تحالف دعم الشرعية... فقدان الرؤية، وأطماع خانت أهداف القضية.

2022-01-02 11:35:02 اخبار اليوم/تقرير خاص

 

 

سبع سنوات من الحرب الدائرة في البلاد، كانت ثمن نمو جماعة الحوثيين وتحولها الى قوة عسكرية هي الاقوى على الإطلاق، بعد أن كانت تنكمش خوفًا من خسارة نفوذها في العاصمة صنعاء، لاسيما مع اقتراب جبهاتها مع الجيش الوطني من اسوار صنعاء.

في المقابل هناك الجيش الوطني الذي استبشر بتواجد التحالف العربي الى جانبه كمعادلة ستفرض معادلة جديدة على واقع المعركة ضد الانقلاب الحوثي.. ليجد نفسه في نهاية المطاف وقد أصبح ضحية لسياسية التحالف التي قزمت قدراته وخذلت جبهاته في كثير من الأوقات.

وخلال العام 2021، ساهم التحالف العربي بدرجة أساسية في تعزيز نفوذ الحوثيين في الجوف ومأرب، لا سيما مع ما شهده معسكر الجيش الحكومي من خذلان عسكري ولوجستي، بدأه التحالف العربي بسحب منصات الباتريوت، واختتمه بسقوط اجزاء كبيرة من محافظة مأرب المعقل الأخير للحكومة الشرعية المعترف بها دوليًا.

خيانة مباشرة

يقف الجيش الوطني في موقف لا يحسد عليه، عقب التحولات المتسارعة في خريطة السيطرة والنفوذ في مأرب شمالي شرق البلاد، ليكون عليه حصد عواقب ثقته بالتحالف العربي في تدعيم وسند المعركة على كافة المستويات، عسكرياً وسياسياً واقتصادياً.

وعلى مدار عامين، ظلّت مأرب مسرحاً لمعركة فاصلة بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثيين، حيث رمى الطرفان بكل أوراقهما في داخلها، نظراً للأهمية الاستراتيجية التي تحتلها كآخر معاقل الحكومة الشرعية في مناطق شمال اليمن، وأهم مواردها الاقتصادية، فيما ينظر لها المجتمع الدولي على أنها خط النهاية المحتمل لحرب مدمرة اندلعت لحظة الانقلاب الحوثي في الـ21 من سبتمبر/أيلول 2014.

استفادت الحكومة اليمنية من استبسال قبائل مأرب في الدفاع عن أراضيهم كتفاً بكتف بجانب قوات الجيش، لكن تخاذل التحالف العربي وانحرافاته التي برزت على السطح أخيراً، والمكاسب الحوثية السريعة التي انتهت بالسيطرة على الشريط الجنوبي للمحافظة، الممتد من رحبة وماهلية وحريب وصولاً إلى العبدية والجوبة، يجعل الحكومة في مأزق حقيقي.

لاسيما وقد عمل التحالف العربي على شل قوى الجيش الوطني عسكريًا، من خلال قطع الدعم اللوجستي وتعطيل قواه البشرية عبر وقف مرتباته، وممارسة سياسة الاذلال والتجويع بحق منتسبي الجيش.

فيما يذهب التحالف العربي لنفخ تحركاته الميدانية في جبهات الجيش الوطني إعلاميًا وتهويل ما يقدمه عبر ضخ هائل ومبالغ فيه لإحصائيات لا تكاد ترقى لمستوى الحدث، وهو ما كشفته مصادر عسكرية تحدثت لوسائل إعلامية.

حيث كشف مصدر عسكري رفيع في وزارة الدفاع اليمنية، لموقع 'بلقيس'، في وقت سابق، إن الأرقام التي يعلن عنها التحالف العربي لضحايا مليشيا الحوثي إثر غاراته الجوية، التي شنها خلال معركة الجيش في مأرب، فيها نوع من المبالغة. 

وبشكل يومي بات يعلن التحالف أرقاما كبيرة لأعدد القتلى في صفوف مليشيا الحوثي تقدّر بالمئات، في الوقت ذاته، يشير واقع الحال أن كل معلومة يقدمها التحالف العربي ليس سوى فقاعة منفوخة لا تهدف لغير بيع الهراء لا أكثر.

وبخصوص حقيقة الموقف السعودي من معركة مأرب، قال مصدر عسكري لـ"أخبار اليوم" -طلب عدم الكشف عن هويته - إن السعودية عملت على سحب معداتها الدفاعية وبقية قواتها خلال العام 2021، وتغيّر موقفها بشكل غير مفهوم. 

وربط المصدر ذلك التغيّر بالتفاهمات المباشرة والمبرمة بين السعودية والحوثيين والتي، حيث شهدت الفترة الأخيرة من العام 2021 الكثير من اللقاءات بين مسؤولين سعوديين وآخرين حوثيين لأكثر من مرة، حتى باتت السعودية تظهر عدم اكتراثها لتوسع الحوثي، وبسط نفوذه على ما تبقى من مديريات محافظة مأرب الغنية بالنفط، التي تعد آخر معاقل الحكومة الشرعية. 

لو كان للسعودية رغبة حقيقية في وقف تمدد جماعة الحوثي لكانت أبقت على دفاعاتها الجوية، ولم تترك الجيش الوطني عرضة لهجمات الحوثي وطائراته المسيّرة وصواريخه الباليستية، وتوجهت لمساندة الجيش في فك الحصار عن "العبدية" التي رزحت تحت رحمة مدافع الحوثيين لأسابيع قبل تمكنهم من اقتحامها.

او انها على الأقل ستتوجه لاستهداف تعزيزات الحوثي باتجاه جبهات مأرب، وتدمير أسلحته الثقيلة التي باتت تشكّل فارقاً حقيقياً في المعركة. 

يبدو أن سبب هذا الشتات الذي واجهه التحالف العربي خلال الفترة الماضية، يعود الى طبيعة الضغوط التي باتت تواجهها السعودية في إدارتها ملف اليمن، وكذلك الصراع الخفي داخل أروقة النظام السعودي نفسه، إضافة إلى رغبة الرياض في عدم حسم المعركة خلال أكثر من ستة أعوام، من أجل القضاء على ما تبقى من القوى الوطنية والتفرغ بعدها لرسم خارطة النفوذ والمصالح التي تريد تقاسمها مع حليفتها الإمارات، وبقية الأطراف الدولية. 

فيما لم تعد السعودية والإمارات اللاعبين الوحيدين في اليمن، إذ أصبح هناك الرغبات البريطانية وغيرها من القوى الدولية، التي تضع أعينها على أهداف معينة، لاسيما في المياه اليمنية الإقليمية والجزر والموانئ الاستراتيجية.

انسحابات ميدانية.

لم يكتفي التحالف العربي بإرهاق معسكرات الجيش الوطني عبر سياسة التجويع وسحب الدعم اللوجستي، بل أنه توجه لزعزعة جبهاته ضد الحوثيين متخذًا في سبيل ذلك سياسة الموازنة العسكرية على الأرض بهدف تحقيق أغراضه السياسية في اليمن.

وفي أواخر العام 2021، بعد أن تحرك أبناء شبوة ومحافظهم السابق بن عديو للمطالبة بحق بلدهم وثرواتها، علها بذلك تتمكن من فك الأزمة الاقتصادية على اليمنيين، فبدأت مواقع الجيش تتساقط في جبهات المحافظة وتعلن جماعة الحوثي سيطرتها على مواقع الجيش محرزة تقدمات ميدانية.

ليست شبوة وحدها التي وقعت ضحية الخيانات العسكرية للتحالف العربي، ولكنها كانت جزء من خياناته التي شتت جبهات الجيش ومكنت الحوثيين من التوغل في المناطق المسيطر عليها من قبل الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا، والتي دخل التحالف العربي الى الأراضي اليمنية بحجة استعادة شرعيتها.

هناك مأرب وقبلها الجوف، تتابعت الانهزامات العسكرية للجيش الوطني في جبهات الجوف، وفي الوقت الذي كان يصمد فيه أفراد الجيش، كان يتعرض لقصف جوي من طيران الحليف، فيسقط الموقع ويتبعه آخر برعاية سعودية اماراتية تبرر فيما بعد بأنها حدثت عن طريق الخطأ.

جاء الدور على مأرب، فقد الجيش الوطني السيطرة على سير المعركة ضد الحوثيين، توالت الخسائر وكثرت هزائمهم فيما التحالف يتفرج بنظرة عن كثب دون أن يحرك ساكن، معتمدًا على اتفاقات سرية جرت بين مسؤولين سعوديين ومن جهة أخرى حوثيين، حتى باتت الجماعة تطرق أبواب مأرب.

تفرج التحالف العربي على حصار العبدية واكتفى بشم رائحة الدم المتصاعد من جثث قتلى الجيش الوطني، غارات جوية بالغ بإحصاءاتها، ارقام خيالية دفع بها عبر وسائل إعلامية تابعة له، ومتحدث يبيع الوهم لليمنيين.

انقضى الأسبوع الأول من حصار العبدية، راح ضحيته مئات الشهداء من أبطال الجيش الوطني والقبائل التي جسدت صورة من صور المقاومة الشعبية، ناشدوا التحالف لإنقاذهم الا أنه وكعادته اكتفى بالبيانات الاعلامية التي لا تغني من جوع ولا تؤمن من خوف.

سقطت العبدية، وسقطت معها أقنعة التحالف العربي، وقبلها سقطت حجور حجة، وحيمة تعز، ولم يتغير شيء بل استمر التحالف يزود اليمنيين بخيبة الأمل ويمنح الحوثيين فرصة بناء دولته المنشودة.

كيانات تخنق الدولة.

في إطار الأنشطة المشبوهة للتحالف العربي في اليمن ومنذ بداية تدخله لصد الانقلاب الحوثي على الحكومة الشرعية في العام 2015، افرز التواجد العسكري لتحالف دعم الشرعية كيانات صنعت انقلابها الخاص بتمويل خليجي.

احتلت الإمارات جزر اليمن وخطوطها الساحلية، مولت المقاتلين وبنت معسكرات الوكالة الخاصة بها، طردت الحكومة الشرعية وطردت الجيش من معظم المحافظات الجنوبية بعد أن تركت معسكراتهم تتضور جوعًا.

نفذت الإمارات اجندتها برعاية سعودية، تقاسموا مناطق حيوية فيما بينهم، أنهكوا اقتصاد البلاد وفرطوا بقيضة اليمنيين، وفي نهاية المطاف تفرجت الدولتين على مأساة اليمن وهي تفقد آخر معاقلها التي تمثل حصن حلمها بدولة جمهورية مدنية.

خيانات التحالف العربي أفرزت المكونات العسكرية واكتفت بهم لتثبيت وجودهم في مناطق حيوية، فيما معركة الجيش الوطني تركت جائعة تواجه مصيرها وتناشد المجتمع الدولي للتخفيف من وطأة حرب الحوثيين عليهم.

تمرير مكشوف.

فرض التحالف العربي ما اسماه بالحظر الجوي على اليمن بهدف منع وصول الأسلحة للحوثيين، فيما استمر الدعم المادي واللوجستي الإيراني يصل الحوثيين بشكل مباشر وطبيعي، فهل يتعقد التحالف العربي أن اليمنيين سيعتقدون أن لهذا الدعم ممرات اخرى لا يشرف عليها التحالف.

خلال العام 2021، كانت اليمن تستعد لأكبر خيبة أمل أشرف عليه التحالف، ففي الوقت الذي يعتقد فيه الناس ان الحوثيين محاصرون جويا وحريا، كانت صنعاء المسيطر عليها من قبل الجماعة، بصدد استقبال رجل المخابرات الأول في الحرس الثوري الايراني وأبرز مهندسي حروب إيران في المنطقة، والذي منح اسما دبلوماسيا يصفه بسفير دولة إيران لدى الحوثيين.

تطورت معسكرات الحوثيين وزادت كفاءة اسلحتهم، تمكنوا من تصنيع طائرات مسيرة برعاية واشراف إيران وذلك كله على مرأ ومسمع من قيادة التحالف العربي، ناهيك عما شهدته جبهات مأرب من حرب حوثية همجية خلال العام 2021، كانت تدار وفق استراتيجية يرسمها ويخطط لها حسن ايرلو الذي دخل اليمن بداية العام.

لا تتوقف خيانات التحالف العربي عن سقف واحد، بل تجاوزت كل التوقعات، والأيام ماتزال تكشف خيانتهم وتمريرهم لملفات استخباراتية لجماعة الحوثيين، لاسيما فيما ستعلق بمعركة مأرب التي كثيرا ما تفاجأت فيها معسكرات الجيش الوطني بخروقات وصلت الى قلب المدينة.

الأكثر قراءة

المقالات

تحقيقات

dailog-img
كيف تحوّلت مؤسسات صنعاء إلى “فقَّاسة صراع” الأجنحة داخل جماعة الحوثي؟ (تحقيق حصري)

حوّل خلاف موالين لجناحين (متشددين) متعارضين داخل جماعة الحوثي المسلحة “جلسة مقيّل” خاصة- بالعاصمة اليمنية صنعاء خلال عيد الأضحى المبارك- إلى توتر كاد يوصل إلى “اقتتال” في “مجلس” مليء بالأسلحة والقنابل ا مشاهدة المزيد

حوارات

dailog-img
وزير الدفاع يتحدث عن الحرب العسكرية ضد ميليشيا الحوثي ويكشف سر سقوط جبهة نهم والجوف ومحاولة اغتياله في تعز ولقائه بطارق صالح وتخادم الحوثيين والقاعدة وداعش

كشف وزير الدفاع الفريق ركن محسن محمد الداعري، ملف سقوط جبهتي نهم والجوف، بقبضة ميليشيا الحوثي، للمرة الأولى منذ تعيينه في منصبه. وأشاد الداعري، في حوار مع صحيفة "عكاظ" بالدعم بالدور المحوري والرئيسي الذي لعبته السعودية مشاهدة المزيد