تمييع القضية الجنوبية ومأزق الإنتقالي في الجنوب.

2021-10-05 07:48:50 اخبار اليوم/تقرير

 

  


شهدت الحكومة اليمنية عدة متغيرات جيوسياسية خلال سنوات ما بعد الوحدة التي بدورها أعملت على إذابة المكون الجنوبي والشمالي في إطار حكومة مركزية مشتركة وجامعة، عرفت فيما بعد بالجمهورية اليمنية.

كانت المحافظات الجنوبية خلال السنوات الأخيرة في عهد الرئيس صالح تعاني حالة من التهميش والامتهان، تشكلت على ضوئها ما عرف بالمظلومية الجنوبية التي تطالب بالحقوق السياسية والاقتصادية للجنوب.

المظلومية الجنوبية خلال المحطات التأريخية الفائتة، شهدت تطورات كثيرة، ظهرت معها عدة مكونات مطالبة بحقوق الجنوب، كانت فيما مضى ذائبة بما عرف بالحراك الجنوبي، الا أن تطورات الوضع اليمني منذ ما بعد أحداث الـ11من فبراير، أوجدت مفارقات كبيرة فيما يتعلق بالحراك ومظلومية جنوب اليمن، وكانت أبرز تلك المفارقات أن أظهرت المجلس الإنتقالي المصطنع إماراتيًا.

وهي قضايا مفصلية استهدفها مركز ابعاد للدراسات والبحوث، بدراسة تحت عنوان "ماهو مستقبل المجلس الإنتقالي الجنوبي" تناولها تقرير لـ"أخبار اليوم" الذي شرح نشأة وتطور الإنتقالي منذ ما بعد الوحدة اليمنية في1990، الذي حول القضية الجنوبية من مظلومية شعب بحاله الى ورقة ابتزاز تستخدمها الإمارات لسرقة الجنوب نفسه.

 

تناقض تكويني

 

لطالما اعتبر الجنوبيون عمومًا أنفسهم ممثلي قضيتهم، فتواجدت جميع الفئات والمناطق الجنوبية في معظم الحركات المنددة بحقوق الجنوب، الا ان الانتقالي لم يأخذ بعين الإعتبار حق هؤلاء الناس في تمثيل قضيتهم، وانما راح يبني قوامه وشعاراته وفقًا لما تقتضيه المصلحة الإماراتية هناك.

تشير دراسة مركز أبعاد الى أن "هيئة رئاسة مؤلفة من 26 عضواً هي قائدة الإنتقالي، حيث تعد أعلى هيئة قيادية في المجلس، كان من المتوقع أن يتولى الأعضاء مسؤولية الدوائر المختصة، كما هو متعارف عليه في التشكيلات الإدارية والتنظيمية باعتبارها الهيئة التنفيذية العليا".

وأضافت "عندما بدأ توزيع بعض الدوائر على الأعضاء كالدائرة السياسية التي اختير لرئاستها الدكتور ناصر الخبجي عضو البرلمان اليمني عن الحزب الاشتراكي، والدائرة التنظيمية التي ترأسها عضو الهيئة أمين صالح.

سرعان ما توجه القيادي السلفي هاني بن برير لا صادر بيان أوقف تلك الإجراءات، حيث قرر حينها عدم جواز الجمع بين عضوية هيئة الرئاسة وتولي أي دائرة مختصة.

وبحسب الدراسة "يرى مراقبون أن قرار بن بريك جاء بتوجيه إماراتي هدفه الحد من تغلغل التيار المحسوب على الاشتراكي داخل المجلس الانتقالي على حساب التيارين الأكثر ارتباطاً بالإمارات، تيار السلفيين الذي يمثله هاني بن بريك نفسه، وتيار المؤتمريين ويمثله أحمد بن بريك وأحمد لملس".

حيث يرأس بن بريك الجمعية الوطنية "برلمان الانتقالي" فيما يتولى لملس "الأمانة العامة للمجلس"، وهو المعيّن محافظاً لعدن منذ أغسطس/آب 2020.

وتقول الدراسة أنه "مع ذلك فقد عين بعض رؤساء الدوائر من داخل الهيئة مثل أمين صالح رئيس الدائرة التنظيمية، ولطفي شطارة الذي ترأس الدائرة الإعلامية، وهي الدائرة التي تتعرض للتغييرات من وقت لآخر، وكذلك الناطق الرسمي للمجلس تغير أكثر من مرة".

وأشارت الى أن "قرارات التعيين تخضع في الغالب لاعتبارات مناطقية وجهوية، مع مراعاة الاعتبارات الشخصية ومدى إرتباط الأشخاص المعينين بالقيادات العليا في المجلس أو ذات النفوذ والسطوة".

وتابعت "كما تشكلت لجان وهيئات تابعة للمجلس، منها مركز دعم صناعة القرار، غير أن عدم قيامها بأي دور جعلها تظل هامشية وغير معروفة، ويبدو أن الغرض من تشكيلها استمالة بعض الشخصيات التي لم يتم استيعابها في هيئات المجلس وفروعه ودوائره المختلفة".

وفي سياق متواصل تفيد الدراسة أن الفصيل السلفي الذي يمثله بن بريك، يسيطر على غالبية الدعم والتمويل لولائه للداعمين في أبوظبي، ويليه تيار المؤتمر، خاصة بعد انفراط تحالف الحوثي وصالح أواخر العام 2017، وانسحاب قيادات عسكرية وسياسية وإعلامية مؤتمرية من صنعاء إلى المناطق المحررة وإلى خارج اليمن، وتقوية ارتباطهم بالإماراتيين.

ومع أن الخطاب العام للانتقالي يظهر موحداً في الغالب، ترى دراسة مركز أبعاد أن "ثمة قضايا ومفردات تكشف عن الخلافات المرتبطة بالانتماءات السياسية والحزبية والخلفيات الجغرافية والفكرية والتأريخية، من ذلك أن تيار الرابطة يرفض وصف الجنوب باليمني، ويرى أن الجنوب لا علاقة له باليمن، وأن المحافظات الشمالية هي وحدها اليمنية، وتطلق على المحافظات الجنوبية اسم "الجنوب العربي" المعتمد في شعارات الانتقالي".

بينما بيانات وتصريحات صادرة عن الانتقالي تتحدث عن جنوب اليمن، وهو ما يثير انتقادات المحسوبين على الرابطة التي تتهم عدوها اللدود الحزب الاشتراكي بـ"يمننة الجنوب"، مع أن الدولة التي كانت موجودة في الجنوب قبل الوحدة، ويطالب الانتقالي باستعادتها، تسمى "جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية". بحسب الدراسة.

وأشارت الى أن "قيادة الانتقالي عملت من الناحية الجغرافية على أن يكون التوزيع شاملاً جميع المناطق الجنوبية، لاسيما في هيئة الرئاسة والجمعية الوطنية، غير أن ظهور الكتل الجغرافية فيما بعد كشف عن تفوق بعض الكتل الجغرافية".

تأتي في الطليعة كتلة يافع التي تعد أكبر كتلة في المجلس، تليها الضالع، والكتلتان تتقاسمان السيطرة على المجلس ومكوناته العسكرية والأمنية الموالية له، مع وجود استثناءات قليلة.

كما أن الأحداث التي وقعت في الفترة الماضية وسعت تلك الاختلالات، فانحسرت شعبية الانتقالي في مناطق ومحافظات جنوبية على قدر كبير من الأهمية الاقتصادية والاستراتيجية مثل محافظات أبين وشبوة وحضرموت والمهرة ومنطقة الصبيحة بالإضافة إلى مدن وحواضر مهمة مثل عدن التي تراجع حضورها في الانتقالي وتشكيلاته مؤخراً بشكل ملحوظ، من ذلك أن العدني الوحيد الذي كان ضمن قيادات الحزام الأمني "وضاح عمر عبدالعزيز" تمت إقالته والاستغناء عن خدماته واستبداله بآخر من يافع، هو جلال الربيعي.

جندي إماراتي

صنعت دولة الإمارات خلال تواجدها العسكري في جنوب اليمن من الإنتقالي قوة عسكرية تفوق قدرات الحكومة الشرعية التي أرهقتها جبهاتها ضد الحوثيين، الأمر الذي جعل من الإنتقالي دولة مصغرة تدار من أبو ظبي، وهو ما يضمن للإمارات تمرير أجندتها ونفوذها في المنطقة.

أشار مركز أبعاد في دراسته أنه "بعد شهور قليلة على تأسيسه، أصبح المجلس الانتقالي يُمثل دولة داخل الدولة، وبات يمتلك نفوذاً كبيراً بفعل الدعم المستمر من دولة الإمارات التي توجه قيادة المجلس وتشرف على حركته ونشاطه، وتضاعف دعمها للمجلس كلما توترت علاقتها مع الحكومة الشرعية، وهي في الغالب متوترة".

وأضافت الدراسة "تبعًا لذلك أعلن الانتقالي في يناير/كانون الثاني 2018 حالة الطوارئ، وأنه يعتزم الإطاحة بالحكومة نفسها إذا لم يوافق الرئيس هادي على إقالتها، وكان هذا سبباً في الاشتباكات الدامية التي حدثت بعد ذلك الإعلان بأسبوع، بين قوات الانتقالي وقوات الحماية الرئاسية الحكومية.

وتابعت "استمرت المواجهات ثلاثة أيام ولم تتوقف إلا بتدخل السعودية، لتدخل الأوضاع على أثرها مرحلة من المناورة بين الطرفين، اتسمت بالاتهامات المتبادلة، ثم تطورت إلى توترات في شبوة وسقطرى، وبمستوى أقل في مناطق أخرى في الجنوب".

وقالت بعد "نحو شهرين من إعلان أبو ظبي انسحاب قواتها من اليمن في يونيو/حزيران 2019، نشبت مواجهات عنيفة بين القوات الحكومية وقوات تتبع المجلس الانتقالي، على خلفية مقتل القيادي في الحزام الأمني منير اليافعي" أبو اليمامة" بصاروخ استهدف حفلاً عسكرياً أقيم غرب عدن مطلع أغسطس/آب 2019".

وذكرت أنه "على الرغم من كون الحوثيين تبنوا العملية، إلا أن المجلس الانتقالي اتهم الحكومة الشرعية باستهداف اليافعي، وأعلن نائب رئيس المجلس هاني بن بريك النفير العام والزحف إلى القصر الرئاسي في عدن، ورفع شعار تطهير الجنوب من الشرعية التي يتهمها بالولاء والخضوع لحزب الإصلاح".

وتابعت "بعد ثلاثة أيام من المواجهات، تدخلت السعودية وسحبت وزير الداخلية أحمد الميسري، الذي كان يقود المواجهات ضد الانتقالي، ما أدى إلى سيطرة الأخير على عدن.. تحركت على إثره قوات الانتقالي نحو مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين، وأسقطتها وطردت القوات الحكومية منها".

وفي سياق متواصل، أشارت الدراسة الى أن "الأمر لم يقتصر على محافظتي عدن وأبين.. فبعد أيام من السيطرة عليهما بدأت قوات النخبة الشبوانية التابعة للإمارات العمل على إسقاط مدينة عتق عاصمة محافظة شبوة".

وأضافت "قوبلت النخبة الشبوانية برد فعل قوي من القوات الحكومية، لتنتقل المعارك من عتق إلى بقية مناطق شبوة، ومُنيت قوات النخبة بهزائم متلاحقة أمام قوات الحكومة التي أعلنت تحرير محافظة شبوة بالكامل من قوات النخبة يوم الـ26 من أغسطس/آب 2019.

وذكرت أنه "في 29 أغسطس/آب 2019 كانت القوات الحكومية قد استعادت السيطرة على محافظة أبين وتوجهت إلى مداخل عدن تمهيداً لاستعادتها، لكنها فوجئت بقصف جوي من طائرات إماراتية ما أدى إلى مقتل وإصابة قرابة 300 من أفراد الجيش، ليضطر بعدها للانسحاب شرقاً، وعليه سارعت قوات الانتقالي مجددًا للسيطرة على الأجزاء الغربية من أبين، وأحكمت سيطرتها على عدن.

بدورها اتهمت الحكومة اليمنية دولة الإمارات بالوقوف وراء "التمرد العسكري" للمجلس الانتقالي، ما أسفر عن سيطرته على المعسكرات والمؤسسات الحكومية والعاصمة المؤقتة عدن، وما تلته من مواجهات في محافظات أبين وشبوة، وقصف الطيران الحربي الإماراتي للقوات الحكومية في مدخل عدن، وتقدمت الحكومة بشكوى رسمية إلى مجلس الأمن الدولي تستنكر قصف الإمارات لقواتها، وطالبت بعقد جلسة خاصة لمناقشة ما وصفتها بالاعتداءات والتدخلات الإماراتية في اليمن.

خسارة شبوة


في الوقت الذي يعتبر فيه المجلس الإنتقالي نفسه ممثلًا للمحافظات الجنوبية، وجد نفسه في صدامات بينية مع الجنوبيين الذين يكفرون بمساعي الإنتقالي وارتهان بيد الإمارات الممول والراعي الأول لفوضى الإنتقالي في الجنوب، ناهيك عن صدامات مع محافظات جنوبية أبرزها شبوة التي تحاول تجنب العودة الى سيناريو 1986، وتعمل جاهدةً على تجاوز ملف الثأرات الذي لابد من فتحه في حال نفذ الإنتقالي مساعيه في المحافظة.

وبحسب مراقبون أفادت دراسة مركز أبعاد أن "الطبيعة القبلية للمجتمع في شبوة، معقدة ومعظم القبائل ترفض الدور الإماراتي، كما أن عدداً كبيراً من أبناء القبائل المنخرطين ضمن النخبة الشبوانية، رفضوا قِتال أبناء القبائل الموجودين في القوات الحكومية خوفاً من "الثأرات".

فيما لعب المحافظ محمد صالح بن عديو والمسؤولون والقيادات المحلية في المحافظة دوراً كبيراً في تعزيز التسامح والتصالح، وعدم الانجرار للصراعات والحروب. بحسب الدراسة.

وتابعت " إضافةً لرفض القبائل الشبوانية التصرفات العنصرية التي يمارسها الانتقالي ضد المواطنين الأبرياء، فإن خطاب وتصرفات المجلس الانتقالي بدت عدائية وذات عنصرية مناطقية ضد أبناء المحافظات الشمالية، وبعض المحافظات الجنوبية، وهو ما لا يتناسب مع طبيعة القبائل في شبوة حيث تمتلك تداخلاً وترابطًا مجتمعياً كبيرًا مع محافظات شمالية كـ"البيضاء ومأرب" المجاورتين".

فيما أرجعت الدراسة أسباب خسارة الإنتقالي لمعركة شبوة، أنه بحسب مراقبون عائد لكون المحافظة تمتلك خطوط إمداد للقوات الحكومية من طريق بيحان والمنطقة العسكرية الثالثة التي تقع شبوة ضمن نطاقها، بعكس عدن التي حاصرتها القوات الموالية للإمارات.

وأردفت "شبوة محافظة نفطية ويوجد فيها ميناء رئيسي لتصدير الغاز المسال، والسيطرة عليها تعطي إيرادات كبيرة للمجلس الانتقالي، ما يجعله مستمراً في القِتال ضد الحكومة الشرعية، وهو أمرٌ لا يريده الرئيس عبدربه منصور هادي، ولا السعودية التي ترى في شبوة بوابة المنطقة الشرقية "حضرموت والمهرة"، وتعتبرها امتداد نفوذ لها في اليمن.



الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد