في ظل اختفاء مواد الوقود رسمياً..: المشتقات النفطية ..سوق سوداء تملأ شوارع صنعاء يديرها نافذون
الموضوع: تحقيقات

مع تفاقم الأوضاع الأمنية في صنعاء وانعدام المشتقات النفطية في جميع نقاط البيع الحكومية وكذا المحطات الخاصة، بالإضافة إلى اختفاء اسطوانة الغاز المنزلي , بدأت أمانة العاصمة في التحول من مدينة تعج بالمواطنين المدنيين إلى ثكنات عسكرية تنتشر في كل شوارعها وأحيائها..
 فحين تخرج عادة إلى الشارع في الصباح الباكر تجد الشوارع قد تحولت إلى خلية نحل كل يتجه إلى مكان عمله وطلب الرزق والطلاب يملؤون الشوارع ذهاباً وإياباً إلى مدارسهم أو يلعبون في الأزقة والحواري.
 أما اليوم، فالمشهد قد تغير تماماً، فالشوارع أصبحت شبه فارغة من الناس في حين يتجول فيها رجال يحملون أسلحة متنوعة ويرتدون زياً مدنياً.



                        ( الحكومة واللقاء المشترك )
قد يكون سبب رحيل اغلب المواطنين من شمال صنعاء هو تفاقم الوضع الأمني والمعركة الدائرة بين النظام وأولاد الأحمر التي جرت ويلاتها على اغلب القاطنين في ذلك الجزء من العاصمة , لكن في بقية أجزائها كانت صعوبة الحياة في ظل اختفاء مشتقات النفط والغاز المنزلي والنتائج المترتبة بسببها والتي اشتدت أزمتها خلال الأشهر الستة الماضية هي من جعلت غالبية السكان ينزحون عن هذه المدينة البائسة ...

ففي البدء اختفت اسطوانة الغاز المنزلي حتى تراوح سعرها إلى خمسة أضعاف سعرها الرسمي ( ألف وخمسين ريال ) إلى خمسة آلاف ريال وأكثر .
ثم اختفت مادة البترول لتلحق بها مادة الديزل وأصبح مشهد المركبات المتراصة بالمئات على طول الشوارع أمام المحطات منظراً يومياً اعتيادياً في البحث عن تلك المواد .
وإزاء كل هذا اتهمت الحكومة أحزاب اللقاء المشترك بافتعال هذه الأزمة وقيام عناصر المشترك بقطع الطرقات وتفجير أنابيب النفط في محافظة مأرب للتضييق على النظام والتعجيل برحيله .
فيما اعتبرت أحزاب المشترك أن انعدام مادتي البنزين والغاز وتصاعد وتيرة انقطاع الكهرباء المبرمج هي أزمات يفتعلها النظام ويحاول استغلالها بهدف ابتزاز المواطنين ومواقفهم وحرمان غالبيتهم منها.
وعبرت عن إدانتها لهذه التصرفات واستمرار الرئيس صالح ونظامه في اصطناع الأزمات، وقيامه بتضليل الرأي العام بشأن أسبابها والمتسببين فيها وتوجيه الاتهامات للآخرين .
ويرجع محللون سياسيون أزمة الوقود في اليمن إلى تراجع إنتاج اليمن من النفط الخام بشكل كبير بعد وقوع تفجير أنبوب النفط منتصف مارس الماضي بسبب خلاف بعض رجال قبائل من محافظة مأرب مع السلطة .
ولتخرج الحكومة من هذا المأزق، فقد قامت بالترويج لحلول تقوم بها من اجل حل هذه الأزمة , حيث أعلنت وكالة سبأ قبل يومين وصول الناقلة الصينة اتلنتك نيوز إلى ميناء الزيت بمصفاة عدن القادمة من ميناء صلالة العماني وعلى متنها 37 ألف طن متري من مادة الديزل المخصص للتسويق المحلي لمحطات الوقود العاملة في أمانة العاصمة وبقية محافظات الجمهورية .
وسيتم توزيع الشحنة المذكورة بنظام الحصص لتلبية احتياجات المواطنين من هذه المادة .
كما وصلت الناقلة كاملوت وعلى متنها قرابة 671 ألف طن من مادة الغاز المسال للطبخ المنزلي والواصلة من ميناء صلالة العماني من سلطنة عمان , وهي مخصصة للشركة اليمنية للغاز وأشارت الحكومة إلى أن هذه الكميات ستوزع على محلات بيع الغاز في أمانة العاصمة وبقية محافظات الجمهورية لتلبية احتياجات المواطنين من مادة الغاز المنزلي .
وأفادت البيانات الملاحية بأنه يوجد لدى الشركة كميات كبيرة من اسطوانات الغاز المخزونة وقد وضعت الشركة خطة إجرائية لعملية الخزن والتوزيع عند الحاجة الضرورية وبنظام المراقبة من قبل مديري عموم مديريات محافظات الجمهورية وأمانة العاصمة .
وكانت الحكومة قد أعلنت مسبقاً عن قيامها بتوزيع اسطوانات الغاز عن طريق عقال الحارات في العاصمة، كما أكدت على ضرورة تعبئة كميات محددة من الوقود في المحطات وقامت بعض المحطات الحكومية والخاصة بمنع تعبئة البراميل وباعت كميات محدودة لأصحاب السيارات , حيث أكد ذلك كثير من المواطنين المترددين على تلك المحطات، بينهم نبيل عطا الذي اخبرنا أن أكثر من محطة بترول تردد عليها لم يستطع تعبئة أكثر من عشرين لترا في كل محطة استطاع أن يجد فيها بترول خلال الأسبوع الماضي .

                   ( سوق سوداء تملاء شوارع صنعاء )

لكن إزاء كل هذه الإجراءات التي لم تخرج لحيز التنفيذ إلا بصورة شكلية، فقط ظهرت خلال الأيام القليلة الماضية وبصورة واضحة أسواق سوداء في بعض شوارع العاصمة لكل مشتقات النفط من بترول وديزل واسطوانات غاز وبكميات هائلة يقوم ببيعها مواطنون عاديون في وضح النهار جهارا، دون أن يسألهم احد مجرد السؤال من أين أتت كل تلك الكميات، فيما محافظات اليمن كاملة تعاني من اختفاء تلك المواد .
فمثلا في جولة مأرب بشمال العاصمة ترتص مركبات نقل مختلفة الأحجام يعتليها بحسب بعض الشهود مواطنون من قبائل مأرب يحملون أسلحتهم ويبيعون كل تلك المواد للمواطنين الذين يتهافتون عليها وتنشب بين الحين والأخر خلافات واسعة تنتهي بعضها بإطلاق النار بسبب الاختلاف في الأسعار أو في الكميات أو لأسباب أخرى .
وعلى الجانب الأخر من العاصمة حيث يقع السوق الأكبر تظهر مركبات نقل على امتداد شارع خولان الرئيسي محملة بمشتقات النفط واسطوانات الغاز وحشود كبيرة من المواطنين ملتفين حولها في مفاوضات مع أصحابها للحصول على أسعار مناسبة، فيما أصحابها يصرون على فرض أسعار مرتفعة وفي ذلك يقول احد البائعين بصوت عالي ( إلي ما يعجبهش يخطى رجل )
وتقل حركة البيع على اسطوانات الغاز التي انخفض سعرها إلى ألفين وسبعمائة ريال بعد أن وصل سعرها إلى أكثر من خمسة آلاف ريال الشهرين الماضيين .
فيما شهدت مادة الديزل ارتفاعاً ملحوظاً في سعرها لانعدامها تماماً في المحطات المخصصة لبيعها للمواطنين واعتماد شريحة واسعة منهم عليها في اغلب أعمالهم وأرزاقهم، حيث وصل سعر الدبة الواحدة ( عشرين لتر ) من أربعة إلى سبعة آلاف ريال وهي اقل توفرا في السوق السوداء من بقية المواد الأخرى، فيما لا يتجاوز سعرها الرسمي الألف والسبعمائة ريال فقط .
ويتراوح سعر دبة البترول في هذه السوق مابين الثلاثة آلف وخمسمائة ريال إلى الأربعة آلاف وهو متوفر بشكل جيد في تلك الأسواق .

            ( طرق مختلفة لجلب الوقود إلى صنعاء )

وعن الأماكن التي يتم إحضار هذه المواد منها، أكد احد البائعين انه يتم جلبها من محافظة مأرب عبر طرق وعرة بسبب انقطاع الطرق الرسمية ومنع دخول السيارات والناس إلى مدينة صنعاء.
فيما أشار بائع آخر بأنه يحضر بضاعته من محافظة الحديدة وبنفس الطريقة، بينما قال ثالث بأنه يحضرها من محافظة شبوة ويقوم بدفع ( حق القات ) للعساكر في نقطة دخوله لصنعاء للسماح له بالدخول ببضاعته.
لكن احد رجال الأمن والذي كان متواجداً هناك لشراء مادة البترول لسيارته، أكد أن هذه المواد يتم أخراجها من معسكرات مختلفة في صنعاء عبر ضباط وقادة , ويتم المتاجرة بها تحت رؤية ومساندة أعضاء المجالس المحلية وحماية بعض البلاطجة الذين يتم رشوتهم لتسهيل هذه العملية في ظل تغاضي الحكومة عنها . فيما أكد عدد كبير من المواطنين على هذا الاحتمال لأنه غالبا ما يتم تهريب هذه المشتقات عند حدوث مثل هذه الأزمات في العاصمة طوال السنوات الماضية.
وأوضح احد المطلعين على هذه الأسواق أن التاجر يربح من خلال هذه العملية مابين المائة وخمسين وثلاثمائة ألف ريال في الحمولة الواحدة لناقلته، حيث يتم تعبئة تلك المواد عادة في براميل كبيرة لا تتعدى تكلفة البرميل العشرة آلاف ريال، فيما هو يبيعه بحدود الأربعين ألف ريال وتكون الناقلة محملة خمسة براميل أو أكثر .
              *( مواد مغشوشة ... واسطوانات غاز مائية ورملية )

أشار محمد قاسم إلى أن بعض اسطوانات الغاز تكون معبأة بالماء عوضاً عن مادة الغاز، مؤكدا انه اشترى واحدة قبل شهر واكتشف في منزله أنها عبارة عن اسطوانة ماء وليست غاز , وان البعض يعبئ تلك الاسطوانات بالرمال وبكمية بسيطة من الغاز , فيما أوضح علي الواقدي بأنه يقوم بهز اسطوانة الغاز للتأكد من خلوها من الرمل وفتحها للتأكد من أنها معبأة بالغاز ثم يقوم بشرائها .
وذكر صادق المهذري أن بعض مواد الوقود تكون مخلوطة بنسب متفاوتة بالماء وكثيرا ما تحدث مشاحنات بسبب ذلك بين البائعين والمشتريين .
هذا فيما تراهن مواطنان على أن أكثر هذه المواد مغشوشة وأثناء التحقق من ذلك قام بعض الباعة ومن يحميهم بطرد هؤلاء المواطنان وتهديدهما بالاعتداء عليهما .
علي العميسي سائق باص كان يشتري دبتي بترول أكد أيضا انه يتم خلط البترول و الديزل بكميات بسيطة من الماء، مشيراً إلى انه اشترى الدبة بأربعة آلاف ويضطر وكثير من زملائه سائقي الباص إلى شراء الوقود بهذه الأسعار ليواصلوا عملهم الذي هو مصدر رزقهم الوحيد وبسبب ارتفاع سعر هذه المواد فقد اضطر أصحاب المواصلات العامة إلى رفع أجرة المواصلات من ثلاثين ريالاً إلى أربعين ريالا للراكب الواحد .
             ( غياب الجهات المسؤولة وتواطؤها )               
محمد العذري أشار أيضا إلى نشوب خلافات متفرقة بين مواطنين وأصحاب الحافلات العامة بسبب رفع أجرة المواصلات، حيث رفعها البعض إلى خمسين ريالاً للراكب الواحد حتى وصل بعض هذه الخلافات إلى الضرب , مؤكدا أن الجهات المختصة لم تحرك ساكناً بسبب هذا الارتفاع في أجرة المواصلات كما كانت تفعل في السابق، مشبها ما يجري بالفوضى وان كل شخص أصبح يحدد تكلفته كما يريد دون أي رادع , فيما توقف عدد كبير من السائقين عن العمل أو غادروا صنعاء مع عائلاتهم، مما أدى إلى قلة وجود المواصلات العامة ورضوخ الكثير لهذه الارتفاعات
فيما ذكرت منى العاقل أن سائقي سيارات الأجرة الخاصة أيضا قاموا برفع الأسعار للمشاوير إلى الضعف بالرغم من قلة الازدحام التي كانوا يتعللون بها في السابق .
وأضافت صديقتها منال العريقي أن أسرتها القاطنة في الحصبة عندما غادرت صنعاء قبل ثلاثة أيام اضطرت لاستئجار سيارة خاصة بسبعين ألف ريال لتوصلهم إلى قريتهم في محافظة تعز مشيرة إلى ارتفاع تكلفة الراكب الواحد إلى سبعة آلاف ريال وأنها كل يوم في ازدياد، فيما كانت لا تزيد عن ألفي ريال في السابق .
ولم تقف النتائج المترتبة لاختفاء هذه المواد الأساسية للحياة عند هذا الحد بل تشعبت آثارها السيئة لتصل إلى مناحي عدة في حياة المواطن اليمني المنكوب .
ومنها قوت يومه الضروري، حيث أغلقت عدد من المخابز لعدم توفر مادة الديزل، فيما قام بعض أصحاب المخابز برفع سعر قيمة الرغيف أو تقليص حجمه لمواجهة ارتفاع سعر هذه المادة التي يتزودون بها من الأسواق السوداء .
فيما نفى محمد سعيد ارتفاع سعر رغيف الخبز في منطقته بشارع تعز، مؤكدا انه لا يزال بعشرة ريالات ولكن حجمه تقلص كثيرا وأصبح القرصان بحجم قرص من السابق .
فيما انقطعت خدمة المياه العمومية عن كثير من الأحياء والمنازل , في الوقت الذي ارتفعت فيه قيمة وايتات الماء إلى خمسة أضعاف سعرها المعتاد بسبب اعتماد هذه الوايتات على مادة الديزل .
 وانتشرت ظاهرة تجول النساء والأطفال في الشوارع وهم يحملون دبات لتعبئة المياه من الأماكن العمومية أو المساجد أو محطات المياه المختلفة .
وأشار علي الرداعي صاحب احد وايتات الماء بان سعر الوايت الصغير بلغ ثلاثة آلاف ريال بعد أن كان لا يتجاوز الألف ريال، أما المتوسط فقد بلغ خمسة آلاف ريال والحجم الكبير وصل إلى الثمانية والعشرة آلاف ريال، عازيا ذلك لأنهم يشترون دبة الديزل بأربعة آلاف ريال بعد البحث المضني عليه .

كما أكد عدد آخر من المواطنين ارتفاع بعض المنتجات الغذائية أو اختفائها من الأسواق بسبب هذه الأزمة وكذلك قطع نقاط الوصول إلى صنعاء
فسالم القاضي أشار إلى اختفاء اللبن والزبادي من الأسواق اليمنية لأنها غالباً تأتي من محافظتي تعز والحديدة وان وجدت فسعرها مرتفع مابين خمسة أو عشرة ريالات .
منوها إلى أن اللبن ومشتقاته يعد وجبة رئيسية لكثير من الأسر اليمنية بسبب الظروف المعيشية الصعبة التي يعيشها المواطنون وخاصة ذوي الدخل المحدود .
فيما ارتفعت بعض الخضروات والفواكه ولكن بنسب ضئيلة نتيجة لقلة الإقبال عليها، لكن في المقابل ارتفعت بعض أسعار المواد الأساسية الدقيق والسكر والأرز وغيرها في الوقت الذي يعلن فيه كبار التجار عن عدم رفعهم لأسعار هذه المواد ولكن يتم رفعها من قبل أصحاب البقالات وبعض مراكز التسوق المختلفة، معللين السبب بمواجهة تكلفة وسائل التبريد والحفظ لسلعهم المختلفة والتي يعتمدون فيها على مادة الديزل في تشغيل مولدات الكهرباء الخاصة بسبب انقطاع الكهرباء لفترات طويلة .
وعلى نفس الصياغ ارتفعت أسعار الأطعمة والمأكولات المختلفة في عدد كبير من المطاعم بسبب ارتفاع أسعار مادتي الغاز والديزل الذي أصبح مهما لتشغيل المولدات الكهربائية الخاصة في ظل غياب الكهرباء العمومية
                     ( حوثية في السوق السوداء )

أثناء تواجدي في شارع خولان لرصد وتصوير السوق السوداء للمشتقات النفطية، هناك قام احد البلاطجة الذين يسهلون لانتشار هذه الأسواق بمحاولة منعي من التصوير وسحب الكاميرا متهماً باني صحفية حوثية اسعى لخراب البلاد وإثارة القلقلة والفوضى وهددني بسحبي في طقم عسكري إذا لم اسلم الكاميرا وأغادر المكان على الفور وإصراره على النظر إلى بطاقتي الصحفية واخذ بياناتي في الوقت الذي رفض فيه التعريف بنفسه والجهة التي يتبعها ووقوف رجل عسكري قريب منه دون التدخل لمنعه من الاعتداء علي، بعدها تدخل بعض المواطنين لمنعه من توقيفي أو محاولة اعتقالي وانتهازي لتلك اللحظة في مغادرة الساحة بكاميرتي وصوري على الفور .
فهل أصبح نقل ما يحدث من استغلال لظروف المواطنين والفساد المستشري في شتى مناحي الحياة والتي تمس قوت المواطن وحقوقه عملاً حوثياً؟.
وهل صار نقل الأحداث التي تجري في اليمن يمس بمصلحة الوطن ومن يقوم به هو من أتباع اللقاء المشترك الذين لا يريدون إلا خراب البلد ؟.
هذه تهم حرص أنصار النظام على ترويجها ضد الصحفيين خلال هذه الفترة، خصوصاً بعد تأكيد هذه التهم من قبل الرئيس صالح الذي يؤكد في مختلف أقواله إن ما يحدث في اليمن هو من أعمال الحوثيين وتنظيم القاعدة ومخربي اللقاء المشترك وترويج صحفييهم لهذه الأعمال .



 

تحقيق/ بشرى العامري :
الجمعة 03 يونيو-حزيران 2011
أتى هذا الخبر من صحيفة أخبار اليوم:
https://akhbaralyom.net
رابط الصفحة
https://akhbaralyom.net/news_details.php?sid=40696