت في زيادة إضعاف الحكومة اليمنية، بحشرها بين مليشيات مناطقية، انفصالية تمولها الإمارات، وجماعة طائفية موالية لإيران.

ففي حين كانت الأنظار موجّهة إلى اتفاق الرياض، كان ممثّلو الحوثيين في السعودية وسلطنة عُمان يتفاوضون على اتفاق سلام مع السعوديين من دون مشاركة حكومة هادي. ومن شأن هذا الاتفاق أن يمنح الحوثيين اعترافاً بهم في موقع السلطة السياسية الأساسية في الشمال، مقابل توقّفهم عن شن هجمات على السعودية.

الترتيبات السعودية سبقها تمهيد إماراتي، فقد قال وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات/ أنور قرقاش، إن للحوثيين دورٌ في مستقبل اليمن، متوقعاً أن يتحول اتفاق السلام بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي إلى نقطة انطلاق لحل شامل ينهي الحرب في البلاد.

وبدت التصريحات الإماراتية، بشأن دور الحوثيين في مستقبل اليمن ليست معزولة عن تصريحات وخطوات سعودية ودولية أعقبت "اتفاق الرياض".

فقد زار نائب وزير الدفاع السعودي الأمير/ خالد بن سلمان- 12 نوفمبر 2019- سلطنة عمان الجار الشرقي لليمن..

 وجاءت الزيارة بالترافق مع التسريبات المثارة بشأن حوارٍ جارٍ بين السعودية وبين الحوثيين، الذين يتواجد وفدهم المفاوض برئاسة المتحدث الرسمي للجماعة/ محمد عبدالسلام، في مسقط منذ شهور طويلة..

وفي السياق ذكرت مصادر غربية أن مشاورات مباشرة بين الحوثيين والسعوديين مستمرة في مسقط منذ أسابيع، من أجل التوصل إلى اتفاق، وتقدم السعودية هدنة مؤقتة فيما يطلب الحوثيون حلاً شاملاً يوقف الحرب والغارات الجوية. وتباطأت الغارات بالفعل منذ سبتمبر/أيلول على مناطق الحوثيين.

وكشفت مصدر سياسي مطلع لوكالة الأناضول التركية، أن سلطنة عمان ترتب للقاء بين ابن سلمان ووفد الحوثيين المشارك في مشاورات السلام، التي ترعاها الأمم المتحدة، والذي يرأسه المتحدث باسم الجماعة، محمد عبد السلام، لكن الأمر يبقى في سياق الترتيبات فقط حتى اللحظة.

وأضاف المصدر- الذي طلب عدم كشف هويته- إن «السلطنة تقود جهودًا كبيرة لإبرام اتفاق بين السعودية والحوثيين، ضمن جهودها للوصل إلى تقارب إيراني إماراتي سعودي.. هناك ترتيبات كبيرة تدفع بها الأمم المتحدة وبريطانيا، بينها اتفاق سعودي حوثي».

وتوقعت المصادر، أن هذه الصفقة (اتفاق الرياض) في الجنوب اليمني بين الحكومة واذرع الإمارات، مهدت لصفقة ممكنه مع الحوثيين في الشمال.

انعكاسات التقارب

تفيد تسريبات إعلامية أن المتمردين الحوثيين تقدموا بعرض يضمن التزامهم السياسي بقطع العلاقة مع طهران وتأمين الحدود ووقف استهداف المنشآت السعودية ووقف المعارك على الحدود مع المملكة، في مقابل الدخول بشكل أو بآخر، تحت مظلة اتفاق الرياض، والعودة ليصبحوا جزءا من السلطة مع طلب مقدم للمملكة لوقف العمليات العسكرية، وطي صفحة الرئيس هادي.

على صعيد متصل يقرأ بعض الساسة اليمنيين هذا اللجوء السعودي، بالتقارب مع الجماعة الحوثية، من زاوية التأكيد على تقسيم اليمن، وفشل للحرب التي شنتها الرياض في اليمن منذ مارس/آذار 2015 التي كان أبرز أهدافها استعادة حكومة الرئيس/ عبد ربه منصور هادي.

وبحسب أستاذ الفلسفة في جامعة صنعاء "معن دماج"، فإن التسوية بين الطرفين قد تكون غير ممكنة، والتصور الأقرب تحقيقه سيكون في إحداث تهدئة على الحدود وتحويل الحرب بالكامل إلى حرب داخلية في اليمن، مما يفاقم من مخاطر تقسيم البلاد.

وقال إن تقسيم البلاد سيتم فرضه كأمر واقع من دون تقسيم رسمي، إذ أنه لا توجد أي قوى وطنية قد تقف أمام ما يحدث.

من جانبه يقول الصحفي "عادل دشيلة" إنه "لم يحدث في التاريخ أن دولة تشن حربًا ضد دولة أخرى تحت مسمى دعمها إلا في اليمن، حيث يقول التحالف العربي إنه جاء لدعم الحكومة اليمنية ولكنه أضعفها ويقاتلها".

أما الناشط اليمني "منيـــر المـحجـــري"، فيرى أن من مفارقات القدر أن إيران لم تعد تسعى لإخضاع اليمن، وإنما السعودية والإمارات من تسعيان لتركيع اليمن في محاربة إيران عبر تفكيك الشرعية وإضعافها وصولاً لتمكين أدواتها في الجنوب ( مليشيات الانتقالي) وتمكين أدواتها في الشمال (مليشيات الحوثي.

ويضيف إن إيران لم تعد بحاجة للصرف على أدواتها في اليمن فــ الإمارات تصرف على أدوات إيران في الجنوب باسم الانتقالي والحراك الجنوبي و السعودية عما قريب ستصرف لأدوات إيران بالشمال بذريعة قطع علاقتهم بإيران.

الصحفي اليمني "عبدالرقيب الهدياني" أشار إلى أن الظروف مواتية لانجاز اتفاق أكبر مع الحوثيين وإنهاء الحرب.

وأضاف الهدياني إن صانع القرار السعودي يعتقد أن المرحلة توحي بثورات شعبية ضد إيران ومحورها في العراق ولبنان وبالتالي يجب احتواء الحوثي.

ترسم مجمل التطورات، عن قدرة سعودية في إحداث اختراق سياسي، عبر اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانتقالي الجنوبي، يمكنها- على المنظور القريب من خلاله إلى التوصل النهائي للحرب في اليمن عبر التقارب مع المتمردين الحوثيين- وإنها المعركة، بما لا يفقدها ماء وجهها أمام الرأي العام المحلي والعربي والدولي.

السطو على قرار

استطاعتا السعودية- من خلال اتفاق الرياض الموقع عليه من قبل الحكومة اليمنية- من انتزاع معظم صلاحياتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، وأعطت بموجبه السعودية حق التحكم بإدارة اليمن، بالتجاوز الأمر إلى السطو على قرار اليمنيين.

وتحاول عبر اتفاق الرياض من حصر تطلعات اليمنيين، وسلب حقهم الحصري في قرار إيقاف الحرب والسلم، من خلال خلق حكومة يمنية جديدة أكثر تمثيلاً له والتي ستبصر النور نتيجةً للاتفاق.

وستعمل الرياض من خلال تلك الحكومة على إضافة بعض المسوغات القانونية، التي تمنحها المحافظة على هامش تحركها في تقاربها مع المتمردين، وزخرفة ذلك السلام الملغوم بمباركة الحكومة المقبلة، لاحتواء الشارع اليمني.

خيارات الشعب

يقرأ الشارع اليمني انعكاسات التقاربات السعودي الحوثية الأخيرة، من زاوية عدم التعويل الحكومي على التحالف العربي في إعادة شرعيته باليمن، وإنهاء الانقلاب الحوثي.

ويرى البعض أن قضية استعادة الدولة ستكون "استحقاقاً لا يمكن التنازل عنه، وقد تتحد القوى الوطنية في مواجهة الواقع الجديد" المفروض من قبل السعودية والإمارات الذي تمخض من اتفاق الرياض.

البعض الأخر يرى أن "الشرعية اليمنية لا يمكن أن يُقرِّر مصيرَها الأطرافُ الخارجية حتى المملكة، ومن المستبعد الإقرار بسلطات الأمر الواقع التي تنهج سلوك تبعي لبعض الدول الإقليمية.

ويضيف آخرون، أن الحوار المرتقب لن يكون مدخلاً لتحقيق السلام في البلاد، بقدر ما سيُفضي إلى تطورات خطيرة وجولة عنف من الصعوبة توقُّع تداعياتها"، ويجب التصدي لها قبل تفشيها في البلاد، مضيفا أن قرار إيقاف الحرب وقرار السلم يمني مهما حاول التحالف استلابه.

ترتيب أوراق

في موازاة ذلك شدد سياسيون أن على قيادة الشرعية، العمل على ترتيب وضعها ووضع الحكومة والجيش، على أساس استمرارها في معركة استعادة الدولة وإنهاء الانقلاب الحوثي ومواجهة الجماعات المسلحة دون التعويل دعم دول التحالف بقيادة السعودية التي باتت تتجه نحو إقامة اتفاق سلام مع جماعة الانقلاب الحوثي.

مؤكدين بأن السلام مع جماعة الحوثي لا يمكن أن يتم إلا بعد استعادة كل أسلحة الدولة المنهوبة وقبول الجماعة بالتحول إلى حزب سياسي ، ودون ذلك فهو سلام زائف مخادع يستهدف الدولة اليمنية ووحدتها ويشرعن للجماعات المسلحة في اليمن ويهدد وجودية الدولة.

ويحذر مراقبون من تجاوز الشارع اليمني لقرارات الشرعية، هذه المرة، خاصة أنها تقبع تحت الوصاية السعودية عقب اتفاق الرياض، والخروج عن السيطرة التي لم تسلم منها المملكة نفسها، والتي ستجد نفسها في مواجهة مباشرة ليس فقط مع جماعة صغيرة بل مع شعب بكامله.

في الأخير تعد المعركة مع الجماعة الحوثية، وبعض المليشيا المناطقية معركة شعب، بوجود التحالف بقيادة السعودية أو بدونها، لاستكمال بناء الدولية اليمنية.

وهو ما تستطيع الحكومة اليمنية الرهان عليه في معركة الوجودية في البقاء، بمساندة قوات الجيش الوطني ووالمقاومة الشعبية، التي كانت السباقة في التصدي للمشروع الحوثي قبيل انطلاق عمليات التحالف.

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد