ستة عقود من انعدام الاستقرار..

أزمة الوحدة وعودة الصراع الحلقة (9)

2020-06-11 07:16:41 أخبار اليوم / نقلاً عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث



اسـتطاع الرئيـس صالـح حسم المعركة حين اسـتقطب إلى جانبـه كثـيراً مـن القوى السياسـية والعسـكرية والمكونات الاجتماعية الجنوبيـة التـي كانــت متضررة مــن صراعات الفترة الماضية، وأهـم تلـك القـوى كان فريـق الرئيـس الجنوبي السـابق/ عـلي ناصر محمــد
على الرغـم مـن كل الاتفاقات والجهود السياسية المدعومة مــن دول عربيــة وأجنبيــة لإنهاء الأزمة السياســية في اليمــن، إلا أن أصــوات الحــرب في 1994م كانت أقــوى مــن كل جهــود الســلام

ظلت القوى اليمنية ترفض واقع التجزئة والتشطير الذي فرضه الاستعمار البريطاني ليضمن سيطرته على الجزء المحتل في الجنوب، ووافق عليه نظام الإمامة عجزاً وضعفاً وحرصاً على السلطة حتى لو كانت منقوصة..كان الموقف من وحدة اليمن معيار وطنية ونزاهة بحيث تلاشت واضمحلت كل قوة سياسية تظهر على الساحة شمالاً وجنوباً لم تتبنى الوحدة أو وقفت ضدها
نستعرض هنا الحلقة التاسعة من هذه الدراسة والتي بعنوان : أزمة الوحدة وعودة الصراع



لم تكـد الفتـرة الانتقالية المتفق عليهــا والمحددة بعامين ونصــف تنتهــي، حتــى بــدأت الخلافات تــدب بــين طــرفي اتفــاق الوحــدة، وأخــذا يتبادلان الاتهامات في تنفيــذ بنــود الاتفاق التــي تلــكأ الطرفــان كثيــرا في تطبيقهــا خــلال الفترة الزمنيــة المحددة، ولم تندمج المؤسستان السياسـيتان للدولتين السابقتين، على الرغـم أنه تم تشكيل البنى اللازمة لنظـام حكم اندماجي، الدستور والبرلمان والانتخابات والمؤسسات البيروقراطية، وفتح المجال لحرية التعبير السياسي فتأسست الأحزاب والاتحادات وعقدت المؤتمرات وازدهـرت الصحافـة، وبـدا أن كلا مـن مركــزي النفــوذ السلطويين يفتقــر إلى حسـن النيـة والثقـة بالآخر، ولذلـك تفاقمـت الخلافات بـن الطرفين بعـد الانتخابات البرلمانية التـي أجريـت في أبريل/نيسـان 1993 ،ذلـك أنهـا أفـرزت واقعاً جديــداً بعــد دخــول حــزب التجمــع اليمنــي للإصلاح في التشــكيل الحكومــي إلى جانــب الحزبان الحاكمان (المؤتمر والاشتراكي) بعـد مـا حصـل على (63) مقعـد، بينمـا حصـل المؤتمر الشـعبي على (122) مقعــد مــن أصــل (301)، وتولى المواقع التاليـة: رئيـس مجلـس الرئاسـة، عضـو مجلـس الرئاسـة، نائـب أول لرئيــس مجلــس الــوزراء، ونائــب رئيـس مجلـس النـواب، بالإضافة إلى 14حقيبـة وزاريـة، وحصـل الاشتراكي على (56 مقعـد)، وصـار مـن نصيبـه: نائـب وعضـو في مجلـس الرئاسـة، إضافـة إلى رئيـس الـوزراء ونائـب لـه ونائـب آخـر لرئيــس البرلمان، و7 حقائــب وزاريــة، أمـا الإصلاح فـكان مـن نصيبـه عضـو في مجلــس الرئاســة، ورئيــس مجلــس النــواب ونائــب لرئيــس الــوزراء و5حقائـب وزاريـة، ورأى بعـض المراقبين في «تشــكيل الائتلاف الثلاثي الحاكــم انتكاسـة للتجربـة الديمقراطية، حيـث انتقــل الأقوياء معــاً إلى الحكومــة والرئاســة.

ولم تعـدم الأطراف السياسـية المبررات في تبنــي كل طــرف مــا يؤيــد وجهــة نظـره ورؤيتـه، مـا صعـد في الخطابات الإعلامية بـين الإشتراكي والمؤتمر بينمـا ظـل الإصلاح يمســك العصا من الوسط في بداية الأزمة، ويتطلع لإنجاز مــا أخفــق فيــه خــلال الفتـرة الانتقالية، وهــو إجــراء التعديــلات الدسـتورية التـي مـن أجلهـا قـاد أولى معاركــه السياســية والجماهيرية بعــد إعلان الوحــدة والتعدديــة السياســية ومـا عـرف حينهـا بـ(معركـة الدسـتور)، حيــن نظــم المسيرات الشــعبية في صنعــاء وغريهــا معلنــا رفــض المادة الثالثــة التــي كانــت تنــص عل أن «الشريعة الإسلامية المصدر الرئيــس للتشريع»، ســاعياً لجعــل الشريعة المصدر الوحيـد وليـس الرئيسي، بيـد أن تصاعـد الأزمة أجــل كل ذلـك، لتأتي رحلــة البيــض الطويلــة إلى الولايات المتحدة الأمريكية )يونيو/حزيــران- أغســطس/آب 1993 ،) وعودتــه المفاجئة إلى عــدن، عبــر باريـس- عـدن، وقالـت الرئاسـة حينهـا إن ذلــك تم دون علمهــا أو التنســيق معهــا.
وكانــت أحــزاب الائتلاف الثــلاثي الحاكــم قــد اتفقــت- أثنــاء غيــاب البيــض في الولايات المتحدة- على صيغـة للتعديـات الدسـتورية بما فيهــا تعديــات مقدمــة مــن الحــزب الإشتراكي، وقعهــا الرجــل الثاني في الحــزب، ســالم صالــح محمــد الأمين العـام المساعد للحـزب الإشتراكي، وهـو مـا أثـار غضـب البيض ليعلـن رفضـه كل ما تم الاتفاق عليــه، معلنــاً أن الحـزب الإشتراكي لـه 18 مطلـب يجـب تنفيذهـا لـكي يعـود إلى صنعـاء وتنتهي الأزمة.

تضمنــت المطالبة بالإصلاح المالي والإداري، ودمج القــوات المسلحة، ومحاكمــة مرتكبــي أعـمـال العنــف والاغتيالات السياسـية، والتقيد بالموازنة العامــة للدولــة وعــدم تجاوزهــا أو الخـروج عليهـا، وإخضاع البنـك المركزي ووزارة المالية لقـرارات مجلـس الوزراء وحــده، وعــدم التدخــل في هيئــات ومؤسسـات الدولـة، وتصحيـح أوضـاع النيابــة العامــة والقضــاء وضـمـان استقلالهما، وإنشـاء مجلـس استشـاري يتولى الإشراف على القضــاء والإعلام والخدمـة المدنية، وإجـراء تغيـر إداري وإنشـاء حكـم محـلي بصلاحيات مالية وإداريــة، وعــى الرغــم أن المطالب تهـدف- مـن وجهـة نظـر مراقبـين- إلى «تجريــد صالــح مــن معظــم أدواتــه، وكـف يـده عـن الصـرف مـن الموازنة العامــة، التــي يصــل الــصرف منهــا في بعــض الســنوات إلى الثلــث» إلا أنـه أعلـن الموافقة عليها وبدأ كل مــن المؤتمر والإشتراكي يضــع شروط ومطالــب جديــدة أخــرى، بعدمــا حظيـت المطالب الـ18 بقبـول والتفاف شـعبي، وفي أكتوبر/تشرين 1993 شـكل مجلـس النـواب لجنـة برلمانية لمواجهة الأزمة، وبعـد لقائهـا بالبيـض في عـدن عـاد الشـيخ عبـداللـه الأحمر رئيـس مجلـس النـواب، ليعلـن أمـام البرلمان أن التعديــلات الدســتورية وصلــت إلى طريــق مســدود، وأن الدخــول في انتخابــات رئاســية بــات حتميــاً.

وقـادت الأزمة السياسـية إلى سلسـلة لقــاءات واتفاقيــات شــملت الأحزاب والقــوى السياســية اليمنيــة كلهــا، وتمخــض عنهــا تشــكيل لجنــة حــوار القـوى السياسـية، «بهـدف نـزع فتيـل الأزمة وتجنيـب البـلاد تبعاتهـا، وبعـد لقـاءات عـدة عقدتها اللجنـة في صنعاء وعــدن، أنجــزت وثيقــة لحــل الأزمة ومعالجة أسـبابها»عرفـت بـ «وثيقة العهـد والاتفاق»، وتـم التوقيـع عليهـا مـن قبـل الأطراف السياسـية اليمنيـة في حفــل أقيــم بالعاصمــة الأردنية عمــان، في فبراير/شـباط 1994 ،برعايـة العاهــل الأردني الملك الحســين بــن طـلال، وبحضـور الأمين العـام لجامعـة الــدول العربيــة على الرغـم مـن كل مـا فعلتـه القـوى السياســية وبدعــم مــن دول عربيــة وأجنبيــة لإنهاء الأزمة السياســية في اليمــن، إلا أن أصــوات الحــرب كانت أقــوى مــن كل جهــود الســلام، وبــدا حينهــا أن كل طـرف مــن طــرفي اتفــاق الوحــدة، كان يعــد نفســه للمواجهــة الحاسـمة مـن خـلال اسـتعداد الألوية والوحــدات العســكرية، وكان الطرفــان يعــدان استراتيجية تراجــع وخطــط للطــوارئ تحســباً لنــزاع محتمــل، وســعى كل طــرف إلى تعزيــز قدراته العسكرية، بعدمــا أســهم كل منهــا في إعاقــة توحيــد القــوات المسلحة، وسـعى كل طـرف لتأميـن دعـم خارجي لــه، وبــدا أن «كلا الطرفـين كانــت لــه مصلحــة ضمنيــة في إعاقــة تطويــر القـوى السياسـية المستقلة، ويف إفسـاد محاولات المجتمع المدني الناشــئ الراميــة إلى الدخــول في السياســة بطريقــة جديــة.

ويســتنتج مايــكل هدســون أســتاذ العلاقــات الدوليــة بجامعــة جــورج تـاون أن بـروز لاعـب جديـد، التجمـع اليمنــي للإصلاح، هــو الــذي عجــل في إشــعال فتيــل النــزاع بـيـن المؤتمر الشــعبي العــام والحــزب الإشتراكي اليمني ، واندلعـت الحـرب الشـاملة بدايــة شــهر مايو/ايــار 1994 ،بــين جيـشي الدولتين السابقتين، واسـتطاع الرئيـس صالـح أن يسـتقطب إلى جانبـه كثـيراً مـن القوى السياسـية والعسـكرية والمكونات الاجتماعية الجنوبيـة التـي كانــت متضررة مــن صراعات الفترة الماضية، وأهـم تلـك القـوى كان فريـق الرئيـس الجنوبي السـابق/ عـلي ناصر محمــد الــذي خــسر آخــر جولــة مــن جــولات الـصـراع المسلح في الجنــوب قبـل الوحـدة، واسـتوعبهم صالح ضمن مؤسســة الجيــش والأمن، خاصــة أن البيـض أبـدى موقفـا متشـدداً إزاءهـم، واشتـرط للتوقيـع على اتفاقيـة الوحدة في العــام 1990 ،مغادرتهــم اليمــن وقــد أثــارت تلــك الاشتراطات أنصــار عــلي ناصر ضــد البيــض والحــزب بشــكل عــام، وباســتثناء ناصر الــذي غــادر البــلاد، ومحمــد عــي أحمــد الــذي تصالــح مــع البيــض لاحقــاً فقــد كان موقفهــم مســاندا لصالــح في الحــرب، وكان أغلبهــم قــادة محــاور وجبهــات ووحــدات عســكرية، وأبــرز حلفـاء صالـح الجـدد القائـد العسـكري عبدربـه منصـور هـادي ، الـذي نجـح أثنــاء الأزمة السياســية، ومعــه عــدد مــن القــادة العسكريين في استمالة قيــادات جنوبيــة مواليــة للحــزب الاشتراكي إلى صــف الرئيــس صالــح، وبعضهـم كانـوا قـادة كتائـب ووحدات عســكرية موجــودة في صنعــاء وذمــار وإب وأبــين، مــا جعــل الأخيرة تبــدو قبــل الحــرب خارجــة عــن ســيطرة الحـزب الاشتراكي، بعـد انحيـاز أغلـب قياداتهــا السياســية والاجتماعية إلى صـف صالـح، وبالإضافة إلى ذلـك تمكن صالـح مـن التأثـر في المواقف الدوليـة فكانــت في الغالــب مــؤازرة لــه.

بعدمـا قـدم نفسـه ممثـلاً عـن الشرعية الدسـتورية لدولـة الوحـدة التي صارت الشــخصية الدوليــة المعرف بهــا منــذ إعلانها في العــام 1990 ،وزاد إعلان النائـب البيـض انفصـال الجنـوب بعـد نحـو عشرين يومـا مـن اندلاع الحـرب في تأكيـد اتهامـات خصومـه، خاصـة أن الإعلان جـاء في الوقت الـذي كان صالح قـد أعلـن الموافقة على وقـف إطـلاق النــار، اســتجابة لدعــوة تقــدم بهــا الملـك السـعودي فهـد بـن عبدالعزيـز، مـا جعـل صالـح يسـتأنف القتـال لأنه وجــد مــبرراً قويــاً على عــدم جــدوى وقــف إطــلاق النــار160 ،وفي غضــون شـهرين انتهـت الحـرب بانتصـار صالـح وحلفائـه. وترتــب على الحــرب تغيــر قواعــد التحالــف السياسي، اذ أبعــد جنـاح البيـض الـذي خـرج مـن المشهد مهزومــاً، واعتمــد صالــح حلفــاءه في الحـرب مـن الجنوبيـن الذيـن دعمـوه، وأغلبهـم مـن السياسيين والعسكريين الذيـن أجبرتهـم دورات الـصراع الدموي على مغــادرة الجنــوب إلى صنعــاء، والبقــاء فيهــا حتــى تحققــت الوحــدة اليمنيــة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد