ستة عقود من انعدام الاستقرار..

الثورة وصراع الهوية.. الصراع العربي في اليمن وجهود السلام المبذولة الحلقة (4)

2020-06-06 02:46:22 أخبار اليوم / نقلاً عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث




التوقيــع على اتفاقيـة دفـاع مشتـرك بيـن اليمن ومصر قنـن تواجد القوات المصرية في اليمن للمشاركة في القتـال إلى جانب الثـورة ضد القوات التابعة للإمام المخلوع محمد البدر المدعومة مــن المملكة العربيــة الســعودية
منــذ الشــهور الأولى للثــورة بــدأت جهـود عربيـة ودوليـة لوقـف الحـرب اليمنيـة، لكن القوات الملكية كانت ترفض كل تلك الجهود
استمراراً في عرض مجريات الاحداث التاريخية منذُ ستة عقود من الزمن واليمن تعيش حالات عدم الاستقرار ، تم استعراض الجزء الاول من هذه الدراسة « الثورة وصراع الهوية « في الثلاث الحلقات الاولى والتي بينت من خلالها الاحتكاكات التي حصلت بين الاستعمار البريطاني جنوب اليمن والحكم الملكي الامامي في شمال اليمن وكذلك مراحل تكوين ونشوء الحركات والاحزاب السياسية المعارضة والمناهضة لحكم تلك السلطات في ذلك الوقت..



هنا في المبحث الثاني من هذه الدراسة نواصل سرد تفاصيل الاحداث بين حرب الامامة وصراعات الثوار نستعرض هنا الحلقة الرابعة التي تبين تأثير القوى العربية وصراعاتها في اليمن ، التي كانت آبان قيام ثورة السادس والعشرون من سبتمبر عام 1962 م حيث كان التدخل بشكل مباشر لمساندة الثوار والثورة ضد الملكيين كما فعلت جمهورية مصر ويضاً وقوف سوريا والجزائر بجانب الجمهوريين ، وبالمقابل كان الملكيين يتلقون دعماً من المملكة العربية السعودية والمملكة الاردنية الهاشمية الى أن تم التوصل الى اتفاق برعاية أممية وحلت جهود السلام في اليمن وانتهاء تلك الاحداث وقيام الجمهورية العربية اليمنية ..
الصراع العربي في اليمن
في أغســطس/آب 1962 ،قــرر الملــك السعودي/سـعود بـن عبدالعزيز، وملك الأردن الحسيـن بـن طـلال، التنسـيق في المجالات العسـكرية، وتنميـة التعـاون الاقتصادي بـيـن المملكة العربيــة الســعودية والمملكة الأردنية ، وفي نوفمبر/تشريـن مـن العـام نفسـه، تـم إعلان التحالف العسـكري بـن البلدين، وفي الشــهر نفســه تــم التوقيــع على اتفاقيـة دفـاع مشتـرك بيـن الجمهوريـة العربيـة اليمنيـة، والجمهوريـة العربيـة المتحدة (مصر) ،وبموجبها قنــن تواجــد القــوات المصرية في اليمن للمشـاركة في القتـال إلى جانـب الثـورة ضــد القــوات التابعــة للإمــام المخلــوع محمــد البــدر ، المدعومة مــن المملكة العربيــة الســعودية، وأنشــئت في الولايات المتحدة الأمريكية لجنــة خاصــة برئاســة ضابــط المخابرات الســابق/ روبـرت كوتـر، تولـت اختيـار وارسـال المرتزقة الأجانب إلى معســكرات الأماميين في اليمــن ولم يمــض على قيــام الثــورة أيــام قليلـة حتـى بـدأت الطائـرات المصرية تهبــط في مطــارات صنعــاء وتعــز، حاملـة الجنـود المصريين الذيـن أخـذوا يتمركــزون في معســكرات مخصصــة، لتبـدأ القـوات المصرية وقـوات الثـورة اليمنيــة مواجهــة عســكرية واســعة وطويلــة مــع فــرق الأماميين المكونة مــن جيــش العهــد الإمامي وبعــض أبنــاء القبائــل.

ونظــراً لتوتــر العلاقــات بـيـن مـصـر والســعودية، فقــد بــدأ اتفــاق الســعودية والأردن الــذي تــم التوقيــع عليــه في أغســطس/آب 1962 ،وتضمـن التنسـيق في المجالات العســكرية والاقتصادية والسياســة الخارجيـة، وكأنـه لمواجهة مـصر التـي تبنـت دعـم حـركات التحـرر العربيـة، ومنهــا الحركــة الوطنيــة اليمنيــة وثورتهـا الوليـدة التـي فجــر إعلانها حربــا داخليــة بـيـن الجمهوريـيـن والملكيين (الأماميين) ، و كما أدت الثـورة إلى نشــوب الحــرب العربيــة البــاردة بـين القاهـرة والريـاض بعـد سـنوات مـن الوفـاق، وبفعـل الثـورة اليمنيـة وإعلان النظــام الجمهــوري بــات الصـراع العـربي- العـربي يكتسـب بعداً نوعيـاً مـن طـراز أيديولوجـي سياسي جديـد . وإضافـة إلى الدعـم المصري للثـورة اليمنيـة قدمـت سـوريا دعـماً ماديـاً وعسـكرياً شـمل بعض الأسلحة والغــذاء، وشــارك طيــارون ســوريون في الحــرب، وكذلــك كان موقــف الجزائــر داعـمـاً ومسـانداً للثـورة والنظـام الجمهـوري، وكان للموقــف العــريب الســوري والجزائـري آثـاره الإيجابية في مصلحـة النظـام الجمهـوري داخليـاً وخارجياً . وعـلى المستوى الدولي كان للمسـاعدة التــي قدمتهــا المنظومة الاشتراكية وعـلـى رأســها الاتحاد الســوفيتي أثرهــا ودورهــا في ترجيــح كفــة الثــوار الجمهوريــن، وشــملت المساعدة الســوفيتية العتــاد الحــريب والخــراء والطائـرات المقاتلة والقاذفـة، بالإضافة إلى الوقــود والغــذاء.

أمــا الملكيون (الإماميون) فبــدأوا ينشــئون قيــادات لهــم في الكهــوف والأماكن الحصينــة في أطــراف البــلاد بعدمــا تدفــق المال والســلاح مــن الســعودية، ومتركــز الإمام المخلوع البــدر في الكهــوف الواقعــة جنــوب غــرب صعــدة، بينـمـا ّ اســتقر عمــه الحسن في أحـد كهـوف صعـدة، وذهــب عبداللــه بــن الحسيــن إلى الجــوف، ومحمــد بــن إسماعيل إلى قبيلــة بكيــل، وعبداللــه بــن الحســن إلى خولان، والحســن بــن الحســن إلى مــأرب، وأحمــد الســياغي إلى حريــب، وأصبحـت القيـادة الفعليـة للمعسـكر الملكــي عامــة في نجــران وفيهــا محمــد بــن الحسيــن وخــلال الحــرب التــي اســتمرت ثماني ســنوات (1962_ 1970)ظهــرت المساندة الأمريكية لقــوات الملكيين مــن خــلال ســلاح الطيــران الرابض في قاعدتهــا العســكرية جنــوب المملكة الســعودية آنذاك وكذلك دعــم القــوات العســكرية البريطانية الموجودة في جنــوب اليمــن، وقـد اتهمـت حكومـة اليمـن بريطانيـا بأنهــا «كانــت تســمح للإمدادات العســكرية مــن مرتزقــة وأســلحة أن تعــبر حدودهــا بحرية وتذهــب الى الملكيين، كـما أنهـا كانـت تأمـر قواتهـا في بيحــان بدعــم الملكيين في مــأرب بالأسلحة والذخائــر «،ولا يخفــى حــرص كل مــن الولايات المتحدة وبريطانيــا على مصالحهــا في الــشرق الأوسط، ومحاولـة كل منهـا معادلـة مــا اصطلحــوا على تســميته بـ(توســع وتغلغـل النفوذ السـوفيتي ) في المنطقة، وكان ذلك الدعم عامـلاً حاسماً وأساسياً في إطالة أمد الحرب.


جهود السلام في اليمن
منــذ الشــهور الأولى للثــورة بــدأت جهـود عربيـة ودوليـة لوقـف الحـرب اليمنيـة، ففـي أواخر العـام 1962 ،وجه الرئيـس الأمريكي جـون كنيـدي رسـائل ،إلى الرئيـس اليمنـي عبداللـه السـلال والرئيــس عبدالنــاصر، والملك الأردني الحسـين بـن طـلال، والأمير فيصـل بـن عبدالعزيــز آل ســعود، عــرض خلالها تقديــم مســاعيه مــن أجــل التوصــل إلى تســوية ســلمية، مقرتحــاً انســحاب مرحــلي للقــوات المصرية، ووقــف المساعدات الســعودية والأردنية للملكيـن، وسـحب القـوات السـعودية مـن الحـدود، فرحـب الرئيـس السلال بالجانــب المتعلق بوقــف المساعدات المقدمة للملكيــن، ورد الرئيــس عبدالنــاصر على كنيــدي أن تدخــل مـصر ليـس القصـد مـن ورائـه إسـقاط العرشيــن الســعودي والأردني، ولكــن بغــرض حاميــة الجمهوريــة اليمنيــة الفتيه ، معربــاً عــن رغبتــه في ســحب قواتــه بمجرد توقــف المساعدات الســعودية والأردنية ، بينما اقــترح الملك الحسيــن قيـام فريـق مـن الأمم المتحدة بتقصي الحقائـق في اليمـن، أمـا الأمير فيصـل فصــرح بــأن المسألة اليمنيــة ينبغــي أن تســوى مــن خــلال تحكيــم عــربي مشترك.

وفي الأمم المتحدة كان مقعــد اليمــن لا يــزال يســيطر عليــه الملكيون، وتصــادف قيــام الثــورة مــع انعقــاد الــدورة الــ17 للجمعيــة العامــة، وبذلـت حكومـة الثـورة جهـوداً مضنية مـن أجـل الحصـول عل المقعد، مـن خــلال وفــد يرأســه وزيــر الخارجيــة محســن العينــي، ولم يحســم الأمر إلا في الجلسـة الختاميـة بعدمـا أقـرت لجنـة أوراق الإعتماد الوفـد الجمهوري ممثــلا شرعياً لليمــن، في 19 ديسمبر/كانــون أول 1962 ،بعــد اعتــراف عــدد كبـير مـن الـدول بالنظـام الجمهوري.

وفي فبراير/شـباط 1963 أعلنـت حكومـة الثـورة بصنعـاء مواقفتهـا على وسـاطة تقـوم بهـا الأمم المتحدة، وفي مـارس/آذار مـن العـام نفسـه وصـل إلى اليمـن رالــف بانــش الأمين العــام المساعد للأمم المتحدة للشـؤون السياسـية، وزار عـدداً مـن المحافظات اليمنيـة، والتقـى مسؤولين في الحكومـة في صنعـاء وتعـز ومــأرب، وبعدهــا زار القاهــرة والتقــى الرئيــس عبدالنــاصر الــذي أكــد لــه أن مصـر ستسـحب قواتهـا في حـال توقـف الدعـم السـعودي والبريطاني للملكييـن، إلا أن بانــش لم يواصــل مهمتــه لأن السـعودية رفضـت اسـتقباله بحجـة أن تصريحاته أظهــرت تحيــزه إلى النظــام الجمهــوري وحكومــة الثــورة .وفي كتابـه (اليمـن الثـورة والحـرب)، يوجـز الكاتــب البريطاني (إدجــار وبالأنس) تدخـل الأمم المتحدة في اليمـن، بأنـه «كان إخفاقــاً كئيبــاً بســبب التأييــد الضئيــل الــذي يقــع تحــت رحمــة مزيــد مــن الضغــوط المتصارعة، وأدى إلى سـوء فهـم وعـداء أكـثر مـن تهيئـة المناخ الـذي يقـود إلى السلام «،مضيفاً: «إن بعثــة الأمم المتحدة أحيطــت بمنازعات داخليــة، ونظــر إليهــا بشــك عميـق من جانـب كل الأطراف المشتركة في النــزاع والحــرب». وبــدا الموقف الدولي مــن حــرب اليمــن والـصـراع العــربي المتعلق بهــا، مطابقــاً لعبــارة أطلقهـا أحـد مستشـاري البيـت الأبيض حينهــا في جمــع مــن الدبلوماسيين العــرب: «دعوهــم ينزفــون حتــى الموت، المصريون تنشغل قواتهــم، والسعوديون ينفقــون، واليمنيــون يعانـون، وعندما يتعبـون سـيصلون إلى حــل».

وفي سبتمبر/أيلول 1964 خلال مؤتمر القمة العربية اتفقــت مصر والسعودية على التعاون من أجـل السلام فب اليمـن، ونص الاتفاق على إجراء حــوار مبـاشر بين الجمهورييـن والملكيين في مرحلــة لاحقة ،وهو مـا تم أواخر العام نفسه بانعقاد مؤتمر آركويت بالسـودان، بـين الوفـد الجمهوري برئاسة محمد محمود الزبيري، والوفـد الملكي برئاسـة أحمـد محمد الشامي، وتمخض عنـه اتفـاق على وقـف العمليات الحربية، لكنه لم ينفـذ، واستمرت الحرب بين الطرفـين حتى عام 1970 ،بعدما اتفـق اللاعبان الرئيسـيـان في ميدان الصراع اليمني، وهما مصر والســعودية، وتحققــت المصالحة الوطنيــة واعــترف الملكيون بالنظـام الجمهـوري، وصـدر عفـو عـام باســتثناء الأسرة الحاكمــة قبــل الثــورة بيــت حميــد الديــن.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد