الاقتصاد اليمني... أزمة صنعها الجميع، والحكومة الشرعية تتحمل الهزائم.
الموضوع: تقارير

  


رغم الإجراءات التي اتخذها البنك المركزي اليمني في عدن خلال الأشهر الماضية، إلا أن العملة المحلية آخذة في التدهور بصورة غير مسبوقة، الأمر الذي دفع بالكثير من اليمنيين للخروج الى شارع تنديدا بتردي الاوضاع وتدهور الاقتصادي المتسارع، الأمر الذي طرح الكثير من التساؤلات حول فساد البنك المركزي اليمني، وما اذا كان التحالف العربي يستخدم العملة الوطنية كورقة ضغط لتمرير سياساته في الداخل اليمني.

ففي الإعلام تتواصل تصريحات معين عبد الملك بالنهوض بالاقتصاد ودعم العملة المحلية، وفي حين يزداد واقع الاقتصاد اليمني انهيارا، وتفقد العملة المحلية قيمتها، والكل مستمر في مجاله رئيس الوزراء يواصل التصريحات المبشرة بالنهوض والتنمية، والاقتصاد يواصل الانهيار .

غياب الدور الحكومي

يقول خبراء اقتصاديون أنه بالرغم من التشكيل الحكومي الجديد الذي جاء بموجب اتفاق الرياض والذي كان يفترض أن ينهي الصراع بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي خلال العام الماضي، لكنّ الأداء الحكومي في مواجهة التحديات الاقتصادية لم يتغير خلال الأشهر الماضية لعام 2021.

قال الأستاذ المساعد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة عدن الدكتور سامي محمد قاسم في حديث لـ سوث24، "أن أداء الحكومة الجديدة ضعيف وذلك لعدة أسباب منها؛ الحكومة ليست متخصصة، حيث تفتقر لخطة عمل استراتيجية سواء قصيرة أو متوسطة الأجل وذلك لسببين الأول أنّ الحكومة لم تستطع تحديد الموارد وذلك يظهر من خلال عدم إعلان الحكومة موازنتها السنوية."

والسبب الثاني، وفقا للخبير الاقتصادي "هو ضعف الأداء للمكاتب الحكومية وضعف التحصيل للموارد المالية المركزية أو المحلية بالإضافة لضعف أداء إدارة البنك المركزي وغياب الكفاءات في إدارته وانتشار الفساد المالي والإداري وضعف الأجهزة الرقابية وعدم وجود استراتيجية واضحة للأجور وضوابط تحدد كيفية الصرف."

من ناحيته، اعتبر الصحفي المختص في الشأن الاقتصادي ماجد الداعري في تعليق لـ "سوث24، أنّ "الوضع الاقتصادي في أصعب مراحله باليمن مع فشل الحكومة اليمنية في إدارة ملف الخدمات وصرف المرتبات وتفعيل عمل المؤسسات وإدارة القطاع المصرفي والحفاظ على أدنى مستوى من استقرار صرف عملتها المحلية مقارنة بمناطق مليشيات الحوثي."

مستقبل الحكومة

لا يطرح الانهيار الذي لحق بالعملة المحلية مؤشرات خاصة بالأزمات الاقتصادية الداخلية بقدر ما يحمل أبعادًا سياسية تتمثل في اندلاع احتجاجات شعبية في مختلف المحافظات.

وخلال الفترة الماضية اندلعت التظاهرات الشعبية في عدة محافظات يمنية مثل عدن وحضرموت وتعز، على خلفية تراجع الريال، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع الأسعار وخاصة أسعار السلع الأساسية والوقود.

يقول، شلال العفيف، الباحث اليمني في العلوم المالية والمصرفية، إن الريال اليمني يواصل تدهوره المتسارع والمخيف إلى مستوىَ قياسي جديد للمرة الأولى في تاريخه أمام العُملات الأجنبية، في ظل عجز الحكومة والبنك المركزي، عن وقف التدهور للعملة المحلية، رغم الإجراءات المعلنة بشأن ذلك.

ويضيف في حديثه لـ"سبوتنيك"، يأتي هذا الانهيار للعملة المحلية وسط تفاقم الأزمة الإنسانية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بشكل كبير في البلاد وهو ما يهدد بمجاعة.

تدهور سعر العملة المحلية أمام العملات الأجنبية أفقد الحكومة الشرعية ثقة الشارع، ما جعلها عرضة للتشكيك وباتت شرعيتها تتآكل يومًا بعد آخر، لاسيما مع ما يشهده المجتمع من تمارض الحكومة ونومها على أوجاعهم.

صناع الأزمة.

يعمل التحالف العربي بقيادة السعودية منذ سنوات على تدمير الاقتصاد اليمني بشكل ممنهج وتجويع أبناء اليمن واهانتهم وإذلالهم، ولذا جاء بهذه السلطة الفاشلة من الأدوات التي تعمل معه ضد وطنها وشعبها ووضعها في الفنادق ومنعها من العودة إلى اليمن، وأوجد على الأرض انقلابات ومليشيات وأغلق المطارات والموانئ والمنشآت الاقتصادية.

وعندما تحرك محافظ شبوة محمد صالح بن عديو لإخراج القوات الإماراتية من منشأة بلحاف الغازية التي كانت تدر على خزينة الدولة اليمنية قرابة 4 مليار دولار سنويا، وتوظف 10 ألف عامل يمني، تدخلت السعودية للإبقاء على القوات الإماراتية في منشأة بلحاف ومنع تشغيلها.

كما قامت الإمارات بتحريك أدواتها في الداخل والإيعاز لمليشيا الانتقالي للتحرك لإثارة الفوضى والعنف وزعزعة الأمن والاستقرار في شبوة، واعطت الضوء الأخضر لجماعة الحوثيين التي حركت مسلحيها نحو شبوة في تصعيد عسكري مفاجئ.

كان ذلك عقاب لأبناء شبوة الذين تجرأوا وطالبوا بتشغيل منشأة بلحاف الغازية، ورسالة من الإمارات والسعودية تقول لأبناء شبوة: أما أن تسكتوا وتدعونا نواصل تجويع أبناء اليمن وتدمير اقتصادهم وإهانتهم وإذلالاهم أو سنأتيكم بأدواتنا من اليمنيين وبالمليشيا المسلحة من كل جانب.

فيما منعت السعودية والإمارات الشركات النفطية الأمريكية والفرنسية والنمساوية من العودة للعمل في اليمن وأرسلت لها خطاباً رسميا في منتصف مارس آذار 2016م تؤكد فيه على منعها من العودة إلى اليمن ووجهت الحكومة اليمنية بعدم الموافقة على عودتها للعمل في القطاعات النفطية والغازية باليمن بذريعة أن الأوضاع غير مستقرة أمنيا رغم أن محافظتي حضرموت وشبوة فيها أكبر قدر من الاستقرار باليمن.

فيما أصدرت السعودية والإمارات توجيهات لوزارة النفط اليمنية بمنع تشغيل القطاعات النفطية والغازية في شبوة وحضرموت باستثناء 15 % من هذه القطاعات فقط.

ومنعت المنظمات الدولية من التعامل مع البنك المركزي بعدن وتحويل المساعدات المقدمة لليمن عبره وأصرت على أن تفتح هذه المنظمات حساب في عمان بالأردن، وبعدها تأتي هذه التحويلات عبر مؤسسة النقد العربي السعودي، ومنها عبر المنظمات العاملة في اليمن، وليس عبر البنك المركزي اليمني حتى لا يتقوى سعر الريال اليمني بوجود مئات الملايين من الدولارات في البنك المركزي بعدن.

كما منعت السعودية والإمارات عبر حكومة معين عبد الملك تشغيل ميناء قنا بشبوة وضغطت على السلطة المحلية لإيقافه.

تضارب سياسي

في 18 أيلول/سبتمبر 2016، أصدر الرئيس عبدربه منصور هادي قرارًا جمهوريًا يقضي بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن، ليبدأ بذلك صراع العملات وتسيس الملف الاقتصادي.

في المقابل، احتفظت جماعة الحوثيين وسلطتُها الناشئة ببنك صنعاء كمصرف موازٍ خاص بتعاملاتها المالية ونشاطها الاقتصادي، يرسُم السياسة النقدية لصنعاء ويدير قطاعها المصرفي.

في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه، شرعت الحكومة الشرعية بطبع أوراق نقدية جديدة قُدرت بنحو ترليون و700 مليار ريال، فقابل “الحوثيون” هذا الاجراء بقرارات تحظر تداول الطبعة الجديدة من العملة في نطاق سيطرتهم، ما أدى إلى تباين في أسعار الصرف بين المحافظات اليمنية، وأنتج انقسامًا نقديًا ألقى بظلاله على مختلف المناحي الاقتصادية والمعيشية في البلاد، فأصبح للعملة في مناطق سيطرة الحوثيين سعرٌ تختلف قيمته عن سعرها في مناطق سيطرة حكومة هادي.

صارت لليمن إذًا عملتان مختلفتان في الشكل وفي القيمة. ومع تعمّق الانقسام النقدي، ظهرت القيود والمعوقات أمام التحويلات المالية بين المحافظات، ووقعت البلاد في أزمةٍ اقتصادية وإنسانية حادة، وفق توصيف بعثة “صندوق النقد الدولي” إلى اليمن في تقريرها الصادر في الثالث من حزيران/يونيو 2021.

أشار التقرير إلى أن الصراع الدائر في البلاد منذ ستة أعوام تسبّب في إعاقة الاقتصاد اليمني وتقسيم البلاد فعليًا، في الوقت الذي شارفت فيه احتياطيات النقد الأجنبي على النفاذ، وزادت الضغوط على الموازنة بشكل حاد. كما ضاعفت جائحة “كوفيد-19” من الأزمة مع تراجع تحويلات العاملين في الخارج بشكل مضطرد، وانخفاض أسعار النفط وإيراداته، الأمر الذي أدى بدوره إلى هبوط سريع في سعر صرف العملة اليمنية، وارتفاع حاد في أسعار الغذاء.

أدى قرار طبع العملة الجديدة إلى بروز مشكلة تمثلّت بتضخّم رسوم الحوالات المالية من مناطق حكومة عدن إلى مناطق سيطرة الحوثيين، والتي تجاوزت في الآونة الأخيرة الـ 62%، فارتدّ ذلك سلبًا على الحياة المعيشية لليمنيين، لا سيما في محافظات سيطرة حكومة عدن.

وتباينت أسعار الصرف بين المحافظات التي تديرها حكومة هادي وتلك الواقعة تحت سيطرة “الحوثيين”. إذ تضبط جماعة الحوثيين سعر الصرف في المناطق الخاضعة لها من خلال كبح الطلب وتقليص المعروض النقدي من العملات الأجنبية، نتيجة استخدامها النظام المصرفي الثابت، وإن كان ذلك بشكل غير معلن رسميًا.

ويقول الصحافي الاقتصادي وفيق صالح لـ”أوان” إن هذا النظام المصرفي مناقض بشكل كلّي للنظام المصرفي الذي تعتمده حكومة عدن، وهو نظام التعويم الحر. ويشير إلى أن نظام التعويم الكامل يفتح المجال واسعًا أمام عملية المضاربة والطلب على شراء العملات الصعبة في السوق المصرفية، وهو ما يجعل عملية تحديد سعر الصرف خاضعة لآلية العرض والطلب في السوق المصرفية.


اخبار اليوم/تقرير خاص
الخميس 02 ديسمبر-كانون الأول 2021
أتى هذا الخبر من صحيفة أخبار اليوم:
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/news_details.php?sid=142180