من أفغانستان الى اليمن... طاحونة الصراع الإقليمي وفقر الطاولة العربية.

2021-09-23 07:53:45 اخبار اليوم/ تقرير خاص

 



  

في الـ 31 من أغسطس/آب 2021، انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من أفغانستان بمشهد وصف بالهزيمة التاريخية، حيث اكتفت واشنطن بهذه النتيجة لتنهي رحلة الحرب ضد حركة طالبان الإسلامية، وذلك بعد أن وضعت الدولة والأراضي الأفغانية تحت الاحتلال لـ 20 عامًا بهدف القضاء عليها، وهو ما سينعكس بشكل أو بآخر على شبه الجزيرة العربية وعلى الحرب في اليمن.

مركز ابعاد للدراسات والبحوث نشر دراسة لانعكاسات الحالة الأفغانية الحالية على السياسة والحرب الباردة الأمريكية مع الصين وروسيا، وأيضا تركيا وإيران باعتبارهما مؤثرتان في المنطقة، وانعكاسها على دول الخليج والحرب اليمنية وأفق نهاية الحرب، وفق وضع القوى على الأرض والمبادرات الدولية المطروحة، ووفق التطورات الجديدة.

مخاوف خليجية

في الوقت الذي تقبلت حقيقة هزيمتها التاريخية على الأراضي الأفغانية، تتوجس واشنطن من النفوذ الإقليمي لروسيا والصين، لا سيما وأن الدولتان أنشأتا تحالفات سياسية وعسكرية مع دول أخرى لا ينعمن بعلاقة طيبة معها.

تقول الدراسة الصادرة عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث "وصلت رسالة الانسحاب الأمريكي من أفغانستان سريعًا الى منطقة الخليج، خاصة السعودية والإمارات، حيث تعتبرها الرياض رسائل واضحة قدمتها الإدارات الثلاث –أوباما- ترامب - بايدن– بأن الانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط، ومواجهة النفوذين الروسي والصيني بات في رأس أجندتها في المرحلة المقبلة".

وأضافت "مع الانسحاب الأمريكي من أفغانستان تتضح جدية واشنطن في هذا الانسحاب وخذلان الحلفاء، وهو خذلان تعزز بشكل دائم لدى الخليجيين، لاسيما بعد أن وقعت إدارة أوباما "الاتفاق النووي الإيراني"، وخذلان ترامب للخليج في اتخاذ موقف مباشر من استهداف المنشآت النفطية عام 2019، والتي اُتهمت فيها إيران رغم تبني الحوثيين للهجوم".

وأشارت الى أن "إدارة بايدن شجعت الحوثيين على شن هجمات مكثفة على المدن اليمنية ومحافظة مأرب على وجه الخصوص، وذلك بعد أن أخرجت الجماعة من قائمة الإرهاب دون مقابل".

وتابعت "واشنطن أوقفت مبيعات الأسلحة للسعودية، وأعلنت الإدارة الجديدة عدم تقديمها الدعم اللوجستي لعمليات التحالف في اليمن، وسُحبت بطاريات الباتريوت ومنظومة الدفاع الجوي المتقدمة "ثاد" من المملكة خلال أغسطس/آب2021م، رغم تصاعد هجمات الحوثيين الباليستية والطائرات المسيّرة المفخخة".

وأضافت "مع مفاوضات فيينا بشأن العودة للاتفاق النووي الإيراني، تشعر دول الخليج - خاصة الرياض- أن أمريكا تتجاهل التدخل الإيراني المستمر في أمن واستقرار المنطقة، وذلك من أجل التوصل إلى اتفاق النووي مع طهران".

وأكدت على أن "هذه الرسائل مع التصريحات الأمريكية المستمرة بأنها ستركز على مواجهة النفوذين الروسي والصيني تكشفان أن الولايات المتحدة تتخلى عن دول الخليج العربي التي تعتمد -جزئياً- على الحماية الأمنية الأمريكية".

فيما ذكرت الدراسة أن "السياسة الأمريكية عموماً، غالبًا ما تميل إلى سياسة الأعمال غير المنجزة كما أظهرت السنوات العشرون الماضية. حيث تبدأ التدخل، وتفشل في تحقيق أهدافه، وتغادر على عجل - وتترك وراءها فوضى لشعوب الشرق الأوسط إما للتخبط فيها أو التعايش معها في ظروف أسوأ من السابق. الانسحاب من أفغانستان مثال على ذلك".

ارتباك خليجي

لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية تشعر بخطر خسارة مصالحها في منطقة الخليج، حيث لم تعد دول الخليج تمتلك ما يكفي من النفوذ على واشنطن، لا سيما بعد أن تنامت تدريجيًا منذ مطلع القرن الواحد والعشرون.

تقول الدراسة "لا تملك دول الخليج الكثير من النفوذ على الولايات المتحدة، فالنفوذ تضاءل تدريجياً منذ مطلع القرن الحالي، والانسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط مدفوع بعامل آخر وهو تنامي استقلالية الطاقة.

وأشارت الى صافي واردات الولايات المتحدة من الطاقة يلغ ذروته في عام 2005 عند حوالي 30٪ من إجمالي الاستهلاك. وبفضل تطور تقنيات الحفر الهيدروليكي، الذي زاد من قدرة استخراج الغاز والنفط، أصبحت أمريكا مصدرًا للطاقة في عام 2019.

وأضافت "لا تزال الولايات المتحدة تستورد بعض النفط الخام، الا أن حصة وارداتها من منظمة أوبك –التي تهيمن عليها دول الخليج– انخفضت من 85٪ إلى 14٪. وهو ما حرر أمريكا من الحاجة إلى تأمين وحماية الإمدادات من المنتجين في دول الخليج".

وذكرت أن "أن معظم دول الخليج ما زالت تعتمد على التأمين الأمريكي، حتى في عالم يبتعد عن الوقود الأحفوري، لذلك فإن ورقة الضغط السابقة انخفضت فعاليتها باطراد".

وقالت "إن خطط الولايات المتحدة بالانسحاب من المنطقة، وأخطاءها التي ارتكبت خلال عشرين عاماً، إلى جانب خيبة الأمل الخليجية من السياسة الأمريكية -التي تعاظمت مع أفغانستان- تندفع على إثرها بلدان أخرى لملء الفراغ، وتبرز في المقدمة: روسيا والصين وإيران وتركيا".

وتابعت "يؤكد ذلك التدخل الروسي في سوريا بعد أن كُسرت الخطوط الحمراء التي أعلنها باراك أوباما عام 2015م، وتسعى موسكو للحصول على قواعد عسكرية في البحر الأحمر واليمن في مقدمتها ويبدو أن دولاً خليجية مثل الإمارات تساعدها بذلك".

وأشارت الى أن "إيران تتحكم -بنسب متفاوتة- بثلاث عواصم عربية بيروت ودمشق وبغداد، إلى جانب صنعاء العاصمة الرابعة حيث يسيطر الحوثيون...فيما تركيا تدخلت في سوريا لحماية أمنها القومي بعد رفض الولايات المتحدة، وذهبت إلى ليبيا وتواجدت في الصومال ووسعت نفوذها في آسيا الوسطى".

أبعاد الإنسحاب

غير الإنسحاب الأمريكي من أفغانستان معادلة القوى الاقليمية، فمن جهة أبقت على كابل كمساحة فارغة قد تشهد في أي وقت تحولات تهدد أمن المنطقة، ومن جهة أخرى أرسل رسائل لحلفاء واشنطن تنذرهم بتخليها عنهم.

تقول الدراسة "أن التطورات في أفغانستان، أدت إلى إعادة دول المنطقة التفكير في أمنها المستقبلي دون الولايات المتحدة الأمريكية".

وأضافت "قد تشكل دول الخليج إذا ما قررت الاتفاق على استراتيجية واحدة لمواجهة النفوذ الإيراني دفاعاً لنفسها، وإلا فقد تلجأ الدول العربية لبناء تحالفات دفاع".

فيما اعتبرت الدراسة مؤتمر بغداد مؤشرًا على طبيعة المرحلة القادمة، وهي بذلك محاولات عربية لإيقاف الشتات، وحجم الوجود الإيراني والتركي في المنطقة خلال المستقبل القريب.

وأكدت على أن "الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أرسل رسائل التقطها الحلفاء على أنه تخلي أمريكي يجب الاستعداد له. ووصلت للخصوم والمنافسين –روسيا والصين وتركيا وإيران– أن هناك فراغاً بعد الانسحاب ويجب استغلاله".

الدراسة الصادرة عن مركز أبعاد للدراسات والبحوث تقول أن هذا الفراغ سيلقي بعبء أكبر على دول الاتحاد الأوروبي وبريطانيا لاتخاذ زمام المبادرة لملئ هذا الفراغ. وهو ما يمثل حافزًا لكل من اليمنيين والأطراف الإقليمية ليكونوا أكثر تقبلاً للمبادرات الأوروبية".

تعقيدات

مع الانسحاب الأمريكي من المنطقة، يحاول الإتحاد الاوروبي وراثة الدور الأمريكي، لا سيما مع تضرر حلف الناتو وصورته بعد الانسحاب من أفغانستان، ومخاوف استمرار تدفق اللاجئين، و البحث عن رفع النمو الاقتصادي الذي تضرر من تفشي كورونا (كوفيد-19) والنظر إلى دول الخليج/الشرق الأوسط كأسواق ناشئة.

في اليمن يقود الاتحاد الأوروبي جهود الأمم المتحدة عبر "هانس غرندنبرغ" بعد البريطاني "مارتن غريفيث" إذ ترى إمكانية تحقيق تقدم في الملف اليمني، بفرضية أن جهود "ليندركينغ" ستتأثر بالانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسيكون التعامل مع الجهود الأمريكية يمنياً وخليجياً أكثر سوءاً من قبل.

قالت الدراسة "بعد سنوات من فشل الأمم المتحدة في التوسط لإنهاء الحرب في اليمن، يحتاج غروندبرغ الآن إلى تغيير جذري في النهج الدولي لإنهاء الصراع وفِهم أوسع للملف اليمني، لذلك يحتاج إلى كل الدعم الذي يمكنه الحصول عليه من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى جانب بريطانيا".

وأضافت "لكن كل ذلك يتطلب فهما أعمق للمشكلة اليمنية وحجم تأثير، المجتمعات المحلية والسكان، قبل تفهم مصالح ورغبات أطراف الحرب المحليين وداعميهم الإقليميين، وبناءَ على ذلك يمكننا تخيل مسارات الحرب في اليمن بعد زلزال الانسحاب الأمريكي من أفغانستان".

 فيما وصفت الصراع في اليمن، بالمُعقد وارجعت ذلك لكونه يرتبط بمجموعة من الأطراف المحلية المتصارعة التي تعتمد على قوى خارجية في استمرارية الصراع وتأجيج الحرب

وتضيف "على الرغم من ذلك فإن هذه القوى الخارجية ليست قادرة على وقف الحرب وحدها، بل يعتمد ذلك على الأطراف المحلية في الوصول إلى الاتفاق. لكن وجود الأطراف الخارجية يزيد الصراع في اليمن تعقيداً، وإذا ما دخلت أطراف جديدة ضمن حرب باردة متعددة الأوجه فإن الوصول إلى "اتفاق سلام" يصبح أمراً أكثر تعقيداً".

   

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد