الحــوالات المالية.. ارتفاع فاحش يرهق اليمنيين

2020-08-22 10:07:48 أخبار اليوم/ متابعة خاصة

 


سلط تقرير صحفي، الضواء على الأسباب التي تقف خلف رفع رسوم التحويلات الداخلية بين المحافظات، وخاصة تلك المحافظات الواقعة تحت سيطرة الحكومة الشرعية والقابعة تحت سيطرة جماعة الحوثي الانقلابية، في ظل الواقع الاقتصادي المعقد في اليمن، خاصة مع استمرار الحرب.. جاء ذلك في تقرير صحفي لقناة «بلقيس» الفضائية نشرته على موقعها الالكتروني، يوم الجمعة، وحمل عنوان «رسوم الحوالات المالية ترهق اليمنيين.. ما هي الحلول؟».

وبحسب التقرير الذي تعيد صحيفة «أخبار اليوم» نشرة، فقد اعتاد عصام محمد حسن، الذي يعيش في تعز، على إرسال مبلغ عشرين ألف ريال بداية كل شهر، لوالدته التي تعيش مع أخيه الأكبر منذ 10 سنوات في صنعاء، يساعدها في توفير بعض ما تحتاجه، لكن الأمر بالنسبة له أصبح شيئا يؤرقه ويثقل كاهله، بعد ارتفاع سعر عمولات التحويل بين مناطق الحكومة الشرعية ومليشيات الحوثي.

يقول لـ»بلقيس» أصبح من الصعب عليّ أن أرسل المبلغ المخصص لوالدتي بعد أن وصلت عمولة التحويل إلى 26% وأكثر هذه الفترة، وأنا بالكاد أحاول تدبر أموري الحياتية مع أسرتي بصعوبة بالغة بمبلغ 200 ألف ريال (سعر الدولار 750 ريال في مناطق سيطرة الحكومة).

ونتيجة لعدم توحيد سياسيات البنك المركزي في عدن وصنعاء، تتهاوى يوما بعد آخر قيمة الريال اليمني أمام سلة العملات الأخرى، بعد أن كان سعر الدولار الواحد لا يتجاوز غالبا 215 ريال، وتنعكس آثار ذلك على مختلف مناحي حياة المواطنين، خاصة بعد منع الحوثيين تداول العملة الجديدة في مناطق سيطرتهم.

ولا يقتصر الأمر على ارتفاع أسعار عمولات التحويل فقط، بل تعداه إلى ارتفاع غلاء فاحش في أسعار المواد الغذائية زادت خلال شهر فقط بعضها من 50% إلى 100%، الأمر الذي زاد معه هموم المواطنين بشكل كبير خاصة في ظل عدم انتظام مرتباتهم وانقطاعها في مناطق سيطرة مليشيات الحوثي.

* أسباب رفع العمولات
يجد المواطن اليمني نفسه محاصرا في واقع لم يعد يفهمه لمحاصرة الهموم والكوارث له بشكل مستمر، وبشأن رفع أسعار عمولات التحويل يوجه الكثيرون انتقاداتهم للشركات والبنوك عبر مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة.

يبدو لكثير من اليمنيين أنه لا يوجد مبرر لحدوث ذلك، إلا أن الصحفي والباحث الاقتصادي نبيل الشرعبي، يذكر جملة من أسباب رفع رسوم التحويلات الداخلية وبالذات بين محافظات تقع تحت سيطرة الحكومة وأخرى تتبع الحوثيين، أبرزها، ارتفاع كلفة خدمتي الكهرباء والإنترنت، ومقابلها ارتفاع نسبة المخاطر للعمل في هكذا وضع، فضلا عن ارتفاع كلفة التأمين على منشآت الصرافة هذه، وفارق سعر العملة العملات الأجنبية مقابل الريال اليمني بين عدن والمحافظات التابعة لها وصنعاء والمحافظات التابعة لها.

إضافة إلى ذلك، زيادة حدة الضغط على شركات الصرافة خاصة الكبيرة جراء ضرورة نقل الأموال بين المحافظات وتحديدا بين صنعاء وعدن نتيجة حاجة تجار صنعاء للاستيراد، ناهيك عن توقف الاعتمادات المستندية للتجار المستوردين لعدة أشهر، وحرب العملة بين طرفي النزاع، ووجود طبعتين من العملة لبلد واحد، والإجراءات المتعلقة بذلك لحماية كل طرف ما تحت نفوذه من فئات نقدية، يوضح الشرعبي لـ»بلقيس».

من العوامل الأخرى أيضا –وفق الباحث اليمني- تراجع مستوى التحويلات الخارجية إلى اليمن الأمر الذي أدى إلى تراجع مستوى عائد شركات الصرافة، وبالتالي يكون التعويض من النشاط المتاح المتبقي لضمان استمرار نشاطهم، وكذلك نشوء سوق سوداء بشكل أكبر مما كان سابقا ونتج عنها انخفاض دوران العملة في السوق، ناهيك عن تراجع مستوى الادخار واضطرار مئات الآلاف من الأشخاص إلى إبقاء حساباتهم الشخصية دون رصيد لعدم وجود السيولة لديهم وانعدام مصادر الدخل، وتأثرت بذلك الشركات سلبا واختلت الدورة النقدية بالسوق.

وأشار الشرعبي كذلك إلى فقدان العملة المحلية قيمتها مقابل سلة العملات الخارجية المتداولة في السوق اليمنية، والذي ينعكس سلبا على نشاط الصيرفة والذي يتعامل القائمون عليه في أنشطتهم على الدولار والريال السعودي، إذ إن عليهم إيجارات وتوفير الوقود لمولدات الكهرباء وخدمات الإنترنت، وكذلك غياب الإسهام الرسمي في معالجة مشاكل شركات الصرافة وإخلاء طرفي الصراع مسؤوليتهم من حماية هذه الشركات، ما جعلها تمارس نشاطها كنوع من المغامرة، اضطرت معه إلى ما يشبه ممارسة لعبة القمار جراء تغييب لوائح وتشريعات وسبل تأمين نشاط هذا القطاع من قبل البنك المركزي والجهات ذات الصلة، على حد قوله.وآخر تلك الأسباب كما يرى الشرعبي، هو ازدواجية الرسوم المحصلة من قبل الجهات ذات النفوذ على أنشطة التحويلات، إذ تضطر شركة الصرافة إلى دفع رسوم مرتين على أي عملية تحويل- نطاق التحويل ونطاق التسليم.

 * واقع معقد وتأثيرات بالغة
وتبلغ نسبة الفارق في أسعار العملات بين صنعاء وعدن 25.79 لكل واحد ريال، وفق محمد سعيد أحد العاملين في مجال الصيرفة منذ سنوات، والذي قال في محاولته تلخيص طبيعة الوضع المالي المعقد في اليمن: « نحن نتعامل كأننا بدولتين منفصلتين ولكل واحدة منهما عملة مختلفة، وهذا لا يظهر فقط في عمولات تحويل الأموال، بل في أسعار كل شيء سواء مواد غذائية أو ذهب، فسعر الأخير كما يفيد عبده يصل سعر الجرام في صنعاء إلى 35 ألف ريال، و42 ألف ريال في مناطق الشرعية».

وأوضح لـ»بلقيس»، عند عملية تحويل مبلغ 150 ألف ريال من عدن إلى صنعاء، يكون البنك بحاجة إلى نقلها إلى صنعاء لتغطية التزاماته هناك، ونتيجة لاستلامه النقود بالعملة الجديدة غير المقبولة لدى الجانب الآخر، يضطر البنك صرفها إلى عملة مقبولة مثل الدولار، فيشتري المبلغ المحول بـ200 دولار من سعر 750 كما هو في العاصمة المؤقتة، وعند صرفها في صنعاء يعطيه البنك 120 ألف ريال فقط، لأن سعر الصرف هناك 600 ريال فقط، ويكون بذلك البنك خسر 30 ألف ريال، وحتى يغطي ذلك، يقوم بإضافة سعر على عمولة التحويل تقدر بثلاثين ألف ريال (سعر الفارق).
وعن تأثير ذلك، ذكر سعيد أن الشبكات والبنوك تتعرض لخسائر كبيرة بسبب استنزاف سيولتهم وصعوبة نقلها بين صنعاء وعدن وتوقف بعض الأنشطة التجارية بينها، إضافة إلى ارتفاع سعر الصرف وانخفاض القيمة الشرائية للريال، فضلا عن أن فارق سعر الصرف يؤدي إلى زيادة عمولة تحويل الأموال لتعويض الخسائر وتغطية تكاليف استرجاع السيولة النقدية.وبشأن حجم الضرر الذي يمكن أن يلحق بالمواطن، أفاد المصرفي سعيد، أن القيمة الشرائية للريال تنخفض بشدة، ويكون هناك صعوبة تحويلات بين صنعاء وعدن، وتوقف المنظمات عن صرف المعونات المالية، وكذا عدم تعاون المؤسسات المالية والبنوك بشأن تسليم مرتبات بعض الجهات في صنعاء.

 * حلول
في ظل الواقع الاقتصادي المعقد في اليمن، خاصة مع استمرار الحرب، يبدو من الصعب تطبيق أية حلول لإنقاذ المواطن خاصة مع تعدد السلطات. في صعيد ذلك، يقترح الباحث الاقتصادي الشرعبي مخاطبة ممارس الصفة الرسمية «الحكومة» بالتضرر من زيادة رسوم التحويلات، والضغط عليها لإيجاد حلول ومعالجات، وليس تحميل كامل الشركات كامل المسئولية.

وهو ينتقد شن كامل الهجوم على شركات الصرافة، فهي جهات تجارية تهدف لتحقيق الربح ونمو رأس مالها، وعليها التزامات وتعهدات للدولة، والشركاء المساهمين والموظفين والقائمين على إدارتها، وعليه يعتقد الباحث الشرعبي أن غياب الدور الرسمي عن تنظيم عملها أو في حال عدم قدرتها على فعل شيء، حينها يمكن الطلب من تلك المؤسسات المالية بشكل ودي أن تقدر الحالة الإنسانية البائسة وتخفيض رسوم التحويلات.

 مؤكدا: «كلما زادت حملات مهاجمة هذه الشركات كلما زاد مقابلها ضغوط القائم بالصفة الرسمية عليها وفرض ضرائب ومبالغ تحت طائلة الشكاوى والمخالفة التي لا أساس لوجودها، وهنا لا يكون أمام هذه الشركات، لتعويض ما دفعت من مجال، غير الاستمرار في رفع الرسوم».

ومعالجة هكذا مشكلة، لن تتم بحملات إعلامية لمهاجمة شركة صرافة أو حتى التقطع لسيارات نقل الأموال الخاصة بها، طالما النظام المصرفي اليمني الرسمي معطل، ولدينا طبعتان من العملة اليمنية وبنكان مركزيان بإدارتين متعارضتين، والحل الوحيد من وجهة نظر الشرعبي «التحول بالسوق والأنظمة والتشريعات المصرفية اليمنية من سيطرة طرفي الصراع إلى لجنة مختصة محايدة، ليس لها ارتباطات بأي طرف وتمكينها مجتمعيا وأمنيا وإداريا من ممارسة النشاط بعيدا عن طرفي الصراع، بما يحقق القيام بأهداف هذا القطاع كما هو منصوص عليه قانونا، حينها سيتم معالجة مشكلة رسوم التحويلات وغيرها».

 * محاولات لتخطي المشكلة
أمام ما يجري، يحاول المواطنون مع ارتفاع أسعار رسوم التحويلات بشكل كبير وعزوف البعض منهم عن الإرسال، إيجاد طرق بديلة تخفف عنهم العبء الذي يواجهونه في ظل الأزمات المتلاحقة التي يعانون منها.

ويضطر البعض إلى إرسال المال بشكل شخصي مع المسافرين برغم إمكانية مصادرة أمواله، وإن كان أحدهم لديه بعض المال مع قريب أو صديق في محافظة أخرى، يسدد ما عليه من ديون عن طريقه دون أن يضطر لتحويل المال عبر شركات الصرافة أو البنوك، كما أن بعض من لديهم حوالة يفضلون وصولها إلى مناطق سيطرة الحوثي ويشترون بها العملة الأجنبية ثم يصرفونها في مناطق الحكومة.

مع استمرار التدهور الاقتصادي الحاصل في مختلف المجالات، خاصة مع تقليص كثير من المنظمات لأنشطتها الإنسانية في اليمن في الوقت ترتفع فيه نسبة الفقر وخطر المجاعة يهدد آلاف اليمنيين، تبدو البلاد بحاجة ماسة إلى إيجاد حلول جادة تسهم في إيقاف الكارثة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد