التحولات السياسية في جنوب اليمن .. من حلم الوحدة إلى واقع التشظي (3)

2020-04-29 03:11:53 اخباراليوم / تقرير خاص

 


تزامنا مع إعلان حلفاء الامارات في عدن حالة التمرد على الدولة اليمنية بشكل رسمي للمرة الثالثة، وما رافقها من أعمال فوضى وتخريب على يد مليشيا الانتقالي الجنوبي في العاصمة المؤقتة (عدن)، نشر مركز «أبعاد» دراسة حديثة اتبع فيها منهجا وصفيا تحليليا، بعنوان « التحولات السياسية في جنوب اليمن.. من حلم الوحدة إلى واقع التشظي»، رصد خلالها أهم التحولات المفصلية في ملف الجنوب اليمني، وواقع الوحدة، وما اعقبها من تحولات.
ونظرا لأهمية الدراسة، في هذا التوقيت بذات، حرصت «أخبار اليوم» على إعادة نشرها، للوقوف على الصورة الشاملة لما يجري في جنوب اليمن.





مشروع الوحدة اليمنية ظلت حاضرة في أجندة الحوارات السياسية والأدبيات الوطنية لدى النخب السياسية في الجنوب والشمال حيث ترجمت في المرة الأولى عن التوقيع على اتفاقية القاهرة في أكتوبر/تشرين 1972،





وأقر مؤتمر الحوار وثيقة خاصة بالقضية الجنوبية هي (وثيقة الحلول والضمانات)، ونصت على التزام القوى السياسية المشاركة في الحوار الوطني بـ»حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً في إطار دولة موحدة على أساس اتحادي وديموقراطي جديد»[28]، وأقر مؤتمر الحوار «إعادة بناء اليمن وفق 6 أقاليم جغرافية، 4 منها في الشمال و 2 في الجنوب»[29]، ويشمل كل إقليم عددا من المحافظات.

انقلاب الحوثيين

عقب انتهاء المؤتمر تصاعدت أعمال التوسع العسكري من قبل الحوثيين الذين استغلوا دعم طهران لهم بالمال والسلاح وانضمام أغلب وحدات الجيش والقبائل الموالية للرئيس السابق صالح إلى صفوفهم، في السيطرة على عدد من المناطق في محافظات الشمال، كصعدة وحجة وعمران، وصولا إلى العاصمة صنعاء التي أسقطتها في سبتمبر/أيلول 2014، ودشنت بذلك الانقلاب الكامل على الحكومة والسيطرة على مؤسسات الدولة ونهب أسلحة الجيش والأمن، وعلى الرغم من توقيع الأطراف السياسية – بما فيها جماعة الحوثي- على اتفاق السلم والشراكة بعد ساعات من سقوط صنعاء إلا أن الحوثيين لم يلتزموا بالاتفاقية، وواصلوا فرض سلطة الأمر الواقع، ما أدى إلى استقالة الحكومة والرئيس هادي، بداية العام 2015، اعقب ذلك إقدام الحوثيين على إعلانهم ما وصفوه بـ(الإعلان الدستوري)، الذي بموجبه صاروا يحكمون البلاد بشكل رسمي عبر لجنة شكلوها للغرض نفسه، وأسموها (اللجنة الثورية العليا) برئاسة محمد علي الحوثي، أحد أقرباء زعيم الجماعة عبدالملك الحوثي، مع أن مجلس الأمن كان قد أصدر أواخر العام 2014 قرارا قضى بالعقوبات وفق الفصل السابع على الرئيس السابق علي عبد الله صالح ونجله أحمد، وكذلك عبدالملك الحوثي واثنين من مساعديه باعتبارهم معرقلين للعملية السياسية في البلاد.

في 21 فبراير 2015 ظهر الرئيس هادي في مدينة عدن، معلنا من هناك استئناف ممارسة مهامه، وإنهاء الاستقالة التي قدمها في صنعاء احتجاجا على ممارسات الحوثيين، وبعد أيام قليلة أعلن كل من عبدالملك الحوثي وحليفه الجديد الرئيس السابق علي صالح بداية الحرب لاستكمال السيطرة على محافظات الوسط والجنوب، لتبدأ قوات الحوثيين مع الوحدات العسكرية الموالية لصالح هجومها على المحافظات التي لم تكن قد خضعت لهم بشكل كامل، ومنها محافظات تعز والبيضاء والحديدة وإب، بالإضافة إلى المحافظات الجنوبية (عدن- لحج- أبين- حضرموت- شبوة- الضالع- المهرة-سوقطرى).

الحرب الشاملة وعاصفة الحزم

شهد شهر مارس/أذار 2015 مواجهات مسلحة في أكثر من منطقة يمنية، بين قوات الحوثيين وحلفائهم من أتباع الرئيس السابق علي صالح من جهة، ووحدات عسكرية ومسلحين مناوئين لجماعة الحوثي، بعدما أعلنت الأخيرة عن سعيها لاستكمال السيطرة على كافة المحافظات بما فيها عدن التي أعلنها الرئيس هادي عاصمة مؤقتة، وبدأ من هناك يلتقي السفراء والدبلوماسيين العرب والغربيين، بيد أن تقدم الحوثيين وحلفائهم تجاه عدن أجبر الرئيس وأغلب المسؤولين على مغادرة المدينة، خاصة بعدما سيطرت جماعة الحوثي على قاعدة العند العسكرية – أكبر قاعدة عسكرية في البلاد، وتقع شمال عدن، ومع ذلك فإن فرحة الحوثيين لم تكتمل، فبعد ساعات فقط على سيطرتهم على بعض أحياء عدن الشرقية ومدخلها الشمالي، انطلقت (عاصفة الحزم) بقيادة المملكة العربية السعودية مع عشر دول أخرى عربية وإسلامية، أعلنت عن تشكيل التحالف العربي لدعم الشرعية، ويهدف إلى إعادة الشرعية اليمنية إلى العاصمة صنعاء، واستعادة السلطة من الحوثيين[30].

 فيما يتعلق بموقف الحراك الجنوبي من تطورات المواجهة بين الرئيس هادي والحوثيين، ظلت الغالبية تعلن الحياد وعدم مناصرة أي منهما على الآخر، لأنها رأت في تلك المواجهات صراعا يخص حكومة صنعاء فقط، وقال علي سالم البيض الذي يتزعم أكبر فصيل في الحراك حينها، إنه سيتم «التصدي لمحاولات تمرير الصراع السياسي إلى الجنوب»[31]. وكان البيض قد قطع تعاملاته مع إيران عقب استيلاء حلفائها الحوثيين على السلطة في صنعاء، أما عناصر الحراك الذين حصلوا من قبل على الدعم والتدريب من إيران فقد انضم أغلبهم إلى قوات المقاومة التي تصدت للحوثيين في الجنوب[32]. وبعد تدخل التحالف العربي في اليمن قامت السعودية والإمارات (أبرز دول التحالف)، بعمليات تسليح وتجنيد واسعة في المحافظات الجنوبية من أجل مواجهة الحوثيين الذي كانوا يسيطرون على أجزاء من عدن، بالإضافة إلى محافظتي أبين ولحج المجاورتين، وقاتل الجميع ضد الحوثيين حتى تم تحرير عدن في يوليو/تموز 2015، وكذلك تحرير لحج وأبين في أغسطس/آب من العام نفسه[33].
وقد شارك أغلب أبناء عدن ومن مختلف الانتماءات السياسية في مقاومة الاجتياح الحوثي، وخاصة التيار الإسلامي سواء السلفي أو المنتمين لحزب الإصلاح، غير أن الإمارات التي سيطرت –باسم التحالف العربي- على عدن والمحافظات القريبة، بدأت كسب موالين لها في التيار السلفي وأنصار الحراك الجنوبي، وعملت –بطرق ووسائل مختلفة- على استبعاد قيادات المقاومة الموالين للحكومة الشرعية، وقامت بدعم أتباعها بالمال والسلاح، ومارست الضغط على الحكومة ليتم استيعاب عدد منهم في مؤسسات الدولة، وتولى بعضهم مناصب عليا في الحكومة المركزية والسلطات المحلية، أمثال السلفي المتشدد/ هاني بن بريك الذي عينه الرئيس هادي وزير دولة، والقائد العسكري عيدروس الزبيدي[34] الذي عُيـّن محافظاً لعدن بداية ديسمبر/كانون 2015، خلفاً للمحافظ جعفر محمد سعد الذي اغتيل بسيارة مفخخة.

ومنذ العام 2016 بدأت الإمارات بناء تشكيلات شبه عسكرية معظمها من «السلفيين»، وأطلقت على هذه القوة تسمية «الحزام الأمني» في (عدن ولحج وأبين، والضالع) والنخبة في (حضرموت وشبوة والمهرة وسقطرى)، وتعمل هذه التشكيلات خارج هيئة الأركان اليمنية، وبدأت تستخدمها في تحقيق أهدافها وتنفيذ الأعمال الانتقامية ضد خصومها، مثل حرق مقرات الأحزاب والصحف وملاحقة الناشطين واختطاف قادة المقاومة والأحزاب والمنظمات المدنية[35].

وبدأت الخلافات تظهر بين الرئيس هادي ودولة الإمارات، خاصة بعد إقالة «خالد بحاح» -الموالي للإمارات- في ابريل/نيسان2016 من منصبيه كنائب لرئيس الجمهورية، ورئيس للحكومة، وتعيين علي محسن صالح الأحمر نائباً للرئيس، وأحمد عبيد بن دغر رئيساً للحكومة؛ وزادت الخلافات بين الطرفين في فبراير/شباط 2017، عندما منعت قوة موالية لأبوظبي الرئيس هادي من الهبوط في مطار عدن، واضطر حينها إلى الانتقال إلى جزيرة سقطرى[36]، وفي وقت لاحق تدخلت قوة إماراتية لضرب قوة يمنية موالية للرئيس في محيط مطار عدن، فيما عُرف حينها بـ»أحداث المطار»[37].

تشكيل المجلس الانتقالي ومواجهة الشرعية

تصاعدت حدة التوتر في الوقت الذي باتت الإمارات تسيطر على المناطق الحيوية في عدن بما فيها المطار، وفي أواخر أبريل/نيسان 2017، أصدر رئيس الجمهورية قرارين قضى الأول بإقالة محافظ عدن عيدروس الزبيدي من منصبه، والثاني بإقالة وزير الدولة هاني بن بريك وإحالته للتحقيق، وهو ما أثار ردود فعل غاضبة من قبل بعض قيادات الحراك الجنوبي وقواعده، وأقامت فعالية جماهيرية بمدينة عدن في الرابع من مايو/أيار 2017، أصدرت فيها ما يسمى بـ (إعلان عدن التاريخي)، الذي رفض قرارات الرئيس هادي، وجدد المطالبة بانفصال الجنوب، وأعلن تفويض الزبيدي بإعلان قيادة سياسية وطنية (برئاسته) لإدارة وتمثيل الجنوب[38]، وعقب ذلك الإعلان بأسبوع صدر بيان يعلن تشكيل (المجلس الانتقالي الجنوبي) برئاسة عيدروس الزبيدي، ويضم عددا من الشخصيات الجنوبية العسكرية والمدنية، وبحسب مراقبين فإن المجلس الانتقالي بفعل الدعم الإماراتي صار القوة الضاربة لأبو ظبي في جنوب اليمن، وكياناً موازياً لمؤسسات الحكومة الشرعية[39]. وظلت حالة التوتر قائمة بين الحكومة من جهة والتشكيلات الموالية لدولة الإمارات وعلى رأسها المجلس الانتقالي من جهة ثانية، حتى نشبت مواجهات مسلحة بين الطرفين في عدن استمرت ثلاثة أيام في يناير/كانون 2018، وتوقفت بتدخل السعودية والإمارات، وبعدها دخلت الأوضاع مرحلة من المناورة بين الطرفين، اتسمت بالاتهامات المتبادلة، ثم تطورت إلى توترات في شبوة وسقطرى، وبمستوى أقل في مناطق أخرى في الجنوب، بين من تدعمهم أبو ظبي، وبين الموالين للرئيس هادي المدعوم من الرياض.[40]

وبعد نحو شهرين من إعلان أبو ظبي انسحاب قواتها من اليمن في يونيو/حزيران 2019، نشبت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية وقوات تتبع المجلس الانتقالي الموالي للإمارات، على خلفية مقتل القيادي في الحزام الأمني منير اليافعي (أبو اليمامة) بصاروخ استهدف حفلا عسكريا أقيم غرب عدن في الحادي من أغسطس/آب 2019، ومع أن الحوثيين تبنوا العملية، إلا أن نائب رئيس المجلس الانتقالي هاني بن بريك، أبرز الموالين لدولة الإمارات، اتهم الحكومة الشرعية باستهداف اليافعي[41]، وأعلن النفير العام والزحف إلى القصر الرئاسي في عدن، ورفع المجلس الانتقالي شعار تطهير الجنوب من «الشرعية» التي يتهمها بالولاء والخضوع لحزب الإصلاح، وبعد ثلاثة أيام من المواجهات، تدخلت السعودية وسحبت وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي كان يقود المواجهات ضد الانتقالي، ما أدى إلى سيطرة الأخير على عدن.[42] وبعدها تحركت قوات الانتقالي باتجاه مدينة «زنجبار» عاصمة محافظة أبين (المجاورة لـعدن)، وأسقطتها وطردت القوات الحكومية منها، ولم يقتصر الأمر على عدن وأبين، فبعد أيام من السيطرة عليهما بدأت قوات «النخبة الشبوانية» التابعة للإمارات العمل على إسقاط مدينة «عتق» عاصمة محافظة شبوة، لكن النخبة قوبلت برد فعل قوي من القوات الحكومية، لتنتقل المعارك من عتق إلى بقية مناطق شبوة، ومُنيت قوات النخبة بهزائم متلاحقة أمام قوات الحكومة التي أعلنت تحرير محافظة شبوة بالكامل من قوات النخبة يوم (26أغسطس/آب2019)[43].

في 29 أغسطس/آب 2019 كانت القوات الحكومية قد استعادت السيطرة على محافظة أبين وتوجهت إلى مداخل عدن تمهيدا لاستعادتها، لكنها فوجئت بقصف جوي من طائرات إماراتية ما أدى إلى مقتل وإصابة قرابة 300 من أفراد الجيش، واضطر الجيش بعدها للانسحاب شرقاً، وسارعت قوات الانتقالي مجددا للسيطرة على الأجزاء الغربية من أبين، وأحكمت سيطرتها على عدن[44].
وبدورها اتهمت الحكومة اليمنية دولة الإمارات بالوقوف وراء « التمرد العسكري» للمجلس الانتقالي الذي تدعمه، وأسفر عن سيطرته على المعسكرات والمؤسسات الحكومية والعاصمة المؤقتة عدن، وما تلته من مواجهات في محافظات أبن وشبوة، وكذلك قصف الطران الحربي الإماراتي للقوات الحكومية في مدخل عدن[45]، وتقدمت الحكومة بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي تستنكر قصف الإمارات لقواتها، وطالبت بعقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفتها بالاعتداءات والتدخلات الإماراتية في اليمن[46].

 اتفاق الرياض وسيناريوهات المستقبل

قادت المملكة العربية السعودية مفاوضات بين الحكومة والانتقالي، استمرت قرابة شهرين حتى تكللت بتوقيع الطرفين على اتفاق حمل اسم (اتفاق الرياض)، بداية نوفمبر/تشرين 2019، وتضمن تشكيل حكومة جديدة في غضون 30 يومًا، ويكون للجنوبيين فيها تمثيل يساوي الشماليين، ويحصل المجلس الانتقالي على عدد من المقاعد فيها، وضم جميع القوات العسكرية وقوات الأمن من الجانبين لوزارتي الدفاع والداخلية، وعودة الحكومة الحالية إلى عدن وتفعيل المؤسسات الحكومية، وتعيين محافظين جدد في المحافظات الجنوبية.

بدت بعض بنود الاتفاق سهلة التنفيذ مع تولي السعودية الملف الجنوبي خلفاً لدولة الإمارات التي أعلنت تقليص وجودها ، بيد أن الاتفاق اصطدم بمعوقات كثيرة حالت دون تنفيذه، أو تنفيذ النقاط الأكثر أهمية على الأقل، وفيما يتبادل الطرفان الاتهامات كما هو الحاصل في أغلب الأزمات، لم يظهر الموقف السعودي اتهاما لأي طرف، ولا يزال – فيما تصدر عنه من بيانات وتصريحات رسمية- يؤكد العمل على إنجاح الاتفاق، مع إدراكه للظروف والصعوبات التي تحول دون التطبيق الكامل وحسب المواعيد الزمنية لبنود الاتفاق.
ولقد بات اتفاق الرياض هو المحدد الأبرز للعلاقة بين الطرفين الرئيسيين في جنوب اليمن، وهما الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا وتحظى بدعم ورعاية السعودية من جهة، والمجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات من جهة ثانية، وعلى ضوء الاتفاق تتضح كثير من ملابسات اللحظة الراهنة جنوبا، وبالتالي يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع مستقبلاً، وما دامت بنود الاتفاق في الغالب لم تترجم إلى واقع على الأرض، فإنه يمكن استنتاج عدة سيناريوهات تنتظر الوضع في الجنوب، وبالارتباط بالوضع العام لليمن والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، وهي:

السيناريو الأول: ممارسة الضغوط من جانب الرياض على الحكومة والمجلس الانتقالي لأجل التنفيذ الجاد للاتفاق، وما يترتب عليه من استقرار الوضع في عدن والمحافظات الجنوبية المحررة، واستئناف عمل المؤسسات الحكومية في تلك المحافظات، وبما يؤدي إلى قيام الحكومة بدورها وواجباتها في المحافظات المحررة، وكذلك ما يتعين عليها عمله في الحرب مع جماعة الحوثي لتحقيق الهدف الرئيس المتمثل في استعادة الدولة والمؤسسات الوطنية على كامل تراب اليمن، وإنهاء الانقلاب الحوثي، بيد أن ثمة معوقات محلية وإقليمية وكذلك أطراف وقوى يمنية وغير يمنية تقف في طريق هذا السيناريو، خاصة وأن تلك القوى باتت تقتات على الصراع وتأزيم الوضع في المناطق المحررة، وليس من مصلحتها إنهاء التوتر وتطبيع الأوضاع.
السيناريو الثاني: انفجار الوضع العسكري بين الحكومة والمجلس الانتقالي وهذا قد يخدم الشرعية التي يقودها الرئيس هادي بحسم المعركة خاصة إذا كانت نوعية وسريعة، وهذا يحتاج إلى عدة عوامل من بينها عدم تكرار تدخل الإمارات في الحرب مباشرة سواء بغطاء جوي لصالح المجلس الانتقالي أو بدعم نوعي بالسلاح، كما يحتاج هذا السيناريو إلى نوع من التنسيق مع السعودية أو على الأقل ضوء أخضر أو حتى غض الطرف.
السيناريو الثالث: بقاء حالة المراوحة في التنفيذ كماهي، بمعنى عدم وجود تنفيذ للاتفاق مع عدم الإعلان من أي طرف انتهاء الاتفاق، وهو ما يبقي حالة التوتر والتربص وتبادل الاتهامات مسيطرة على مواقف الطرفين، في ظل تراجع الاهتمام السعودي بالاتفاق الذي تم برعايتها، لصالح قضايا وملفات أكثر إلحاحا لدى الرياض، مع الحفاظ على الحضور السعودي جنوبا من خلال قيادة قوات التحالف العربي في عدن، أو عبر مراكز وبرامج الدعم التي أخذت تحتل حيزاً كبيرا في عدد من المحافظات المحررة، وفي مقدمتها عدن.
السيناريو الرابع: تقليص نفوذ الشرعية،مع بقاء الحالة المسلحة كأمر واقع، فبعد تزايد حالات التصعيد العسكري الحوثي شمالا وغربا، مع تحقيق بعض أهدافه، بالسيطرة على مناطق جديدة كما في نهم شرق العاصمة صنعاء، والتوسع في محافظة الجوف على حساب القوات الحكومية، وتزامن ذلك مع حالات استهداف المؤسسات الحكومية والمنشئات الاقتصادية في المحافظات والمناطق المحررة من قبل تشكيلات مسلحة غير حكومية، مع ظهور انقسام واضح في الحكومة اليمنية، وتشجيع التحالف لتغييرات جذرية في الشرعية، كل ذلك قد يكون مؤشرا على محاولات جدية لتقليص مساحة نفوذها وبالتالي ممارسة المزيد من الضغوط عليها، تمهيدا للقبول بأنصاف حلول، إما بشكل جزئي على شاكلة اتفاق الرياض أو بشكل كلي في الوصول إلى اتفاق سلام شامل مع الحوثيين لوقف الحرب، مع بقاء التشكيلات المسلحة شمالا وجنوبا والقبول بها كأمر واقع.

ختاما:
وأيا يكون السيناريو المرجح تحقيقه في حالة معقدة مثل الحالة اليمنية، بالذات حالة جنوب اليمن الذي شهد صراعات مسلحة ودموية ذات بعد مناطقي بدرجة رئيسية إلى جانب وجود صراع سياسي وأيدلوجي، تعمق مع وجود استقطابات إقليمية ودولية، فإنه من المستبعد حصول إنفصال آمن من خلال المجلس الانتقالي الحالي الذي هو جزء من الحراك الجنوبي ولا يمثل كل كيانات الحراك، ويفقد زخمه في بعض المحافظات الجنوبية مثل ابين إلى جانب المحافظات الشرقية مثل شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى، ما يعني أن أي حالة انفصال للجنوب الآن ماهي إلا دورة من دورات الصراع الداخلي التي قد تجعل من الجنوب دويلات وميدان حرب استقطابات إقليمية وودولية. 

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد