أدب الأطفال في اليمن.. جهود الدكتور ابراهيم أبو طالب أنموذجا

2021-08-28 02:40:19 أخبار اليوم/محمد مصطفى العمراني

 

   

يكاد أدب الأطفال أن يكون الغائب الأبرز في المشهد الإبداعي في اليمن رغم أهمية هذا الأدب كونه ما يغذي وجدان رجال المستقبل بالعلوم والمعارف والمفاهيم الجادة والقيم الهادفة ، ويعد الشاعر الدكتور إبراهيم أبو طالب الاستثناء الوحيد في هذا المجال فقد أفرد للأطفال ستة دواوين شعرية فيها مئات القصائد التي تناسب الأطفال وهذه الدواوين هي : ( أغاريد واناشيد) و ( هيا نغني يا صغار ) و ( أغاريد وأناشيد للبراءة ) و ( أناشيد الطفولة ) جزأين و( أنا أحب عملي ) كتاب العربي الصغير بالإضافة إلى تجهيزه موقع كامل في النت مخصص للأطفال ضمن موقعه على النت http://www.iabotaleb.com/Children_Literature.php

وفيه كل دواوينه الشعرية للأطفال وعشرات الأناشيد المصورة وعشرات القصص التي تناسب الأطفال ويمكن الاستماع إليها وتنزيلها فضلا عن مسابقات الأطفال وهو جهد متميز ويحسب للدكتور ابراهيم أبو طالب صاحب المواهب المتعددة والجهود الكبيرة فهو الأديب والناقد اليمني الذي يقوم بجمع كافة الرويات والقصص اليمنية القصيرة منذ الأربعينات إلى اليوم ويعد دراسات جادة عنها ولديه أرشيف كامل بكتاب القصة القصيرة في اليمن وقصصهم فضلا عن الروايات والروائيين وهو جهد يعدل جهد مؤسسة ثقافية بكاملها ولم تصل وزارات الثقافة في عدن أو صنعاء إلى ربع الجهد الذي يقوم به في خدمة الأدب اليمني وأدب الأطفال وهذه كلمة حق يجب أن تقال .

 

عن أهمية وتميز الكتابة للأطفال 

 

بين يدي الآن النسخة الورقية من ديوان الدكتور ابراهيم أبو طالب " أغاريد وأناشيد " وهو من إصدارات مؤسسة الإبداع الثقافية في صنعاء وفي مقدمته يقول الدكتور عبد الولي الشميري : ( الدكتور ابراهيم أبو طالب ذلك المبدع  الموهوب الذي شب عن الطفولة إلا عاطفته ، وحنان قلبه فمازالا في براءة البرعم الذي أستطاب اللبث في أكمامه ، إنها هبة من الله يختص بها من يشاء .

إن كل عمل أدبي يستهدف الأطفال ، إنما يعني ذلك التسابق الصحيح لتشكيل جيل المستقبل من خلال احتلال مراكز التصور المبكر في ذاكرته ، والإجابات المقنعة على فضوله وإلحاح أسئلته .

وبقدر ما هو مطلوب من كاتب الطفولة ، وشاعرها أن يلغي عقودا من سني عمره ليخاطب الأطفال من مكان قريب لتفكيرهم ، ونبوغهم المبكر ، ليكون مطلوبا من ذات الشاعر أن يخص كل مرحلة من مراحل الطفولة بما يتناسب مع إدراكها ، وتفكيرها .

فالطفل بين سنة وأخرى يجب أن تتغير لغة مخاطبته وأساليب تربيته ، إذ أن خيالات الأطفال ومواهبهم تعيش أطوار النمو المتتابع السريع .

كما أن أدب الأطفال ليس ما يصلح منه للطفل الذكر يصلح للطفلة الأنثى . فللطفل الذكر التزامات مستقبلية يجب ان نعده لها بما يناسبها ، وللطفلة الأنثى التزامات مستقبلية كذلك ، تختلف عن تماماً عن التزامات الرجولة ، لذلك فلها الحق في نشيد ونصوص تساعدها على رسم ملامح المستقبل .

وحتى لا يجد أحد الجنسين نفسه مغيبة من ضمائر المخاطبة ويستسلم لإحباط غير معلن ، ثم يتحول في مستقبله إلى شعور بالظلم ، وعدم المساواة ).

بحسب الدكتور أبراهيم أبو طالب فالطفل يحتاج إلى لغة خاصة في الكتابة له، ولكن التركيز على مفردات المحيط بالطفل والاهتمام اليومي والوضوح في المعنى، يناسب مرحلة عمرية بحيث تأتي المفردة مناسبة للمرحلة المخاطبة، وكذا الفكرة، والموضوع، والصورة، ويرتبط بذلك كله المعنى المناسب للسن المناسب، كل ذلك يحتاجه كاتب أدب الطفل سواء وجه له شعرا منغما أو قصصا محكما .

وبرأيي فالحياة مع الأطفال وكتابة القصص والقصائد لهم تصفي الذهن والقلب من مشاغل ومشاكل الكبار وتجعل المرء يعيش البراءة والبساطة والفطرة مع الأطفال وعالمهم المليء بالمحبة والنقاء ، ولهذا فإن من يمنحه الله الموهبة لكتابة أدب الأطفال يمنحه القلب الطيب المليء بالأحاسيس البريئة والذهن الصافي البعيد عن مشاكل الكبار وهموم عالمهم .

 

* ـ قراءة في ديوان " أغاريد وأناشيد "  

 

أتصفح ديوان " أغاريد واناشيد " وتعود بي الذاكرة إلى طفولتي التي لم أجد مثل هذه الأناشيد الرائعة ففي الديوان " مع الأنبياء " حيث يصيغ قصص الأنبياء في أناشيد بسيطة رائعة فعن قصة نبي الله صالح عليه السلام يقول

من بعد " عاد " في " ثمود "     قد جاء بالبرهان صالح 

وبـــــــناقة مـــــا مـثلــــها      إني لكــم يا قــوم؛ ناصح 

 

قالـــوا: فـــأنت مســـحر      مـــــا أنـــت إلا مـثلـــــــنا 

إن كـــنت حقـــا صـــادقا      فــــــدع العــــذاب يعمـــنا 

 

وتطاولــــوا بضــــــلالهم      ذاك الـــذي أشقــــى ثمود 

عقروا  ؛ فدمدم ربـــهم        بذنــوبهم بعـداً " ثمـود

 

ونمضي مع أغاريد وأناشيد الدكتور ابراهيم أبو طالب للأطفال حيث يدخل عالم المدرسة بعدد من القصائد البسيطة المعبرة والتي تحبب الطفل في المدرسة وطلب العلم والكتاب والقلم والرسم بالألوان والرياضة والرائع أن هذه القصائد تصلح أناشيد وأوبرايت يمكن تمثيله بمشاهد مسرحية في طابور المدرسة وفي احتفالات الطلاب المدرسية ، ومن هذه القصائد هذا النموذج الرائع حيث يقول

أهوى بمدرستي   كتبي وهندستي 

ونشيد أغنيتي    أهواك مدرستي 

 

يا موطن الشمس  والعلم والــدرس 

بنداك القدسي    وقد أشرقت نفسي 

 

أنا طالب أسعى   كي أجتني نفعا 

أنا باسمه أدعى   ولنهجه أرعى 

 

في قدسها ننمو   ونفوســـنا تعلو 

وبعلمها نسمو   وإلى العلا نخطو

 

بالجد تلقاني    رمزا لإخواني 

والصدق إيماني  والعزم عنواني 

 

ونمضي في جولتنا في " أغاريد وأناشيد " لنصل إلى " الطيور والحيوانات أصدقاؤنا " فنجد العديد من القصائد البسيطة التي تناسب الأطفال عن " الحصان السريع " و " الزرافة " وعن " الطيور المهاجرة " و" النملة الذكية " و " النحلة النشيطة " و" العصفورة المغردة " و" طفلتي والعصافير " فعلى لسان النملة يقول

عاملة كسوبة   في الصباح والمساء 

بخــفة دؤوبة  جــامعة غـــذائـي 

 

أسير في أسرابي    بحثا عن الطعام 

أعود في إيابي        نـائـلة مــرامي 

 

بالإدخار أعُرف    لأننـــــــي ذكــــية 

وبالنشاط أو صف   في الصبح والعشية 

 

أعيش في نظام     لـــيس لــه مثـــيل 

بكـــل انســجام     عـــالمنـا جــــميل 

 

وفي " أغاريد وأناشيد " وهو نموذج لدواوين الشاعر ابراهيم أبو طالب عن الأطفال قصائد عن تعاليم دينية وعن أطفال فلسطين وأحياء وأشياء نحبها وعن فوازير ودول ومدن عربية وما أوردناه هنا مجرد قراءة سريعة ونماذج ومقتطفات عن جهود الدكتور ابراهيم أبو طالب في مجال أدب الأطفال وهو جهد يكاد يكون الوحيد في نوعه في اليمن فالطفل العربي ـ كما يقول الدكتور ابراهيم في حوار مع صحيفة الوطن السعودية ـ أحوج ما يكون إلى الأدب الحقيقي الصادق الذي يحافظ على خصوصيته وهويته وهي الفطرة الإسلامية، وهوية القيم العربية البسيطة والأصيلة والعميقة في ذات الوقت كقيم الحب للأسرة والالتفات إليها والالتقاء حولها، مذكرا بأن ما يراه الأطفال ويرصدونه هنا وهناك يوضح أنهم على قدر من الذكاء والالتقاط وإن ظن البعض أنهم صغار لا يفقهون أو لا يدركون، بل هم أكثر التقاطا وفهما وتقييما للأحداث من الكبار، ذلك يؤثر بلا شك في حياتهم، وقد يظهر في بعض معالم العنف في ألعابهم وفي تصرفاتهم وفي أقوالهم، لذلك يجب رعايتهم والبعد بهم – قدر المستطاع- عن متابعة نشرات الأخبار التي يدمن عليها الآباء دون إدراك لحضور ومتابعة الصغار، لأن ذلك يترك شروخا نفسية غائرة في وجداناتهم الصغيرة، فيكون ذلك سببا من أسباب القمع والخوف والارتباك الذي يصحبهم في نموهم، ويرافقهم في مستقبلهم .

فضلا عن كون الدكتور أبو طالب شاعر وباحث وأكاديمي رصين يستحق التنويه بجهوده الأدبية الهامة والإشادة بإضافاته الكبيرة للمكتبة اليمنية والعربية .

  

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد